كتبت / سناء جوده
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً تناول خلاله دور الرقمنة في تحسين أداء الشركات وتعزيز مرونتها في مواجهة الصدمات، بالإضافة لدور السياسة المالية في تعزيز الرقمنة على مستوى الشركة، ومدى تباين حجم تأثير الصدمات في الشركات الرقمية وغير الرقمية على مبيعات وأرباح الشركات والتوظيف.
وأشار مركز المعلومات إلى أن مرونة الاستجابة للصدمات تُعرف بقدرة النظام (البلد/ أو النظام البيئي/ الصناعي/ أو حتى الشركة الواحدة) على تحمل الصدمات الخارجية وامتصاصها والتكيُّف معها، والتعافي من آثارها في الوقت المناسب وبطريقة فعالة. وتأسيسًا على ذلك، فإنه يوجد بُعدان للمرونة، الأول هو قوة النظام، والثاني هو استعداد النظام للتكيُّف عند مواجهة الصدمة، وترجع التفرقة بين البُعدين إلى أن بعض الأنظمة قد تكون قوية نسبيًّا عند حدوث الصدمات، ولكن قد تواجه صعوبة كبرى في التعافي من آثارها؛ ذلك لأن التعافي يفترض القدرة على التعلم والتكيف والقدرة على التحول. فقد يكون النظام قادرًا على التكيف والتحول، ولكنه قد يفتقر إلى المزيد من القدرات التأسيسية؛ مما يجعله عرضة لتأثيرات الصدمة الأولية، مضيفاً أن الأزمات السابقة أثبتت دور الرقمنة في تعزيز مرونة الشركات في مواجهة الصدمات.
وذكر التحليل أن البنك المركزي الأوروبي قام في عام ٢٠١٨ بإجراء استبيان حول كيفية تأثير التحول الرقمي على مبيعات الشركات وأسعارها وإنتاجيتها وتوظيفها، وقد شمل الاستبيان ٧٤ شركة رائدة، موزعة بالتساوي بين منتجي السلع ومقدمي الخدمات؛ حيث مثَّلت تلك الشركات نحو 3.7% من الإنتاج و1.7% من العمالة في منطقة اليورو، وبشكل عام كان رأي الغالبية العظمى من المشاركين في الاستبيان أن للرقمنة تأثيرًا إيجابيًّا على مبيعات شركاتهم؛ حيث توقع وقتها أكثر من ٥٠٪ من المشاركين أن يؤدي اعتماد التقنيات الرقمية إلى “زيادة طفيفة” في المبيعات خلال السنوات الثلاث التالية، بينما توقع نحو الثلث حدوث “زيادة كبيرة” في المبيعات. وقد تعكس هذه النظرة الإيجابية الحجم النسبي وقوة الشركات التي شملها الاستبيان؛ حيث أوضحت نتائج الاستبيان أن ارتفاع معدل الاستحواذ على التقنيات الرقمية يساعد الشركات في اكتساب حصة كبرى في السوق.
بالإضافة إلى ذلك تلعب الرقمنة دورًا مهمًّا في دراسة وفهم احتياجات العملاء ومن ثَمَّ تساعد الشركات على تقديم خدمات جديدة أو محسّنة وحلول مصممة بمستويات جودة عليا، وهذا بدوره يدعم التحسينات في جودة المنتجات، ومن ناحية أخرى رأى المستجيبون أيضًا أن الرقمنة تزيد من مرونتهم عندما يتعلق الأمر بتحديد الأسعار؛ حيث أفاد ما يقرب من نصف المستجيبين أن اعتماد التقنيات الرقمية قد زاد من قدرة شركاتهم على تعديل الأسعار مقارنة بأسعار منافسيهم.
وأظهر التحليل ما كشفت عنه إحصائيات وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية في الولايات المتحدة من أن ٤٠% من الشركات الصغيرة والمتوسطة لم تتمكن من إعادة الفتح والعمل مرة أخرى بعد التعرض لحالات الطوارئ، وأن ٢٥% من الشركات التي استطاعت العمل بعد حدوث حالة الطوارئ فيها عادة ما تتعرض للفشل خلال عام واحد، وبالإضافة إلى ذلك، قدَّر موقع (Ready.gov) بالولايات المتحدة أن 63% من الشركات ليس لديها استعدادات للتعافي بعد حالات الطوارئ.
