إسرائيل دولة احتلال ولا حق لها في الدفاع عن النفسأن القانون الدولي اقترن بإطار عمل أوسلو، وتم استغلاله واستخدامه وتسخيره لتحقيق معادلة “الأرض مقابل السلام” في ظل التستر على الاستعمار الإسرائيلي، ومصادرة الأراضي الفلسطينية وضمها للكيان المحتل، وقمع الشعب الفلسطيني، هذا وقد أغفل على وجه التحديد حق العودة لملايين الفلسطينيين المشتتين كلاجئين حول العالم، ووضع الأساس لإطار المعونة الدولية الذي لا يعمل إلا على ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي في كل أنحاء أرض فلسطين وليس في الضفة الغربية فقط، وقطاع غزة كما كان في السابق.
انبثقت عصبة الأمم، شأنها شأن الأمم المتحدة التي تأسست بعد ذلك بخمسة وعشرين عاماً، عن الحرب العالمية، والهدف الرئيسي للأمم المتحدة هو المحافظة على السلم والأمن الدوليين، خاصة أن الحياة دون حرب بمثابة الشرط الدولي الأساسي للرفاهية المادية للبلدان ولتنميتها وتقدمها وللتنفيذ التام لكافة الحقوق والحريات الأساسية التي تنادي بها الأمم المتحدة، وإذ تدرك أن إقامة سلم دائم علي الأرض، في العصر النووي، يمثل الشرط الأولي للمحافظة علي الحضارة الإنسانية وعلي بقاء الجنس البشري، وإذ تسلم بأن ضمان حياة هادئة للشعوب هي الواجب المقدس لكل دولة
في 9 يوليو 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي، هولندا – وهى واحدة من الأجهزة الستة للأمم المتحدة – قرارا تحت رقم 131 يقضى بأن إسرائيل بصفتها دولة احتلال لا يحق لها أن تتذرع بحق الدفاع عن النفس الوارد في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على: ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه.
فالمعلوم أنه منذ عام 1967 بعد حرب الـ6 أيام صنف المجتمع الدولي إسرائيل على أنها دولة مُحتلة لغزة، والضفة الغربية والقدس الشرقية بينما تؤكد إسرائيل أنها أنهت هذا الاحتلال لغزة مع انسحاب مستوطناتها عام 2005 غير أن الواقع يدحض هذا الادعاء، وهو ما يؤكده الأفعال والأحداث على أرض الواقع من اعتداءات متكررة على غزة فضلاً على الحصار الاقتصادي الذى تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ عام 2007 كما تسيطر إسرائيل، على كافة أشكال الحياة للفلسطينيين في غزة، والتي تتمثل في الحصول على الطعام، والدواء، وحتى شبكات الكهرباء، بجانب التحكم بالنقل الجوي في غزة، وعلى الأراضي، والحدود البحرية
وجاء قرار محكمة العدل الدولية بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 14/10 الذى نص على أنه وفقاً للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، أن تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية، عملاً بالمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة، أن تصدر، على وجه السرعة، فتوى بشأن المسألة التالية: ما هي الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار الذى تقوم إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بإقامته في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك في القدس الشرقية وحولها، على النحو المبين في تقرير الأمين العام، وذلك من حيث قواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة؟
وكان قرار محكمة العدل الدولية انه لا يحق لإسرائيل أن تتذرع بحق الدفاع عن النفس، وتتخذ من الإجراءات التي تمثل عقابا جماعيا للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، وقد تلقفت الدوائر العلمية والأكاديمية في الدول الغربية هذه الفتوى القانونية، أو القرار الذى أصدرته محكمة العدل الدولية بالدراسة والتحليل، وقد أعدت دراسات عنه في كليات القانون في الجامعات الكبرى في أوروبا وأمريكا، وللأسف لم ينل نفس الاهتمام في الدوائر الأكاديمية العربية.
