يمكن لقطاع الثروة الحيوانية الخاضع للعولمة – إذا أحسنت إدارته – أن يستفيد من الاقتصاد الوطني، وأن يوفر فرصا للعمل، وأن يدخل تقانة جديدة، ويزيد من سلامة الأغذية، ويضيف المزيد إلى تنوع المنتجات الغذائية المتوافرة. ومع ذلك، فإن هناك احتمالا بحدوث تأثير عكسي في شكل الخروج من الأسواق، وزيادة المخاطر، والتأثيرات الخارجية السلبية. ويتمثل التحدي هنا في تشجيع الاقتسام المعقول للفوائد، مع تقليل الأضرار وتشجيع الترويج للأغذية الآمنة ذات الجودة المرتفعة مع تثبيط وضع أي مواصفات/شروط لا مبرر لها في نفس الوقت. فتصنيف المنتجات الحيوانية يعطي مثالا رائعا، فبينما يمكن تطبيق مواصفات مرتفعة للغاية على منتجات أو قطاعات بعينها للأسواق الممتازة، فإن الأمر لا يحتاج إلى ذلك في أجزاء أخرى من قطاع الثروة الحيوانية. ويقترح الجزء التالي إطارا لتيسير المناقشات بين البلدان الأعضاء في المنظمة وتحديد مجالات بناء القدرات.
إطار لموازنة تأثيرات العولمة على أسواق الثروة الحيوانية
32- الإطار مقترح من أجل التحديد الواضح للفوائد والتحديات في الخطوات نحو عولمة قطاع الثروة الحيوانية. وهو يهدف إلى مساعدة الدول الأعضاء على اتخاذ قرارات مدروسة بعناية بشأن نهجهما نحو عولمة هذا القطاع. ومن الواضح أن نهج أي بلد منفرد سوف يعتمد على بعض العوامل مثل اعتماده على التصدير، والمرحلة التي وصلت إليها الاستثمارات الداخلية، والنمو المتوقع للطلب المحلي، والسياسة المتبعة باتجاه الصحة العامة والأمن الغذائي. ويمكن للمنظمة، في داخل إطارها، أن تقدم نماذج وأدوات وأشكال أخرى من المساعدة لتعاون البلدان على الوصول إلى النتائج المرجوة من قطاع الثروة الحيوانية وتحقيق النمو والأهداف الإنمائية للألفية من أجل تخفيض حدة الفقر.
33- والأرجح أن تزيد الطلبات والتعقيدات، لا أن تقل. فعمليات وضع المعايير تتطلب حوارا بين المجتمع الدولي والحكومات الوطنية، وبين القطاعين العام والخاص. وما سنقترحه هنا ليس جديدا تماما، فحيث أن التأثيرات الفردية للعولمة تناقش في الكثير من المنتديات، فإننا سنطرح نهجا منسقا لهذه المشكلة، حتى يمكن مساعدة البلدان على اتخاذ القرارات المناسبة للتعامل معه.
34- والمقترح أن يستخدم إطار من أجل الدراسة المنتظمة لتأثيرات العولمة على أسواق الثروة الحيوانية. وسوف يتكون هذا الإطار من العناصر الخمسة التي تؤثر على الأسواق التي سبق استعراضها في الجزء السابق:
المزايا؛
المعايير وتنفيذها؛
الاستبعاد من الأسواق لاسيما بالنسبة لصغار المنتجين والقائمين بالتجهيز؛
المخاطر؛
العوامل الخارجية السلبية.
ويمكن تقسيم كل عنصر من هذه العناصر الخمسة إلى عدد من المجالات. وفيما يلي قائمة بالعوامل التي يمكن دراستها بالنسبة لكل عنصر، وهي قائمة ليست حصرية. وستناقش الاعتبارات العامة في الاستفادة من هذا الإطار في نهاية الجزء.
المزايا
35- قد تعود فوائد الأسواق الخاضعة للعولمة على هؤلاء الداخلين بصورة مباشرة في سلسلة السوق (المنتجين، والتجار، والقائمين بالتجهيز، وموردي المدخلات، وتجار التجزئة، وغيرهم) ومستهلكو المنتجات الحيوانية، والعاملين في القطاعات المتأثرة بالإنتاج الحيواني مثل السياحة وإنتاج المحاصيل. وقد تظهر فرص جديدة للعمل نتيجة التوسع في الأسواق وتنوعها. وقد تأخذ هذه الفرص شكل زيادة في الدخل، أو وفورات مباشرة في التكاليف، أو تخفيض تكاليف المعاملات، أو عوامل يصعب تحديدها كميا مثل زيادة فرص الاختيار أو الشعور بالأمن. وربما يحدث شعور بالعوامل الإيجابية الخارجية لدى هؤلاء الذين لا يشاركون في سلسلة العولمة، ولكن لديهم فرصة أكبر للحصول على الخدمات التي تشجعها العولمة، أو المستهلكون الذين يستفيدون من نتائج التنافس التي تقلل الأسعار أو تزيد الجودة في الأسواق التي يشترون منها أطعمتهم.
