كتب /الدكتور عادل عامر
إن من أهم مسببات العنف والتمادي فيه يوما بعد يوم ضد المرأة هي سلبيتها في مواجهته وعدم اتخاذها ما يلزم لردع المتسبب فيه وذلك لتعلقها بالآمال الكاذبة وبأن الحياة سوف تصفو مع هذا الرجل في يوم من الأيام فتستسلم وتمني نفسها بالمستقبل ثم تصدم بالواقع المرير المؤلم وذلك بأن واقعها لن يتغير إلا إذا غيرته بنفسها .
هناك قاعدة معروفة إذا قام الرجل بأول خطوة نحو العنف ضد زوجته ولم تقم بردعه ووضع خط أحمر له فإنه سوف يتمادى ويتمادى وتنقلب حياتها إلى جحيم .
ينبغي في الحياة الزوجية إيضاح القناعات والمبادئ التي يسلم بها كلا الطرفين كل للآخر في البداية وألا يواري أي طرف مبادئه / قناعاته عن الآخر حساب الآخر حتى لا يجد نفسه بعد مرور السنين صفرا بلا مبادئ مستقلة أو أفكار تعبر عنه بل يرى نفسه قد أصبح تابعا للطرف الآخر .
انعدام تقدير الذات :
عندما يتدنى مستوى تقدير المرأة لذاتها فإن المرأة تصبح خائفة سلبية متوترة عدوانية غير حاسمة أو متحمسة ويسيطر عليها الشعور بالعجز وقلة الحيلة وهذا الوضع برمته سيكون له تأثير على شعورها بالسعادة وعلى عملها وعلى علاقاتها مع الآخرين وخاصة المقربين .
المرأة عندما لا تقدر ذاتها وإمكاناتها وقدراتها وتعلم أنها جميلة وقادرة وقوية بالقدر الكافي الذي تستطيع به أن تردع هذا الرجل وبالقدر الكافي الذي يجعلها تعتقد أنها قادرة على الحصول على زوج آخر يقدرها أيما تقدير , فإنها سوف تكون حبيسة حياة شبيهة بالسجن بل وأسوأ فعندما تعتقد المرأة أنها لا تمتلك المقومات الكافية للانطلاق للحياة والحد من هذا العنف الموجه لها فإنها تعطي الرجل فرصة ذهبية لاستغلالها وحبسها عن هذا العالم الواسع الذي جعله الله لنا لنعمل ونسعد وليس لنذل ونهان .
عدم علم ووعي المرأة بحقوقها وحقوق أبنائها :
جهل الطرف الذي يوجه إليه العنف بحقوقه التي قررها له الشارع الحكيم أو التنظيمات الوضعية من أهم مسببات العنف أو الاستمرار فيه , فجهل المرأة على سبيل المثال بحقها في الخلع أو في حقها بعدم التعرض للضرب الشديد المبرح أو في حقها بالاحترام وسماع الرأي أو حقها في حضانة أولادها في حال كان الأب لا يصون الأولاد ولا يربيهم التربية الصحيحة , من أهم مسببات العنف والاستمرار فيه بصورة ظالمة . فلو كانت المرأة تعرف حقوقها وأولادها حق المعرفة لرأينا تقهقر نسب حالات العنف إلى النصف , ولكن التعليم والتربية التي لم تعلم الفتاة حقوقها بل علمتها وحفظتها التزاماتها دون حقوقها لكن ليس أمامنا في هذه المرحلة إلا نشر الوعي بين النساء على شتى الأصعدة من أي منبر كان فبذلك سنعوض هذا النقص فحين نلزم تضمين المقررات الدراسية ما يثقف الفتاة ويعلمها حقوقها فإننا سوف نقوم بالوقاية لما يمكن أن تتعرض له في المستقبل .
محاولة الحفاظ على كيان الأسرة وعدم الرغبة في ترك الأولاد :
تحاول المرأة في الغالب عند احتمالها لضروب العنف المختلفة التي توجه لها ولأولادها الثبات أمامها بهدف المحافظة على كيان الأسرة وهويتها وحمايتها من التصدع أو التفكك الأسري , فتصبر متعلقة بأمل كاذب أو تصبر حتى لا تكون فريسة لنظرة المجتمع السلبية أو يكون مصيرها للشارع بعد الخروج عن هذا العنف فتصبح بلا مأوى .
