السلاح لا يكون بديل للسلام
نشرت بواسطة:
كتب / د. عادل عامر
أننا في عالم مثل الغابة، لا احترام فيه إلا للقوي والقوة، والاعتماد على النفس. ومفهوم القوة ليس كله عسكرياً، بل علمياً وتقنياً واقتصادياً. فالاتحاد السوفياتي انهار لأسباب اقتصادية، في وقت كان ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم. تعتقد واشنطن أن الجيوش المزودة بسلاح أمريكى لا تحارب بعضها البعض، وتعتقد أيضا أن حصول الجيوش على أسلحة أمريكية يضمن لها قدرا مناسبا من التأثير المباشر وغير المباشر فى شئون تلك الدول. من هنا يمكن تفهم ما أقدم عليه مجلس الشيوخ الأمريكية قبل ايام قليلة من رفض وقف توريد صفقة أسلحة أمريكية كبيرة لمصر من بينها عشرون طائرة متقدمة من فئة أف 16، وصلت منها أربع طائرات بالفعل للقاهرة يوم الأحد الماضى.
وأيـَّد حصول مصر على الصفقة أغلبية 79 عضوا مقابل رفض 19 عضوا فقط، وهذا على الرغم من الزوبعة التى أثارها عدد محدود من الأعضاء على خلفية نشر تصريحات الرئيس محمد مرسى المناوئة لليهود وللولايات المتحدة. “التجريد من السلاح” أيضا إلى عملية التخفيض المستمر في نفوذ الجيش في دولة ومجتمع معين.
يقلل التسليح الأمريكى لمصر أى فرص لخوض نزاع عسكري مستقبلى ضد إسرائيل. «أن الطائرات الأمريكية لن يتم استخدامها لا ضد الولايات المتحدة، ولا ضد حلفائها، كما أن هذه الطائرات شديدة التعقيد ولا يمكن أن يتم استخدامها دون الصيانة الأمريكية».
«لا يمكن لأى دولة أن توفر ذخيرة وقطع غيار هذه الطائرات، إضافة لأجهزتها الالكترونية، إلا بوجود علاقات شراكة مع المصنع الأمريكى». وهكذا فالأسلحة الأمريكية لمصر لا يمكن استعمالها إلا فى المواجهات العسكرية التى تدعمها أمريكا.
ويأخذ التعاون العسكري بين مصر والولايات المتحدة عدة صور تتمثل فى مبيعات السلاح، ونقل التكنولوجيا العسكرية، والمناورات والتدريبات العسكرية المشتركة وتأتى معظم مبيعات السلاح من خلال المعونات العسكرية السنوية والتى تبلغ نحو 1.3 مليار دولار.
ومنذ 1994 بدأت المناورات العسكرية المشتركة المعروفة باسم «النجم الساطع» بمشاركة قوات مصرية وأمريكية، وقوات دول حليفة بهدف التدريب على العمليات القتالية فى الظروف الصحراوية القاسية فى الشرق الأوسط. وتمنح العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية واشنطن مزايا عسكرية ولوجستيكية شديدة الأهمية مثل استخدام الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور قناة السويس للسفن والبوارج الحربية الأمريكية حتى حال حملها أسلحة نووية.
و”المناطق المجردة من السلاح” هي التي يحظر فيها وجود أي مقاتلين أو أسلحة أو معدات أو مرافق عسكرية والتي لا يجوز أن تنطلق منها أي أعمال أو نشاطات عدوانية تساند أو ترتبط بالعمليات العسكرية، وفق “الأمم المتحدة“.
والمنطقة “منزوعة السلاح” هي منطقة متفق عليها بين أطراف النزاع المسلح، ولا يجوز احتلالها أو استخدامها لأغراض عسكرية من قبل أي طرف في النزاع، حسب موقع “الصليب الأحمر“.
ويمكن إنشاء المناطق منزوعة السلاح بموجب اتفاق شفهي أو كتابي في أوقات السلم أو أثناء النزاع المسلح. وهناك عدة شروط يجب أن تستوفي بـ”المنطقة منزوعة السلاح”، وعلى رأسها إجلاء جميع المقاتلين وكذلك الأسلحة المتنقلة والمعدات العسكرية المتنقلة.
ولا يجوز استخدام المنشآت أو المؤسسات العسكرية الثابتة بشكل عدائي، ويجب عدم ارتكاب أي أعمال عدائية من قبل السلطات أو السكان، وكذلك توقف جميع الأنشطة المرتبطة بالمجهود العسكري.
