أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا، أنها تلقت طلبات من خمس دول للتحقيق في “جرائم حرب ترتكبها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، في قطاع غزة والضفة الغربية“.وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان اليوم الجمعة، إنه تلقى طلبا من جنوب إفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي، للتحقيق في الأوضاع في الأراضي الفلسطينية. وتجري المحكمة الجنائية الدولية بالفعل تحقيقا مستمرا في الوضع في دولة فلسطين فيما يتعلق بجرائم حرب ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ 13 يونيو 2014.مساءلة مرتكبي جرائم الحرب ليست بالأمر الميسور،
ولكنه الأمر الذي تتسابق الدول والمحاكم لإقراره، الجرائم والقتل الجماعي ضدّ المدنيين الفلسطينيين في غزّة هي الأبشع على الأطلاق، ومحدودية النظام القضائي الدولي والحماية الموفّرة لإسرائيل من طرف قوى عالمية جعلتها في منأى عن المسؤولية، اضمحلّت على إثرها الجهود والمساعي ومحاولات تحريك المتابعات القضائية ضدّ كيان الاحتلال، وبالأخص أمام تدرّع إسرائيل بحق الدفاع لتضرب بذلك عرض الحائط الشرعية والعدالة الدولية
تعتبر المحكمة الجنائية الدولية من أهم الأليات القضائية الجنائية على المستوي الدولي، وعليه سعت دولة فلسطين المحتلة إلى الانضمام إليها عدة مرات. أين كانت أخر محاولة لتقديم طلب الانضمام لدولة فلسطين في عام 2014، حيث كان محل دراسة من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والذي لقي قبول في يناير 2015. وبقبول طلب انضمامها صادقت دولة فلسطين المحتلة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في 04 يناير 2015 والذي دخل حيز النفاذ بالنسبة لها في 01 أبريل 2015 وبهذا أصبحت دولة فلسطين المحتلة تتمتع بحقوق الدولة الطرف وتلتزم بواجباتها.
الحفاظ على البيئة الطبيعية عنصر أساسي لحياة الكائنات الحية بما في ذلك الإنسان، فحماية البيئة الطبيعية تكفل تعزيز الحقوق الأساسية للإنسان، إذ لم يعد يكفي أن يبقى الإنسان حيا، بل أن حق الحياة أكبر وأوسع من أن يختصر ببقاء الإنسان على قيد الحياة، وهذا ما يتنافى مع واقع الانتهاكات الإسرائيلية لأحكام حماية البيئة الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من تلويث مصادر المياه وتدمير لمصانع التغذية والأراضي الزراعية وغيرها من مصادر البيئة الطبيعية التي تضمن بقاء الإنسان الفلسطيني واستمراره،
من ثم تترتب المسؤولية المدنية في مواجهة الكيان الإسرائيلي والمسؤولية الجزائية في مواجهة قادته العسكريين الذين انتهكوا قواعد حماية البيئة الطبيعية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يمكن دفع هذه المسؤولية القانونية بالضرورة العسكرية أو كما يطلق عليها الكيان الإسرائيلي الدواعي الأمنية ولا الاحتجاج بعدم الانضمام للاتفاقيات المتعلقة بحماية البيئة، لأن العيش في بيئة سليمة أهم حق للإنسان لذا يفترض احترامها في جميع الأوقات سواء في زمن السلم وزمن الحرب
لكن توفّر الحيثيات القانونية لإدانة مجرمي الحرب الإسرائيليين غير كافية، في غياب إرادة سياسية عربية ودولية لمحاكمتهم وتحقيق العدالة لضحاياهم. قد يكون من السهل نسبيا البدء بإجراءات في القضاء الدولي ضد القيادات الإسرائيلية العسكرية والسياسية، المتورّطة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكن من الأصعب الاستمرار بها حتى النهاية، وحتى ينال المجرمون عقابهم فعلا، ويقبعوا في السجون مدى الحياة، كما ينص القانون الدولي. ويتطلب تحقيق مثل هذا الأمر تفعيل الوزن السياسي للدول العربية والدول الصديقة، وحشد الضغوط من المجتمع المدني والقوى الديمقراطية في الدول الغربية القوية.
