د. عادل عامر

استراتيجيات العلاج الأسري

 كتب /الدكتور عادل عامر                                                                                                                                             

بدأت رعاية الشباب كخطط وبرامج في إطار الاهتمام بالحركة الرياضية والحركة الكشفية على مستوى الدول العربية والأجنبية منذ الثلاثينات من القرن العشرين, وكانت طريقة خدمة الجماعة قد نشأت في منتصف الثلاثينات بعد بروز الدعوة إلى العمل الجماعي باعتباره أكثر جدوى للاهتمام بالإنسان وتنمية العنصر البشري في المجتمع من العمل بصورة فردية مع الحالات التي تعاني من القصور والعجز وسوء التكيف والمشكلات المختلفة.

وقد ارتبطت خدمة الجماعة برعاية الشباب على اعتبارها طريقة تنظيم النشاطات اللامنهجية للشباب داخل المدارس وخارجها, ولكنها ظلت في الإطار الرياضي والكشفي, إلى أن تم التوسع في الإطارين الثقافي والفني في ظل دعوة إلى تنمية متكاملة لشخصية الشاب.

وما إن انبثقت الطريقة الثالثة للعمل الاجتماعي على مستوى المجتمعات المحلية تنمية وتنظيما لقطاع الشباب,  وكان ذلك في نهاية الأربعينات من القرن العشرين, ما لبثت أن اتسعت لتنظر إلى رعاية الشباب كجهد وطني متكامل يهتم بالشباب, كقطاع مستعرض مع قطاعات الأسرة والتعليم والصحة والعمل والرعاية الاجتماعية والثقافة والإعلام والترويح, وان مسؤولية رعاية الشباب لا تقع على جهاز أو جهة واحدة, ولكن على عدة جهات, وانه من المستحسن أن يكون هناك مجلس أعلى للشباب يعكس حاجات الشباب ومطالبهم ويترجمها إلى سياسات وخطط وبرامج توكل مسؤوليتها إلى الجهات المختلفة في القطاعات المختلفة التي يوجد الشباب من بين الفئات المستهدفة لخدماتها.

أخذ هذا الاتجاه بالاتساع منذ بداية السبعينات , وان لم يدرك على حقيقته في كل الدول وفي كل التجارب, ولكنه شكل خطوة في الاتجاه الصحيح.

ويبقى دور العمل الاجتماعي بارزا من حيث دراسة الحاجات والمطالب وحصر المشكلات والعوائق والتعرف على الرغبات التي يبدلها الشباب بما يساعد على وضع تصورات مستقبلية للاهتمام بالشباب هذا على المستوى الوطني, أما على المستوى المحلي فيتمثل العمل الاجتماعي في الجهود المهنية لتتناول المشكلات الفردية والصعوبات التي تواجه جماعات الشباب وبما يساعد على إسماع صوت الشباب ووحدة كلمتهم وإفساح دور أكبر أمامهم للمساهمة في تنمية المجتمعات المحلية, وفي إطار العمل التطوعي وضمن جهود معسكرات ومراكز الشباب والأندية والروابط والجمعيات والجامعات.

وتعتبر مرحلة الشباب مرحلة الأعداد الاجتماعي بإشباع كافة الحاجات وتهيئة الفرص التي تحقق له التنشئة الاجتماعية والقدرة على التحمل مسؤوليات المستقبل.

فالشباب مرحلة من مراحل العمر التي تمر بالإنسان وتتميز بالحيوية وهي طاقة متجددة تضفي على المجتمع طابعا مميزا وترتبط بالقدرة على التعلم والمرونة في العلاقات الانسانية وتحمل المسؤولية, والشباب طاقة قومية بما تحويه من قدرات و افكار وانفعالات  منطلقة وتعتبر هذه القدرات الاجتماعية خلاصة المهارات والخبرات التي يكتسبها ويتشبع بها من خلال تجاربه وعلاقاته بالمجتمع , تعتبر هذه الطاقة الانسانية في الشباب خلاصة مجموعة القدرات الجسمية والعقلية والنفسية التي يولد بها والتي تشكل وتأخذ أشكال متفاوتة بين مرحلة وأخرى من مراحل العمر وتختلف من فرد لآخر في ضوء اختلافات هذه الخبرات والعلاقات الاجتماعية التي تنمو وتتكيف نتيجة ظروف تعليمية واقتصادية وصحية في المجتمع.

