كتب / د.عادل عامر
المساهمة الجنائية في القانون الجنائي هي حالة تعدد الجناة الذين يتركبوا نفس الجريمة ثمرة لنشاط واحد ولم تكن وليدة إرادة واحدة، وإنما كانت نتاج تعاون بين أشخاص عديدين لكل منهم دوره المادي وإرادته الإجرامية.
وتقابل حالة المساهمة الجنائية بذلك حالة ما إذا انفرد شخص واحد بارتكاب الجريمة فتجمعت في نشاطه وإرادته كل العناصر القانونية المتطلبة لقيامها. قد يقوم فرد واحد بارتكاب الجريمة، فيتحمل مسئوليتها وحده.
وقد يتعاون في الجريمة عدة أشخاص فيساهم كل منهم فيها بقدر. وتختلف صور التعاون في الجريمة بين الجناة المتعددين باختلاف ظروف الواقعة وما يقوم به كل منهم في سبيلها.
فقد يقتصر بعضهم على الدعوى إلى ارتكابها وتدبيرها، ويُعد البعض الآخر الوسائل المعاونة وهي كثيرة. ويُقال لهؤلاء جميعًا أنهم مساهمين في الجريمة مهما اختلفت أعمالهم ومهما كان وجه اتصالها بالفعل المكون للجريمة.
على أن الأعمال المختلفة التي يقوم بها الجناة المتعددون في سبيل الجريمة إذا ما نُظر إليها من حيث اتصالها بالفعل المكون للجريمة أو بعدها عنه تنقسم إلى نوعين يمثلان صور المساهمة الجنائية المختلفة
أعمال تدخل في الفعل المكون للجريمة التي وقعت. وبذلك يكون مقارفها قد ساهم في هذه الجريمة بطريق مباشر ويُسمى:
•فاعل الجريمة (بالفرنسية: Auteur): إذا انفرد بهذا الوصف
•أو فاعلا مع غيره (بالفرنسية: Co Auteur): إذا ما تعدد المقارفون لأفعال من هذا القبيل
أعمال لا تدخل في الفعل المكون للجريمة بل تكون خارجة عنه، وإنما تتصل به بطريق غير مباشر.
من أمثلتها:
•الدعوى إلى ارتكاب جريمة
•تسهيل ارتكاب جريمة بالمساعدة في الأعمال المجهزة لها
ويكون مقارف هذه الأعمال قد اشترك في الجريمة اشتراكًا ثانويًا.
ويسمى الجاني في هذه الحالة “شريكًا” (بالفرنسية: Complice).
وقد يكون دور المساهم لاحقًا على تمام الجريمة وإن ارتبط بها برباط وثيق.
ويسمى هذا المساهم الجنائي بالمخبئ أو المُخفي (بالفرنسية: Receleur).
وتقوم خطة القانون على التمييز بين نوعين من صور المساهمة الجنائية:
1- المساهمة الأصلية في الجريمة، وهي تعني حالة تعدد الفاعلين للجريمة
2. المساهمة التبعية في الجريمة وتعني الاشتراك فيها
لا بد لوجود حالة المساهمة الجنائية من وقوع جريمة بالفعل.
ولكن يستوي عندئذٍ أن تقع الجريمة التامة، أو أن تقف عند حد الشروع.
فالمهم هو ارتكاب الركن المادي للجريمة بمعرفة الفاعل، وذلك بصرف النظر عن المركز الشخصي لهذا الفاعل من ناحية المسئولية الجنائية والعقاب.
كما يستوي أن تكون الجريمة جناية أو جنحة أو مخالفة.
أما إذا كان الفعل الذي وقع لا يُعاقب عليه القانون فإن الاشتراك فيه لا يُعاقب عليه، كما في حالة الانتحار، فإن الشريك الذي يساعد المنتحر لا يُعاقب لأن الانتحار ليس بجريمة معاقب عليها. وكذلك إذا كان الفعل الذي وقع يُشكل شروعًا في جنحة لم ينص المشرع على عقاب الشروع فيها. وينبني على ذلك أنه في جرائم الاعتياد، التي تتكون من تكرار الفعل مرتين على الأقل، لا يُعد كل واحد منها جريمة في ذاته، مثل جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش وجريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة، ولا يكون الاشتراك في فعل واحد منها معاقبًا عليه، لأن الفعل الذي وقع فيه الاشتراك لا عقاب عليه في ذاته. وبالتالي فلا بد – لوجود الاشتراك قانونًا في هذه الجرائم – أن يكون قد وقع في عدد من الأفعال يكفي لتكوين ركن الاعتياد.
