نظريات العلاقات الدولية والأمن الاقتصادي

كتب د/ عادل عامر

ان نظريات العلاقات الدولية تدور جميعها في فلك محاولاتها للتركيز على الأمن الاقتصادي، خاصة الطاقة، لأن أغلبية الدول الكبرى في العالم أصبحت تعتمد على قوتها الاقتصادية أكثر من قوتها العسكرية، ما جعل الأهمية الاقتصادية في ظل المتغيرات الدولية الجديدة تتزايد بقوة. وبما أن الطاقة أحد أهم مكونات الأمن الاقتصادي، فهي تعتبر مصدراً اقتصادياً حيوياً وهدفاً استراتيجياً يسعي الجميع إلي امتلاكها،

 فأهمية قطاع الطاقة كذراع قوية للأمن القومي للدولة تكمن في كونه إحدى أهم مسائل الأمن الداخلي، لأنه بشكل عام فإن العلاقات التي تنتج بين الدول المنتجة والدول  المستهلكة لمصادر الطاقة المختلفة تخلق حالة من حالات عدم الاستقرار، خاصة إذا كان هناك عجز في إمدادات الدول المستهلكة من قبل الدول المنتجة،

ما يعمل علي جعل الدول المنتجة في حالة تأهب لاستعمال القوة الرادعة دائماً. ومن الجهة الأخرى، يساعد الدول المنتجة علي استخدام الطاقة كسلاح استراتيجي إما بتوظيفه بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن منظور آخر فمصادر الطاقة كمورد حيوي واستراتيجي تؤثر في مكانة الدولة عالمياً واتباعها لسياسة خارجية نشطة من عدمها وموقعها في النظام العالمي.

 فالدول الكبرى تولي اهتماماً كبيراً بدور الطاقة، وضرورة تأمين مصادرها منها حتى لا تتأثر صناعتها، وبالتالي نموها الاقتصادي. وعلى الناحية الأخرى، تعمل الدول المنتجة والمصدرة للنفط والطاقة على استغلال تلك الميزة في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية بهدف تحقيق المناورة.

إنَّ التحكم في الخلافات الصينية الأميركية عملية لا بد أن تتم وفق عملية تدريجية، وكل خطوة صغيرة هي تمهيد لكل خطوة كبيرة. ولهذا فإنَّ اجتماع بالي، أزال بعض العقبات، وحدَّ من المزيد من التدهور في العلاقات الصينية الأميركية

والصين بطبيعة الحال لا تريد للعلاقات مع الولايات المتحدة أن تتدهور، والولايات المتحدة مستعدة للالتقاء والحوار، وهي أيضاً مستعدة للسعي نحو إيجاد قاسم مشترك للعلاقات الثنائية. وهذا يعني أنَّ البلدين قد توصَّلا في الحقيقة إلى تفاهم ضمني، وبلغا الحد الأدنى من التفاهم المقبول للطرفين، والمتمثل في أنَّه مهما بلغت حدة المنافسة الموجودة، وحتى برغم الاختلافات، يجب ألا تؤول الأمور إلى درجة نزاع.. وما زلنا بحاجة إلى التوصُّل إلى نتيجة عملية تخدم العلاقات الثنائية على المدى البعيد عقب الاجتماع بين الرئيسين.

إذا استمرَّت اللعبة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، فأميركا لن تتخلى عن ورقة تايوان كوسيلة لاحتواء الصين، ولن ترفع الحظر العلمي والتكنولوجي الذي تقيمه في وجه الصين. وما دامت تايوان لا تسير نحو الاستقلال ولا تعلنه بأي شكل، سيكون هناك سلام وتهدئة بين الجانبين في مضيق تايوان. على المستوى الفردي، يمكن توسيع مفهوم الأمن الاقتصادي للمواطن ليشمل تدابير الحماية والضمان التي تؤهل الإنسان للحصول على احتياجاته الأساسية من المأكل والمسكن والملبس والعلاج والتعليم، وضمان الحدّ الأدنى لمستوى المعيشة. وقد حاولت الأمم المتحدة أن تجد معنى جامعًا يفسر هذا المفهوم فتوصلت إلى الآتي: «الأمن الاقتصادي هو أن يملك المرء الوسائل المادية التي تمكِّنه من أن يحيا حياة مستقرة ومشبعة. وبالنسبة لكثيرين يتمثل الأمن الاقتصادي، ببساطة، في امتلاك ما يكفي من النقود لإشباع حاجاتهم الأساسية، كالغذاء، والمأوى اللائق، والرعاية الصحية الأساسية، والتعليم».