لم يعد مفهوم رعاية الشباب في المجتمع المعاصر يدل على الاهتمام بالأنشطة التي يمارسها الشباب في وقت الفراغ, وتشرف على تنظيمها جهات حكومية وأهلية, وتقدم لها الدعم والتسهيلات إذ أن هذا الفهم بهذا المفهوم قد تجاوزه العصر عندما وسع من إطار رعاية الشباب, ليشمل الجهود التي تبذل لتحقيق تنمية شاملة متكاملة للشباب, كفئة معينة من الفئات العمرية في المجتمع, تلك التي تشكل حلقة بين الطفولة والنضج, بغض النظر عن حدها الابتدائي وحدها الانتهائي, الذي يتفاوت باختلاف اجتهادات المجتمعات والاعتبارات, كأن تحدد البداية بالسنة 15من العمر أو 18أو 20 وأن تحدد النهاية بالسنة 25 أو30 أو 35 من العمر.

وقد تنبهت المجتمعات المعاصرة إلى أهمية الشباب, باعتباره القوى المنتجة الفعالة في مستقبل المجتمع والدولة, و إذا صلح الشباب في الحاضر يصلح المجتمع في المستقبل, و أن تنمية الشباب جسميا ونفسيا وذهنيا واجتماعيا, ضمانة لإنتاج جيل جديد قوي من النواحي الجسمية والذهنية والاجتماعية, يتمكن من خدمة مجتمعه وتطويره, ويقدر على تحقيق طموحاته وأهدافه, بما ينعكس بالإيجابية على نفسه وأسرته وبلده, بما يمتاز به من استعداد وقدرة و إرادة وشعور بالمسؤولية الاجتماعية.

تؤدي رعاية الشباب إلى المحافظة على كيان المجتمع وبقائه واستمراره فالشباب هو الذي ينقل ثقافة المجتمع ونظمه و اساليب تفكيره  وعوامله و آدابه وفنونه.

ولا يحفظ الشباب التراث الاجتماعي والقيم الاجتماعية في نطاق مجتمعه فقط بل ينقله للمجتمعات الاخرى.

ولما كانت مهنة العمل الاجتماعي تعني بالقوة البشرية فيه, وتتعامل معها كأفراد وجماعات وكمجتمع مترابط, لتزيد من إمكانياتها في تطوير حياتها الخاصة و العامة, لتخلو من المشكلات والمعوقات, ولتزيد فيه الإمكانيات وتتحسن فيها القدرات, فإنها- أي مهنة العمل الاجتماعي – تلتقي مع-رعاية الشباب- في المسعى وفي الهدف, وتشتركان في حمل الرسالة الإنسانية الاجتماعية ذاتها, التي تنادي بالاهتمام بالإنسان بصورة متكاملة لينعكس ذلك على المجتمع بصورة كاملة.

الاستراتيجية الأولى :

وتتمثل في توظيف مفاهيم نظرية الاتصال حيث تركز هذه الاستراتيجية على الاستخدام الفعال لقنوات الاتصال مرتكزة في ذلك على جهود الأخصائي الاجتماعي في أن يوضح سوء الفهم وأسباب عدم تفهم مضمون الرسالة ومعرفة معانيها من خلال معرفة المزيد من العلاقات والتفاعلات .

الاستراتيجية الثانية :

وتتمثل في تعديل البناء الأسري حيث أن هناك بعض المواقف والمشكلات التي تستدعي من الأخصائي المعالج أن يتدخل بشكل مباشر لتوجيه وتعديل بناء الأسرة ، والمقصود ببناء الأسرة هنا مجموعة المكانات والأدوار التي يشغلها كل عضو في النسق الأسري وخارجة وتأثير ذلك على المشكلات الأسرية ، ومن ثم فإن المحك الأساسي للمعالج في هذه الاستراتيجية يقوم على افتراض إن عدم التوازن في البناء الأسري يؤدي حتمًا إلى عدم التوازن في إشباع الحاجات ، ومن ثم يؤثر على قيام الأسرة ككل بأدوارها وإشباع حاجاتها وحاجات أنساقها الفرعية فتظهر المشكلات .

الاستراتيجية الثالثة :

وهي استراتيجية التوازن الأسري والتي يشار إليها أحيانًا على أنها أساليب التوازن الأسري ومحتويات هذه الاستراتيجية توصيف التوازن الأسري القائم ، والتعرف على الأدوار القائمة ، واكتشاف النقص في ممارسة الأدوار ، وانعكاسات الأدوار وعلاقتها بالتوازن ، والمرونة في إحداث التوازن وقدرة الأسرة على مواجهة المشكلات غير المتوقعة ، وبناء أدوار جديدة ، وإعادة توزيع الأدوار القائمة ، واستثمار التغيرات القائمة في مساعدة الأسرة على استعادة التوازن .

