ان تماسك المجتمع و تحقيق الأمن و الاستقرار فيه يعد مطلبا أساسيا لكل مجتمع متحضر بدأت تطفو على المجتمع جرائم غريبة، وهي لابد وأن نؤكد في البداية أنها حالات فردية، ومهما كانت الدوافع لا يجب أن نلتمس الأعذار لهؤلاء المجرمات، إن الاستسلام للانفعالات السلبية الخبيثة، وعدم السيطرة على الغضب؛ والانقياد وراء التراهات والوساوس يورد الإنسان موارد الهلكة وبعد ذلك يحدث ما لا تحمد عقباه، ماذا تفعل هذه الأم بحياتها بعد اليوم؟،
وكيف تنظر لنفسها فضلا عن نظرة المجتمع إليها؟، هناك ظاهرة إجرامية جديدة انتشرت أخيرا بين فئات اجتماعية مختلفة وهى قتل الأمهات.. أصبح شيئا عاديا أن يقتل الابن أمه من أجل زوجته، أو للحصول على الشقة أو لشراء المخدرات أمام كارثة الإدمان.. وكلنا يعلم أن الأم كانت من المقدسات في حياة الأسرة المصرية، وكانت نموذجا للرحمة والمودة والعطاء.. إن الأم كانت من المحرمات في العلاقات الإنسانية،
ولم يكن ذلك في البشر، ولكن في كل مخلوقات الله هناك قدسية للأم: الشجرة تحتضن فروعها والحيوانات تحمى أبناءها والأرض أول من علم الإنسان العطف والحنان وهى تحتضن الجذور وتحميها من الرياح والعواصف.. وفى دنيا البشر الأم هي أول من علم دروس الحب، وهى أول من أعطى بلا مقابل، وهى التي سهرت وتعذبت وتألمت وبكت وعانت..
هل يمكن بعد ذلك أن تمتد يد قاسية وإنسان بلا قلب يذبح شريانا تقاسم الدم مع ابن عاق.. من أين جاءت كل هذه القسوة وأي رغبة مجنونة حركت أشباح الكراهية؟ هل هو حب أخر أم هو المال أم الميراث أم ان الحب لم يعد له مكان في قلوب الناس؟!..
في كل يوم تنشر الصحف جرائم قتل الأمهات وفى زمن يقتل فى الإنسان الرحمة لابد أن نبحث عن الأسباب: هل هو الفقر والحاجة؟ هل هو العقل الغائب فى سحابات الدخان أم هى القسوة التى جعلت الإنسان ينسى صدرا احتواه وقلبا سكنه ويدا احتضنته وسط الرياح والعواصف؟!.. قد نرى جرائم القتل بألوان وصور مختلفة
ولكن قتل الأمهات شيء مختلف، إنه نوع آخر من الجريمة، إنه شيء أبشع، لأنه يعطى صورة كئيبة للحياة والبشر.. ما أحوجنا إلى من يفسر لنا هذه الظواهر المخيفة وكيف أصبحت الحدائق سكنا للأفاعي التي تحمل أسماء البشر.. زمن يقتل الأم زمن فقد إنسانيته وتخلى عن كل مشاعر الرحمة.
قتل والدته، ذبحت طفلها الرضيع، طعن صديقه حتى الموت، كلها جرائم مروعة انتشرت في مصر مؤخرًا، أطلق عليها “ظاهرة القتل السهل”، بعدما شهد المجتمع المصري عشرات الجرائم كان الدافع وراءها أسباب خلافية سفيهة، لا ترقى لحد الانتقام، بالإضافة لانتشار ظاهرة القتل الأسري بشكل مخيف.
فقد شهدت ، جرائم قتل حدثت لأهون الأسباب، كان ضمنها مقتل سائق توكتوك، 26 عامًا، يعمل في منطقة المطرية في القاهرة، على يد عاطل، بعد أن اختلف معه على سعر هاتف محمول كان قد اشتراه السائق، ليدخلا معا في نقاش حاد ثم شجار انتهى بتوجيه العاطل طعنة بمطواة للسائق أودت بحياته، وجريمة أخرى هزت مصر، كانت من نصيب الطالب في الثانوية العامة، محمود البنا، في محافظة المنوفية، جراء طعنات نافذة بالبطن إثر مشاجرة مع بعض زملائه بسبب الدفاع عن فتاة ضد التحرش، فيما عرف باسم “شهيد الشهامة“.
وقبل أيام من وقوع الجريمة، وقعت جريمة أخرى لسبب “تافه” أيضا، حيث أقبل شخص في منطقة العمرانية بالجيزة، على قتل صاحب صالة رياضية، وإصابة شقيقه، بعد اكتشافه أن المكملات الغذائية التي اتباعها من الصالة مغشوشة، وبحسب التحريات، نشبت مشادة كلامية تدخل فيها أهل الطرفين، تطورت لإشهار صاحب الصالة المطواة في وجه القاتل، لكن الأخير حصل عليها ليسدد له طعنة نافذة في الجسم ويصيب شقيق القتيل.
