د. عادل عامر

أهمية الجلسات الأسرية

 كتب /الدكتور عادل عامر                                                                                                                                               

كانت جهود المؤسسات الخاصة في فترة الإصلاح الاجتماعي التي انطلقت في الولايات المتحدة وأوروبا في بداية القرن العشرين, السبب في ظهور العمل الاجتماعي في المدارس. وخاصة المدارس الأهلية في كل من بوسطن ونيويورك بداية من العام الدراسي 1907/1906

بدأت المبادرة من المحلات الاجتماعية وبيوت الجيرة في نيويورك, التي رأت في زيادة المدارس واجبا عليها أن تقوم به لإيجاد صيغة من التعاون بين المدرسة والمحلات الاجتماعية لمواجهة مشكلات أبناء الحي الذي توجد فيه.

مثلما سعت الجمعية النسائية للتعليم إلى إيجاد رابطة مماثلة بين المدرسة والبيت عن طريق المدرس الزائر الذي كان يطوف الأحياء لزيارة أهالي الطلبة والبحث معهم في مشكلات و أوضاعهم التعليمية والاجتماعية والنفسية.

أما في هارتفورد فقد سعت العيادة لسيكولوجية المحلية هناك إلى التعاون مع الأسرة والمدرسة لحل المشكلات النفسية والتعليمية للطلبة.

أما على الصعيد الحكومي, فان المدارس الحكومية قد عينت أول أخصائية اجتماعية للعمل مع الطلبة في مدرسة(وتشتسير)في نيويورك عام1913 وغير اسم المدرس الزائر إلى الأخصائي الاجتماعي المدرسي عام1919 بعد إنشاء أول جمعية للأخصائيين الاجتماعيين في المدارس.

واخذ الأخصائيون الاجتماعيون باتجاه معالجة حالات سوء التكيف مع الأجواء المدرسية والبيتية, واستمرا العمل بهذا الاتجاه إلى أن بدا بالاتساع في تناول المشكلات الاجتماعية للطلبة وبشكل جماعي ومجتمعي.

أما على الصعيد العربي, فعرف العمل الاجتماعي المدرسي في أواخر الأربعينات من القرن العشرين, وفي مصر بالذات, إلا أن الدور المهني لم يتم انجازه بسهولة ولم يعترف به في البداية, وظل الأخصائيون الاجتماعيون يسعون بجهودهم لإشعار القطاع التعليمي خاصة والمجتمع عامة بأهمية دورهم في دعم العملية التعليمية وصقل شخصية الطالب, حتى ترسخ هذا الدور وأصبح جزءا من الأداء التعليمي في مختلف المراحل.

وقد أخذت المملكة العربية السعودية التجربة المصرية وطبقتها في مدارسها, ثم أخذت دول الخليج العربي نفس التجربة بعد استقلالها في مستهل عقد السبعينات.

إلا أن الأردن وعدد من الدول العربية الأخرى كدول المغرب العربي مال نحو الاستفادة من برامج الإرشاد والنفسي والاجتماعي التي ازدهرت الدراسة فيها والإقبال عليها في كليات العلوم التربوية في الجامعات الأردنية والعربية المختلفة, الأمر الذي أغلق المجال ولو بصورة جزئية أمام الأخصائيين الاجتماعيين للعمل مع الطلبة في قضاياهم الاجتماعية والنفسية.

أدخل العمل الاجتماعي في المجالات التعليمية بأوائل الخمسينيات, بهدف تفرغ المعلمين الذين يقومون بعمليات الإشراف لمواجهة تزايد أعداد الطلبة و زيادة عدد الصفوف, بالتالي للتفرغ للعملية التعليمية و أعباؤها, تمكنت مهنة العمل الاجتماعي في المدرسة العربية أثناءها أن تؤكد دورها الايجابي والإنشائي في العمليات التربوية والتكوينية للطالب, مستفيدة من مفاهيم التربية الحديثة, التي تؤكد على النمو الاجتماعي والنفسي للطالب إلى جانب التحصيل الدراسي, فأخذت تساهم في العمليات التربوية, لمساعدة الطالب في الوصول إلى الأهداف المتكاملة, التي تسعى المدرسة إلى الوصول إليها.

