كتب د/ عادل عامر
كان للمنظمات الدولية والمحلية والإقليمية دور فعّال في محاربة مظاهر العنف الأسري سواء كان ذلك من حيث إصدار الاتفاقيات التي تتناول هذه الظاهرة أو بالتوعية بها ونشر الثقافة وتعليم الشرائح المستهدفة كيفية المواجهة الصحيحة لكافة أنواع العنف كذلك فتحت الباب أمام هؤلاء الذين يتعرضون للعنف بالتوجه إليها والتظلم أمامها فيجدوا عندها الحكم العادل والأمان.
وسوف أتناول في هذا المطلب مظاهر علاج العنف الأسري لدى المنظمات الدولية والإقليمية وأخيراً المحلية .
الفرع الأول : مظاهر علاج المنظمات الدولية للعنف الأسري :
الفقرة الأولى : هيئة الأمم المتحدة :
لما كان الأطفال هم أكبر فئة مستهدفة من هذه الظاهرة , فقد عملت هيئة الأمم المتحدة على تقنين حقوق هؤلاء الأطفال وجعلها في اتفاقية سميت بـ ” اتفاقية حقوق الطفل ” ولقد قامت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتصديق على الاتفاقية بشكل كامل أو جزئي وقد قامت الجمعية العامة بالموافقة على إدراج الاتفاقية من ضمن القانون الدولي في 20 / نوفمبر / 1989م وقد دخلت حيز التنفيذ 2/ سبتمبر/199 بعد أن صدقت عليها الدول الموقعة .
تعترف الاتفاقية أن لكل طفل حقوق أساسية تتضمن الحق في الحياة وفي الحصول على اسم وجنسية والحق في تلقي الرعاية من والديه والحفاظ على صلة معهما حتى ولو كانا منفصلين وألزم الدول بأن تسمح للوالدين بممارسة مسؤولياتهما الأبوية كما وتعترف بحق الطفل في التعبير عن الرأي , بحمايته من التنكيل والاستغلال , وأن يتم حماية خصوصياته , وألا يتم التعرض لحياته , كذلك تمنع إعدام الأطفال .
ولقد انضمت المملكة لهذه الاتفاقية بالمرسوم الملكي رقم م/7 في 16/4/1416هـ ( 11/9/1995م) على الانضمام إلى الاتفاقية التي أقرتها من الجمعية العامة للأمم المتحدة مع التحفظ على جميع المواد التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وذلك لما توليه المملكة من اهتمام بالغ لرعاية الطفولة , ومن منطلق تحقيق التعاون الدولي الذي ترتبط به المملكة في إطار المنظمة العالمية , ولما اشتملت عليه اتفاقية حقوق الطفل من توافق مع ما شملته الشريعة الإسلامية من رعاية كاملة لحقوق الطفل , بدءاً من بداية عمره في بطن أمه وهو جنين إلى انتقاله لمرحلة الرشد لتضمن له حقوقه كإنسان .
* دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال :
طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من الأمين العام أن يجري دراسة متعمقة بشأن العنف ضد الأطفال , وأن يضع توصياته للتصدي له وفي فبراير 2003 عين الخبير المستقل البروفسور باولو سيرجيو بينهيرو ليشرف على هذه الدراسة بالتعاون مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية .
وتمثل دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال مسعى عالمي لرسم صورة مفصلة لطبيعة العنف ضد الأطفال ومدى انتشارها وأسبابه , ولاقتراح توصيات واضحة للعمل على منعه والتصدي له.
وهذه هي المرة الأولى التي تُبذل فيها محاولة لتوثيق حقيقة العنف ضد الأطفال في مختلف أنحاء العالم ولرسم خريطة للجهود المبذولة لوقفه ومنذ عام 2003 م ساهم ألاف من الإفراد في هذه الدراسة و بالمشاركة في استشارات وفرق عمل ومن خلال الاستبيانات وغيرها , وقد لعب الأطفال والشباب دوراً فعّالاً في مختلف مراحل الدراسة .
ومن نتائج هذه الدراسة أن العنف ضد الأطفال يمارس في كل مكان , بغض النظر عن بلدهم أو مجتمعهم أو فئتهم الاجتماعية , وقد يتصدر العنف المفرط عناوين الصحف إلا أن الأطفال يقولون إن أعمال العنف والإيذاء اليومية الصغيرة المتكررة تؤذيهم أيضاً ( العنف اللين ) وبينما تظل بعض أعمال العنف غير متوقعة ومعزولة , فإن العنف ضد الأطفال غالباً ما يقع من قبل أفراد يعرفونهم ويثقون بهم كالآباء والأمهات أو الأصدقاء أو الصديقات أو الأزواج والشركاء أو زملاء الدراسة أو المدرسين والمشغلين .