جريمة أخرى حدثت في الجيزة، بعدما شرع سائق توكتوك في قتل سائق حافلة مدرسية تقل أطفالا خلال عودتهم من المدرسة، كان سببها احتكاك الحافلة بالتوكتوك خلال الزحام، ليتحول الأمر إلى شحار بينهما ويصعد سائق التوكتوك الى قائد الحافلة ويسدد له طعنات نافذه في البطن كادت أن تودي بحياته.أما عن حالات القتل الأسرية، فشهد منتصف أكتوبر جريمتان مروعتان، أولاهما إقبال شاب على قتل أبيه السبعيني، في منطقة بولاق الدكرور، ودفنه تحت سريره، في غياب أمه التي كانت في زيارة أخته، وذلك بسبب معاناة القاتل من ضيق الأحوال المادية ومرض ابنته بالسرطان، وعقب ملاحقة أجهزة الأمن له انتحر تحت عجلات قطار إمبابة، حيث تقطن إحدى شقيقاته، أما الجريمة الثانية كانت عثور الأجهزة الأمنية في الإسكندرية على أشلاء جثة فتاة تخلص منها والدها بخنقها ثم تقطيعها والقائها في الطريق العام؛ بسبب الشك في سلوكها.
* أسباب عامة
إن انتشار المخدرات بصورها المختلفة وبالتحديد التخليقية، تعد ضمن أسباب انتشار القتل، لأن العلم لم يكتشف تأثيرها على المخ حتى الآن، وتكمن خطورتها في اختلاف مكوناتها من تاجر لآخر، لذلك فهي يطلع عليها اسم التخليقية، لانها تتسب في تغيب عقل المتعاطي لتجعله يقوم بأي شيء حتى ولو كان القتل.
أنه من ضن أسباب الجريمة، غياب الخطاب الديني الذي يعتمد على تغيير السلوك وليس كثرة المواعظ، أن انتشار العشوائيات تلعب دورًا هامًا في ارتكاب الجريمة.
* ما سبب سهولة الإقبال على القتل؟
سهولة الإقبال على القتل، بأنها تحدث نتيجة كسر الحاجز النفسي واستسهال القتل من جانب الجاني، لان السبب في ذلك في المقام الاول هو انتشار مشاهد العنف في الأعمال الدرامية في التليفزيون والسنيما والسوشيال ميديالانها تنقل للمجتمع خناقات حية، تجعل من السهل على الأشخاص ارتكاب مثلها في المستقبل.أن اعتياد مشاهدة أخبارالقتل وتفاصيلها، يدعم بشكل كبير من ارتكاب الجريمة، ونعتبر “أعرف أنه في العالم يتم حجب تفاصيل الجريمة حتى لا تشجع الناس على ارتكاب مثلها.. لكن وسائل الإعلام أصبحت تنقل كل الجرائم بالتفصيل حتى أن الكثيرين اعتقدوا مصر كلها قاتلة!” .
* لماذا يحدث القتل لأسباب تافهة؟
هناك عواملًا عديدة جعلت بيئة المجتمع غير مؤهلة للعيش فيها، منها بشكل أساسي التلوث، والازدحام، والضوضاء التي تزيد من الغضب والعنف، وكلها عوامل تؤثر على الجهاز العصبي للفرد بشكل متراكم، فلو قارنا بين الجريمة والعنف في الأماكن الخضراء والأماكن الملوثة، سنجد أنها قليلة الانتشار في الأولى عن الثانية، حيث تسبب عوادم السيارات والأصوات العالية، غياب ثقافة التحكم في الغضب، ومن ثم تتمخض الجريمة.
* ما الظروف التي تدفع الآباء والأمهات لقتل أبنائهم؟
أنه في هناك نوعين من الظروف التي تدفع الآباء والأمهات لقتل أبنائهم، النوع الأول يسمي “بالقتل نتيجة حب التملك”، وهو أن يضرب الأب او الأم الطفل بعنف كبير لأنه يظن أنه ملكه وأصبح مسؤولًا منه، ولكن عندما يرى أن الابن قد توفي، يصاب بالصدمة ويقتل نفسه فيما يسمى بـ “الانتحار الممتد”، وهو ما حدث في إحدى الجرائم عندما قتل الأب أسرته لكي يدخلوا الجنة وانتحر بعد الجريمة، وغالبا ما لا يرتبط بالحالة المادية أو الأسباب الاجتماعية.