36- والاعتبارات الهامة هنا هي:
استمرارية وانتظام الفوائد، وكذلك قيمتها الإجمالية؛
عدد السكان المستفيدين وتوزيع الفوائد على النقاط المختلفة في السلسلة؛
ما إذا كان الداخلون إلى الأسواق ممن عجزوا عن الوفاء بشروط الدخول إلى الأسواق الموجودة، قد استطاعوا الدخول إلى أسواق العولمة الجديدة؛
مقارنة الدخل بالاستثمارات اللازمة.
المعايير
37- قد تنطبق معايير الصحة الحيوانية، وسلامة الأغذية، ومعايير التقانة والجودة – سواء تلك التي تحددها القواعد الدولية أو تلك التي يتطلبها تجار التجزئة من القطاع الخاص – كلها على سلسلة السوق. ومن بين القضايا المهمة هنا:
تدابير خفض النفقات مثل عمليات تنسيق إصدار الشهادات؛
التركيز على قياس النتائج لا على المدخلات أو الأنشطة، رغم أن ذلك يشكل تحديات جديدة إذ أن المدخلات أسهل قياسا في أغلب الأحيان؛
دراسة التقانات البديلة من أجل تحقيق المعايير المرغوبة؛
أهمية انتقال معايير الجودة إلى الأسواق الخاضعة للعولمة في البلدان النامية8؛
تنفيذ المعايير التي تسمح بالتنمية المنفصلة للصادرات والأسواق المحلية.
الاستبعاد من الأسواق
38- هناك ثلاث ديناميات مختلفة للخروج من الأسواق قد يكون لها أهميتها ولابد من دراستها. فالحاجز الموضوع أمام الدخول إلى أحد الأسواق العالمية قد يحول دون استفادة صغار العاملين من سوق أكثر ربحية. وثانيا، ومع التوابع الخطيرة للفقر، فإن الأسواق التقليدية الأخرى المنكمشة مع نمو أسواق العولمة، قد تسفر عن وضع يخسر فيه هؤلاء الذين لا يستطيعون ولا يرغبون في المشاركة في أسواق العولمة سبل معيشتهم في جميع الأحوال. وثالثا، ومع ظهور قواعد ومعايير جديدة في سلسلة الأسواق التي خضعت بالفعل للعولمة، فإن المشاركين الحاليين قد يضطرون للخروج منها.
39- وقد يكون من أهم التحديات: نقص المعلومات أو التدريب، ونقص رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار في تحسين مرافق الإيواء والنقل، ومعلومات عن الجنسين، إذا كان الدخول إلى الأنشطة التجارية يتحدد بحسب الجنس، وعدم الاستعداد أو عدم القدرة على تحمل مخاطر جديدة. وعند استعراض موضوع الخروج من الأسواق، من المهم:
تقدير عدد السكان المستبعدين من السوق وأسباب استبعادهم؛
تقدير الاحتياجات من الاستثمارات للحد من معدلات الاستبعاد من السوق، مثل الاستثمار في التدريب، والمساعدة في تشكيل تعاونيات أو غيرها من المشروعات الجماعية، وخطط ائتمانية مصممة تصميما جيدا للاستثمار، وتقانات مصممة للاستخدام على نطاق ضيق؛
استعراض احتياجات السياسات، مثل سياسات مكافأ الشركات الكبيرة على مشاركتها مع الشركات الصغيرة، أو المساعدة باستراتيجيات للخروج من الأسواق بالنسبة لهؤلاء الذين يعجزون عن التعامل مع ظروف الأسواق.
واعتمادا على خيارات السياسات، قد نرى انخفاضا في تنوع الأسواق المحلية مع وجود حواجز كبيرة أمام الفقراء في السوق، أو بدلا من ذلك نمو أسواق راقية مربحة تعمل جنبا إلى جنب مع المنتجات العالمية، لتمثل تغييرا في التركيبة، ولكنها تحتفظ بتنوع كبير.
