كتب د/ عادل عامر
لا يزال دور الحكومة قائم لزيادة القدرات التنافسية للدول ، إلا أنه في ظل التحرير الاقتصادي يأخذ هذا الدور أشكال غير تقليدية ، فبدلا من التدخل المباشر متمثل في إجراءات الحماية والدعم للأنشطة الإنتاجية ، تحول هذا الدور إلى مساندة غير مباشرة متمثلة في تهيئة بيئة الأعمال التي تحفز إقامة الأعمال في الأسواق المحلية و تبني الدولة لأفضل الممارسات في مجال السياسات الاقتصادية المختلفة . ويُحّلل البحث الحالي دور الحكومة الداعم لتنافسية الاقتصاد المصري
وقد خلص البحث إلى أن الاقتصاد المصري لا يزال بحاجة إلى بذل جهود كبيرة في مجال إصلاح السياسات النقدية والمالية ، وسياسات الاستثمار والتنمية البشرية وغيرها ، وأنه يجب العمل دائما على مقارنة نتائج هذه السياسات بالمنافسين الآخرين.
ويتشكل الدور الحكومي الداعم للتنافسية في توفير بيئات الأعمال المواتية من خلال السياسات – والممارسات – الاقتصادية وأدواتها المختلفة التي تدعم تنافسية الأنشطة الإنتاجية والخدمية: السياسات المالية والنقدية ، وسياسات الاستثمار وتهيئة المناخ الاستثماري، وسياسات تعزيز القدرات التكنولوجية الذاتية، والسياسات التصديرية، سياسات تنمية المهارات البشرية، والسياسات الإصلاحية للأطر التشريعية والمؤسسية، وأساليب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة، وسياسات تحديث البنية الأساسية المادية، تحديث الجهاز الإداري الحكومي، وسياسات نشر وتداول المعلومات.
هذا وتتنافس الحكومات فيما بينها في توفير بيئات الأعمال المواتية من خلال اختياراتها للسياسات والمؤسسات الاقتصادية الداعمة لقدراتها التنافسية والتي تمكنها من بلوغ معدلات نمو اقتصادي مطردة فعلى سبيل المثال نجد أن دور الحكومة قد يظهر في التأثير على شروط عناصر الإنتاج من خلال الإعانات والسياسات تجاه أسواق راس المال والسياسة التعليمية، أو من خلال التأثير
على شروط الطلب المحلى من خلال حجم المشتريات الحكومية والتغير فيها، أو من خلال
قوانين حماية المستهلكين. كذلك فان الحكومة قد تؤثر على خصائص الصناعات المغذية والمكملة من خلال دعم هذه الصناعات ووضع المواصفات القياسية لمنتجاتها، أيضا فان الحكومة من خلال سياساتها وتشريعاتها تؤثر على استراتيجيات المنشآت ودرجة التنافس بينهما سواء من خلال أدواتها متمثلة في تشريعات أسواق راس المال والسياسة الضريبية وقوانين الاحتكار، أو من خلال التأثير على سياسة سعر الصرف وإدارة سوقه.
وجدير بالذكر أن دور الحكومة وسياساتها يمثل عاملا مساعدا في التأثير على محددات xii الميزة التنافسية ولكن هذا الدور قد يخلق آثار إيجابية أو سلبية.
هذا وتسير الميزة التنافسية وفقا لمراحل متعددة، من خلالها تتحول المصادر الأساسية للميزة التنافسية من مصادر متواضعة إلى مصادر أآثر تميزا وفى اتجاه الصناعات مرتفعة الإنتاجية، وآل مرحلة من هذه المراحل تتضمن صناعات وأجزاء لصناعات معينة واستراتيجيات متفاوتة للمنشأة وكذلك سياسات حكومية مختلفة عن المراحل الأخرى للتطور التنافسي.
ومن خلال هذه المراحل نجد أن هناك دور واضح للحكومة ينعكس على مصادر الميزة التنافسية، ولكنه يتغير من مرحلة إلى أخرى، حيث يتدرج من التدخل السافر المباشر إلى تدخل غير مباشر بأدوات جديدة. ففي المرحلة الأولى تقوم الحكومة بتوجيه رأس المال إلى صناعات معينة وتقدم الحماية المؤقتة لتشجيع دخول المنافسين الجدد إلى السوق،
وتقدم الكثير من المساعدات للحصول على التكنولوجيا الأجنبية، وتقوم بتشجيع التصدير، أما في المراحل التالية لا يكون التدخل الحكومي مباشر من خلال تخصيص راس المال والحماية أو الرقابة على التراخيص أو دعم التصدير وباقي الأشكال التداخلية المباشرة، بل تتدخل الحكومة بشكل غير مباشر بهدف تحفيز آلية خلق عناصر الإنتاج الأثر تقدما وتخصصا، وتحسين نوعية الطلب المحلى، وتشجيع تكوين الداخلين الجدد والمنشآت الجديدة ،وكذلك روح التنافس النشط بين المنشآت.