أما النوع الثاني فسببه اليأس وضعف الإيمان، ويرجع لأسباب متعددة منها الحالة المادية والتربية والنشأة، وغالبا ما يكون مرتكبوه “سيكوباتييون”، أي يعانون من اضطرابات شخصية عنيفة، وليست اضطرابات نفسية_المريض النفسي لا يقع عليه عقوبة جنائية أما المريض بالاضطرابات الشخصية يقع تحت طائلة القانون لانحالات القتل التي نسمع عنها غير منتشرة، لكن يتم تضخيمها من جانب وسائل الإعلام، ونوضح ان المركز القومي للجريمة والبحوث عندما يبحث في تاريخ المجرمين يجده خاليا من القيم ومليء بالاضطرابات الشديدة في الشخصية، لأشخاص ليسوا عاديين أو أسوياء.
* ما الدافع وراء الانتقام بعد القتل؟
إن أفعال الانتقام التي يرتكبها المجرم بعد الجريمة، مثل التشويه ومحو ملامح الجثة، تعني أن الجاني وصل الى مرحلة متقدمة من اضطرابات الشخصية، وهنا يفسر م الفارق بين الاضطرابات النفسية والشخصية فنقول: “الاضطرابات الشخصية جزءا من الاضطرابات النفسية، لكنها تختلف عنها، لأن الشخصية تخضع للمساءلة الجنائية بسبب ارتكاب صاحبها أفعالا انتقامية شديدة الشر، لكن المريض النفسي فلا تقع عليها عقوبة جنائية إذا ارتكب جريمة متوقفة على عوامل مرضية“.
كما أشارت أحدث دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الي أن الغالبية العظمى من الجرائم جرى ارتكابها ليلًا بنسبة 69.1% مقابل 39% نهارا، بينما كان استخدام السلاح الأبيض الأداة الأولى في القتل، فيما كشفت إحصائية صادرة عن نفس المركز، ان 92% من الجرائم الأسرية هي جرائم الشرف، بنسبة 70% من الأزواج ضد زوجاتهم، و20% بين الأشقاء.
* هل يمكن تأهيل القاتل ليعود كما كان؟
“يمكن تأهيل القاتل المريض نفسيًا، لأنه يرتكب الجريمة نتيجة أوهام تصيبه، مثل الشكوك حول الخيانة الزوجية أو أيهامات التعرض للإيذاء من جانب أحد الأشخاص”، للان نسبة القاتلين من المرضى النفسيين لا تزيد عن 1% على مستوى العالم.
لقد كفل المشرع الجنائي المغربي حق الإنسان في الحياة، حيث عاقب بشدة على جريمة القتل العمد في صورتها البسيطة بالسجن المؤبد أو بالإعدام في حالة اقترافها بظرف من ظروف التشديد إلا أن المشرع أخذ بعين الاعتبار بعض الظروف التي قد تدفع الشخص لارتكاب جريمة القتل وذلك تحت تأثير قوى معينة مما يستدعي النظر إلى مسؤولية بعين التخفيف في العقاب وأمام الاختلاف البين في حالات جرائم القتل لم يجد المشرع الجنائي المغربي بدا من تنويع الجزاءات المستحقة وفق ما يقتضيه مبدأ تفريد العقاب.
كما هو الشأن في حالة قتل الأم لطفلها الوليد الذي تعتبر من الحوادث النادرة. ذلك أن عاطفة الأمومة تطغى على النساء بصفة عامة فمن النادر أن تتجرأ أم على قتل وليدها إلا إذا كان لديها سبب أدى بها إلى الإقدام على قتل وليدها
ومن بين الأسباب التي قد تدفع المرأة إلى قتل وليدها ، الضغوط النفسية والاجتماعية والنظرة السيئة للمرأة التي تحمل سفاحا، وما يلحق بها من عار بعد اتضاح ثمرة سفاحها أو بدافع الشفقة أو الرحمة إذا كان الوليد مشوه الخلقة أو لرغبة في قطع علاقتها نهائيا بزوجها الذي طلقها مثلا
وعلى كل حال فقد ارتأى المشرع الجنائي المغربي تخفيف عقوبة الأم التي تقتل وليدها سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة إذ تعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات ( الفصل 397 ق ج ) كما ذهبت بعض التشريعات المقارنة إلى الأخذ بهذا العذر فخففت عقوبة الأم التي تقتل وليدها كما هو الشأن بالنسبة للفصل 551 من قانون العقوبات اللبناني وقانون الجزاء الكويتي ( م 159) وقانون العقوبات العراقي ( م 407) وجانب من الدول الغربية كقانون العقوبات الإيطالي.