المخاطر
40- ربما كان أهم عامل هنا هو المقارنة بين الزيادة المحتملة في الأرباح نتيجة المشاركة في سلسلة عالمية، مقابل الأخطار التي قد تظهر نتيجة العقود غير المضمونة، أو تقليل التنوع في المؤسسات، أو الاعتماد على مورد ربما عدلت ممارسات الإدارة لديه بحيث تصبح المنتجات التي ينتجها غير صالحة للأسواق الأخرى. وكمثال واحد على ذلك، فإن المزارعين المتعاقدين يستطيعون أن يشكلوا جزءا من سوق متكاملة رأسيا، سواء برؤوس أموال دولية أو محلية. وهناك أمثلة على المعاملة السيئة للغاية لمزارعي وعمال العقود، ولكن هناك بالمثل نماذج على أنهم عندما شكلوا جزءا من سلسلة متكاملة رأسيا حموا أنفسهم من فشل الأسواق.
41- ومن أجل تقدير المخاطر، لابد من:
فهم سلسلة السوق كلها، وعلاقاتها المؤسسية، بما في ذلك أحكام العقود وتنفيذها، والخدمات، والتكاليف، والعقوبات؛
دراسة العوامل التي تسبب المخاطر عند النقاط المختلفة في السلسلة، والتي قد تشمل قوانين العمل القطرية، والعلاقة بين الحكومة والقطاع التجاري، ووجود مجموعات لاستقطاب التأييد أو الدعم، ووجود خطط للتأمين.
العوامل الخارجية
42- العوامل الخارجية التي تؤثر على المشاركين في سلاسل الأسواق الأخرى معقدة بحيث يصعب دراستها لأنها قد تكون دينامية للغاية. وكمثال، فإن التنافس الناجم عن التدفق الزائد من الأسواق الخاضعة للعولمة قد يكون موسميا، أو قد يتأثر بسرعة كبيرة بسبب تغير أذواق المستهلكين. كما أن ظهور الأمراض التي تؤثر على التجارة قلما يمكن التنبؤ به، وإن كان بإمكانه أن يحدث دمارا في وقت قصير، وهو ما يوحي بالحاجة إلى تحليل التصورات وإلى تقدير خلاق للمخاطر.
43- من المعروف جيدا أن الوحدات التجارية الضخمة للثروة الحيوانية يترتب عليها مخلفات كثيرة. ومع ذلك، فإن العوامل البيئية الخارجية في كثير من البلدان سيئة التنظيم وتثير قضية العدالة، إذ أنها تأتي في أغلب الأحيان من أنشطة غير محكومة بنظام من جانب شركات القطاع الخاص الكبيرة، ولكن تأثيرها يقع على الأفراد الفقراء. والحلول موجودة بالفعل، ولكنها قد تتطلب تغييرات حادة في الإدارة ولن تطبق إلا إذا كانت هناك عقوبات مالية شديدة على التلوث. وبالنسبة لإدارة المخلفات الحيوانية، فليس هناك إطار دولي، كما أن الخطوط التوجيهية أكثر شيوعا من القواعد. والمطلوب بإلحاح في هذا المجال هو حوار حول السياسات، حيث أن هناك بالفعل دراسات حالة وأدوات لدعم القرار9. فبإمكان سياسات الحكومات الوطنية أن تؤثر – مثلا- على نقل الوحدات الكبيرة من أماكنها بعيدا عن المدن وبعيدا عن مصادر المياه الرئيسية.
44- وقد نشر الكثير عن العوامل الخارجية بالنسبة للحياة البرية في الحالات التي احتاجت إلى أسواق لدعم الأسواق العالمية. وهنا أيضا كان هناك توثيق جيد للنتائج، ولكن التحدي يتمثل في وضع وتنفيذ سياسات تراعي احتياجات أصحاب الشأن العديدين، ومشكلة إدارة مورد له أهميته القطرية والعالمية في آن واحد.
45- والعوامل الخارجية بالنسبة لصحة الإنسان تكون في أوضح صورها عندما تخلق الأسواق المكثفة والمتداخلة ظروفا لظهور أمراض حيوانية. وهناك أيضا حالات هامة، ولكنها موثقة بصورة أقل، حيث يعيش البشر بالقرب من الحيوانات، الأمر الذي يزيد من تفاقم مشكلات الأمراض البيطرية المعروفة ولكنها تقابل بالتجاهل مثل الطفيليات الداخلية. ومن بين المشكلات الملحة بصورة خاصة في هذا المجال، والتي مازالت تتطلب الاهتمام بها، هيكل الخدمات الحكومية القطرية والإقليمية. فمن ناحية، نجد أن تطوير وتعزيز الهياكل الإقليمية يسمح بمبادرات إقليمية لوفورات النطاق والحجم الكبير (مثل مراقبة الأمراض الحيوانية العابرة للحدود ومتابعتها). ومن ناحية أخرى، فإن لا مركزية الحكومات الوطنية (بما في ذلك الصحة البيطرية، والإنتاج الحيواني، والمعلومات، والتمويل) لإيجاد حلول مناسبة محليا، يعني إدخال الكثير من العوامل في صنع السياسات وتنفيذها.