ويترتب على ذلك أيضًا أنه إذا مُحيت جريمة الفاعل الأصلي وزال أثرها، بأن صدر عنها عفو شامل، فإن ذلك يستتبع أيضًا حتمًا سقوط هذه الجريمة عن الشريك، لأن:
إجرام الشريك فرع من إجرام الفاعل الأصلي، والفرع يتبع الأصل.
وكذلك الحكم لو سقطت جريمة الفاعل الأصلي بمضي المدة، فإن الشريك يستفيد من ذلك فلا تجوز محاكمته عن نفس الفعل.
العبرة بوصف الفعل وليست مسئولية الفاعل.
إذ يكفي أن يكون الفعل الذي حصل الاشتراك فيه معاقبًا عليه في حد ذاته، ولو كان الفاعل الأصلي غير معاقب لسبب يرجع إلى شخصه، كم لو كان غير مسئول عن عمله كالمجنون، أو كان حسن النية كما لو دعي كاتب لتحرير عقد مزور وهو لا يعلم بأن ما يكتبه يشكل تزويرًا، فإنه لا عقوبة عليه لعدم القصد الجنائي، لكن الذي دعاه وأحضر له أدوات الكتابة وذكر له الأسماء المزورة يعد شريكًا تناله العقوبة. وكذلك إذا قام بالفاعل سبب يمنع من عقابه قانونًا، كالزوجة التي تعين زوجها على الفرار من وجه القضاء. ففي جميع هذه الحالات لا يُعاقب الفاعل، ولكن ذلك لا يمنع من معاقبة الشريك بالعقوبة المقررة قانونًا، لأن الفعل الذي حصل الاشتراك فيه مُعاقب عليه في ذاته بغض النظر عن صفة مرتكبه. وليس بشرط أن يكون فاعل الجريمة معلومًا، بل يعاقب الشريك ولو كان الفاعل الأصلي مجهولا، أو إذا كان قد توفي. وإذا برئ الفاعل الأصلي لسبب يتعلق بشخصه، كعدم ثبوت التهمة قِبله، أو لأن غيره هو الذي ارتكب الجريمة، فلا يمنع ذلك من معاقبة الشريك، بخلاف لو كانت البراءة قد بُنيت على أن الفعل المسند للمتهمين لم يقع، أو أن أركان الجريمة لم تتوافر، أو أن الدعوى العمومية قد سقطت بمضي المدة.
وليس هناك ما يمنع من أن يكون الشخص شريكًا في جريمة تستلزم في فاعلها صفة خاصة ليست في الشريك بحيث لا يمكن أن تقع هذه الجريمة من الشريك، مثال ذلك:
•اشتراك امرأة في جريمة اغتصاب أنثى.
•أو اشتراك غير موظف في جريمة لا تقع إلاّ من موظف، فيعاقب الشريك في هذه الحالة.
يترتب على اشتراط وقوع فعل أصلي معاقب عليه أنه إذا عدل الفاعل عن ارتكاب الجريمة بعد أن اتفق مع الشريك وأعد العدة لارتكابها فإن الشريك يستفيد من هذا العدول ولو تم بالرغم منه، ومن أجل ذلك لا يمكن أن يكون هناك شروع في الاشتراك، أما عدول الشريك نفسه فلا يفيده إذا وقعت الجريمة، بل يؤاخذ عليها بصفته شريكًا، ذلك لأن عمله في الجريمة يتم بمجرد قيامه بالأفعال المكونة للاشتراك، فإذا عدل بعد ذلك فلا يفيده هذا العدول، اللهم إلاّ إذا استطاع أن يزيل كل أثر لتدخله في ارتكاب الجريمة قبل وقوعها.
وهذا لا يتأتى في كل صور الاشتراك..
فمن يحرض على ارتكاب جريمة لا يمكنه بعد ذلك أن يتحلل من اشتراكه بعد أن بث فكرة الجريمة في الفاعل، أما إذا كان قد وعد الجاني بجعل مقابل ارتكاب الجريمة ولكنه عدل وسحب وعده قبل ارتكابها، أو كان قد قدم للجاني سلاحه يستعمله في ارتكابها – بغير أن يكون قد حرضه عليها – ثم استرده منه وعدل عن مسايرة الفاعل في عمله، فإن عدوله في هذه الصور وأمثالها يقيه العقاب.
نظم المشرع صورة خاصة من المساهمة الجنائية لا يلزم فيها شرط وقوع جريمة وهي “الاتفاق الجنائي”.
لا تتصور المساهمة في الجريمة بغير تعدد المساهمين، أي وجود أكثر من شخص واحد.
