كتبت مني جودت
رأس المال المغامِر أصبح أكثر أهمية في تشكيل اقتصاديات الدول المتقدمة من أي وقت مضى ولا يزال قوة حيوية في دفع النمو الاقتصادي والابتكار
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله مفهوم رأس المال المغامر، مشيراً إلى أن رأس المال المغامر يُعَد شكلًا من أشكال الأسهم الخاصة المستخدمة في تمويل الشركات الصغيرة والناشئة والتي تتمتع بفرص نمو مرتفعة لذا تحظى باهتمام المستثمرين، وعادةً ما يتم تمويل الشركات الناشئة والصغيرة في المراحل الأولى من تأسيسها في مقابل امتلاك بعض من حصص تلك الشركات، كما أنه من غير المتوقع استرداد قيمة الاستثمار طبقًا لفترة زمنية محددة كما هو الوضع في الاقتراض البنكي أيضًا، ويشمل رأس المال المغامر نوعًا آخر من الاستثمار وهو ما يمثل أداة تنويع متمثلة في ضخ المال في عدد من الشركات بدلًا من الاستثمار في شركة ناشئة واحدة.
وأوضح التحليل أنه طبقًا لتقرير Harvard Business Review تلعب استثمارات رأس المال المغامِر دورًا مهمًّا في المرحلة الثانية من دورة الابتكار والإنتاج التي تشتمل على الترويج للمنتج، وكذا يقدر أنه يتم استخدام 80% من استثمارات رأس المال المغامر في تشييد البنية التحتية اللازمة لنمو المشروعات.
وتجدر الإشارة إلى أن رأس المال المُغامِر لا يُعَد استثمارًا طويل المدى؛ حيث تكمن قيمته في توفير التمويل اللازم للشركات حتى مرحلة تحقيق الاعتماد والوصول إلى مرحلة النضج بحيث يمكن بيعها إلى شركة أو حتى تتمكن أسواق الأسهم العامة من التدخل وتوفير السيولة، لذا يعتبر رأس المال المغامر هو ثمن تملُّك جزء من الملكية الفكرية لرجل الأعمال صاحب الابتكار (entrepreneur) حتى تحقق الشركات مقدارًا كافيًا من النمو ثم يتم طرح الأسهم المملوكة لها في البنوك الاستثمارية لتوفير سيولة مالية جديدة.
وذكر المركز أنه على مدى الأعوام السابقة، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية والصين والمملكة المتحدة، على الترتيب، مراكز القيادة من حيث قيمة الاستثمار في رأس المال المغامِر بما يعادل نحو 109.6 مليارات دولار خلال الربع الأول من عام 2024؛ حيث تُعَد الولايات المتحدة رائدة في هذا المجال؛ إذ يمثل حجم استثمار رأس المال المغامِر القدر الأكبر فيها بواقع 80 مليار دولار، تليها بفارق الصين بقيمة 21,3 مليار دولار، ثم المملكة المتحدة بقيمة 8,3 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يصل إجمالي رأس المال المغامِر العالمي بنهاية عام 2024 إلى 468 مليار دولار، وذلك بمعدل تغيُّر قيمته 3.2%.
وفي هذا الإطار، أصبح رأس المال المغامِر أكثر أهمية في تشكيل اقتصاديات الدول المتقدمة من أي وقت مضى، حيث يعمل الاستثمار في رأس المال المغامِر كوسيلة لخلق قيمة مُضافة عالية فيما يسمى بـ “اقتصادات الابتكار”، فعلى سبيل المثال، يُسهِم اقتصاد الابتكار بشكل واسع في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، حيث يمثل إجمالي استثمارات رأس المال المغامِر 3.5% من إجمالي استثمارات القطاع الخاص المحلي، وتكمن أهميته أيضًا في توفير التمويل والخبرة والعلاقات الاستراتيجية اللازمة لمساعدة الشركات الناشئة على إحياء أفكارها والتنافس مع كبرى الشركات.