وتقوم المنصات الرقمية المتطورة بإجراء تحليلات متقدمة والاتصال عن بُعد، وتوفير الرؤية للشركات للكشف عن نقاط الضعف المحتملة، حتى تتمكن من مواجهة الصدمات والتقليل من التهديدات المفاجئة السريعة وتعزيز استمرارية الأعمال، كما تمنح التكنولوجيا الرقمية القادة بيانات مهمة لمساعدتهم على الاستعداد مسبقًا للأزمات من خلال توقع حالات الطوارئ والعمل على صياغة سيناريوهات التخفيف من حدة الأزمة مقدمًا، وهذا ما يُمكِّن بدوره الشركات من تحديد أولويات الاستجابة وطرق تنفيذ أساليب استجابة أكثر فاعلية للأزمات، وبالتالي تقليل المخاطر على عملياتها الإنتاجية وموظفيها وعملائها.
وذكر التحليل أن التحول الرقمي أصبح استراتيجية رئيسة للمؤسسات لتعزيز المرونة فيها والتكيف والتعافي من آثار الصدمات الخارجية وتحقيق التنمية المستدامة، فقد ساعدت تكنولوجيا التصنيع الرقمي الشركات على تجاوز أزمة كوفيد-19، عن طريق رفع قدرات الشركات على التعلم والابتكار في بيئة سريعة التغير، وهو الأمر الذي أكدته الدراسة الصادرة عن صندوق النقد الدولي خلال عام ٢٠٢٣ بعنوان (Firm-level Digitalization and Resilience to Shocks)، والدراسة الصادرة عن منظمة اليونيدو (United Nations Industrial Development Organization) بعنوان (Industrial Development Report, 2022)، وقد أشارت نتائج كل من الدراستين إلى أن الشركات المتقدمة رقميًّا أقل تأثرًا من الشركات ذات القدرات الرقمية الضعيفة خلال جائحة كوفيد-19؛ حيث انخفضت المبيعات والأرباح فيها بنسبة ضئيلة، في حين أن الشركات ذات القدرات الرقمية الضعيفة قد عانت بشكل أكبر بعد الجائحة، وهو ما جعلها تحتاج إلى وقت أكبر للتعافي بعد الجائحة.
وأشار المركز في تحليله إلى أن العديد من الأوراق البحثية تناولت دور السياسات المالية في تعزيز التحول الرقمي ورقمنة الشركات، كذلك أكدت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي أن تدابير السياسة المالية يمكن أن تلعب دورًا مهمًّا في تسهيل التحول الرقمي للشركات، وذلك من خلال تحفيز الابتكار وتعزيز البحث والتطوير وريادة الأعمال ونقل التكنولوجيا، فعلى سبيل المثال: سيؤدي الاستثمار العام في البنية التحتية الرقمية إلى تحسين إمكانية الوصول الرقمي والمساعدة في التغلب على قيود جانب العرض للتحول الرقمي. فضلًا عن ذلك يمكن أن يتم تقديم حوافز ضريبية للشركات لتعزيز التحول الرقمي للشركات، كذلك يمكن للدعم المالي للتدريب ودعم السيولة للشركات أن يحفزها على استخدام التقنيات الرقمية.
وأبرز التحليل أهم السياسات التي يجب اتباعها من قبل الحكومات لتعزيز التحول الرقمي في المؤسسات وتتمثل في تقديم دعم الاستثمارات العامة في اقتصاد المعرفة وتعزيز الصناعات الرقمية وخدمات الحكومة الرقمية وأمن المعلومات حيث يعد التقدم في هذه المجالات أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز ديناميكية الأعمال والثقة في التقنيات الرقمية، فضلاً عن تعزيز الوصول للتكنولوجيا بتحسين البنية التحتية الرقمية لتسريع وتيرة التحول الرقمي، بالإضافة إلى تقديم حوافز مالية وضريبية لتشجيع الاستثمارات الرقمية في المناطق المحرومة والذي من شأنه أن يوسع الوصول إلى شبكات الاتصالات ويدعم التحول الرقمي، وكذلك توفير تدريب للمؤسسات للتحول الرقمي وتوجيها للتحول الرقمي وتحسين الرؤية الرقمية ومهارات إدارة المؤسسة وموظفيها، وتسريع وتيرة التحول الرقمي في الشركات الصغيرة والمتوسطة عن طريق دعم وتقليل الحواجز التقنية والمالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز البحث والتطوير والتدريب والتدابير التشريعية لحماية أمن البيانات وحماية الخصوصية وتعزيز الرقمنة على مستوى الشركات، وأخيراً إزالة الحواجز أمام الاستثمار الرقمي عبر الحدود، وتسهيل التجارة الإلكترونية.
