كتب د/ عادل عامر
الممر الاقتصادي القاري ” من الهند إلى أوروبا، مروراً بإسرائيل والسعودية، والتي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفاؤه أمس السبت، خلال كلمة له على هامش قمة مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات في العالم المنعقدة في العاصمة الهندية نيودلهي. يقضي طريق الحرير الصيني ببناء حزام بري يربط الصين بأوروبا الغربية عبر آسيا الوسطى وروسيا، إضافة إلى طرق بحرية للوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، ويهدف إلى تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. تريد الصين من خلال طريق الحرير تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق، وفتح منافذ جديدة لمنتجاتها.
يُرتقب أن يغير الممر الاقتصادي الجديد وجه التجارة العالمية ولا يمكن الجزم بمدى تأثيره على طريق الحرير الصيني، فقد يعزز من مكانته بدل أن ينافسه، وهذا كله يعتمد على كيفية بناء وتمويل الطريق واستفادة الدول التي يعبر من خلالها اقتصاديا. فالنموذج الصيني لبناء طريق الحرير يعتمد على إقراض الدول وتكدس المديونية، بينما يعتمد الممر الاقتصادي الجديد على نموذج الشراكة التجارية.
أما بالنسبة إلى الدول العربية، فيتوقع أن يكون للممر الاقتصادي الجديد أثر إيجابي على اقتصاداتها يفوق ما يعد به طريق الحرير الصيني، حيث أن جزءا كبيرا من حركة الممر الاقتصادي سيكون عبر المملكة العربية السعودية، وهذا سيمكّن الدول العربية والخليجية المجاورة من توصيل خطوط سكك حديد وتعزيز الإفادة من الجوانب الاقتصادية للممر الذي سيعبر 59 منطقة لوجستية، وسيكون مرتبطا بموانئ المملكة البرية والجوية والبحرية، التي هي في طبيعة الحال، مركز لوجستي إقليمي وعالمي. هذه الميزات قد لا تكون موجودة بشكل أساسي في طريق الحرير الصيني الذي يحاذي الدول العربية ولكن لا يمر عبرها.
على الرغم من الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية لطريق الحرير الصيني، إلا أن هناك بعض الانتقادات للمشروع بأنه قد يعمل على تعزيز نفوذ الشركات الصينية فقط بشكل أساسي، وأن ذلك من شأنه، في الوقت عينه، أن ينصب فخ الديون للدول التي تستفيد من قروض تمنحها المصارف الصينية. وعلى الرغم من أن السعودية تعتبر إحدى أهم الدول المطلة على طريق الحرير، البالغ عددها 65 دولة، وتقع على أهم الممرات البحرية التجارية في العالم، إلا أن المملكة ليست المركز اللوجستي الرئيسي للمشروع الصيني كما هي الحال بالنسبة إلى الممر الاقتصادي الجديد.
كانت إسرائيل تجري اتصالات سرية بشأن الممر القاري الذي سيربط بين إسرائيل والسعودية بالقطار، وتلقت تحديثات حول هذا الموضوع من مستشاري البيت الأبيض“. وادعى نتنياهو أن الولايات المتحدة اتصلت بإسرائيل قبل بضعة أشهر بشأن مشروع من شأنه أن يربط إسرائيل بالسعودية، وفي الواقع تم طرح الفكرة بالفعل في عام 2017 من قبل وزير المواصلات آنذاك يسرائيل كاتس، وقد اعتمدها ترامب وتم توسيعها الآن.
أنه قبل عدة أشهر، تواصلت الولايات المتحدة مع إسرائيل بشأن استغلال هذه الفرصة التاريخية. ومنذ ذلك الحين أجرت اتصالات دبلوماسية نشطة لتحقيق الاختراق الذي نشهده اليوم، ولكن في الواقع ولدت الفكرة قبل ذلك بكثير. حيث كان أول وزير إسرائيلي يقترح ممرًا للسكك الحديدية يربط الشرق الأوسط بالهند وأوروبا هو وزير المواصلات السابق يسرائيل كاتس، في نيسان 2017.
وتحدثت فكرة كاتس “السكك الحديدية من أجل السلام الإقليمي”، عن شبكة من السكك الحديدية التي من شأنها أن تربط إسرائيل والأردن والسعودية ودول الخليج العربي. أن الخطة في الواقع ليس لها علاقة مباشرة بالتطبيع مع إسرائيل. والاتفاق الآن مرهون بالاتفاق الأمريكي السعودي الذي سيستغرق وقتا، لكنه بلا شك مشروع سيساعد إسرائيل كثيرا.