وعلى الرغم من التغيرات السوقية والتنظيمية، لا يزال رأس المال المغامِر قوة حيوية في دفع النمو الاقتصادي والابتكار، كما أنه يخلق نماذج أعمال جديدة لديها القدرة على تغيير العالم، ويستعد مشهد استثمارات رأس المال المغامِر لتغييرات كبيرة في السنوات القادمة، ومن المتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات في تشكيل مستقبلها في الاقتصاد، مع التقدم في التكنولوجيا، والتحولات في الاقتصاد العالمي، وتغير تفضيلات المستهلكين.
وأضاف التحليل أن استثمارات رأس المال المغامِر تتنوع بحسب مراحل التمويل للشركات الناشئة، وتتمثل أولًا في مرحلة ما قبل التمويل الأوَّلي، وعادةً ما يكون التمويل فيها محدودًا، ويكون بهدف تطوير المنتجات أو أبحاث السوق أو تطوير خطة العمل، واختبار ملائمة المنتج في السوق، ويطلق عليها أيضًا “جولة ما قبل التأسيس” وتمثل أغلب مصادرها من المستثمرين الملائكيين أو صناديق رأس المال المغامِر المصغرة، تليها مرحلة التمويل التأسيسي وتدعم فيها النمو خلال مراحل التوسع الأولى بمبالغ تمويلية كبيرة تهدف إلى تلبية احتياجات رأس المال لعمليات مثل التوظيف والتسويق والعمليات، وتُعرف أيضًا باسم “تمويل السلسلة أ”، مع الجولات المستقبلية المعروفة باسم “السلسلة ب ” وما إلى ذلك، ثم المراحل المتأخرة والتي تكون مخصصة للشركات الأكثر نضجًا التي أثبتت قدرتها على النمو وتوليد الإيرادات، وأحيانًا الأرباح، هذا وتميل شركات رأس المال المغامِر إلى أن تكون أقل مشاركة في تمويل المراحل المتأخرة، وبشكل أكثر شيوعًا، تشارك شركات الأسهم الخاصة وصناديق التحوط مؤخرًا في هذه المرحلة؛ لأن المخاطر أقل وإمكانية تحقيق عوائد ضخمة أعلى.
وأشار التحليل إلى أن صناديق رأس المال المغامِر تميل بشكل عام في تمويل المراحل المبكرة إلى التركيز على قطاعات أو مناطق جغرافية محددة، بينما يتخذ المستثمرون في المراحل اللاحقة نهجًا أوسع بالاستثمار في مراحل مختلفة من الأعمال. ويتميز رأس المال المغامِر (VC) بإتاحة الفرصة للاستثمار في الشركات الناشئة التي لديها إمكانات نمو عالية وغير المدرجة في الأسواق العامة؛ حيث واجه المستثمرون على مدى العقد الماضي عند مشاركتهم في الشركات المدرجة بالأسواق العامة صعوبات ونفقات متزايدة، بالإضافة إلى فرص أقل للاستثمار، فتلك الشركات التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام غالبًا ما يكون لديها تقييمات أولية عالية؛ مما يجعل من الصعب على المستثمرين الوصول إلى فرص النمو السريعة في المراحل المبكرة، ويتميز رأس المال المغامِر بملء هذه الفجوة من خلال خلق فرص في السوق الخاصة، والاستفادة من السيولة المعاد تدويرها من سوق التخارج النشطة، هذا وبالمقارنة مع أدوات الاستثمار التقليدية، فإن الاستثمار في الشركات الصغرى في المراحل المبكرة لديه القدرة على تحقيق عوائد أعلى وتنويع محفظة المستثمر، ويرجع ذلك إلى حقيقة أنه يجعل من الممكن للمستثمرين الانضمام إلى الأعمال التجارية التي تتوسع بسرعة بتكلفة مخفضة.