غير أن السؤال المطروح في هذا الإطار هو هل تستفيد الأم التي تقتل وليدها لوحدها من هذا العذر؟ وهل تستفيد منه في حالة قتل الوليد غير شرعي أم حتى في حالة قتل الوليد الشرعي؟
بالنسبة للإجابة عن السؤال الأول فإن المشرع الجنائي المغربي نص صراحة من خلال الفصل 397 على استفادة الأم القاتلة لوحدها من هذا العذر المخفف للعقوبة دون استفادة مشاركيها والمساهمين معها في القتل ، وذلك خلافا لقانون العقوبات الإيطالي الذي لم يشترط استفادة الأم لوحدها من هذا العذر بل أي شخص يريد من ارتكابه لهذه الجريمة إنقاذ شرفه أو شرف شخص آخر تربطه به صلة مباشرة كالزوج والأب والأم والأخ والعم والخال أو العمة أو الخالة أو أي شخص آخر تربطه بالأسرة قرابة مباشرة
وعلى خلاف معظم التشريعات فإن قانون العقوبات المصري لم ينص على حكم خاص لقتل الطفل حديث الولادة سواء كان من الأم أيا كان غرضها من القتل أو سواء كان من الأب أو ذوي الأم ولو كان إنقاد للعار
أما بالنسبة للسؤال الثاني فإنه وإن كان من غير المألوف ان تقدم الأم على قتل وليدها الشرعي فإن هذا لا يعني انعدام إمكانية اقتراف هذه الجريمة كما هو حال الأم التي تقتل وليدها المشوه الخلقة غير أن المشرع الجنائي المغربي لم يميز بين الوليد الشرعي وغير الشرعي فقد جاء النص عاما ومن ثم فالأم تستفيد من عذر التخفيف سواء كان الوليد شرعيا أو غير شرعي. وبذلك يكون المشرع الجنائي المغربي قد ساير التشريع الجنائي الفرنسي الذي يقرر هذا العذر سواء كان قتل الأم لوليدها اتقاء للعار أو غيره ومهما كانت البواعث دنيئة على خلاف بعض التشريعات العربية التي تمتع الأم بهذا العذر متى كان القتل انقاد للعار فقط كما هو الشأن بالنسبة لقانون العقوبات السوري الكويتي واللبناني.
* ما الحل؟
في الختام نشدد على ضرورة التوعية ضد المخدرات التخليقية، وتجديد الخطاب الديني بما ينعكس على السلوكيات، بالإضافة تجنب تضخيم الحوادث في الدراما أو الإعلام أو السوشيال ميديا، ولو على الأقل حجب النشر التفصيلي في الجرائم الأسرية، وأخيرا نخلص إلى أن حماية الوليد من القتل في القانون الجنائي المغربي تبقى قاصرة لكون المشرع أخذ بالباعث كعذر قانوني مهما كانت نية المجرم دنيئة. يقصد بالعوامل الداخلية المفسرة للسلوك الإجرامي مجموعة العوامل الفردية المتعلقة بشخص المجرم من الناحية البدنية أو النفسية أو العقلية والتي يكون في توافرها أو توافر أحدها لدى هذا الشخص دورا هاما في تحديد السلوك الإجرامي كما وكيفا.
وأهم هذه العوامل الداخلية أو الفردية والتي اهتمت دراسات علم الإجرام ببيان دورها في مجال الظاهرة الإجرامية وعلاقتها بالإجرام نذكر ما يلي: الوراثة ، والسن ، و الجنس ، والمرض ، والتكوين العضوي والعقلي وإدمان الخمور والمخدرات.
أولا : الوراثة :۔
يقصد بالوراثة انتقال خصائص الأصل إلى الفرع منذ اللحظات الأولى لتكوين الجنين أو انتقال خصائص الأصل إلى الفرع أثناء فترة الحمل ، وإذا كان انتقال بعض الأمراض أو انتقال بعض العوامل المهيئة للإصابة ببعض الأمراض من الأصل إلى الفرع لا يثير مشكلة من الناحية الطبية ، إلا أن الأمر ليس بنفس الصورة من ناحية علم الإجرام ،
فالمشكلة التي تثار في مجال البحث في علم الإجرام تنحصر فيما إذا كان الإجرام أو الاستعداد لارتكاب الجريمة يمكن أن ينتقل من الأصل إلى الفرع ؟
اختلف العلماء حول تحديد الصلة القائمة بين الوراثة والجريمة ،
الاتجاه الأول يرى الإنسان يرث السلوك الإجرامي وذلك هو فحوى نظرية لومبروزو عن المجرم بالميلاد الذي يولد حاملا خصائص تجعله حتما مجرم
أما الاتجاه الثاني يرى أن الصلة بين الوراثة والجريمة لا وجود لها على الإطلاق وان الجريمة ترجع للعوامل البيئية المحيطة بالمجرم.
