كتب د/ عادل عامر
لعبت تحويلات المصريين المغتربين دورا كبيرا في توفر العملة الأجنبية في البلاد، حتى مع تفاقم تداعيات أزمة كورونا خلال العام 2020/2021 ارتفعت قيمة التحويلات بشكل مطرد وبلغت 31.4 مليار دولار مما جعلها فرس الرهان لتعويض النقص في إيرادات قطاعات حيوية مثل السياحة التي تضررت بقوة. أن أهمية التحويلات تتعدى كونها فقط مصدر للنقد الأجنبي، فهي من الممكن أن تقلل من فجوة التمويل التي تلزم الاستثمار والتنمية.
أن جهود السياسة الاقتصادية في استقطاب تحويلات المصريين العاملين بالخارج بهدف توفير موارد للنقد الأجنبي لم تختلف عن توجهات التحويلات من قبل مرسليها، حيث تم طرح شهادات الادخار (قصيرة الأجل) بالعملات الأجنبية “بلادي” كما تم طرح عدد من الأراضي والعقارات في مشروعات الإسكان المختلفة للمصريين العاملين بالخارج، أنه كان يفيد أكثر وجود حوافز توجه التحويلات إلى الأنشطة الإنتاجية سواء صناعية، زراعية أو خدمية من خلال تخفيض رسوم التحويل أو تسهيل الإجراءات.
أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج كانت قد تراجعت منذ بداية ظهور سعرين للعملة في السوق المصرية، وبالتالي لجأ العاملون بالخارج للتحويل عن طريق القنوات غير الرسمية للاستفادة من فارق السعر. وقد أظهرت هذه الفترة حدة التقلبات التي قد تحدث في هذا المصدر، كما أظهرت الأزمة الحاجة إلى تغطية البنوك المصرية الدول العربية من خلال فروع منتشرة لتسهيل التحويل المباشر بدلا من الاعتماد على وسطاء.
امتدت أزمة التقلب العنيف لقيمة العملة المحلية (الجنيه) في مصر إلى تحويلات المواطنين العاملين بالخارج، ووضعت حدا للزيادة المطردة في حجم التحويلات التي وصلت إلى رقم قياسي بلغ 31.9 مليار دولار خلال العام المالي المنتهي في يونيو.
وانخفضت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بمعدل 20.9% لتسجل نحو 6.4 مليارات دولار مقابل نحو 8.1 مليارات، بحسب ما جاء في تقرير ميزان المدفوعات خلال الربع الأول (الفترة يوليو إلى سبتمبر) من السنة المالية 2022/2023 الصادر عن البنك المركزي المصري.
وأصبحت مصر أعلى خامس دولة في تلقي التحويلات من الخارج على مستوى العالم عام 2021، بحسب البنك الدولي، وتُشكل مصدرا رئيسيا لموارد البلاد من النقد الأجنبي مع الصادرات، وتُمثل نحو 7% من إجمالي الناتج المحلي.
جاء هذا الانخفاض الكبير نسبيا مدعوما بتقلبات سعر الصرف، والذي بدأ في أعقاب خفض قيمة الجنيه بأكثر من 15% في مارس 2022 ليهبط إلى نحو 18.40 جنيها مقابل 15.70 جنيها، وبلغ ذروته مع تجاوز سعر الدولار 30 جنيها. أنه نتيجة هذه التقلبات الحادة والانخفاض المستمر في قيمة الجنيه فضّل بعض المصريين بالخارج تأجيل تحويلاتهم، أو أنهم قاموا بتحويل أموالهم من خلال مصارف غير رسمية، أي ليس عبر البنوك للاستفادة من فرق سعر الصرف بين “المركزي” والسوق السوداء التي برزت بقوة منذ بدء خفض قيمة الجنيه. أن بعض المستوردين والتجار أقاموا مراكز لتجميع العملة بالدول الخليجية، أكبر مصدر لتحويلات المصريين العاملين بالخارج، من أجل تسوية صفقات تجارية لديهم، أو للمضاربة على سعر الدولار.
أن يستمر التراجع في تحويلات المصريين إلى أن يستقر سعر صرف الدولار مقابل الجنيه وتعود الثقة بين هؤلاء المغتربين والجهاز المصرفي، أن سعر الصرف لا يزال لا يعبر عن القيمة الحقيقية للجنيه. وأعلن “المركزي” نهاية أكتوبر 2022 أنه سيعتمد نظام سعر مرن لصرف قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، استنادا لآلية العرض والطلب بالسوق.
وجاءت إيرادات السياحة -خلال الربع الأول من العام المالي الجاري- أفضل من المتوقع، وذكر “المركزي” في تقرير ميزان المدفوعات أنها ارتفعت بمعدل 43.5% لتسجل نحو 4.1 مليارات دولار مقابل نحو 2.8 مليار، وقفز عدد السائحين الوافدين إلى البلاد بمعدل 52.2% ليسجل نحو 3.4 ملايين سائح.
