كتب د/ عادل عامر
تقوم المصارف التجارية بعمليات القروض والسلفيات لعملائها مقابل فائدة ربوية محددة مقدماً. أما في المصارف الإسلامية فيتم استخدام الأموال عن طريق صيغ التمويل المتعددة والمشروعة
والتي تناسب كافة الأنشطة سواء أكانت تجارية، صناعية، زراعية، عقارية، مهنية، حرفية. ويعد نشاط التمويل من أهم الأنشطة بالمصارف الإسلامية حيث تمثل عوائده أهم مصدر للأرباح.
وهناك العديد من صيغ التمويل الإسلامية، منها: التمويل بالمرابحة، والتمويل بالمشاركة، والتمويل بالمضاربة، والتمويل بالاستصناع، والتمويل بالسَلَم، والتمويل بالإجارة، والتمويل بالتَوَرُّق، والتمويل بالبيع الآجل.
فإذا توفرت الضوابط الشرعية للاستثمار في هذا البنك أو غيره من البنوك التي ترفع شعار الأسلمة فلا حرج في فتح حساب استثماري لديه، ومن أهم تلك الضوابط:
1- أن يأخذ المصرف رأس المال من صاحبه، ويقوم بتشغيله في البيع والشراء ونحو ذلك في حدود الطرق المشروعة.
2- أن تكون نسبة الربح بينه وبين صاحب رأس المال مشاعة حسب ما يتفقان عليه، إما الربع أو الثلث أو غير ذلك، ولا تكون محددة سلفا، وإلا كانت المعاملة ربوية.
3- ألا يكون رأس المال مضموناً لصاحبه، بل إذا وقعت خسارة يتحملها صاحب رأس المال ما لم يكن المصرف مفرطاً.
4- ألا يستثمر البنك أموال المستثمرين أو بعضها في معاملات محرمة شرعا.
فإذا تمت هذه الضوابط صح فتح ما يسمى في العصر الحاضر حساب توفير أو حساب استثماري، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالمضاربة، وقد أجمع العلماء على جوازها في الجملة.
المنهج الصحيح الذي أرشد إليه القرآن العظيم هو التأسيس على المحكمات ، ثم رد المتشابهات اليها. وهذا يعني في موضوعنا وجوب التفريق بين أحكام فقهية راسخة نبني عليها القاعدة ، وأخرى تتـناوشها الظنون ويكثر فيها الاختلاف، فيتم تمحيصها بتطبيق القاعدة عليها .
وتعد صيغة المشاركة أهم صيغ التمويل وأكثرها ربحية والتي تتميز بها المصارف المتوافقة مع الضوابط الشرعية في المجتمع الاقتصادي؛ حيث يشارك المصرف العميل في رأس المال ويجوز أن يشاركه في الإدارة والعمل. إلا أن صيغة المشاركة أقل الصيغ حظاً في الاستخدام الآن نظراً لما يعتقده البعض من كونها عالية المخاطر، حيث تتطلب وجود شريك يلتزم بالقيم الأخلاقية مثل الأمانة والصدق وكذا الكفاءة الفنية في إدارة المشروعات. التزمت البنوك الإسلامية بمقررات بازل لكفاية رأس المال منذ صدورها أخذا بأفضل الممارسات الفنية، وتماشيا مع المتطلبات الدولية الاحترازية. وبالرغم من الطبيعة الخاصة للبنوك الإسلامية من حيث المشاركة في الربح والخسارة، والضوابط الشرعية للتمويل، والاستثمار، والخدمات؛ إلا أن جوانبها الفنية كالملاءة لا تختلف كثيرا عن البنوك التقليدية من حيث تخصيص نسب الشريحة الأولى Tier1 والشريحة الثانية Tier 2 لكفاية رأس المال.
أن نسب الملاءة المالية للبنوك الإسلامية تسهم بشكل فعال في الاستقرار المالي، وأن تبني معيار IFSB قد يحسِّن من أداء البنوك الإسلامية بناء على المخاطر المرجحة التي اقترحها لمنتجات التمويل الإسلامي، وأن السوق الخليجي ركز على صكوك المشاركات على عكس السوق الماليزي الذي ركز على المداينات للوفاء بمتطلبات الشريحة الثانية.
