الدكتور عادل عامر
إن تأثير صدمة الغذاء ملموس في كل مكان. وتبلغ المعاناة أسوأ درجاتها في 48 بلدا، كثير منها يعتمد إلى حد كبير على الواردات من أوكرانيا وروسيا – ومعظمها بلدان منخفضة الدخل. وقرابة نصف هذه البلدان معرضة إلى حد كبير للتأثر بهذه الصدمة، نظرا لما تواجهه من تحديات اقتصادية حادة ومن ضعف في المؤسسات وما تتسم به من هشاشة.
لا يزال انعدام الأمن الغذائي في ازدياد منذ عام 2018. وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت الصدمات المناخية المتصاعدة من حيث التكرار والحِدة، والصراعات الإقليمية المتأججة، والجائحة الأخيرة، قد بدأت أضرارها تتضح بصورة متوالية، مُحْدِثةً اضطرابات في إنتاج الغذاء وتوزيعه، ومتسببة في رفع تكاليف توفير الطعام للأفراد والأسر.
واتخذ الموقف منعطفا أكثر حدة عند اندلاع الحرب في أوكرانيا. فقد دفعت الحرب أسعار الغذاء والأسمدة إلى مستويات أعلى – مما أضر بالمستوردين وأدى بعدة بلدان إلى فرض قيود على الصادرات. يجب على المجتمع الدولي أن يقوم بتحرك حاسم لضمان توفر التمويل اللازم من أجل التعامل مع الأزمة الآنية وتعزيز الأمن الغذائي على المدى المتوسط إلى الطويل.
وينبغي إتاحة التمويل الكافي للمؤسسات المتخصصة في الأمن الغذائي، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، نظرا لدورها الحيوي في ظل وجودها محليا في كثير من البلدان وتركيزها الدائم على التكلفة الإنسانية لانعدام الأمن الغذائي الحاد.
وهناك حاجة ملحة لمزيد من المنح والتمويل الميسر من المانحين والمنظمات الدولية من أجل دعم المساعدات النقدية والعينية للفئات الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي. وفي بعض البلدان، ستكون هناك حاجة لتخفيف أعباء الديون.
وكخط دفاع إضافي، يدعم التمويل الذي يقدمه الصندوق البلدان الأعضاء في تلبية احتياجات التمويل الخارجي المرتبطة بصدمة الغذاء العالمية. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تضمنت البرامج الاقتصادية الجديدة المدعومة من الصندوق في بنن، وكابو فيردي، وجورجيا، وموزامبيق، وتنزانيا، وزامبيا، سياسات لمعالجة تأثير أزمة الغذاء. وبالإضافة إلى التمويل للبرامج الحالية في الأردن، وملدوفا، وباكستان، والسنغال دعم الصندوق تدابير إضافية من أجل تقوية شبكات الأمن الاجتماعي ومعالجة انعدام الغذاء.
ومن المتوقع أن يوافق المجلس التنفيذي هذا الأسبوع على نافذة تمويلية جديدة لمواجهة صدمة الغذاء في إطار التمويل الطارئ الذي يقدمه الصندوق. وستتيح النافذة المقترحة فرصا أكبر للحصول على التمويل الطارئ لمدة عام للبلدان الأكثر عرضة لتأثير هذه الصدمة. وفي الحالات التي لا يتوفر فيها قدر كاف من المنح والتمويل الميسر من الشركاء، أو يتعذر فيها إنشاء برنامج يدعمه الصندوق، ستتيح هذه النافذة قناة جديدة للدعم من الصندوق.
وتنشأ عن أزمة الغذاء العالمية تداعيات إنسانية مذهلة وتكاليف مالية كبيرة. وهي تتطلب منهجا شاملا وجيد التنسيق لضمان التكامل فيما بينها والحد الأقصى من الكفاءة في استخدام الموارد. وقد أصدرنا مؤخرا، مع البنك الدولي وشركائنا في العالم، بياننا المشترك الثاني، الذي ندعو فيه إلى التحرك للتعامل مع انعدام الغذاء على مستوى العالم. لا شك أن أوروبا وأميركا لا ترغبان في أن يتطور الصراع مع روسيا إلى استخدام السلاح النووي بأي صورة من صوره، لكنهما يفضلان إطالة أمد الأزمة في إطار الأسلحة التقليدية، هذا الوضع يستلزم معالجات لأزمة الطاقة، وانتزاع ورقة النفط من يد روسيا في إداراتها لهذا الصراع.
وإذا ما نجح الغرب في تأمين إمدادات النفط لأسواق العالم، بما يسمح بأسعار نفط مقبولة تدفع معدلات التضخم إلى الهبوط، فإنه سيصبح من السهل بعد ذلك التعامل مع بقية أجندة الأزمات التي يعيشها الاقتصاد العالمي.