وأحياناً تبقى وتتجرع الألم لرغبتها في عدم ترك الأطفال وحدهم مع الشخص المرتكب للعنف مثال ذلك عندما تضطر الزوجة إلى التعايش مع الزوج المرتكب للعنف ضدها بشكل متكرر وذلك من أجل أطفالها الصغار إذا كانت لا تستطيع المغادرة بهم .
انعدام الموارد المالية للمرأة والاعتماد الكلي على الرجل :
عندما يصبح الرجل بوابة المرأة إلى العالم والمنفذ والملجأ الوحيد لها , عندما ترى الدنيا من خلاله فتعتمد عليه بكل صغيره وكبيرة ولا تعرف أبجديات الحياة بدونه خاصة إذا افتقرت إلى وجود الأهل والسند غيره , فسوف يصعب عليها الخروج عنه أو منعه من التعرض لها بأي نوع من أنواع العنف بل قد تعتبره ثمنا لما يقدمه لها من ملجأ ومأكل وملبس ونست أو تناست أن هذه الأمور هي حقها الذي شرعه الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات فتضطر للبقاء معه وتحمل العنف مهما بلغ قدره لعدم فقدان هذا الملجأ .
ويتفاقم ويزداد هذا الأمر مع المرأة غير العاملة والأمية التي لا يكون لها ملجأ إلا بيت الزوجية الذي يمارس عليها شتى أنواع العنف فتضطر للصبر والاحتمال لاعتمادها الكلي عليه وعدم وجود ملجأ آخر لها يحملها ويكفيها عن الذل .
ومن هنا أقترح كباحثة على أصحاب السلطة ووزارة الشؤون الاجتماعية إيجاد جهات مسئولة في كافة المناطق لإيواء النساء المتعرضات للعنف واللواتي يفتقدن إلى الملجأ احتذاء بالدول المتقدمة .
أسباب غير مباشرة :
الفرع الأول : الحصول على تعليم أعلى من الرجل :
ومن أكبر الإشكاليات التي قد تظهر عند بعض الأزواج هو غيرة الرجل من نجاحات زوجته المتواصلة ومن وصولها لأعلى المراتب العلمية ، هذه النجاحات تشعر الرجل بنوع من النقص الذي يدفعه إلى التعويض عنه بأساليب غير تربوية .
ومن مظاهر غيرة الرجل هو التهديد المستمر للزوجة بالضرب أو المنع من الخروج من المنزل أو منعها من العمل أو إحراجها في مكان عملها حتى يكسر نجاحاتها، أو إتلاف هذه النجاحات إذا كانت قابلة للتلف كالبحوث والتجارب والإصدارات وشهادات التقدير والجواز وغيرها، وهذا يجعله يشعر بالراحة النفسية .
ولكن الزوجة الناجحة المتعلمة قد تكون بعض تصرفاتها سبباً في إشعال غيرة الزوج وهذا واقع، فربما يؤدي افتخارها بدرجاتها ، أو حديثها المستمر عن أبحاثها إلى شعوره بأنها تقلل من شأنه. ولكن هناك رجالاً كثيرين يكونون عاملاً مساعداً ودافعاً لزوجاتهم إلى تحقيق المزيد من النجاح، ويقيناً إن الحياة الزوجية لا يمكن أن تستقيم أو تستمر في ظل التنافس غير المشروع بل في ظل التعاون والإيمان اللذين هما جانبان أساسيان يساهمان في تكامل الأسرة ونجاحها.