ومن أشكال العنف ضد الأطفال العنف الجسدي والعنف النفسي مثل عبارات الشتم والإهانة والتمييز والإهمال وسوء المعاملة , ومع أن الانعكاسات قد تتفاوت وفقا لطبيعة العنف وشدته تكون العواقب على الأطفال والمجتمع ككل في معظم الأحيان خطيرة وضارة .
*حملة الأمين العام للأمم المتحدة لإنهاء العنف ضد المرأة :
أطلق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي- مون حملة تمتد سنوات عديدة لتكثيف الإجراءات الرامية إلى وضع حد للعنف ضد المرأة والفتاة.
حيث أن كل امرأة من أصل ثلاث نساء على الأقل في العالم يحتمل تعرضها للضرب أو الاعتداء عليها ، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة ، وتسقط امرأة من كل خمس نساء ضحية للاغتصاب أو محاولة الاغتصاب . ويشكل الإتجار بالنساء والتحرش الجنسي بهن وتشويه الأعضاء التناسلية للأنثى والقتل المتصل بالمهور وجرائم الشرف وقتل الجنين إذا كان أنثى أوْجُهاً أخرى واسعة الانتشار لهذه المشكلة .
وقال الأمين العام ” إن العنف ضد المرأة والفتاة يترك بصمته الشنيعة على كل القارات والبلدان والثقافات … ولقد آن الأوان للتركيز على الإجراءات الملموسة التي يمكننا وعلينا جميعا الدول الأعضاء وأسرة الأمم المتحدة والمجتمع المدني والأفراد – رجالا ونساء، اتخاذها لمنع هذه الآفة والقضاء عليها . لقد آن الأوان لكسر جدار الصمت وجعل القواعد القانونية واقعا في حياة المرأة “.
وستسعى الحملة إلى تعبئة الرأي العام لكفالة عمل صناع السياسات في أعلى المستويات على منع العنف ضد المرأة والقضاء عليه , وسيتمثل أحد أهدافها الأساسية في كفالة الإرادة السياسية وزيادة الموارد المقدمة من الحكومات والمؤسسات الدولية وكيانات الأمم المتحدة والقطاع الخاص وغيرها من الجهات المانحة لاعتماد السياسات وتنفيذ البرامج الرامية إلى معالجة هذا المشكلة , ويهيب الأمين العام بقادة العالم، رجالا ونساء، أن يقودوا حملات وطنية لوضع حد للعنف ضد المرأة. وستركز الحملة التي ستستمر من 2008 إلى 2015م.
ولقد كانت كلمة الأمين العام بان كي _مون عند إطلاقه حملة لإنهاء العنف ضد المرأة أمام لجنة وضع المرأة , نيويورك 25/ فبراير 2008 كالتالي :
” إن العنف الموجه ضد المرأة مسألة لا تحتمل الانتظار, وهذا ما يتجلي من مجرد إطلالة على الإحصاءات , فكل امرأة من ثلاثة نسوة يحتمل أن تتعرض في عمرها للضرب أو تكره على ممارسة الجنس أو تتعرض للاعتداء , ومن خلال ممارسة اختيار الآباء لجنس المولود، يحرم العديد من الإناث من حقهم في الوجود , وليس بمنأى عن هذه الآفة أي بلد أو ثقافة أو امرأة شابة كانت أم مسنة, وفي أغلب الأحوال، لا يُعاقَب على هذه الجرائم، ويفلت مرتكبوها من العقاب.
وهذه الحملة إنما هي من أجلهن , فهي حملة من أجل النساء والفتيات اللواتي يحق لهن العيش بمنأى عن العنف، حالا واستقبالا, وهي حملة لوقف ما تتكبده البشرية جمعاء من تكلفة باهظة من جراء العنف المرتكب ضد المرأة “
الفقرة الثانية : اليونيسيف :
تدعو اليونيسيف إلى تهيئة بيئة توفر الحماية للأطفال وذلك من خلال شراكة مع الحكومات على الصعيدين الدولي والوطني .
وتعد حماية الأطفال من العنف والاستغلال والإيذاء عنصر أساسي من عناصر حقوقهم ولقد ركزت اليونيسيف على الالتزام بحماية الطفل , ويستندون في ذلك على اتفاقية حقوق الطفل وحقوق الإنسان وكافة المواثيق والمعاهدات الدولية .
فلقد وضعت اليونيسيف إطاراً قانونياً كاملاً في عملها لحماية الطفل من العنف والاستغلال والإيذاء وهي كالتالي :
1_اتفاقية حقوق الطفل (1989م) , المادة 19.
2_ اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 المتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال (1999م)
3_البرتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي إنتاج المواد الإباحية (2000م)
4_حق الطفل في الحماية من العقاب البدني أو أي شكل آخر من أشكال العقاب التعسفية والمهنية , التعليق الثامن المتعلق باتفاقية حقوق الطفل (2006م) .