أما أهم السياسات التي يجب اتباعها من الشركات لتعزيز التحول الرقمي فقد تمثلت في: بناء خطة تحول رقمي تلبي أهداف وخصائص الشركات وفقًا لظروفها الفعلية، بالإضافة إلى استخدام الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وتقنية سلسلة الكتل (blockchain) وإنترنت الأشياء وغيرها من التقنيات الرقمية الناشئة لتعزيز وتحسين الإنتاج والتشغيل والإدارة، وتعميق المشاركة في سلاسل القيمة العالمية وهياكل المعلومات لتعزيز التحول الرقمي إلى مستوى أعمق وبالتالي تعزيز قدرة المؤسسات على مقاومة المخاطر بشكل فعال، وتحسين التطبيق الواسع النطاق للتكنولوجيا الرقمية.
وأشار مركز المعلومات في تحليله إلى بعض ملامح وتداعيات التحول الرقمي في مصر، مشيراً أنه منذ اندلاع جائحة فيروس كوفيد-19 وتداعياته المختلفة على المجتمع بأسره، تغير سلوك وموقف العديد من الأفراد والشركات تجاه تبني التقنيات الرقمية ونشرها والتكيف معها، فقد تبين أن التحول الرقمي يوفر فرصًا كبيرة لمصر من خلال تطوير العديد من القطاعات الاقتصادية، مثل الخدمات المالية، وتجارة التجزئة، والرعاية الصحية، والزراعة، والتصنيع، مع خلق فرص للأفراد والشركات، وتحقيق التنمية الشاملة والنمو الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، قامت الحكومة المصرية باتخاذ العديد من الخطوات لتعزيز التحول الرقمي، والتي ساعدت في ارتفاع معدل نمو قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنحو 16.7% ليبلغ حجم الصادرات الرقمية نحو 4.9 مليارات دولار خلال عام 2022، وقد تمثلت أهم هذه الخطوات في إنشاء مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال (TIEC) لتقديم الخدمات والدعم للشركات الناشئة لإحراز النجاح في المجالات المختلفة والتي من ضمنها: التسويق الرقمي، والإدارة المالية، وتطوير الأعمال، والتسويق، والملكية الفكرية، والشؤون القانونية، بالإضافة إلى إطلاق مبادرة “فرصتنا… رقمية” بهدف تسجيل الشركات الصغيرة والمتوسطة في بياناتها داخل هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات للمساهمة في إنشاء مشروعات التحول الرقمي الخاصة بالجهات الحكومية وتقدم المبادرة تدريبات للعاملين بالشركات الصغيرة والمتوسطة لرفع مهاراتهم في مجال علوم البيانات والذكاء الاصطناعي، فضلاً عم إطلاق استراتيجية مصر الرقمية للخدمات العابرة للحدود (2022- 2026) لمضاعفة عائدات التصدير من خدمات التوريد الرقمية، وتنفيذ الشركات الصغيرة والمتوسطة 15 مشروعًا للتحول الرقمي بتكلفة إجمالية 43.5 مليون جنيه، وتوقيع اتفاقيات مع 48 شركة لإنشاء مراكز تسليم عالمية جديدة أو توسيع المراكز الحالية ليصل العدد الإجمالي بذلك إلى 56 مركزًا والتي من شأنها أن توفر أكثر من 34000 فرصة عمل في غضون ثلاث سنوات، وتوجيه 605 ملايين دولار للاستثمار في الشركات التكنولوجية الناشئة في عام 2022، بزيادة قدرها 22% مقارنة بالعام الماضي.
وأكد التحليل على أنه من الضروري أن تتخذ الدول -خاصة النامية- خطوات حثيثة نحو التحول الرقمي؛ حتى تلحق بركب الدول الأخرى، وذلك من خلال: تطوير البنية التحتية الخاصة بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ونشر الوعي بالاستخدامات التكنولوجية، ومراجعة المناهج التي يتم تدريسها لتتلاءم مع التغيرات العالمية، بالإضافة إلى الاهتمام بتدريس علوم الحوسبة والذكاء الاصطناعي؛ بهدف تحقيق التنمية المستدامة.