: السياسات المطلوبة لتحسين بيئة الأعمال المصرية
على الرغم من تبنى الحكومة المصرية للعديد من الإصلاحات في مجالات السياسات الاقتصادية وأدواتها المختلفة، إلا انه هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود لتحسين بيئة الأعمال المصرية وذلك على النحو التالي:
-1 السياسة الاستثمارية:
على الرغم من المحاولات الواضحة التي تقوم بها الحكومة المصرية من اجل اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن مناخ الاستثمار في مصر لا يزال يحتاج إلى الكثير من المجهودات، من أهمها تقديم حوافز حقيقية ترتبط بالأهداف المستهدفة –
أهداف توفير فرص العمل وتنمية الصادرات – وتقديم خدمات حقيقية للمستثمر، والمساعدة في دراسات الجدوى، ونشر المنتجات على شبكة الإنترنت ،والاهتمام المكثف بنشاط التسويق والترويج، ورد جزء من تكلفة الاستثمار وإزالة التكاليف الإضافية على المستثمرين، مع الأخذ في الاعتبار وضع المنافسين في مجال جذب الاستثمارات.
وضرورة بذل المزيد من الجهود لدعوة الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه للتصدير وتوفير فرص العمل، وخاصة الشراكات متعددة الجنسيات للاستفادة من شبكات التسويق والإنتاج العالميين التي يتمتع بهما، وتفعيل مفاهيم التعاقد من الباطن Subcontracting، والتزويد الخارجي، Outsourcing.
-2 السياسة المالية: حتى الآن لا يوجد تطور ملموس في سياسات الإصلاح الضريبي، فأسعار الضريبة في مصر أعلى بكثير من بعض الاقتصادات النامية المتنافسة معها على جذب الاستثمارات الأجنبية، لذا هناك حاجة ماسة لاستكمال الإصلاح الضريبي عن طريق خفض معدلات الضرائب على الأرباح الصناعية والتجارية ، وضريبة المبيعات على السلع الاستثمارية، والعمل على تدعيم عوامل تحقيق الثقة بين الممولين ومأموري الضرائب.
أيضا ينبغي تطبيق مفاهيم موازنات الأداء، وخاصة فيما يتعلق بربط الإنفاق بالنتائج المتحققة ، وقياس الأهداف في قطاعات تقديم الخدمات للمواطنين، وقطاعات البنية الأساسية.
-3 السياسة النقدية : حيث يجب تخفيض سعر الخصم، ومن ثم أسعار الفائدة على القروض، تخفيضات إضافية لنسبة الاحتياطي القانوني. والعمل على ضبط سعر الصرف عند مستويات واقعية، وربط الجنيه المصري بسلة عملات من الدولار واليورو والين وليس الدولار فقط لضمان مرونة هذا السعر، والحفاظ على القدرة التنافسية للصادرات مقابل أهم الشركاء التجاريين ، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي.
-4 السياسة التجارية: لا تزال معدلات الحماية الجمركية مرتفعة نسبيا مقارنة بالمتوسط العام للدول النامية، آما يشوب التعريفة الجمركية العديد من التشوهات في هيكلها، وأيضا في مجال تطبيق الإجراءات الجمركية، لذا يجب إصلاح هيكل التعريفة الجمركية وإزالة التشوهات فيه، وكذلك إزالة العوائق التي تقيد التصدير، من خلال تخفيض تكلفة التعامل في الموانئ ، استنادا إلى بنية أساسية تجارية كفئة.
-5 سياسات التعليم : تحتاج نظم التعليم في مصر إلى إعادة نظر في ضوء المتطلبات المهارية لسوق العمل، فنظم التعليم المصرية لا تمكن الخريج المصري من تكوين قدرات تؤهله للتنافس العالمي، بما ينعكس على انخفاض المستوى المهارى للعامل المصري، الأمر الذى يخفض من إنتاجيته، ويقضى على الميزة النسبية لمصر المتمثلة في انخفاض مستوى الأجور بها.