وساهمت النتائج الإيجابية لإيرادات السياحة -إلى جانب زيادة حصيلة الصادرات السلعية البترولية وغير البترولية، وتصاعد حصيلة رسوم المرور في قناة السويس- في تحسن معاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي وتحسن عجز حساب المعاملات الجارية بمعدل 20.2% ليسجل نحو 3.2 مليارات دولار.
وبلغت إيرادات السياحة خلال السنة المالية 2021-2022 نحو 10.7 مليارات دولار، مع الأخذ في الاعتبار التأثيرات السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية، بحسب بيان المركزي المصري. تقول الحكومة إنها تعمل على برنامج طموح من أجل زيادة عدد الزائرين إلى 30 مليون شخص سنويا، أي أكثر من ضعف أعلى رقم حققته مصر في تاريخها، وهو 14.7 مليون زائر عام 2010 بإيرادات بلغت 12.5 مليار دولار.
أن زيادة إيرادات السياحة بنحو 1.3 مليار دولار لا تعوض التراجع في تحويلات المصريين المغتربين البالغ 1.7 مليار دولار؛ لأن العبرة في محصلة الإيرادات من جميع المصادر والتي تأتي على رأسها التحويلات من الخارج.
وتمثل عائدات السياحة -في الظروف الطبيعية- نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 15% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية، وتعد ثالث أكبر مصدر للدخل الأجنبي بعد الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج.
ويسهم قطاع السياحة بمصر في إيجاد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويقدر عدد العاملين فيه بحوالي 3 ملايين، وهو ما يمثل نحو 10% من إجمالي قوة العمل، بحسب دراسة لمعهد التخطيط القومي في مايو 2020.
أن إيرادات السياحة خلال الربع المالي الأول مؤشر على زيادة الحصيلة السنوية، والتي من المتوقع أن تفوق التوقعات بدعم من رفع القيود على السفر والتنقل، وانتهاء أزمة جائحة كورونا ورغبة الناس في التحرر من آثارها. أن مساعي الحكومة الحثيثة في جذب السياح عبر بعض الإجراءات والقرارات ساهم في إنعاش قطاع السياحة الذي عانى بقوة خلال السنوات القليلة الماضية، رغم دوره الكبير في الاقتصاد المصري وزيادة معدلات النمو، وتوفير العملة الصعبة، وتشغيل الأيدي العاملة. ضرورة التركيز على زيادة إيرادات السياحة أكثر من التركيز على عدد السائحين أن العبرة بسخاء السائح وليس بالعدد، وضرورة العمل على استقدام سياح ينفقون بشكل مناسب يتناسب مع حجم وطبيعة إمكانيات البلاد السياحية التي لا تتوفر في الكثير من بلدان العالم ولكن ينقصها تحسين مستوى الخدمات.
لأن الأسعار المتدنية تعني خدمة ضعيفة تسيء إلى السياحة المصرية، المنافسة على السياحة الأثرية والثقافية حيث تملك مصر مقومات لا يملكها بلد آخر بدلا من التركيز على السياحة الشاطئية التي يتنافس فيها الكثير من دول العالم.
أن التخفيض الذي حدث في مارس لم يكن بالقدر الكافي لكشف القيمة الحقيقية للجنيه أمام الدولار، وبالتالي ظلت السوق الموازية مستمرة، واستمرت معها التخوفات من التحويل إلى العملة المحلية، وبالتالي تسبب ذلك في إحجام البعض عن التحويلات الدولارية من الخارج.
إن تدفق الاستثمار الأجنبي يعني جاذبية مجتمع الأعمال المصري وبيئة الأعمال في مصر خلال الفترة المقبلة، وبالتالي سيكون لذلك انعكاس قوي على زيادة تحويلات المصريين بالخارج نظرا لما هو متوقع من التحسن الكبير في جميع المؤشرات للاقتصاد المصري.
وتعتبر التحويلات الجانب الاقتصادي الأهم للعاملين بالخارج حيث تمثل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة الواردة للاقتصاد. وتشير الأرقام إلى أن التحويلات زادت من ٢٫٦ مليار دولار فى ١٩٩٠ لتصل إلى ٤٫٣ مليار دولار فى ٢٠٠٥ بمعدل زيادة سنوى يقارب ٥٪. لكن فترة ٢٠٠٥ــ٢٠١٠ شهدت نموا كبيرا بلغ فى المتوسط ١٨٪ سنويا لتصل إجمالى التحويلات لقرابة ١٠ مليارات دولار فى ٢٠١٠ مدفوعة بنمو كبير فى اقتصادات دول الخليج وليبيا على خلفية أسعار البترول المرتفعة. أما بعد الثورة، فقد شهدت التحويلات ارتفاعا غير مسبوق حيث وصل متوسط النمو السنوي فى التحويلات لقرابة ٤٠٪ فى عامى ٢٠١١ــ٢٠١٢ لتصل اجمالى التحويلات لقرابة ١٨ مليار دولار.