ومصطلح “نزع السلاح”، كما هو مفهوم بشكل عام (أي تقييد المواد الحربية)، يهدف إلى منع تطور التهديدات العسكرية ضد إسرائيل، بما في ذلك الحرب التقليدية والإرهاب وحرب العصابات، وعبر أراضي السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية المرتقبة، وفق تقرير لـ”مركز القدس للشؤون العامة“.
ما موقف إسرائيل؟
كانت دولة فلسطينية منزوعة السلاح مطلبا إسرائيليا منذ إعلان المبادئ لعام 1993، الذي كان بمثابة الأساس لمعاهدة أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، وفق “مركز القدس للشؤون العامة“.
وكان من المفترض أن يؤدي التوقيع على اتفاقيات أوسلو، عام 1993، إلى قيام دولة فلسطينية “منزوعة السلاح”، الأمر الذي وصل إلى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات.
وفي عام 1993، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو برعاية أميركية ودولية، كأساس يفضي إلى تطبيق حل الدولتين بعد الاتفاق على ما صار يعرف بـ” قضايا الحل النهائي“.
وبموجب اتفاق أوسلو انسحبت إسرائيل جزئيا من مناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتسلمت إدارتها السلطة الفلسطينية بقيادة، ياسر عرفات، الذي عاد إلى الأراضي الفلسطينية.
وفي 10 نوفمبر الجاري، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن إسرائيل “لديها خطة واضحة لما تعمل على تحقيقه من خلال الحرب ضد حماس، مستبعدا “احتلال غزة أو حكمها” أو وقف إطلاق النار في الوقت الحالي“.
وفي مقابلة مع قناة “فوكس نيوز”، قال “أعتقد أنه من الواضح كيف يجب أن يبدو مستقبل غزة.. ستختفي حماس”، مضيفا “عليهم أن يروا (غزة منزوعة السلاح) وخالية من التطرف وإعادة بنائها“. وفي نوفمبر 2009، أكد نتانياهو، أنه سيقبل بدولة فلسطينية “منزوعة السلاح”، طالما أنها لا تمتلك قوة عسكرية وتعترف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، حسبما ذكر موقع “صوت أميركا” وقتها.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، قال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليور حياة، إن سنة 2009 كانت منذ 14 عاما، مضيفا “لقد تغيرت الكثير من الأمور منذ ذلك الحين“.
وتابع:” هذا حقيقي أن نتانياهو تحدث خلال عامي 2009 و2010 عن حل الدولتين بوجود دولة فلسطينية (منزوعة السلاح) لكن هذه ليست سياسة الحكومة“.
واستطرد:” الآن أذكركم أن قطاع غزة كان يفترض أن يكون (منزوع السلاح) لكن الحقيقة أن حماس هربت الأسلحة للقطاع”، مضيفا لذلك فالوضع “ليس نفسه“.
ومن جانبه، يوضح المحلل السياسي الإسرائيلي، شلومو غانور، أن إسرائيل في صدد حرب يجب الانتهاء منها وتحقيق أهدافها قبل الحديث عن “الحلول السياسية“.
ويجب “تفكيك البنية المسلحة والسياسية” لحركة حماس، وعدم اعتبارها “مكون أو شريك” في أي حل سياسي، وفق حديثه لموقع “الحرة“.
أن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي وضعفها توجهاتها، وعدم وضع قواعد سليمة لـ”حسن الجوار”، عوامل تحول دون قيام دولة فلسطينية، وفق اتفاق أوسلو.
وترى إسرائيل أن مصطلح “التجريد من السلاح” يشمل تعريفا أوسع مما هو مقبول أو منصوص عليه عادة في القانون الدولي، لأن المصطلح المشترك لا يأخذ في الاعتبار الطبيعة المتغيرة للنزاعات والتهديدات العسكرية، حسبما يشير “مركز القدس للشؤون العامة“.
وفقا لتعريف إسرائيل، فإن نزع السلاح هو وسيلة لتحقيق غاية مفادها “ألا يتطور أو يؤتي أي تهديد أمني، سواء عسكري أو إرهابي أو يشكل أي تعطيل آخر للحياة اليومية في إسرائيل“.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن نزع السلاح يعني أنه لن يتم إنشاء أي جيش فلسطيني أو قدرات عسكرية يمكن أن تشكل تهديدا.
وهناك احتياطات تضمن التجريد من السلاح وتتعلق بـ”الحفاظ على أطر الشرطة والأمن الداخلي الفلسطينية دون الخصائص العسكرية الواضحة”، والسماح فقط للفلسطينيين بـ”حيازة أسلحة هدفها الأمن الداخلي والشرطة وحدها“.
