قراءتنا في الانتخابات الرئاسية
نشرت بواسطة:
كتب / د. عادل عامر
إن نسبة المشاركة سترتبط بمدى الإيمان بأن المشاركة في الانتخابات هي حق كفله الدستور للمواطنين ولكنها أيضًا واجب، إذ تنص المادة 87 من الدستور المصري على أن “مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب في حالات محددة يبينها القانون”.
وأن أهمية المشاركة في الانتخابات المقبلة تنطلق من منظور الواجب بأكثر مما تنطلق من منظور الحق، بما يجعل من المشاركة في تلك الانتخابات في ظل الظروف السابق الإشارة إليها فرض عين، وليس فرض كفاية يسقط بقيام البعض بممارسته. لذلك أتت نتيجة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2023 هي الأعلى في تاريخ مصر من حيث العدد والتصويت واقل نسبة أصوات باطلة الشعب المصري وجه رسائل مهمة بالحضور الكثيف، وغير المسبوق أمام صناديق الانتخابات الرئاسية، ثقة في الدولة، وأملا في المستقبل والقدرة على مواجهة التحديات بوحدة وتنوع، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، بحسب ما أعلنت الهيئة، 66,8% ووصفتها بأنها “الأعلى في تاريخ مصر”.
أن الناس تتحدث الآن عن الأحزاب التي شاركت في الانتخابات الرئاسية مثل الوفد، والمصري الديمقراطي، والشعب الجمهوري، ومستقبل وطن وحماة وطن بينما الأحزاب التي قاطعت الانتخابات يجب أن تعترف أنها أخطأت.
وجاءت الانتخابات وسط أجواء إقليمية شديدة التعقيد، بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، والذى يستقطب الاهتمام من قبل المصريين رسميا وشعبيا، فضلا عن أن العدوان كان كاشفا عن مخططات ومحاولات معقدة، بجانب أنه كشف عن حجم التحديات التى واجهتها الدولة طوال أكثر من عقد، وهى تحديات يعرفها المصريون ويدركون خطورتها، وتمثل إحدى دوائر التهديد والخطر،
والتى تستدعى تعاملا دقيقا بجانب العمل فى كل الملفات المتشابكة، وساهمت فى هذا الحضور، مع رهان على امتلاك القدرة على مواجهة التحديات الحالية والقادمة، بنفس القدرة على التعامل باحترافية مع الملف المتعلق بالأمن القومى
الانتخابات الرئاسية، بمشاركة عشرات الملايين من المصريين، تمثل شرعية للرئيس وترتب مهام على الدولة والحكومة والمجالس النيابية والمجتمع الأهلى، وتضع الرئيس ومؤسسات الدولة أمام مسؤوليات كبيرة فيما يتعلق بالملفات الخارجية والإقليمية والأمن القومى، وأيضا الملفات الداخلية فيما يتعلق بالاقتصاد والمجتمع والمجال السياسى، والسعى لأفضل طرق الإنفاق والتدبير،
وخلق فرص عمل والتوسع فى الصناعة، والزراعة، بعد وضع بنية أساسية قوية وممرات تنمية يمكن أن تستقطب استثمارات وتضاعف من قدرة الاقتصاد على توليد القيمة، وقد تكون البداية فى طمأنة المجتمع تجاه المستقبل القريب فيما يتعلق بالأسعار وضبط السوق، ومواجهة الاحتكارات، ومضاعفة الرقابة وأدوات تنظيم اقتصاد السوق فيما يتعلق بتوازن السوق والأسعار.