ترجع أهمية العمل الاجتماعي في المجال التعليمي إلى أنه عمل مع قطاعات كبيرة من أبناء المجتمع هم طلبة مختلف المراحل التعليمية من ذكور و إناث, وتشكل جهوده حلقة في إعداد الجيل الجديد الذي سوف يتحمل مسؤوليات المستقبل, فإذا نجحت مهنة العمل الاجتماعي في دورها البناء تكون قد ساهمت مساهمة أكيدة في تحقيق أهداف التنمية وتقدم المجتمع.

وتعني هذه المهنة في مجال التعليمي على مستوى المدرسة, وكذلك المستويات الإشرافية والتخصصية والإدارية وغيرها , التي ينصب تأثيرها على المدرسة, وهي تمثل مجموعة المجهودات والخدمات والبرامج, التي تعمل على رعاية النمو الاجتماعي للطلاب , بقصد تهيئة الظروف الملائمة لتقدمهم التعليمي والتربوي.

 تتيح الفرص للأخصائي الاجتماعي أن يرى الأسرة ككل أكثر منها أفرادًا ، وكما تمكنا الجلسات الأسرية من دراسة وفهم الفرد في محتوى الأسرة كنسق اجتماعي طبيعي .

2- تمكن الأخصائي الاجتماعي من ملاحظة الأنماط المختلفة من السلوك داخل الأسرة مثل بناء القوى ، القيادة والتبعية ، الأدوار من الذي يحرك وببادئ ويقترح ومن التابع ، أنماط الاتصال ، أنماط الصراع ، وما إلى ذلك من أمور لها مغزاها في العلاج الأسري .

3- تعتبر فرصة سانحة لأفراد الأسرة وأطراف المشكلة للتعبير عن وجهات نظرهم ومشاعرهم وأفكارهم في مواجهة الأطراف في ظل توجيه مهني وقيادة واعية تستثمر ذلك في إحداث التغيير المطلوب من خلال إعادة تصحيح فهم الرسائل وإعادة تشكيل شبكة الاتصالات غير المرغوب فيها واستخدام أساليب متنوعة للتأثير في الأداء الاجتماعي والنفسي للأسرة .

4- تساعد في الوصول إلى فهم أعمق للأسرة ككل وأيضًا للفرد صاحب المشكلة وهو في موقفه الاجتماعي الطبيعي بدلاً من الاعتماد على التقرير اللفظي للفرد الآخر ، ومن ثم يساعد ذلك في التوصل إلى تشخيص سريع ودقيق للمشكلة .

5- تساعد على الإقلال من حدة القلق ومشكلات السرية و التحويل والتبرير وإلقاء اللوم على الآخرين والتي غالبًا ما يكتنف مواقف العلاج الفردي.

6- تعمل على الاقتصاد في الوقت .

7- تتيح الفرصة لمقابلة بعض الشخصيات التي ليس لها دخل مباشر في المشكلة المطروحة ولكن آرائها ذات قيمة علاجية حيث إن آراءها أكثر موضوعية .

مراحل العلاج الأسري :

لا يوجد حتى الآن اتفاق على هذه المراحل وطبيعة كل مرحلة فقد اختلف المعالجون الأسريون في تحديد هذه المراحل من حيث العدد نتيجة لإختلاط المداخل النظرية والثقافية وتباين خبراتهم العلاجية ، حيث يرى البعض أن هناك أربع مراحل أساسية للممارسة العلاجية بينما يبني آخرون مراحل ثلاث للعلاج وإذا رجعنا إلى وجهتي النظر نجد أن الاختلاف في المسميات فقط وليس الجوهر وتوجزها الباحثة في الأتي:

1- المرحلة الأولى :

يحاول الأخصائي في هذه المرحلة جذب أفراد الأسرة للمساهمة في العلاج وتشمل هذه المرحلة المهام الآتية:

1- الاجتماع الأول ينطوي على مقابلة اجتماعية, فهو يقوم بتعريف نفسه للأسرة ويلاحظ هذه الأسرة من حيث الجلوس والقيادة وكيفية عرض المشكلة وتنتهي هذه المهمة بأنه يضع القواعد الأساسية للمقابلات.