ويتعلق كذلك بـ”غياب التحالفات العسكرية أو التعاون بين قوات الأمن الفلسطينية والجيوش الأجنبية، وغياب البنى التحتية العسكرية، مثل الصناعات الدفاعية، ومنع تصنيع المكونات ذات الاستخدام المزدوج التي يفترض أنها غير مخصصة للأغراض العسكرية.
ما الموقف الفلسطيني؟
في عام 2018، أكد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أنه يعتقد أن دولة فلسطين المستقبلية يجب أن تكون “منزوعة السلاح”، وفق موقع “تايمز أوف إسرائيل“.
وقال:” أنا أدعم دولة في حدود 1967 بدون جيش.. أريد قوات شرطة غير مسلحة مع هراوات وليس مسدسات، بدلا من الطائرات الحربية والدبابات، أفضل بناء مدارس ومستشفيات وتخصيص الأموال والموارد لمؤسسات اجتماعية”، حسب ما نقله الموقع عن إذاعة “كان” الإسرائيلية.
وفي عام 2014، قال عباس في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، إن الدولة الفلسطينية “لن يكون لها جيشها الخاص، بل قوة شرطة فقط“.
وأضاف: “ستكون منزوعة السلاح، هل تعتقد أن لدينا أي وهم بأنه يمكننا الحصول على أي أمن إذا لم يشعر الإسرائيليون بأن لديهم الأمن؟“.
وفي عام 2013، أشار تقرير لصحيفة “هآرتس” إلى قول عباس إن الدولة الفلسطينية ستكون “منزوعة السلاح“.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، أن السلطة الفلسطينية تقبل بوجود “دولة منزوعة السلاح تعيش بسلام مع إسرائيل، بما يتناسب مع الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية وقبلت السلطة الفلسطينية بوجود “دولة منزوعة السلاح” في عامي 2014، و2017، وذلك في تعديل للمبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في “قمة بيروت” عام 2002، عندما كان حينها وليا للعهد، وفق الرقب.
هل يمكن تطبيق المقترح؟
في حديثه لموقع “الحرة”، يشير خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، إلى أن “الدول ذات السيادة” يمكنها “إعلان الحرب والسلام”، كأحد حقوقها السيادية.
وحسب القانون الدولي فمن حق الدولة ذات السيادة “إعلان الحرب، وإبرام معاهدات السلام”، ومن هنا يبرز أهمية وجود “الجيش حتى إن كان خفيف التسليح”، لحماية الدولة وصون حقوقها والزود عن حدودها ، “.فإن هناك دول وأقاليم داخل دول “منزوعة السلاح”، وقد تشرف عليها قوات تابعة للأمم المتحدة أو متعددة الجنسيات، لكن ذلك النموذج “صعب التطبيق” بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
أن مقترح السيسي يتعلق بـ”الأمر الواقع”، بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على الثلث الشمالي من قطاع غزة. لكنه يستبعد إمكانية تطبيق المقترح على أرض الواقع لأن “إسرائيل سوف ترفض” وجود قوات متعددة الجنسيات سواء من الناتو “حلف شمال الأطلسي” أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية.
أن مقترح إنشاء دولة فلسطينية “منزوعة السلاح” غير قابل للتنفيذ في الوقت الحالي، لكن إسرائيل قد تقبل بذلك لاحقا بشروط معنية. أن على رأس تلك الشروط أن تكون “دولة الجوار غير معادية للأمن الإسرائيلي”، وأن تمتلك إسرائيل القدرات على الدفاع عن نفسها. فيجب “انتزاع قدرات الدولة الفلسطينية على أن تشكل مصدر قلق وتهديد لإسرائيل”، وطالما هناك حماس موجودة في غزة “فلا يمكن التسليم لذلك“.ضرورة التمهيد لمثل هذه الحلول بـ”انتزاع القدرات الإرهابية لمثل هؤلاء الشركاء”، على حد تعبيره. لكن على جانب آخر، يرى الرقب أن المقترح “قابل للتطبيق”، في ظل الموافقة الفلسطينية وفي حال قبول إسرائيل. فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية أو حتى المعارضة في إسرائيل “لن تقبل بوجود دولة فلسطينية مستقلة حتى لو كانت منزوعة السلاح“.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية، وبلغت حصيلة القتلى في غزة 14854 قتيلا، بينهم 6150 طفلا وأكثر من 4 آلاف امرأة، فضلا عن إصابة نحو 36 ألف شخص، فيما بلغ عدد المفقودين قرابة 7 آلاف مفقود، بحسب السلطات التابعة لحماس.
2024-01-08