أنها يمكن أن تستند إلى حق الدفاع عن النفس ضد الشعب الفلسطيني، فقد قررت المحكمة، نظراً لما تملكه إسرائيل من سيطرة على الأراضي الفلسطينية وأن التهديد المزعوم لها “ينشأ من داخل تلك الأراضي وليس من خارجها”، فإن حق الدفاع عن النفس لا ينطبق، خاصة وأن إسرائيل ليس لديها حدود معترف بها داخل الأمم المتحدة وهى تتعمد عدم تقديم خريطة بحدودها رغم أن ذلك من شروط الانضمام للأمم المتحدة تقديم حدود الدولة.
وانطلاقا من هذا القرار القانوني الصادر من اعلى محكمة في العالم، وهى المحكمة التي تمثل الذراع القانونية للأمم المتحدة كيف يكون التعامل مع التصريحات التي أطلقها جميع رؤساء، ورؤساء وزراء معظم دول أوروبا وأمريكا الشمالية وكرروها لعشرات المرات، والتي اتفقت جميعها في نص واحد أننا ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس،
بل انه تم استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لرفض مشروعين من القرارات تقدمت بهما البرازيل وروسيا تحت مبرر ان هذه المشروعات تحرم إسرائيل من حق الدفاع الشرعي عن النفس الذى تقرره المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة السابق الإشارة اليها. هل هذه التصريحات صدرت عن جهل بهذا المبدأ القانوني الذى يجعل حق الدفاع عن النفس غير قابل للتوظيف من قبل دولة الاحتلال ضد الشعب المحتل؟ أم انهم يعرفون ويظنون ان العرب لا يعرفون، لذلك اتفقوا على ممارسة التضليل والتجهيل؟ أم أن هناك وضعا خاصا لإسرائيل أنها فوق الأمم المتحدة، وفوق محكمة العدل الدولية، ولذلك فإن قرارات الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية لا قيمة لها عندما تتعلق بإسرائيل؟
هذه “مقيدة بأقل قدر من القوة اللازمة لاستعادة النظام وإخضاع العنف” على الرغم من وجود بعض الحالات التي يمكن فيها استخدام “العنف المميت”، إلا أنه يجب أن يكون هذا “آخر ما يمكن أن يلجأ إليه من تدابير”، وبينما يتيح القانون أيضاً استخدام القوة العسكرية في ظروف استثنائية، إلا أنه ينص على “تقييدها بمصلحة السكان المدنيين السلميين”، فإن استخدام إسرائيل للحق الواسع في الدفاع عن النفس يأتي على “حساب حقوق المدنيين غير المقاتلين” بموجب قانون الاحتلال.
لقد انقلب الساسة الغربيون في معظم دول أوروبا بالإضافة الي كل من أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وهم من يدعون انهم ممثلو الحضارة الغربية، وحماة السلم العالمي، والأمن الدولي، وحقوق الأنسان والحريات، والمدافعون عن حقوق الأقليات والنساء، انقلبوا على كل تلك القيم والمبادئ الإنسانية التي خدروا بها العالم لعقود، وتحكموا فيه لقرون، واستذلوه بتسليط هذه المبادئ عليه، وعقاب كل من يفكر في الخروج عليها. هذه القيم والمبادئ والمعايير الدولية تم تجاهلها، بل الانقلاب عليها لان الأمر تعلق بالسيد المهيمن، والطفل والمدلل، والخطيئة الكبرى التي ورطهم فيها هتلر، ومازالوا يطلبون من الآخرين التكفير عنها. وأصبحوا يرفضون حتى مجرد وقف اطلاق النار لأغراض إنسانية، أو فتح ممرات لتقديم المعونات الإنسانية، ويشجعون قطع المياه والكهرباء، والحرمان من الدواء طالما ذلك يحقق أهداف سياسيين فاشلين في الحليف المدلل.