الفقرة الثالثة : منظمة العفو الدولية :
شكلت قضية العنف في محيط الأسرة إحدى القضايا الأساسية التي ركزت عليها أنشطة منظمة العفو الدولية . وكانت حملة المنظمة جزءاً من حركة عالمية أوسع لمواجهة العنف ضد المرأة ، باعتبار ذلك من قضايا حقوق الإنسان . وفي أكتوبر/تشرين الأول ، نشر الأمين العام للأمم المتحدة دراسة عميقة عن العنف ضد المرأة بجميع أشكاله . وأهابت الدراسة بدول العالم أن تكفل المساواة بين الجنسين ، وأن تجعل قوانينها وممارساتها متماشيةً مع المعايير الدولية ، وأن تجمع بيانات عن المشكلة بهدف تعزيز السياسات وعملية التخطيط ، وأن تخصص الإمكانات والاعتمادات المالية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف وفي نوفمبر/تشرين الأول ، رحب أعضاء منظمة العفو الدولية بالحملة التي نظمها مجلس أوروبا بشأن العنف في محيط الأسرة ، وحثوا الدول الأعضاء في المجلس على تحقيق أهداف الحملة المتمثلة في إلغاء القوانين التي تنطوي على التمييز، وتعزيز الخدمات لضحايا العنف ، والتصدي لأوجه التحيز والتحامل على المستوى الاجتماعي .
ودعت منظمة العفو الدولية حكومات العالم إلى تنفيذ “برنامج منظمة العفو الدولية المؤلف من 14 نقطة لمنع العنف في محيط الأسرة” ، والذي يدعو الحكومات إلى حماية السلامة البدنية والعقلية للنساء اللائي تعرضن للإيذاء .
الفرع الثاني : مظاهر علاج المنظمات الإقليمية للعنف الأسري :
الفقرة الأولى :المجلس العربي للطفولة والتنمية :
نشأ المجلس العربي تنفيذاً للقرار الصادر عن المؤتمر العربي حول الطفولة والتنمية المنعقد في تونس في الفترة من 11_13ربيع الأول 1407هـ الموافق 13_15نوفمبر 1987م حول تأسيس المجلس العربي للطفولة والتنمية , ولقد قام هذا المجلس كمؤسسة تطوعية اعتبارية مستقلة , تسعى إلى المساهمة في تطوير أوضاع الطفل العربي , وبناء شخصيته وتأكيد هويته وأصالته العربية وقيمه الإسلامية وكريم معتقداته وقدراته العلمية وملكاته الإبداعية وتهيئته للمشاركة الفعّالة في صياغة مستقبل مجتمعه وفي المشروع الحضاري لأمته .
ويتخذ المجلس من القاهرة بجمهورية مصر العربية مقراً له , ولقد وضع المجلس خطة عمل له وكان من أبرز ملامح هذه الخطة والتي تخص موضوعنا كالتالي :
_ تحسين الوضع الأسري للأطفال , وتوفير فرص العمل والتدريب للأمهات .
_ إعطاء الأولوية لمساعدة الأطفال الذين يعيشون في ظل ظروف استثنائية .
_ حماية الأطفال من القسوة والتعذيب والضرب والاستغلال .
_ توفير التشريعات والقوانين الخاصة بالطفولة .
وتركز الخطة طويلة الأجل في مجال رعاية الطفولة والأسرة للمجتمع لهذا المجلس على الجوانب التالية : _ بعض منها _
1_ التعاون مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في توفير المستلزمات الضرورية التي تساعد على توثيق العلاقات الأسرية ورعاية الأسرة للأطفال مادياً ومعنوياً .
2_ التأكيد على تعزيز دور المرأة بصفة خاصة نظراً لدورها الأساسي تجاه الأسرة والطفل ويتضمن ذلك التأكيد على أهمية تعليم الأم وتثقيفها ووعيها بعدد من الأمور الأساسية في مختلف مجالات التربية والصحة الغذائية .
3_توعية الشباب بشكل عام والفتيات بشكل خاص بأسس الصحة النفسية وتوفير الأمن والطمأنينة , وذلك لإعدادهم لدورهم كآباء وأمهات المستقبل .
4_التأكيد على العلاقة الديمقراطية بين أفراد الأسرة وذلك لمالها من آثار هامة على تنشئة الطفل وتطوره .
5_أهمية تعزيز مسؤولية الوالدين في خدمة الطفل .
6_المساهمة في تنظيم دورات تدريبية للعاملين في مركز الرعاية الأسرية .
7_تركيز الخدمات الموجهة إلى الأم لتخفيف أعباء مسؤوليتها الأسرية وزيادة معلوماتها عن أطفالها .
8_ القيام ببرامج إعلامية تدعو إلى تحمل أفراد الأسرة رجالاً ونساءً للأعباء والمهمات الأسرية .
فنرى في هذه الخطة العمل الوقائي لتجنب العنف بأنواعه سواء كان بدنياً أو نفسياً فبرأيي المتواضع أرى أن دور هذه المنظمة جاء وقائياً وليس حمائياً أو علاجياً للمشكلة بشكل مباشر بعد حدوثها .