-6 سياسات سوق العمل وتنمية الموارد البشرية : بدأت الحكومة المصرية في صياغة قانون جديد للعمل في مصر، والذى يعتبر مكونا هاما في منظومة سوق العمل في مصر، ومن المأمول أن يقضى على جمود علاقات العمل في مصر لتعظيم الأثر الإيجابي من الميزة النسبية للأيدي العاملة المصرية، بما يعمل على جذب المزيد من الاستثمارات آتية عنصر العمل إلا أن هناك العديد من مكونات سوق العمل لا تزال تحتاج إلى إصلاحات جوهرية، وخاصة فيما يتعلق بتنمية المهارات البشرية من خلال التدريب، فحتى الآن لم تستكمل “خريطة” المهارات البشرية التي يتطلبها سوق العمل، حيث هناك العديد من المهارات التي يطلبها سوق العمل وهى غير متوافرة (صيانة ماكينات الحياكة والتريكو –مهنة التمريض – صيانة المعدات الإلكترونية – وغيرها) وأيضا هناك حاجة ماسة إلى تحسين خدمات التشغيل لكى تقوم بالمقابلة الفعالة، ما بين الطلب والعرض في سوق العمل هذا إلى جانب ترسيخ مفهوم سوق العمل في مصر، بحيث تعمل آليات واقتصاديات السوق.
-7 سياسة تنمية القدرات التكنولوجية الذاتية : ينبغي توفير دعم حكومي لتعميق القدرات التكنولوجية للأنشطة الإنتاجية، سواء من خلال توفير المعلومات التكنولوجية، ودعم أنشطة البحث والتطوير، وإدارة التكنولوجيا على مستوى الصناعة والمنشئات، ويجب اعتبار تعزيز وإدارة القدرات التكنولوجية، بمثابة جزءا أساسيا من استراتيجية تحديث مصر. هذا وعلى الرغم من وجود تشريع لحماية حقوق الملكية الفكرية ، إلا أن هناك حاجة ماسة لتفعيله من خلال جهاز مختص يطبقه، ويعتبر هذا من الأمور الحاسمة لجذب للاستثمارات الأجنبية التي تنفق بشكل آبير على البحث والتطوير.
-8 سياسة مكافحة الممارسات الاحتكارية : يعانى الاقتصاد المصري من العديد من الممارسات الاحتكارية، والتي انعكست في الآونة الأخيرة في وجود العديد من الأزمات في توافر السلع الهامة بأسعار السوق (أزمة حديد التسليح – أزمة السكر والأرز – وغيرها )
الأمر الذى يتطلب ضرورة العمل على ضبط أداء الأسواق المحلية حتى تتسق الأسعار مع تكلفة الإنتاج، وبالإسراع بإصدار وتنفيذ قانون منع الاحتكار وضمان المنافسة وقانون حماية المستهلك.
-9 ترسيخ قيمة العمل في المجتمع المصري : لا تزال معدلات إنتاجية العامل المصري اقل من مثليتها ولا يزال هناك عدم احترام لعنصر الوقت، لذا يجب بذل المزيد من الجهد والعرق لتحسين بيئة الأعمال المصرية، والحصول على المكانة الملائمة لمصر على خريطة المنافسة العالمية.
-10 إجراءات أخرى : هناك إجراءات أخرى من شانها تحسين بيئة الأعمال المصرية، مثل :
– تخفيض الأعباء المالية الإضافية المحملة على الاستثمار والإنتاج ، وخاصة فيما يتعلق
بـ ( الرسوم الإدارية في الجمارك – ثمن الأراضي في المجتمعات الجديدة – تكلفة الكهرباء والمياه – تكلفة المعاملات – وباقي الأعباء الأخرى المؤثرة على تكلفة الإنتاج)
– مواجهة ظاهرة تهريب السلع من المنافذ غير الشرعية.
– تحديث الجهاز الإداري للدولة وجعل الموظف العام خادماً لأفراد المجتمع وليس العكس.
– تحديث النظام التشريعي، وسرعة الفصل في منازعات الاستثمار وقضايا القانون المدني، وتبسيط إجراءات التقاضي.
– القضاء على آفة مظاهر الفساد ، وتبنى ممارسات الشفافية في عملية صنع واتخاذ القرار.
– البدء في خطوات الإصلاح السياسي لدعم المزيد من المشاركة الشعبية الحياة السياسية ، وفى هذا الصدد يشير تقرير التنمية البشرية لعام 2003 ، ان ضعف المشاركة السياسية للمواطنين تعتبر عائقا رئيسيا في طريق التنمية.
خلاصة الأمر، ان بيئة الأعمال المصرية لا تزال بحاجة إلى المزيد من العمل والجهد لتحسين صورتها ، ولتسهيل إقامة الأعمال المحلية والعالمية في السوق المصري ، وفى هذا الصدد ، فان الرسالة التي تود ورقة العمل الحالية توصليها ، تتمثل في ضرورة استخدام
الأطر المرجعية أو المنشارية Benchmarking، لتحسين أداء بيئات الأعمال ، وإجراء المقارنات المستمرة مع المنافسين الإقليميين والعالميين للنتائج المتحصل عليها من تبنى سياسات اقتصادية معينة. فالحكومات تتنافس للحصول على افضل أداء اقتصادي، وتحقيق مستويات معيشة مرتفعة للمواطنين.