46- لابد من دراسة التأثيرات على التنوع البيولوجي أيضا، فأحد تأثيرات العولمة هو أنه أصبحممكنا إدخال مواد وراثية، عن طريق استيراد السائل النووي والحيوانات من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية. كما أصبح ممكنا حفظ التنوع البيولوجي عن طريق بنوك الجينات، وإن كان ذلك قلما يحدث في بيئتها الطبيعية.
مقترحات لاستعمال الإطار
47- هناك عدد من المخرجات الرئيسية الواردة في الخطة المتوسطة الأجل 2002-2007 بدأت تعطي بالفعل معلومات ذات صلة بالإطار، وهو ما نستطيع أن نتوقع استمراره في الخطة متوسطة الأجل 2006-200110. ومن المقترح القيام بما يلي:
استعراض وتجميع النصوص والبيانات الموجودة ضمن الإطار المقترح لإعطاء نموذج موجز وشامل لأسواق الثروة الحيوانية الخاضعة للعولمة، وتأثيرات هذه الأسواق؛
استخدام نماذج الثروة الحيوانية المقترحة لتحديد البلدان/المناطق التي يمكن أن تدخل إلى أسواق العولمة الرسمية. والدراسات المنسقة العابرة للبلدان التي تحدد العوامل التي تعوق المشاركة في الأسواق، سوف تشير إلى المستويات اللازمة لتغيير السياسات، أو الاستثمارات اللازمة. وفي هذا الإطار، ستتحرك المنظمة باتجاه اقتراح خطوط توجيهية لصناع السياسات، والجهات المانحة، والمستثمرين، والمنظمات غير الحكومية، وغيرها من أصحاب الشأن المشاركين في وضع برامج للثروة الحيوانية؛
تحديد النماذج الموثقة لنهج زيادة الفوائد وتقليل التأثيرات السلبية؛
توضيح الحاجة إلى إجراء جديد، لاسيما تحديد المجالات التي تحتاج إلى المزيد من المعلومات والتحليلات أو الأدوات التحليلية، وتلك التي بها بالفعل معلومات كافية، مع إعطاء الأولوية للحوار حول السياسات وبناء القدرات؛
تطبيق عناصر الإطار الموصوفة هنا، عند الإشارة إلى تأثيرات العولمة؛
استعراض فائدة الإطار بالنسبة للقطاعات الزراعية الفرعية الأخرى أو المجموعات السلعية.
48- هناك مواد كثيرة لدى المنظمة عن تنمية الأسواق، بعضها من عمل المنظمة السابق، والبعض من عمل الوكالات الشريكة والبعض الآخر من المواد “الرمادية”. ويمثل ذلك مصدرا له قيمته. فمن الممكن تعلم الدروس الخاصة بقطاع الثروة الحيوانية من ممارسات القطاعات الأخرى مثل البستنة ومصايد الأسماك، ومقارنة ممارسات البلدان التي تواجه مشكلات مماثلة.
49- كمبدأ عام، سوف يستخدم التحليل والوصف التاريخي لمعرفة الظروف، ولكن التركيز ينبغي أن يكون على الأفكار العملية لرصد وإدارة التغيير في المستقبل. فالبلدان التي تتعامل مع العولمة تواجه في أغلب الأحيان تحولات سريعة للغاية. وسوف يكون من المهم استعراض وتكرار التحاليل مع نمو الأسواق ومع تعلم المشاركين فيها وتطورهم، وربما لا تتوافر بيانات جيدة للغاية لتيسير التحليل في جميع الأوقات. ولذا لابد أن تتعرض العمليات التحليلية للتكرار والبيانات المحدودة. وسيكون من المهم استخدام مجموعة كبيرة من النهج لاستكشاف التأثير وأخذ عينات من قاعدة عريضة، حتى يمكن تفسير التأثيرات الكمية وغير الكمية، ولمعرفة التأثيرات الخارجية.
50- وسيحتاج الأمر إلى دعم إضافي لإعداد مواد دراسات الحالة في المجالات التي تفتقر إليها، وتجميع المواد المتوافرة، والتوجه نحو بناء القدرات في البلدان النامية. وسوف يكون الهدف هو تحفيز التفكير، وإثارة الأسئلة المناسبة، وإعطاء أمثلة عن الممارسات الفعلية، أكثر مما سيكون على المسائل الإرشادية البحتة.