إن تحقيق الأمن الاقتصادي يتطلب تأمين دخل ثابت للفرد عبر عمله المنتج والمدفوع الأجر، أو عبر شبكة مالية عامة وآمنة. وبهذا المعنى فإن ربع سكان العالم فقط هم ضمن هذه الفئة، وإذ تبدو مشاكل الأمن الاقتصادي أكثر جدية وخطرًا في الدول النامية، فإن الدول المتطورة كذلك، تشكو من مشاكل البطالة التي تشكّل عاملًا مهمًا في تسعير التوتر السياسي والعنف الإثني.

 لا يزال علم الأمن الاقتصادي علمًا ناشئًا، يفتقر إلى الكثير من الأطر النظرية والتطبيقية، ولكن لوحظ في الفترة الأخيرة ظهور العديد من الأعمال (على الصعيدين الحكومي والأكاديمي) التي تُبرز أهمية البعد الأمني للتفكير الاقتصادي. فقد لوحظ مثلا ظهور اختصاصات ومراكز بحوث تعنى بالذكاء الاقتصادي Economic Intelligence، وكذلك ظهر ما يعرف بالتجسس الصناعي أو التجاري Industrial Spying – Business Espionage…

وقد ازدادت الحاجة إلى هذه الاختصاصات بسبب ظاهرتين رئيسيّتين ميّزتا العقدين الأخيرين، وهما العولمة والطفرة المعلوماتية.

ولكن علم الأمن الاقتصادي لا يقتصر على هذا المفهوم الضيّق، فبإمكان هذا العلم معالجة مجال واسع جدًا من القضايا، مثل: مراقبة التدفقات المالية، مراقبة الاستثمارات الأجنبية، وضع وسائل وآليات لضمان حماية الصناعات الوطنية، خصوصًا في حال كونها حيوية و/أو ناشئة، تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في مجالات عدة، كذلك محاربة التجسس الصناعي والتجاري ومحاربة الجرائم الالكترونية، إلخ…

 مكوّنات الأمن الاقتصادي

يتكوّن الأمن الاقتصادي من عدة عناصر يمكن حصرها في الآتي:

• الأمن الغذائي:

يعتبر الأمن الغذائي من أهم عناصر الأمن الاقتصادي، ويمكن تعريفه بأنه «قدرة المجتمع على توفير المستوى اللازم من الغذاء لأفراده في حدود مداخيلهم المتاحة، مع ضمان مستوى الكفاف من الغذاء للأفراد الذين لا يستطيعون الحصول عليه بدخلهم المتاح، سواء أكان هذا عن طريق الإنتاج المحلي، أو الاستيراد اعتمادًا على الموارد الذاتية».

ولكونه من أهم عناصر المحافظة على الحياة، ينظر إلى الغذاء بأنه يشكل بعدًا اجتماعيًّا وسياسيًّا باعتباره أحد حقوق الإنسان. ويعكس تحقيق الأمن الغذائي، قدرة المجتمع في كفالة حق الغذاء لكل مواطن، وبخاصة حدّ الكفاف لكل فرد من أفراده، لتستمر حياته بصورة صحيحة ونشطة. أمّا عدم توافر مستوى الكفاف من الغذاء في المجتمع، وعدم تحقيق عدالة توزيعه بين أفراده، فلا بد أن يسهما في عدم تحقيق الاستقرار الاجتماعي داخل الدولة.

• الأمن الصحي:

يقصد بالأمن الصحي توفير وسائل الوقاية والمعالجة من الأمراض والأوبئة. وترتبط الصحة ارتباطًا وثيقًا بتحقيق الأمن الاقتصادي للمجتمع، فالمجتمع الذي يخلو من الأمراض يتمتع شعبه بنشاط وقوة، ما يمكّنه من الإنتاج والعمل وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مناسب، بينما يحدث العكس في المجتمع الذي تسيطر عليه الأمراض والأوبئة. ولذلك تحاول الدول مكافحة الأمراض الخطرة، مثل الإيدز وأنفلونزا الخنازير والطيور، وحتى الأمراض التي تصيب الحيوان، (حمى الوادي المتصدع، وجنون البقر، وغيرها) لحماية اقتصادها ومواطنيها.