وتهدف هذه الاستراتيجية إلى مساعدة الأسرة على الاستقرار المرن لتلبية المتطلبات الجديدة للنسق الأسري كنسق مفتوح ، ويستخدم المعالج هنا مهاراته المتنوعة في المناقشة والتحليل والإيضاح لمعرفة مناطق الضعف في النسق الأسري التي تؤثر على أداء الأسرة لأدوارها بفاعلية ، ويسعى المعالج إلى إحداث التغيرات في ضوء توظيف أساليب التفاعل والاتصالات واستثمار طاقة الموارد والطاقات المتاحة في الأسرة وخارجها لاستعادة التوازن الأسري ومسايرة الأسرة لعمليات التغير المستمر .

الاستراتيجية الرابعة :

وهي استراتيجية تغيير القيم أو إعادة بنائها فقد يكون الاختلاف بين قيم أفراد الأسرة أو قيم المجتمع سببًا في حدوث العديد من المشكلات وبصفة عامة فإن هذه الاختلافات في القيم تؤثر على الأسرة ككل ، ويسعى المعالج الأسري إلى تحديد القيم العامة التي تؤدي إلى إحداث الصراع ويحاول بطبيعية الحال أن يدفع أفراد الأسرة إلى القيم البنائية المرغوبة التي تزيد من التماسك وتقلل من الصراع .

دور الأخصائي الاجتماعي في العلاج الأسري :

إن فاعلية العلاج الأسري يتوقف على مهارة وقدرة الأخصائي على تناول العلاج بصورة سليمة وقيادة الأسرة نحو تحقيق أهدافها فيرتبط الأخصائي الاجتماعي بالأسرة باعتباره عضوًا متفاعلاً في النسق العلاجي ويقوم بتحليل النسق الأسري وتفهم طبيعة العلاقات ، وكيف أسهمت في خلق المشكلة ، كذلك يقوم الأخصائي الاجتماعي بتكوين اتصالات علاجية فعّالة ويتأكد من أن المسائل تم استقبالها بمعناها المقصود وأن يؤكد على أهمية الاتصال الواضح السليم بين أعضاء الأسرة وبينه هو وبين أعضاء الأسرة ككل والأنساق الخارجية في المجتمع ، ودور الأخصائي الاجتماعي في العلاج الأسري يتطلب منه القيام بدور مزدوج هو دور الوسيط ودور الملاحظ .

فدور الوسيط كما يراه ” زوك ” يعني مناصرة أحد أفراد الأسرة والاهتمام به في مواجهة فرد آخر ، وهذا الدور هو من الأمور التي لا مفر منها في العلاج الأسري حيث أن لذلك قيمة علاجية لإحداث التوازن داخل الأسرة والقضاء على مصدر هام من مصادر مشكلاتها ، ويتطلب هذا الدور من الأخصائي الاجتماعي عدم الانحياز إلى أي نسق فرعي دون شرعية أو وجه حق مع تقديم وجهات نظر جديدة تساعد على توازن الأسرة وتماسكها .

أما دور الملاحظ فيعني أن يقوم الأخصائي بملاحظة كل ما يدور في الجلسات الأسرية وإدراك مدلوله، فالطريقة التي تختارها الأسرة للجلوس غالبًا ما تعكس طبيعة العلاقات والتفاعلات في الأسرة.

دور الأخصائي الاجتماعي في معالجة الخلافات الأسرية :

1- الدور الوقائي : تفادي المشاكل والأمراض الفردية ، والمشاكل الأسرية وذلك عبر

• تعزيز العلاقات الأسرية .

• الإرشاد والتوجيه اللذين يعطيان الأطراف الأستبصار الكافي لحل المشاكل ولتفاديها .

• التوعية والتثقيف الاجتماعي، الصحي ، التربوي لتفادي المشاكل الأسرية المختلفة .

2- الدور العلاجي:

• معالجة المشاكل والأزمات الأسرية بالتعاون مع أصحاب المشكلة أنفسهم .

• مساعدة أفراد الأسرة الذين يعاونون من مشاكل معينة على التكيف .

• المساعدة في التأهيل الجماعي للأسرة .

3- الدور الإنمائي :

• تنمية الإمكانات والطاقات الشخصية الكامنة في أفراد الأسرة الواحدة .

• تمكين الأسرة بالأساليب العلمية المختلفة لحل مشاكلها المستقبلية وتعزيز الاستقلالية الذاتية للأسرة .

• المساعدة في تنمية البيئة الاجتماعية المحيطة بالأسرة وذلك عبر تفعيل الأدوار والمساعدات بين القطاع الأهلي الخاص والقطاع الرسمي ، وتحضير البرامج التنموية والاجتماعية والصحية التي تستهدف الأسرة . عرض أقل

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...