وقد شاب كلا من الاتجاهين السابقين التطرف في الرأي ، فمن الصعب إغفال دور البيئة المحيطة بالفرد في تكوين شخصيته الإجرامية ، كما أن ما ينتقل بالوراثة ليس خصائص إجرامية معينة وإنما مجرد إمكانات أو اتجاهات قد تولد لدى الفرد – وهذا ليس يقينية – الميل أو الاستعداد لارتكاب الجريمة و ترتيبا على ذلك يرجع العلماء المعاصرون ارتكاب الجريمة إلى مجموعة من العوامل من بينها وراثة بعض الإمكانات التي قد تولد لدى الفرد الاستعداد لارتكاب الجريمة، مع ملاحظة أن تأثير هذه الإمكانات ليس حتمية وإنما تنحصر أهميتها في أنها تشكل أحد العوامل الإجرامية.
ثانيا : السن :۔
يمر الإنسان في حياته بمراحل عمرية عديدة ، وتختلف خصائص الفرد من حيث التكوين البدني والنفسي في كل مرحلة من هذه المراحل العمرية كما أن للبيئة المحيطة بالفرد دور هام في تحديد اتجاهات سلوكه في كل مرحلة عمرية ومن أهم المراحل التي يمكن التعرض لها البيان مدى ارتباطها بالظاهرة الإجرامية كما وكيفأ مرحلة الطفولة ، مرحلة المراهقة ، مرحلة النضوج ومرحلة الشيخوخة.
أ- مرحلة الطفولة:
تمتد هذه المرحلة حتى سن الثانية عشرة ، وتتميز الفترة من التاسعة إلى الثانية عشرة بخطوات نحو الاستقرار النفسي والانتظام في الحياة المدرسية. وخلال هذه المرحلة لا تظهر أفعال إجرامية إلا على سبيل الاستثناء ، ويرجع ذلك للضعف الذي يميز الطفل في هذه السن ، بالإضافة إلى محدودية الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل في هذه السن المتقدمة
ب- مرحلة المراهقة :
تمتد هذه المرحلة من الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة ، وأهم ما يميزها هو نمو البدني والذهني والتغيرات النفسية نتيجة الزيادة في إفرازات الغدد.
وهذه التغيرات البيولوجية، علاوة على ما يصاحبها من اتساع مساحة العلاقات الاجتماعية للحدث وتنوع الوسط البيئي والاجتماعي الذي يتعامل معه الحدث ، تزيد من نسبة ارتكاب الجريمة. هذا من ناحية الكم ، أما من ناحية الكيف فإن جرائم الحدث في هذه المرحلة تدور حول ارتكاب جرائم الأموال وكذلك ارتكاب الجنسية الأخلاقية مثل هتك العرض والاغتصاب.
ج مرحلة النضوج :
تمتد هذه المرحلة المركبة من الثامنة عشرة إلى الخمسين. وداخل هذه المرحلة يمكن التمييز بين ثلاثة مراحل ، الأولى : وتعرف بالنضج المبكر وتمتد من الثامنة عشرة إلى الخامسة والعشرين ، والثانية : وتعرف بالنضج المتوسط وتمتد من الخامسة والعشرين إلى الخامسة والثلاثين ، والثالثة : وتعرف بالنضج الكامل وتمتد من الخامسة والثلاثين إلى الخمسين.
وفي مرحلة النضج المبكر تصل الاضطرابات البيولوجية والنفسية المتصلة بمرحلة المراهقة إلى نهايتها حيث تبدأ مرحلة الشباب. وفي هذه المرحلة يستمر ارتفاع معدل جرائم الأموال وذلك بظهور نوعية جديدة من هذه الجرائم مثل النصب وخيانة الأمانة
وكذلك يلاحظ ارتفاع نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص مثل الضرب والجرح والضرب المفضي إلى الموت وجرائم القتل ، كذلك جرائم القتل الخطأ المرتبط بقيادة السيارات. كما ترتفع نسبة جرائم الفعل الفاضح إلى أعلى معدلاتها.
أما في مرحلة النضج المتوسط ، فإن ملامح الشخصية تقترب من صورتها النهائية حيث يتجه الفرد إلى النشاط والحيوية في عمله لتحقيق الاستقرار المهني والمالي مع شعوره بالحاجة إلى الحياة العاطفية لتحقيق الاستقرار العائلي ويأخذ منحنى الإجرام في بداية الهبوط خلال هذه المرحلة مع استمرار ارتكاب نوعية معينة من الجرائم مثل جرائم النصب والسرقة والقتل الخطأ المرتبط بحوادث الطرق وقيادة السيارات.