الحصول على مكانة أعلى من الرجل :
أن التكوين النفسي للرجل يدفعه للإحساس بالراحة عندما يعرف الناس أن منزل الزوجية مفتوح بإمكانياته وأمواله هو فقط وأن زوجته تستمد كبرياءها ووضعها الاجتماعي من مكانته ووضعه هو، وأي صورة خلاف ذلك يرفضها المجتمع أيضا يرفضها لذلك يحاول الرجل بشكل دائم تعزيز كيانه على حساب المرأة، ويسعى لاختيار شريكة حياته على أسس تتفق مع مكوناته الشخصية وطبيعة تكوينه النفسي، وإذا شعر أن شريكته سوف تبدو أكثر نجاحا وأوسع انتشارا فإنه يخشى الارتباط بها لأنه يعتقد أن نجاحها سيجعلها دائما في وضع مقارنة معه ويعيش في قلق دائم خشية أن تتفوق عليه لذلك نجده دائما يعمل بميكانيكية دفاعية لا شعورية تخفي ضعفه وقلة حيلته أمام المرأة بأن ينتهز أقل تقصير منها في منزلها، أو تجاه أولادها ويفتعل المشاجرات ليتهمها بالإهمال
ويرجع ذلك إلى اهتمامها الزائد بعملها لأن هناك اعتقاداً راسخاً في أذهان الكثير من الرجال بأن نجاح المرأة في عملها ووصولها إلى أعلى المراتب لابد أن يكون على حساب حياتها الخاصة أو على حساب مشاعرها وإحساسها بأولادها وبيتها، وهذا فهم خاطئ لأن عمل المرأة يجعلها أكثر احتكاكا وأكثر تجربة وخبرة وذلك ينعكس على تصرفاتها مع زوجها وفي تربيتها لأطفالها لأنها ستصبح أكثر فهما وتقديرا لظروف عمل زوجها وأكثر إحساسا باحتياجه للراحة والهدوء في البيت لأنها مثله تكون في حاجة إلى ذلك.
الحصول على دخل أعلى من الرجل :
وهذه نتيجة طبيعية فعندما يكون مدخول المرأة أعلى من زوجها فإن نيران الغيرة سوف تشتعل بنفسه على الغالب إلا من رحم ربي وسوف تترجم هذه الغيرة مع الوقت إلى محاولة إعاقة هذا النجاح الذي تفوقت به عليه بشتى الطرق من تهديد من ضرب ومن شتى وسائل الضغط .
عدم التوافق بين الزوجين :
عدم التوافق والتكافؤ بين الزوجين أيا كان نوعه سواء كان التوافق العمري، التوافق الشكلي، التوافق في الأذواق، التقارب الفكري، التكافؤ الاجتماعي، التوافق الترفيهي، العقلي، الروحي، العاطفي، الجنسي ,من شأنه أن يوجد فجوة بين الزوجين لا يستطيعون دمرها بسهولة .
فاختلاف البيئة الأسرية بين الزوجين أي أن تكون الزوجة من بيئة أسرية تربت على التشاور والاحترام المتبادل بين الزوجين بينما يكون الرجل من بيئة أسرية تربى فيها على أن الرجل وحده الآمر والناهي (والعكس صحيح) .
وكذلك التفاوت الطبقي والثقافي بين الزوجين وهو عندما تكون الزوجة أغنى من الرجل أو من طبقة اجتماعية أعلى والعكس صحيح , كذلك عدم الانسجام الفكري وعدم النضج العاطفي والعقلي المتبادل بين الزوجين كل ذلك كفيل بإيجاد شقاق بين الزوجين وبعد وفتور وملل ( عنف نفسي ) وقد يتطور في بعض الحالات إلى عنف جسدي نتيجة عدم التوافق أو وصول الزوجين إلى مرحلة الطلاق فتتفكك أسرة ويضيع أطفال نتيجة اختيار خاطئ غير مدروس .
نظرة المجتمع :
خوفا من المجتمع ونظرته الحارقة خوفا على سمعتها خوفا من نظرات العطف الزائد أو من زيادة الطين بله وتشريع ومباركة مثل هذه الأفعال التي تمارس ضدها , تسكت المرأة عن العنف فتبلع غصتها وتبقى أسيره لمثل هذه الأفعال بسبب موروثات مجتمعية بالية لا زال المثقف والجاهل يعملون بها على حد سواء , هي لا تعلم كيف ستكون ردة الفعل حال الإعلان عن تعرضها للعنف وتخمن بنسبة عالية أنها ستكون ضدها كما حصل للذين سبقنها فتفضل البقاء في الظل و ( الطبطبة ) على جرح نازف بدل أن يتحول هذا الجرح إلى شق كبير وكسر لا يجبر سواء لها أو لأولادها …. للأسف .