الدفاع عن الأوطان والعرض مقصد شرعي    اللقاء الدينى الاسبوعى  مع فضيلة الدكتور اسماعيل المرشدى من علماء الأزهر الشريف

اعداد / اشرف المهندس

حب الاوطان والدفاع عنه من الفطرة التى فطرنا الله عليها فالانسان بطبيعته يعتز بوطنيته ويدافع عنه فهو كالدم يسير فى الأورده وفى كل أجزاء الجسم وكالماء اذا احتاج الانسان وجميع المخلوقات اليه وكالنفس اذا انقطع عن الحلقوم مات الانسان .فالوطن فيه كل الذكريات التى لاتنسى وفيه الاهل والاحباب والاصحاب وفيه كل شئ عشنا سويا سؤاءا كانت هذه الاشياء حلوة او مرة . فلقد قال الغزالى رحمه”البشر يألَفُون أرضَهم ولو كانت قفرًا موحَشًا .. يحنُّ إليه إذا غاب عنه ، ويَغضب له إذا انتقص .هذا الحب عبر عنه النبي في بداية بعثته حين قال له ورقة بن نوفل : ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أَو مُخْرِجِيّ هم ؟ ) قال : نعم وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا .. الراوي : عائشة أم المؤمنين ــ المحدث : البخاري وقوله : ( أو مخرجي هم؟ ) استفهام إنكاري على وجه التألم ، وكأنه استبعد أن يخرجوه من حرم الله دون سبب

فلم يكن ما يقتضي إخراجاً .وفي ليلةِ هجرتِه إلى المدينة ، وعلى مشارف مكّة وقف يودعُ أرضها ويستعيد الذكريات بديار الأهل وموطن الصِبا وبيت الله الحرام قائلا : ( ما أطيبَكِ مِن بلدةٍ وأحَبَّك إليَّ ولولا أنَّ قومي أخرَجوني منكِ ما سكَنْتُ غيرَكِ ) إخوتي في الله .. إن حب المسلم لوطنه وتمني الخير والعمل على تحصيله له من دروس الهجرة النبوية ، وليس من العصبية أن يحب المسلم وطنه لكنه لا يعني التعصب لبلد دون بلد ، أو تقسيم الأمة إلى دول وطوائف متباغضة ، بل يعني : الأخوة والحب والتعاون بين المسلم وجميع المسلمين .. قال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات : 10] وقال صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم ) والقرآن الكريم أباح التعلُّق به والتمسك بأهدابه؛ ففي قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66]، تسوية بين القتل والخروج من الأوطان.وقال تعالى أيضًا: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246]، فجعل القتال ثأرًا للجلاء، وجِلاد الأعداء انتقامًا للتهجير من الديار. فلقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم على عتبه وشيبه ابنى ربيعه حينما اخرجوه من مكة المكرمة فقال اللهم العن عتبة وشيبة وابى ابن خلف كما أخرجونا من مكة فلما لقى النبى مالقوا قال اللهم حببب الينا المدينة كحبنا مكة أو اشد اللهم صححها وبارك لنا فى صاعها ومدها وانقل الى الجحفة حماها .روى ابن الجوزي بسنده عن أبي بكر الهذلي، عن رجال من قومِه: أن أصيلًا الهُذَلي قدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقال: ((يا أصيل، كيف تركت مكة؟))، قال: يا رسول الله، تركتُها وقد ابيضَّت بطحاؤها، واخضرت مسلاتها، يعني: شعابها، وأمشر سلمها، والإمشار: ثمرٌ له حمرة، وأعذق إذخرها، والإعذاق: اجتماع أصوله، وأحجن ثمامها، والإحجان: تعقفه، فقال: ((يا أصيل، دع القلوب تقر، لا تشوقهم إلى مكة)). يقول الجاحظ في رسائله: “ومِن أصدق الشواهد في حب الوطن أن يوسف عليه السلام لَمَّا أدركته الوفاة أوصى أن تحمل رمته إلى موضع مقابر أبيه وجده يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام، ورُوِي لنا أن أهل مصر منعوا أولياء يوسف مِن حمله، فلما بعث الله موسى عليه السلام وأهلَك على يدَيْه فرعون وغيره من الأمم، أمره أن يحمل رمته إلى تربة يعقوب بالشام، وقبره علم بأرض بيت المقدس بقرية تسمى حسامي، وكذلك يعقوب مات بمصر فحملت رمته إلى إيلياء، قرية بيت المقدس، وهناك قبر إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام”؛ نعمة الوطن مِن النعم التي تستحق الشكر من المتنعمين، ومن الآخرين تستوجب الصبر. رغم أننا نُعلي من شأن غريزة حب الأوطان، فإننا نمنعُ أن تكون تلك المحبة مساوية لحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو مؤثرة عليهما على ما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24] أن الإنسان بلا وطن هو كيان بلا روح ، والإنسان بلا وطن جسد بلا إحساس ، فالفاقد للوطن فاقد للأمن والاستقرار، والفاقد للأمن والاستقرار فاقد للاطمئنان ، والوطن بلا أمن واستقرار غابــة يعيش فيــها القـوي ويهان فيها الضعيف ، ونحمد الله على الأمن الذي نعيشه في بلادنا أدام الله أمنها واستقرارها ، فأين المرجفون الإرهابيون من نعمة الأمن التي هم الآن يفتقدونها. قال أحدهم : سمعت أعرابياً يقول : ( إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه ، وتشوقه إلى إخوانه ، وبكاؤه على ما مضى من زمانه ) ، وقيل ثلاث خصال في ثلاث أصناف من الحيوان : الإبل تحن إلى أوطانها ، وإن كان عهدها بها بعيداً، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدباً ، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعاً ، ولما أشتاق النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة محل مولده ومنشئه أنزل الله تعالى عليه قوله ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد) إلى مكة ، وفي الأثر قَدِم أُصيل الغفاري ( بالتصغير ) على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قبل أن يضرب الحجاب ، فقالت له عائشة كيف تركت مكة ؟ قال : أخضرت جنباتها ، وابيضت بطحاؤها وأغدق أذخرها وانتشر سلمها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حسبك يا أصيل لا تحزني ) وفي رواية ( وبها يا أصيل تدع القلوب تقر.

اضف رد

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزير التربية والتعليم يعتمد جداول امتحانات نهاية العام للدبلومات الفنية

كتبت ندي احمد اعتمد محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، جداول امتحانات الدبلومات ...