أما مرحلة النضج الكامل فهي تتميز بذروة النمو في الإمكانات الذهنية والنفسية ، وكذلك تأخذ الحياة طابع الاستقرار على كافة المستويات المهنية والاجتماعية والعائلية ويلاحظ على هذه المرحلة هبوط نسبة الإجرام بصفة عامة مع ملاحظة أن جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار تبلغ ذروتها في هذه المرحلة خاصة وأن هذه النوعية من الجرائم لا تحتاج إلى مجهود عضلي لارتكابها .
د. مرحلة الشيخوخة
تمتد من سن الخمسين وحتى نهاية العمر، وفي المرحلة يبدأ الضعف من الناحية البدنية والذهنية.ومرحلة الشيخوخة يصاحبها هبوط حاد في معدل الجرائم خاصة تلك التي تحتاج إلى مجهود بدني و عضلي كجرائم الاعتداء على الأشخاص وكذلك جرائم السرقة بإكراه ويستخلص من هذا التقسيم لمراحل العمر أن هناك علاقة بين السن وبين الإجرام حيث لوحظ أن كل مرحلة عمرية تتميز بنوع معين من الإجرام كما أن نسبة الإجرام من حيث الكم تختلف انخفاض وزيادة حسب المرحلة العمرية التي يمر بها الفرد.
ثالثا: الجنس أو النوع :۔
إذا كانت الدراسات التي أجريت عن العلاقة بين الجنس أو النوع وبين الظاهرة الإجرامية قد أثبتت اختلافا واضحا بين إجرام كل من المرأة والرجل سواء من حيث الكم أو الكيف ، ونجد أن هناك اتجاهين أساسيين في تفسير هذا الاختلاف يعتمد الاتجاه الأول على الاختلاف البيولوجي أي الاختلاف في التكوين البدني والنفسي لكل من الرجل والمرأة ، و أن تكوين المرأة بدنية أضعف من تكوين الرجل ، دل ذلك على قلة إقدامها على ارتكاب جرائم العنف ، أو على التجائها إلى وسائل سهلة إذا ما فكرت في ارتكاب هذه النوعية من الجرائم مثل القتل بالسم.
ومن الناحية النفسية فإن التغيرات الفسيولوجية التي تمر بها المرأة في فترات مختلفة من حياتها والمرتبطة في الأصل بطبيعتها كأنثى كالحمل والوضع والرضاعة ، هذه التغيرات تقف وراء ارتكابها نوعية معينة من الجرائم
أما الاتجاه الثاني في تفسير اختلاف إجرام الرجل عن إجرام المرأة يعتمد على طبيعة الظروف الاجتماعية التي يعيش فيها كل منهما. فضالة الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع وعدم خروجها إلى الحياة العامة هو الذي يقلل من فرص ارتكابها للجريمة.
وعليه فإن الفجوة بين إجرام كل من الرجل والمرأة تضيق كلما لعبت المرأة دورا كبيرا في المجتمع وشاركت بصورة إيجابية في نواحي الحياة المختلفة لأن ذلك يجعلها عرضة للاحتكاك بالغير.
وما يمكن أن نستخلصه من استعراض الاتجاهات السابقة في تفسير اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل هو أنه يجب عدم إغفال أي من الاعتبارات أو التفسيرات السابقة ، بل إنه يجب النظر إليها نظرة تكاملية وعدم الاستناد إلى أحد هذه التفسيرات على سبيل الانفراد.
فقد خلص الفقه الحديث إلى أن اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل يرجع في حقيقة الأمر إلى اختلاف التكوين البدني والنفسي لكل منهما وفي نفس الوقت إلى طبيعة الظروف الاجتماعية التي تعيشها المرأة والتي تحدد حجم الدور الذي تلعبه في المجتمع.
الإمراض العضوية والعقلية والنفسية :
1- الإمراض العضوية :
لقد أثبتت التجارب أن الإمراض العضوية لها تأثير كبير في ارتكاب الجريمة، ومن هذه الأمراض مرض السل أثبتت الدراسات أن لهذا المرض أثر على الناحية النفسية للمصاب بحيث تجعل منه شخص متشائم غير قادر على مواجهة المشكلات التي تعترضه مما يحدو به إلى ارتكاب .