 كما يرتكز الأمن الصحي بصورة أساسية على توفير برامج الرعاية الصحية الأولية، وخدمات التأمين الصحي للمواطنين، وتوفير الأدوية المنقذة للحياة، وتطوير المؤسسات الصحية وزيادتها، كالمستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الإرشاد والتثقيف الصحي، فضلًا عن إعطاء أهمية قصوى لصحة الفئات الضعيفة، كالأطفال والمرأة والمعوقين وكبار السن…إلخ.

• الأمن التكافلي أو التأمين الاجتماعي والصحي:

هو تلك السياسة التي ترمي إلى توفير الحماية الاجتماعية للعاملين في مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال اتّباع نظام استقطاع جزء من رواتب العاملين وإيداعها في صندوق معين وفق قوانين ولوائح معروفة، لمنحهم تعويضات في حالات ترك العمل أو الفصل من الخدمة أو بلوغ سن التقاعد، أو العجز أو المرض أو الوفاة. وهذا النظام يعرف بالتأمين الاجتماعي أو فوائد ما بعد الخدمة، والذي يرتكز بصورة أساسية على تسخير عمليات التكافل وسط قطاع العاملين، لتوفير الحماية والأمن الاجتماعي لهم. أما الأمن التكافلي الصحي فهو نظام تكافلي بين المواطنين والدولة،

حيث يدفع المشترك – حسب دخله – مساهمة شهرية محدودة ليتمتع هو وأفراد أسرته بالخدمات الطبية المتكاملة، بغض النظر عن حجم الأسرة وحجم الخدمات المطلوبة، والتي تشمل الكشف والفحص المجاني، والدواء بتكلفة رمزية.

• مكافحة الفقر:

تمثّل مكافحة الفقر واحدة من أهم مكوّنات الأمن الاقتصادي. إذ يمثّل الفقر الخطر الأكبر على المجتمعات المعاصرة. فبانتشار الفقراء في المجتمع، تنتشر الأمراض وسوء التغذية وتكثر الجرائم والسرقات، كما تتفاقم حالة عدم الرضا، مما يتسبب في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني. ولذلك ينظر إلى مشاريع مكافحة الفقر وكفاءتها في التدخل، على أنّها عامل أساسي في تحقيق الأمن الاقتصادي، بل الأمن الشامل في المجتمع.

• العمل:

 يعتبر العمل مصدرًا مهمًا في إشباع الحاجات الأساسية للإنسان وتحويل الفرد من حالة الفقر والجوع والخوف، إلى حالة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما أنه الوسيلة والمدخل الفاعل في تحقيق القوة والأمن الاقتصاديين، ولذلك ينظر إلى المجتمع الذي تسود فيه معدلات مرتفعة من البطالة وغير الناشطين اقتصاديًّا على أنه مجتمع فقير أو غير منتج أو غير نامٍ، أو متأخر، مما يؤسس لحالة من عدم الاستقرار الاجتماعي. أمّا ارتفاع معدلات السكان الناشطين اقتصاديًّا فينعكس استقرارًا في الوضع الاقتصادي للدولة المعنية، ويعكس مدى قدرتها على تحقيق أمنها الاقتصادي.

• السياسات الاجتماعية:

تُشكّل سياسات الرعاية الاجتماعية المتعددة، التي تستهدف التنمية الاجتماعية ورفع مستويات المعيشة للأسر والمجتمعات المحلية وحماية الشرائح الضعيفة ومكافحة الفقر وغيرها، بعدًا مهمًّا من أبعاد تحقيق الأمن الاقتصادي. وتشمل تلك السياسات بشكل خاص البرامج والمشاريع ذات التمويل الصغير، وبرامج الأسر المنتجة، وتشغيل الخريجين، ومشاريع استقرار الشباب، ورعاية الطلاب، وكذلك مشاريع تحقيق الأمن الاقتصادي للمرأة. ولذلك لا بد من توسيع مفهوم الرعاية الاجتماعية ليشمل احتياجات مختلف الفئات في المجتمع، وتفعيل برامج التدخل الاجتماعي والاقتصادي التي تحقق عائدًا اجتماعيًّا كبيرًا.