وقد تختلف الأدوار التي يلعبها المساهمون في الجريمة: فمنهم من يساهم بصفة أصلية فيكون فاعلا فيها، ومنهم من لا يساهم إلا بصفة ثانوية فلا يكون إلاّ شريكًا، غير أنه لا بد في كل حالة مساهمة جنائية من وجود فاعل واحد على الأقل، وهذا مفهوم من ضرورة أن تقع الجريمة تامة أو ناقصة، ولا تقع الجريمة إلاّ بمعرفة فاعل. ويتفرع عن هذا كله أن حالة المساهمة الجنائية لا تخرج عن أحد وضعين:
•فإما أن يكون المساهمون كلهم فاعلين
•وإما أن يكونوا فاعلين وشركاء
ولكن لا يتصور بداهة أن يكون المساهمون جميعهم من الشركاء. أما إذا كان الجاني واحدًا فلا يتوافر أحد ركنين المساهمة الجنائية. ولا تثور بطبيعة الحال المشاكل التي تودع قواعد المساهمة الجنائية لحسمها. ذلك لأن ارتكاب شخص واحد لجريمة يعني أن يطبق عليه نص القانون الخاص بهذه الجريمة وتوقع عليه القوبة المحددة في هذا النص.
إذا كان الجاني واحدًا ولكن تعددت جرائمه، فلا تعد حالته حالة مساهمة جنائية، وإنما تُعد حالة “تعدد الجرائم” (بالفرنسية: Concours d’infractions)، أي ارتكاب شخص عددًا من الجرائم دون أن يفصل بينها حكم بات. فحالة تعدد الجرائم تفترض إذن وحدة المجرم وتعدد الجرائم، وهي تقابل بذلك المساهمة الجنائية التي تفترض تعدد الجناة ووحدة الجريمة.
ومن المعلوم أن لتعدد الجرائم أحكامه الخاصة التي تختلف عن الأحكام المتعلقة بالمساهمة الجنائية.
ويختلف تعدد الجناة كركن في المساهمة الجنائية عن حالة “جرائم الجماهير” (بالفرنسية: Crimes de foules) التي تفترض أنه تعدد الجناة، ولكن تعددت بقدر عددهم الجرائم المرتكبة، بحيث كان كل واحد منهم مرتكبًا جريمة قائمة بذاتها مستقلة بأركانها عن الجرائم الأخرى. وإذا كانت هذه الحالة تتفق مع المساهمة الجنائية في افتراضها تعدد الجناة فإنها تختلف عنها في تعدد الجرائم. ولا يجوز الخلط بين هذه الحالة وبين المساهمة الجنائية، ولو ارتكبت هذه الجرائم في مكان واحد أو في وقت واحد، أو جمعت بينها وحدة الباعث. ومن أمثلة جرائم الجماهير تلك التي يرتكبها جموع من الناس استجابة لانفعال سيطر عليهم، كما لو اعتدى متظاهرون على رجال الأمن الذين أرادوا تفريقهم.
يختلف تعدد الجناة كركن للمساهمة الجنائية عن تعدد الجناة كركن في بعض الجرائم.
ذلك أن بعض الجرائم لا يتصور أن يرتكبها شخص واحد وإنما يتعين أن يرتكبها عدد من الأشخاص يتقاسمون تحقيق الماديات التي تفترضها الجريمة. مثال ذلك إضراب الموظفين عن العمل الذي يفترض صدور الامتناع عن ثلاثة موظفين على الأقل، والرشوة التي تفترض وجود راشي ومرتشي، والزنا الذي يفترض وجود الزوج الزاني وشريكته.
والفرق واضح بين الاشتراك الضروري والمساهمة الجنائية على الرغم من افتراض كل من الوضعين تعدد الجناة، ذلك أن المساهمة الجنائية هي أسلوب لارتكاب الجريمة، وهذه الجريمة كان يمكن أن يرتكبها شخص واحد، فالقتل مثلا جريمة لا يتطلب نموذجها القانوني اجتماع عدة أشخاص لارتكابها، لأنها بطبيعتها يمكن أن يرتكبها شخص واحد، كما تقبل الوقوع من جانب عدد من الأشخاص وبالتالي إذا ساهم شخصان أو أكثر في ارتكاب جريمة القاتل فإننا نكون بصدد حالة مساهمة جنائية، أما الاشتراك الضروري فهو ركن في الجريمة بحيث لو انتفى لا يمكن أن تقع الجريمة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المساهمة التبعية تتصور حتى في الجريمة التي تفترض الاشتراك الضروري، فيتصور التحريض على إضراب الموظفين، وتتصور المساعدة على الزنا.
وعلى ذلك إذا كان “الاشتراك الضروري” يمثل وصفًا متميزًا عن “المساهمة الجنائية” فإنه لا تطبق عليه بالضرورة أحكامها.