مبدأ الاستكمال: تدّعي إسرائيل بأن لديها قضاءً مستقلاً وقويّاً ونزيهاً وعادلاً، يلغي إمكانية تدخل المحكمة الدولية، وفق مبدأ الاستكمال، الذي ينص على أنّه إذا كانت للقضاء المحلي هذه الصفات وتوفّرت لديه الرغبة والقدرة للتحقيق، تنتفي حاجة استكمال التحقيق دوليا. هذا الموضوع هو محور النقاش الدائر حاليا في الدولة الصهيونية، حيث يدّعي معارضو مشروع التغيير القضائي أن إضعاف القضاء يُفقده مكانته الدولية ويفتح المجال لتفعيل مبدأ الاستكمال. في المقابل يشير المؤيدون إلى أن التغييرات لا علاقة لها بالبعد الجنائي (المرتبط بصلاحيات الجنائية الدولية) وأن من يحاكم الجنود ليست المحكمة العليا، بل المحاكم العسكرية، التي لا يمسّها مشروع التعديلات.
شدّة الخطورة: تعرّف صلاحيات المحكمة الجنائية بأنّها «إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي» وتدعي إسرائيل بأن التهم الموجهة إليها هي أقل خطورة من تهم يمكن توجيهها لدول أخرى، وإذ يبدو للوهلة الأولى أن هذا ادعاء ضعيف، إلّا أن إسرائيل تعمل في الكواليس لاستعماله في الضغط كي لا تكون جرائمها ضمن أولويات المحكمة، وهذا يعني جعل التحقيق يموت موتا بطيئا وصامتا.
إمكانية التفاوض: تدعي الدولة الصهيونية بأن تدخّل المحكمة الدولية يضر بمستقبل «عملية السلام» وحتى لو لم تكن قائمة، فإن مثل هذا التدخل قد يمنع تجديدها مستقبلا. وهي تزعم بأن مقتضيات تحقيق العدالة والسلام تتطلب الامتناع عن التحقيق، خاصة في قضية مثل الاستيطان، التي ستكون ضمن أجندة «المفاوضات» المستقبلية.
نجاعة التحقيق: هذا ادعاء إسرائيلي في منتهى الوقاحة، فقد أعلنت إسرائيل بأنها لن تتعاون مع التحقيق الدولي وستمنع دخول المحققين إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وتبعا لذلك تدعي بأنه لن يكون التحقيق ناجعا، ولا يمكن الحصول على أدلة كافية ووافية لطرحها أمام المحكمة. الدولة الصهيونية هنا مثل الشخص الذي قتل والده ويطلب العون لأنّه يتيم!
مضمون التهم: جهّزت إسرائيل ردودا مفصّلة على التهم الموجهة، أو التي من الممكن أن توجّه، ضدها وضد جنودها وضبّاطها وقياداتها الأمنية والسياسية. وتدّعي في السطر الأخير، أنّ لديها مبررات ومسوّغات «مقبولة» قانونيا وأنّها لم ترتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
تجهز إسرائيل نفسها لمواجهة محتملة مع الجنائية الدولية، لكنّها تقوم أساسا بمحاولات حثيثة لمنع التحقيق بمجمله. وهي تراهن على الدعم الأمريكي والتفهم الأوروبي والتواطؤ العربي. وتراهن أيضا على أن العالم سيبقى مشغولا لسنين طويلة بتداعيات الحرب في أوكرانيا، وما ينجم عنها من أولوية التحقيق ضد روسيا.
وأكثر من هذا كلّه تتوقّع إسرائيل أن تؤدّي الضغوط على السلطة الفلسطينية، التي قد تصل إلى التهديد بتدميرها، إلى تراجعها عن الشكاوى التي قدمتها فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن من المهم الإشارة إلى أنّه إذا حدث ذلك، لا سمح الله، فإن هذا لا يمنع المحكمة من مواصلة التحقيق ولديها الصلاحية الكاملة في ذلك. على الشعب الفلسطيني وعلى الدول العربية مسؤولية كبيرة في التصدّي لهذه الضغوط الإسرائيلية، مهما كان الموقف من السلطة الفلسطينية.