• استغلال الثروات والموارد الطبيعية:

يؤدي عدم استغلال الثروات والموارد الطبيعية، وفقدان العدالة في توزيع عائداتها على المجتمع، إلى إضعاف الوضع الاقتصادي للدولة، ويشير إلى تدني قدراتها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية. وثمة دول لم تستغل ثرواتها على الرغم من حاجتها الماسّة إليها، كما توجد دول أخرى استغلت بعض ثرواتها، ولكنها لم تتمكن من تحقيق العدالة في توزيع العائدات والمداخيل بصورة مناسبة ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة ومعدلات الفقر وتدني مستويات المعيشة. وقد أشار تقرير الأمم المتحدة للعام 2009 إلى أن الثروة النفطية (الخيالية) لدى بعض البلدان العربية تعطي صورة مضلّلة عن الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان، لأنها تخفي مواطن الضعف البنيوي في العديد من الاقتصادات العربية، وما ينجم عنها من زعزعة الأمن الاقتصادي للدول والمواطنين على حد سواء.

• الأمن البيئي:

يهدف إلى حماية الطبيعة من التخريب على المديَين القصير والطويل، منعًا لتدهور البيئة مع ما لذلك من انعكاسات على الدول والأفراد. ويعتبر النقص في الوصول إلى المياه النظيفة أحد أهم التهديدات التي تواجهها الدول الصناعية، كما يمكن الاعتبار أن تلوّث الهواء، والاحتباس الحراري الناجم عن الدفيئات، والمصانع، ومشاكل معالجة النفايات وغيرها، من أهم تهديدات البيئة وحياة الفرد.

 • العدالة وتكافؤ الفرص:

تؤكّد الدراسات الحديثة على أهمية العدالة وتكافؤ الفرص لدفع عجلة التنمية ورفع مستويات المعيشة. فتقرير «التنمية في العالم» للعام 2006 الصادر عن البنك الدولي تحت عنوان: «الإنصاف يعزز قوة النمو من أجل تخفيض أعداد الفقراء»، يؤكد أن العدالة لا بد أن تكون جزءًا لا يتجزأ من أي استراتيجية ناجحة لتخفيض أعداد الفقراء في أي مكان من العالم النامي. ولا شك في أهمية تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، فالاقتصاد ينمو ويتطور عندما يكون لدى السواد الأعظم من السكان الأدوات اللازمة للمشاركة في المنافع الناتجة عن النمو الاقتصادي، ولهذا ينبغي أن تستهدف استراتيجيات التنمية تخفيض حدة عدم المساواة في الفرص، ومن ثم تحقيق المساواة وتحسين الكفاءة والعدالة.

تطوير النظرية الاقتصادية      

يُعتبر مفهوم الأمن الاقتصادي من المفاهيم الحديثة نسبيًا في الفكر السياسي الاستراتيجي بصورة عامة والفكر العربي بصورة خاصة، ولعل ذلك يرجع في الواقع إلى هيمنة تاريخية للبعد العسكري على مفهوم الأمن القومي. ولذلك بقي هذا المفهوم ملتبسًا وغامضًا ولم يتبلور بصيغة نهائية حتى تاريخه. وفي الواقع، فإنّ نظرية الأمن الاقتصادي، شأنها شأن النظرية الاقتصادية،

تواجه تحديات متجددة تفرضها عمليات التطوير التكنولوجي وتطبيقاتها الاقتصادية، التي تؤدي إلى تغيير كمي ونوعي في عناصر الثروة والموارد الاقتصادية، وعوامل النمو الاقتصادي وأساليب الاستخدام ونظم الاستثمار والتشغيل. وهذا ما يتطلب باستمرار بذل جهود مكثفة وهادفة لتطوير وسائل التحليل الاقتصادي وأدواته، وبالتالي تطوير النظرية الاقتصادية لجهة تضمين متغيرات جديدة، ودراسة انعكاسات هذه المتغيرات على أسلوب الإنتاج والعلاقات الاجتماعية الداخلية والعلاقات الدولية، كي يمكن المشاركة الجادة والفاعلة في صياغة مفاهيم وقوانين المنظومات التي تفرض ذاتها (كالعولمة على سبيل المثال)، وضمان شروط الحد الأدنى للاستمرار في بيئة دولية عاصفة ومتغيرة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رئيس الوزراء: نسعى بالشراكة مع إحدى المؤسسات العالمية أن يكون مستشفى أورام دار السلام مركزًا على أعلى مستوى

كتبت مني جودت أدلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بتصريحات تليفزيونية، اليوم السبت حيث أشار ...