حيث ستأتي جميع البضائع من الشرق إلى حيفا، ومن حيفا ستبحر إلى أوروبا. وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب متحمسة للغاية لخطة كاتس وقررت الترويج لها. وحتى بعد أن تم استبدال الإدارة بإدارة بايدن، احتضنها وقرر توسيعها جغرافيا حتى الهند شرقا.
ولكن ليس فقط من الناحية الجغرافية، بل وأيضاً من حيث المحتوى: ليس فقط السكك الحديدية، بل وأيضاً ممرا للطاقة، والاتصالات، وغير ذلك الكثير. ويطلق عليها الأمريكيون اسم “الممر الاقتصادي” الذي سيربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا.
وتتناسب الفكرة أيضًا مع مشروع “الممر البري” الذي تمت مناقشته بين إسرائيل والولايات المتحدة، وتم الكشف عنه على موقع “يديعوت أحرونوت” في وقت مبكر من شهر يوليو/ تموز الماضي. وهناك أيضًا حديث عن الطرق السريعة التي ستسافر عبرها الشاحنات المحملة بالبضائع شرقاً إلى ميناء حيفا، ويريد الأميركيون أن يضيفوا إلى هذه الرؤية الاقتصادية أيضاً السلطة الفلسطينية، من خلال السكك الحديدية، ولاحقاً ستكون هناك أيضاً حركة للسياح على السكك الحديدية.
ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمشروع، وقال إن “إسرائيل تقع في قلب مشروع دولي غير مسبوق. مشروع سيربط البنية التحتية بين آسيا وأوروبا. وهذا الارتباط سيحقق رؤية طويلة الأمد ستغير وجه العالم، والشرق الأوسط، ووجه إسرائيل، وسيؤثر أيضًا على العالم أجمع.
هذه الرؤية سوف تبدأ من الهند، وتمر عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وتصل إلى أوروبا. إنني أرحب بالإعلان الذي أصدرته اليوم الولايات المتحدة والولايات المتحدة والهند والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا وألمانيا“.
وأوضح أن معنى الإعلان هو “إطلاق مشروع رائد لتطوير ممر اقتصادي، من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا، ويسعدني أن أعلن أن إسرائيل، ستكون تقاطع مركزي في هذا الممر الاقتصادي. وستفتح سككنا الحديدية وموانئنا البحرية بوابة جديدة من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا، وكذلك العودة من أوروبا إلى الهند عبر الأردن والسعودية والإمارات“.
كما يهدف الممر الجديد إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة.
وسيشمل المشروع بناء السكك الحديدية، وتيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود الطاقة النظيفة.
ماذا وراء خطة بايدن الطموحة؟
إن خطة بايدن مصممة في الواقع لكبح جماح النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. وفي نظر الأمريكيين، فإن هذا الممر سوف يحفز التنمية الاقتصادية من خلال الارتباط المشترك والتكامل الاقتصادي عبر قارتين، وبالتالي تطوير النمو الاقتصادي المستدام والشامل.
وجاء في ورقة للبيت الأبيض، أن الولايات المتحدة تهدف من خلال الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، إلى فتح حقبة جديدة من الاتصال عبر السكك الحديدية، المرتبطة عبر الموانئ التي تربط أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
حيث تعتزم وشركاؤها إلى ربط القارتين بالمراكز التجارية وتسهيل تطوير وتصدير الطاقة النظيفة، ومد الكابلات البحرية وربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات لتوسيع الوصول الموثوق إلى الكهرباء، وتمكين ابتكار تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدمة، وربط المجتمعات بإنترنت آمن ومستقر.
صحيح أن السعودية تشكل محورا رئيسا في مشروع الممر الاقتصادي الطموح اقتصاديا وسياسيا، إلا ان البعد الاستراتيجي للمشروع ليس في الضرورة للرد على مشروع طريق الحرير الصيني، وليس لأن الغياب الصيني عن قمة نيودلهي أثر عليها سلبا وأعطى فرصة لمنافسيها.
فبعيدا عن أي خلاف تاريخي على النفوذ، يفترض بالعوامل الاقتصادية للمشروع انها تلغي اي توترات سياسية سابقة، كون الهند تتقدم بخطوات واثقة لمنافسة الصين اقتصاديا، وقد يضع الممر الاقتصادي بكين أمام واقع اقتصادي وسياسي جديد بعيدا من اي محاولات سابقة لانجراف الهند الى تكتلات جيوسياسية تنافسية.