فبموجب القانون الدولي الإنساني، يتم تصنيف النزاعات المسلحة إما إلى دولية أو غير دولية، إلا أن إسرائيل ابتدعت فئة جديدة في عام 2000 ألا وهي “النزاع المسلح دون الحرب” من أجل إطلاق العنان لجيشها لمهاجمة السكان الفلسطينيين المدنيين العـُزل بالمخالفة لفئات القانون الدولي الإنساني الأكثر انطباقاً على النزاعات المسلحة التي تدور حول أربعة مبادئ أساسية وهي : الضرورة العسكرية، والتي تحصر الهجمات بأهداف عسكرية بحتة؛ والتمييز، الذي يسمح فقط باستهداف المقاتلين والأعيان العسكرية بشكل مباشر ويتطلب تمييزهم عن المدنيين والأعيان المادية المدنية؛ والتناسب، الذي يحظر الهجمات التي قد تسبب خسائر غير متناسبة أو مفرطة للمدنيين أو الأعيان المدنية مقارنةً بفائدة الهجوم العسكرية؛ وأخيراً مبدأ الإنسانية، الذي يحظر أي معاناة أو إصابة أو تدمير غير ضروري لتحقيق أهداف عسكرية مشروعة.
وهنا القانون يؤكد أنه ليس لقوات الاحتلال حق الدفاع الشرعي؛ لأنه وفقا للقانون الدولي: لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي، ولا مقاومة لفعل مباح، ومن شروط الدفاع الشرعي ألا يقوم به معتد طبقا للقانون الدولي، ولذلك فإن المقاومة الفلسطينية هي صاحبة الحق في الدفاع الشرعي، كما أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وفصائل المقاومة الفلسطينية كافة، هي حركات تحرر وطني طبقا لـ”اتفاقيات جنيف” عام 1949، والبروتوكولين الإضافيين لهم عام 1977، خاصة أن الكيان الصهيوني اعترف بذلك بأن عقد معهم صفقة تبادل أسرى عدة مرات، وبذلك أصبح معترف به.
يكفى ان يطالع كل من يتابع الجرائم التي ترتكب من مئات الطائرات الحديثة، واحدث المدرعات، والمدافع والبوارج الحربية ضد شعب فقير لا يملك حتى حق صيد السمك في المياه التي يملكها، شعب محاصر، وواقع تحت الاحتلال لثلاثة أرباع القرن، يتم استخدام اكثر الأسلحة فتكا لعقابه لأنه انتخب جماعة دينية متشددة في لحظة تاريخية مضى عليها ما يقارب عشرين سنة، تتحرك اهم وأكبر الأساطيل وحاملات الطائرات لتمكين دولة الاحتلال من إفناء الشعب المحتل، وتطهير الأرض منه مثلما عمل الذين أسسوا الولايات المتحدة وكندا حين طهروا ارض أمريكا الشمالية من عشرات الملايين من السكان الأصليين.
ستكون هذه الأزمة الإنسانية والأخلاقية لحظة تاريخية فارقة بعدها يجب على الساسة الغربيين أن يصمتوا صمتا أبديا، ولا يتشدقوا بصورة انتهازية نفعية بأي من مبادئ حقوق الأنسان، أو الحريات، أو السلم الدولي، أو الأمن العالمي…الخ. لقد أثبتت التجربة أن كل ذلك أدوات سياسية يتم استخدامها عندما تحقق أهدافهم السياسية.
كما أن الاحتلال أصبح جريمة من جرائم الحرب، طبقا للمادة الثامنة والثامنة مكرر الخاصة بجريمة العدوان من “نظام روما الأساسي”، ولكن الحقيقة هنا تؤكد أنه أصبح للعدالة عوار، خاصة أن ما يحدث من الولايات المتحدة الأمريكية الآن، هو تلاعب بالقانون الدولي، لأن الاحتلال قوة احتلال بالأساس، ومن حق المحتلة أرضهم الدفاع عنها طبقا للقانون والمواثيق والأعراف الدولية، وجملة: “حق الدفاع عن نفسها” هي بمثابة حق يراد به باطل، وأمريكا تتلاعب بالقانون الدولي بل والنظام الدولي كله، والقائم على الأمم المتحدة ومجلس الأمن والخمسة الدائمين ولهم حق “الفيتو”، لهو نظام ظالم بالأساس، ومن ثم دعت تركيا لتعديله بإطلاقها مبدأ “العالم أكبر من خمسة”.