2- عرض المشكلة في هذا المجال يسئل الأخصائي عن ما هي المشكلات وماذا تريد الأسرة, وفيها يعرض جوانب الأختلاف وكيفية إدارة الحوار وعليه أن يلاحظ التفاعل وفي هذا يحاول الأخصائي أن يعيد صياغة المشكلة على أنها تخص الأسرة وليس الفرد صاحب المشكلة .

3- التفاعل أو وضع القواعد ويعني ذلك أن الأخصائي يحاول أن يُدخل كل أفراد الأسرة في الحديث ليعرف كيف يتفاعل مع كل منهم وبالرغم من أن كل فرد له شخصيته المتفردة إلا أنه أثناء الاجتماع مع الأسرة فإنه يضبط سلوكه ، وملاحظة الأخصائي لهذا التفاعل تساعده على تصور طرق بديلة للتفاعل عند تفكيره في الحلول ويحاول الأخصائي أثناء التفاعل أن يوسع بؤرة الاهتمام فبدلاً من أن تركزها الأسرة على الفرد صاحب المشكلة يحاول هو أن يوسع تعريفهم للمشكلة حيث يرى كل منهم دوره في موقف الأسرة الحالي وكيف ساهم في استمرار الوضع ويساهم هذا في سهولة جمع المعلومات ووضع قواعد جديدة لتناول مشكلات الأسرة ورؤية حقيقة الأسرة.

وفي نهاية هذه الجلسة أو الجلسات الأولى يحدد ما هو التغيير المطلوب أي أنه يسأل أفراد الأسرة عما تريده الأسرة من العلاج ومحاولته تشكيل أهداف العلاج .

2- مرحلة وسط العلاج :

تمثل هذه المرحلة جوهر العلاج الأسري ، حيث يتفق المعالج مع الأسرة على القيام بزيارتهم بانتظام مرة كل أسبوع وتتراوح مدة الزيارة من ساعة إلى ساعة ونصف تقريبًا ، وفي هذه المرحلة قد يواجّه المعالج بعض المقاومة من بعض أفراد الأسرة في كشف أسرارها وإظهار مواطن ضعفها وقد تأخذ هذه المقاومة شكلاً شعوريًا أو لا شعوريًا .

ويركز المعالج هنا على التفاعلات بين أعضاء الأسرة و الوقوف على خبرات كل فرد في الأسرة ، ونظرة كل فرد في الآخر حتى يتمكن من معرفة ألوان الضغط ومواطن الصراع ، ويحرص على ألا يقابل أحدًا من أفراد الأسرة سرًا ، ولا ينظم تكتلات أو تحيزات داخل الأسرة ، وأن يحرص أثناء الجلسات على مساعدة الأسرة في تغيير نمط العلاقات والتجمعات الهدامة داخل الأسرة .

3- مرحلة نهاية العلاج :

يستغرق العلاج الأسري كما يرى Bell من 8-20 جلسة أي من 8 إلى 20 أسبوعًا ولا ينهي المعالج تدخله إلا بعد التأكد من أن الأسرة أصبحت قادرة على حل صراعاتها ، وأن في مقدورها قيادة نفسها بنجاح ، وأنها تستطيع أداء وظائفها الاجتماعية بالشكل المطلوب.

ويتفق معظم الأخصائيين الاجتماعيين الذين مارسوا العلاج الفردي والعلاج الأسري على أن العلاج الأسري عادة ما ينتهي بيسر وسهولة مقارنة بالعلاج الفردي حيث أن الأسرة قد اعتادت من خلال الجلسات الأسرية أن تعتمد على نفسها في حل مشاكل العلاقات فيها .

وفي نهاية العلاج الأسري يجب أن يقوم الأخصائي بجهود تدعيم الأسرة أو زيادة فاعليتها للإبقاء على التغييرات والمكاسب التي تحققت مع ضمان الاستمرار في عملية التغيير كلما لزم الأمر .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...