ففى عام 2021، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها بإدراج الأراضى الفلسطينية ضمن اختصاصها القضائى. ما يمهد لفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة فيها؛ من خلال تسمية «المناطق التى احتلتها إسرائيل عام 1967 مثل قطاع غزة، الضفة الغربية، والقدس الشرقية». ومن شأن هكذا قرار، إعطاء الضوء الأخضر لتحرك المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، التى أعلنت عام 2019، عزمها فتح تحقيق بشأن «جرائم حرب» ارتكبت فى الأراضى الفلسطينية عام 2014. فلقد بات بمقدورها ذلك، استجابة لطلب السلطة الفلسطينية، التى انضمت فى العام 2015 إلى المحكمة الجنائية الدولية، بما يخولها دعوة مدعيها العام للتحقيق فى جرائم ارتكبت على أراضيها.
أخيرا، ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن الاتحاد الأوروبى، بدأ منذ عام 2018، وحتى نوفمبر 2019، تخصيص 250 ألف يورو، لتمويل مشروع ملاحقة قضائية للعسكريين الإسرائيليين المتورطين فى انتهاك حقوق الإنسان بالأراضى الفلسطينية المحتلة. وذلك ضمن برنامج ملاحقة، يسمى «ثقافة الإفلات من العقاب فى صفوف قوات الأمن الإسرائيلية». وقد جاء التحرك الأوروبى استجابة لمطلب منظمات حقوقية إسرائيلية، ترفض عزوف سلطات الاحتلال عن إجراء تحقيقات جادة فى انتهاكات جنودها بحق الفلسطينيين. حيث لا يتورع قضاؤها العسكرى عن تبرئة العسكريين المشتبه بارتكابهم انتهاكات أثناء اقتحام منازل الفلسطينيين.
يرى قضاة إسرائيليون فى المحكمة العليا رصيدا قانونيا استراتيجيا لجيشهم، ليس فقط فى وجه الدول الغربية، التى تأبى الاعتراف بسلطة الاحتلال فى الأراضى المحتلة عام 1967، وإنما أيضا فى مواجهة المحكمة الجنائية الدولية ومحاكم عالمية أخرى، تتلقى دعاوى قضائية ضد إسرائيليين بشبهة ارتكابهم جرائم حرب فى تلك الأراضى. حيث يرفض القضاء الدولى، النظر فى قضايا وقعت بدولة، يتولى قضاؤها المحلى التحقيق فيها ومحاكمة مقترفيها. فمن بين الأسس المركزية، التى يستند إليها القضاء الدولى والمحكمة الجنائية الدولية، مبدأ «أساس التتام»، الذى ينص على أن تكون الصلاحية القضائية الدولية متممة لنظيرتها الوطنية. ما يعنى أنه طالما اضطلعت الدولة بالتحقيق، ومحاكمة المتهمين، فى إطار عملية قضائية جديرة ومستقلة، فلا ولاية عليها من لدن المحكمة الدولية.
فى المقابل، يرى الفلسطينيون أن المحاكم الإسرائيلية، وفى صدارتها المحكمة العليا، توفر غطاء قانونيا لجرائم الجيش الإسرائيلى. حيث تستنكف عن محاكمة الإسرائيليين الضالعين فى جرائم الحرب بالأراضى المحتلة. وحينما يغدو القضاء تابعا للسلطة التنفيذية، ينبغى التشكيك فى نزاهته والمطالبة بمحاكمات دولية عادلة. ذلك أن التعديلات القضائية المقترحة ستنال من الصورة، التى تروجها إسرائيل لنفسها كدولة ديمقراطية، ما سيقوض ثقة العالم فى الاستقلالية المزعومة لقضائها. الأمر، الذى يتيح للفلسطينيين تقديم شكاوى للمحكمة الجنائية الدولية ضد منفذى الهجمات ومصدرى الأوامر، بتهم ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية. وهو ما سيفاقم ظاهرة رفض الخدمة داخل الجيش والمؤسسات الأمنية فى إسرائيل، مخافة الملاحقة القضائية الدولية.