بوابة أميركا في هذا الأمر، أن تسرع في التوصل لاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، ليدخل النفط الإيراني على خط بدائل النفط الروسي، بجانب خيار رفع العقوبات عن فنزويلا في قت يجري الحديث عن خطوات عملية اتخذتها أميركا في هذا المضمار.
أما بعض دول النزاع في المنطقة العربية فيمكن لأميركا أن تعمل على إعادة الهدوء إليها لتأمين مزيد من المعروض النفطي، كما هو الحال بالنسبة للعراق وليبيا.
عالم متعدد الأزمات
يتطلع كثير من الناس إلى نظام متعدد الأقطاب، لتخفيف الأضرار التي عانى منها العالم على الصعيد السياسي والاقتصادي ومختلف الصعد الأخرى، لكن الواقع الذي نعيشه هو أننا بصدد عالم متعدد الأزمات، وأن الخطوات التي يمكن أن تؤهل لنظام عالمي متعدد الأقطاب شديدة البطيء، بل قد لا تُرى، في ظل إمساك أميركا والغرب بالعديد من خيوط الواقع السياسي والاقتصادي، رغم تلك الثقوب التي أوجدتها الأحداث الأخيرة، خاصة الممارسات الروسية في سوق النفط، ووضع أوروبا في مأزق أزمة غير مسبوقة، فيما يتعلق بالطاقة، وما نتج عنها من تداعيات اقتصادية واجتماعية، جعلت بعض مكونات العولمة الاقتصادية أشبه ببيوت العنكبوت.
فالتعرض الشديد للصدمات المناخية غالباً ما يتسبب في حدوث خسائر وأضرار كبيرة، ولذلك أصبح وجود نظم زراعية متطورة ومرنة يُعد عنصراً هاماً لتعويض آثار التغير المناخي. وعلى سبيل المثال، فإن الاعتماد على بذور تتحمل الجفاف والفيضانات، وتحسين إدارة المياه، وتطوير تكنولوجيا ما بعد الحصاد، يمكن أن يقلل كثيراً من خسائر الأرز في جنوب شرق آسيا.
ويؤكد الباحثون أن هذه التغيرات المناخية لها تأثير سلبي على مناطق إنتاج الغذاء في مختلف أنحاء العالم، حيث إن المخاطر الزراعية المستقبلية المنبثقة عن التغير المناخي يمكن أن تؤدي إلى وقوع كوارث، مثل: موجة الجفاف الشديد التي شهدتها مناطق إنتاج الأرز مؤخراً في استراليا، في منطقة “ريفيرينا” في ولاية “نيو ساوث ويلز” جنوب شرق البلاد، ووقوع أعاصير بشكل مفاجئ مثل الأعاصير الاستوائية كما حدث في إعصار “نرجس” في ميانمار 2008 أو إعصار “هايان” في الفلبين 2013. كما أنه في بعض مناطق ومراكز إنتاج الغذاء، ستتسبب موجات الجفاف، وعدم انتظام هطول الأمطار، في تغيير النظام المناخي؛ مما سيجعل من الصعب على المزارعين التنبؤ بحدوث هذه الكوارث قبل وقوعها. تغير مراكز إنتاج الغذاء في العالم: لتجنب ارتفاع تكاليف التكيف، فإنه من المرجح أن تنتقل مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني إلى مناطق ذات ظروف مناخية أكثر ملائمة، وقد يقود ذلك إلى تغيير مناطق التوزيع العالمي لإنتاج وتصدير الغذاء، مع احتمال صعود بلدان جديدة على خريطة الأمن والإنتاج الغذائي في العالم باعتبارها مراكز لتصدير الغذاء، وظهور سلاسل جديدة لإمدادات الطعام، وبالتالي اختلاف ميزان القوى بين الدول المصدرة للغذاء والدول المستوردة له،
وهو ما سيُلقي بتبعاته على العلاقات الإقليمية والثنائية بين الدول. بناء القدرات في البلدان المنتجة، فنظراً لوجود برامج تنموية متنافسة،
وعدم توفر القدرات المالية في الدول النامية، فإن معظم الحكومات في هذه الدول لا تملك الوسائل اللازمة لتطوير التكيف الاستباقي في القطاعات ذات الصلة بالزراعة. وبالتالي يمكن لحكومات البلدان المستوردة للغذاء توفير المنح الدراسية والمنح البحثية للدكتوراه في هذا المجال.
فإن ضرورة التكيف مع التغيرات المناخية من أجل تطبيق نظام مرن لإنتاج الغذاء في العالم، يتطلب إجراء تغييرات مؤسسية وتكنولوجية واقتصادية، ليس فقط في الدول المصدرة للغذاء ولكن أيضاً في الدول المستوردة له. يتعين على البلدان المستوردة أيضاً توفير التكنولوجيا اللازمة لتطوير المعدات والمرافق اللازمة للحد من خسائر التخزين والتي تقدر بنسبة 20% بالنسبة للأرز في جنوب شرق آسيا. كما ينبغي أن تقوم الحكومات بدعم مراكز البحوث الدولية للأغذية.