كما أن الإصابة ببعض الحميات يمكن أن يتسبب في إحداث بعض الاضطرابات في الإدراك والإرادة ، كاضطراب الذاكرة وشرود الذهن التفكير ، ومن بين الحميات التي يمكن أن تحدث خللا في الجانب الإرادي للشخص مرض التيفويد والحمى الشوكية ، ولعل هذا النوع الأخير هو الأخطر من بينها ، إذ تنال من صفات الشخصية فتغير في انطباعاته و انفعالاته وتنال من القدرة على التحكم في الغرائز والميول. وهكذا يمكن أن يقدم المصاب بها على ارتكاب أشد أنواع الجرائم خطورة كالقتل والعاهات المستديمة والسرقة بالإكراه.وتأتي إصابات الرأس والتهابات في أغشية المخ كأحد العوامل التي قد تقف وراء الظاهرة الإجرامية لما تحدثه هذه الإصابات والالتهابات من تغيرات حادة في الشخصية. وعادة ما تكون هذه الإصابات مرتبطة بخلل أو مرض أصاب الأم في فترة الحمل. ولعل هذا يقف وراء اختلاف السلوك الإجرامي للتوائم المتماثلة رغم وحدة الظروف البيئية
2- الأمراض العقلية :
أما الأمراض العقلية هي كل حالة عقلية أو انفعالية تؤثر على سلوك الفرد فتحول بينه وبين ممارسته لحياته بشكل طبيعي.وقد أثبتت العديد من التجارب بأن العلاقة بين المرض العقلي والإجرام علاقة مباشرة حيث يؤثر المرض العقلي على سلوك المصاب وتصرفاته إثناء مرضه ، مثل مرض الصرع ، وهو عبارة عن اضطراب عقلي يحدث وقد يؤدي بالمصاب إلى ارتكاب جرائم السرقات البسيطة .
3- الأمراض النفسية:
أما الأمراض النفسية هي كل حالة نفسية تؤثر على سلوك الفرد فتحول بينه وبين ممارسته لحياته بشكل طبيعي ، وأهم هذه الأمراض النفسية انفصام الشخصية وهو من اخطر الأمراض النفسية وأكثرها صلة في الإجرام ، كما أنه من أكثر الأمراض انتشارا بين الشباب ومن أهم أعراضه الإهمال بنفسه أو أسرته أو عمله وقد يصل به الأمر إلى التشرد والإجرام.أيضا من الأمراض النفسية مرض الهوس والاكتئاب وهو مرض يحدث اضطرابا في شخصية الفرد ويؤدي إلى تفكك نفسيته مما يحدو به إلى ارتكاب جرائم الإيذاء .
التكوين العضوي والعقلي:
1- التكوين العضوي :
يقصد بالتكوين العضوي مجموعة الخصائص الجسدية أو البدنية الظاهرة التي تميز الشخص منذ ولادته، والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الخصوص يتعلق بما إذا كان لهذه الخصائص الجسدية الظاهرة دور في دفع الشخص إلى ارتكاب الجريمة من عدمه ؟ وعما إذا كان المجرم يمكن تمييزه عن غيره بتوافر مجموعة معينة من الخصائص الجسدية أو البدنية يمكن من خلال ملاحظتها الاستدلال على شخصيته الإجرامية ؟ وفي سبيل البحث عن تفسير لما يمكن أن يوجد من علاقة بين التكوين البدني للفرد وبين ارتكاب الجريمة ظهرت العديد من النظريات. وكان أولى النظريات التي ظهرت في هذا الخصوص تمثلت في الأفكار التي تبناها العالم الإيطالي لومبروزو ، حيث كان من بين أفكاره أن هناك نوع من المجرمين يتميز بخصائص جسدية معينة تجعل بينه وبين الإنسان البدائي الوحشي شبهة كبيرة.وذكر أن من بين هذه الخصائص الجسدية وجود شذوذ في شكل الدماغ والوجه مثل كبر حجم الجمجمة وفرطحة الأنف ، بالإضافة إلى كثافة شعر الصدر ، اتساع في مدى طول الذراعين بالنسبة للبنية ، البطء والخمول اللذين يغلبان على حركة الوظائف الداخلية لأعضائه ، مناعة ضد الأمراض ، عدم التأثر بالجروح وقلة في الإحساس الجلدي بالألم .
وقد وجهت لهذه النظرية العديد من الانتقادات حيث أنها لم تنجح في وضع قانون عام يصلح أساسا لنظرية علمية في تفسير الظاهرة الإجرامية حيث أن ما قد ينسب من خصائص إلى المجرم بطبيعته قد يتوافر لدى غير المجرمين ، وبناء عليه فإن من الصعوبة بمكان أن يتم الربط بطريقة حتمية بين وجود خصائص جسدية معينة وبين ارتكاب الجريمة.
1- التكوين العقلي :
يقصد بالتكوين العقلي مستوى الذكاء لدى الفرد، يرتبط الذكاء بمجموعة من الإمكانيات والقدرات المستقبلة التي تمكن الشخص من انتهاج سلوك معين يتفق ويتلاءم مع ظروف بيئته وما يصادفه من مواقف. وقد عرفه البعض بأنه القدرة الإجمالية والمعقدة للشخص على التصرف لتحقيق غاية معينة والتفكير بطريقة عقلانية وإقامة صلات مفيدة مع الوسط الذي يعيش فيه. ومن بين الإمكانيات أو القدرات التي تكون الذكاء الإدراك الحسي أو الوعي ، وما يشمله من الانتباه وسرعة التذكر ، والتصور والتخيل ، وطريقة التفكير ، والقدرة على التحليل.