خلال السباق الانتخابى كان هناك 3 مرشحين رؤساء أحزاب، هم حازم عمر عن حزب الشعب الجمهورى، وفريد زهران عن الحزب الديمقراطى الاجتماعى، وعبدالسند يمامة عن حزب الوفد، وتحرك المرشحون وترددت أسماء الأحزاب، بل والمرشحون، فى مؤتمرات أو فعاليات ولقاءات بالإعلام، بجانب أحزاب أخرى تعتبر حديثة لكنها أصبحت معروفة فى الشارع، ولعل هذا الحراك الحزبى يمكن أن يستمر ويتزايد ليخلق استقطابا، وربما على الأحزاب أن تسعى للعمل وتعديل صورتها وأدائها، فنحن أمام أكثر من 100 حزب، بعضها مجهول،
والبعض الآخر متشابه، مع تحالفات انتخابية أو سياسية، وكل هذا الواقع يتطلب تحركا من الأحزاب الجادة لاستقطاب عضويات وشباب، خاصة أن نسبة الشباب الذين صوتوا فى الانتخابات الرئاسية كبيرة، ويمثل هؤلاء قاعدة للعمل العام، سواء العمل السياسى فى الأحزاب، أو العمل الأهلى فى الجمعيات والمجتمع المدنى، الذى يفترض أن يمثل الجناح الآخر فى العمل العام،
ومن الضرورى أن تكون هناك حياة سياسية تستقطب الشباب، وتنظم طاقاتهم. العنصر الآخر الظاهر فى الانتخابات كان المجتمع الأهلى والمدني والمتطوعون، سواء فى التحالف الوطنى للعمل الأهلى، أو مؤسسة حياة كريمة، وكلاهما ساهما فى التوعية بالانتخابات والمشاركة، وظهر الآلاف من الشباب المتطوع الذى لعب دورا مهما فى الاستعداد للانتخابات، وهذه المنظمات تمثل معينا للعمل العام، خاصة مع انتظار مرحلة تتضمن توسيعا للمجال العام والعمل العام، سياسيا وأهلية، وبجانب الأحزاب والتيارات السياسية،
فإن الجمعيات الأهلية والمدنية تمثل رافدا مهما للكوادر في العمل التطوعي والعام، وخلال شهور قليلة أصبح التحالف الوطني للعمل الأهلي مؤسسة كبيرة، تستقطب المنظمات والجمعيات الأهلية وتركز توجيه العمل الأهلي بشكل منهجي يتماشى مع النمو السكاني، ومع عصر المعلومات فهو يهدف ببساطة إلى تنسيق جهود الجمعيات الأهلية والخيرية، بما يضاعف من قدرتها على تقديم خدماتها في كل المحافظات، ويصل إلى المحافظات البعيدة التي عانت من التجاهل على مدى عقود.
وبالتالي فإن الانتخابات تفتح مجالا للأحزاب والجمعيات لإعادة تنظيم نفسها، وتعطى فرصة أكثر للمشاركة من قبل الشباب والمرأة والفئات المختلفة، استعدادا للمشاركة في العمل العام بما يناسب الحال ما بعد انتخابات الرئاسة، لمن يريد ويرى أن هناك تغييرا في الشكل والمضمون يشجع على العمل السياسي، أو الأهلي، بصورة أكبر تتناسب مع حجم السكان، ومع مطالب الجمهور.
وتعد الانتخابات الرئاسية 2024، خامس انتخابات تعددية بين أكثر من مرشح منذ عام 2005 وحتى الآن وثالث انتخابات تنافسية وتعددية بعد ثورة 30 يونيو 2013، والتي يحق لـ67 مليون مواطن التصويت فيها. وأجريت الانتخابات الرئاسية، في 11 ألف و631 لجنة فرعية تحت إشراف قضائي كامل بلغ نحو 15 ألف قاض.
استطاعت المرأة المصرية بالخارج إثبات حضورها القوي أيضاً في لجان الاقتراع أمام القنصليات والسفارات كما استطاعت المرأة المصرية بالخارج إثبات حضورها القوي في لجان الاقتراع أمام القنصليات والسفارات في الخارج. ومن اللافت حضور عدد كبير من كبار السن والشيوخ، الذين حرصوا على التواجد أمام اللجان الانتخابية والمشاركة في العملية الانتخابية، والمساهمة في كتابة تاريخ جديد للدولة المصرية، وخاصة السيدات من كبار السن اللائي حرصن على اصطحاب أحفادهن، رافعات أعلام مصر، وذلك قبل بدء اللجان.
شهدت السنوات الماضية تطبيقًا فعليًا لرؤية الرئيس السيسي في مختلف القطاعات الداخلية والخارجية التي جرى تنفيذها من خلال مؤسسات الدولة، وقد تحقق تقدم ملحوظ في العديد من القطاعات رغم التحديات الإقليمية والعالمية التي ألقت بظلالها على المسار التنموي على غرار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة، ومن المتوقع في حال فوز الرئيس السيسي بولاية رئاسية جديدة استكمال مسار الإصلاح.
كما تعد آلية التعاون الثلاثي بين مصر والأردن والعراق وما يسعى إليه هذا التكتل ورغبة أعضائه في تعزيز التنسيق بينهما وتبني مواقف متقاربة ضمن مظاهر التحرك المصري تجاه تفعيل الدور العربي، ويستند الرئيس في رؤية مصر الخارجية تجاه القضية الفلسطينية إلى ضرورة التوصل إلى تسوية عادلة تقوم على الأسس والمرجعيات الدولية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية تأتي دائمًا على رأس أولويات مصر، وأن إيجاد حل لها سيعيد الاستقرار للمنطقة، والتأكيد على مواصلة الجهود لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكذلك مواصلة مصر لجهودها الحثيثة مع الأطراف الفلسطينية من أجل رأب الصدع وإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية.
2023-12-22