ولا شك أن الناس يختلفون فيما بينهم في قدر ما يتمتعون به من ذكاء. فمنهم العباقرة النابغون ، وهم يمثلون الفئة الضئيلة من المجتمع ، ومنهم متوسطي الذكاء وهم الكثرة الغالبة ، ومنهم ضعاف العقول أو قليلو الذكاء وهم الذين يعانون عجزة أو نقص في قدراتهم العقلية يعوقهم عن انتهاج سلوك السبيل الذي يعينهم على التكيف والتلاؤم مع البيئة الخارجية ، وهم كالفئة الأولى عددهم قليل بين الناس.
ويمكن التمييز بين عدة أنواع من الذكاء. فهناك الذكاء العملي والذكاء الفكري والذكاء الفني. ومن هنا يتنوع الأفراد في مهنهم فنجد منهم المفكرون والفنانون ، الذين يتميزون بتفوق في قدرات الذكاء الفكري والفني ، كالتفكير والتذكر والتخيل والتصور ، ونجد منهم الحرفيون أو المهنيون الذين يمكنهم استخدام ذكائهم العملي في الأنشطة المادية بدرجة عالية من المرونة تناسب حاجات المجتمع.
الصلة بين مستوى الذكاء والسلوك الإجرامي:
اختلف الباحثون في مجال الدراسات الإجرامية حول العلاقة بين الضعف أو التخلف العقلي والظاهرة الإجرامية إلى رأيين ، فقد اتجه البعض من التقليديين إلى التقرير بوجود علاقة مطلقة ووثيقة بينهما ، في حين أنكر البعض الآخر من أنصار الاتجاه الحديث وجود مثل هذه العلاقة المطلقة
وعليه لا يكمن القول بوجود رباط مباشر بين مستوى الذكاء والسلوك الإجرامي ، غاية ما هنالك أننا نستطيع أن نقسم الجرائم وفقا المعيار الذكاء ودرجته إلى جرائم الأذكياء وجرائم الأغبياء. ولا يعني
ذلك أن هناك جرائم تكون وقفة على الأذكياء وأخرى مقصورة على الأغبياء ، فالشخص قد يرتكب أية جريمة ، وكل ما هنالك أن الفرد بطبعه يميل إلى ارتكاب الجريمة التي تتناسب مع معدل قدراته وملكاته الذهنية.
ويفترض النوع الأول المكون الجرائم الأذكياء في شخص مرتكبها قدرا عالية من المهارات الذهنية ، كما هو الحال في جرائم النصب وتزوير المحررات وتزيف العملة وجرائم التهريب الجمركي والضريبي.
أما النوع الثاني المتمثل في جرائم الأغبياء فهي التي لا يتطلب في شخص مرتكبها إمكانيات أو قدرات ذهنية خاصة. بل يغلب أن يقدم على ارتكابها أفراد يقل مستوى ذكائهم عن المستوى الذكاء العام. ومن أمثلتها جرائم التسول ، والسب والقذف ، وجرائم الحريق ، وجرائم السرقة والضرب والجرح، والجرائم غير العمدية كالإصابة والقتل الخطأ.
إدمان الخمور والمخدرات
أثبتت الأبحاث التي قام بها العلماء في علم الإجرام أن هناك علاقة قوية بين تعاطي الخمور والمخدرات أو الإدمان عليها وبين ارتكاب الجريمة ، فمن ناحية تدفع الخمور أو المخدرات متناولها أو مدمنها إلى ارتكاب الجريمة نظرا لما تحدثه لديه من إثارة تجعله أكثر جرأة على ارتكاب جريمته
وتناول الخمور والمخدرات أو إدمانها له تأثير مباشر على الشخص من الناحية العقلية والذهنية وكذلك البدنية كما أنهما يؤثران على إرادة الشخص في سيطرته على تصرفاته ، مما يقلل من قدرته على مقاومة دوافع الجريمة، ومما يزيد من فرص ارتكاب الشخص للجريمة توافر الاستعداد الإجرامي لديه ، فيأتي إدمان الخمور والمخدرات فيحرك هذا الاستعداد لدى المدمن خاصة مع ما يصيب هذا الأخير من ضعف بدني ونفسي.
وأغلب الجرائم التي ترتكب تحت تأثير تعاطي الخمور والمخدرات هي جرائم الإيذاء البدني الذي قد يصل إلى حد القتل ، وجرائم السب والقذف الناتجة عن عدم تحكم الفرد في تصرفاته وأقواله ، وكذلك جرائم الاعتداء على الآداب العامة والعرض.