يقوم الاقتصاد الإسلامي على العدالة الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التوازن والتوافق بين مختلف حاجات البشر “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ” ، ويساعد على تحقيق رفاهة الانسان من خلال تخصيص وتوزيع الموارد بما ينسجم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف . الإنسان خليفة الله في الارض ، والله خالق كل شيء ، وكل ما في هذه الارض من موارد مسخرة وأمانة في ايدي العباد ، وعليهم استخدامها بالعدل لتحقيق الرفاه وضمان حد الكفاية لكل فرد من المجتمع .يعتمد النظام المالي والاقتصادي الإسلامي ومؤسساته المالية الاسلامية على عدد من القواعد المتينة التي تحقق الأمن والأمان والإستقرار وتعمل على تقليل المخاطر ، ومن هذه القواعد :
1. الاعتماد على منظومة من القيم مثل ، الاخلاق ، الأمانة ، الصدق والمصداقية ، الشفافية ، العدالة ، التعاون ، التكامل ، …. الخ ، ويؤكد الإسلام بأنه لا اقتصاد بدون اخلاق ، حيث تحقق القيم الأخلاقية الأمن والأمان والإستقرار . ولهذا تحرم الشريعة الإسلامية المعاملات التي تقوم على الكذب والخداع والمقامرة والتدليس والغرر والجهالة والاحتكار وأكل أموال الناس بالباطل ، … الخ .
2. الإلتزام بالقيم الإيمانية والأخلاقية عبادةً وطاعةً يُثاب عليها المسلم سواء كان منتجاً أو مستهلكاً ، بائعاً أو مشترياً .
3. قاعدة المشاركة في الربح والخسارة والتداول الحقيقي والفعلي للأموال ، مع الإلتزام بالضوابط الشرعية وبقاعدة الأولويات الإسلامية ( الضروريات وهي التي لا بد منها لقيام مصالح العباد في الدين والدنيا (الكليات الخمس) ، والحاجيات التي تعمل على التوسعة ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة (تيسير الحياة ورفع المشقة) ، والتحسينات التي تزيد عن الحاجات وتعمل على تسهيل الحياة وتجميلها) .
4. تحرم الشريعة الاسلامية صيغ وأشكال بيع الدين بالدين ، وجدولة الديون بفوائد ، والمشتقات المالية الوهمية القائمة على الغرر والجهالة ، وفي المقابل يسرت على المدين المعسر الذي لا يستطيع السداد ” وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ” .
5. تحرم الشريعة الإسلامية الربا الذي يؤدي إلى توليد التضخم بسبب زيادة كلف الانتاج مما يؤدي إلى التغير في الثقة التجارية الناشئة عن نظام ائتماني غير مستقر ، كما يعمل الربا أيضاً على سوء تخصيص الموارد ، حيث تحصل المشروعات الكبيرة على قروض كبيرة وبشروط ميسرة وبسعر فائدة قليل ، بعكس المشروعات الصغيرة والمتوسطة الأكثر فائدة وإنتاجية للإقتصاد والمجتمع ، ومع هذا يصعب عليها أحياناً الحصول على القروض إلاَّ بضمانات وبأسعار فائدة مرتفعة .
6. الإلتزام بفقه المداينات القائم على الحد من الدين وحرص المدين على قضاء دينه وسداده ، حيث أن انتشار الدين والمطل في السداد والتأخر عن الدفع يعمل على خلخلة الحياة الاقتصادية واضطراب الاسواق .
7. ضبط الطلب الإستهلاكي ومنع الإسراف والتبذير اللذان يعملان على توليد التضخم ، وفي المقابل منع التقتير للحد من الإنكماش في الطلب الكلي .
الاستقرار الاقتصادي والمالي :
الاستقرار الاقتصادي هو تجنب التقلبات الحادة في اسعار السلع والخدمات وأسعار الصرف ومستويات التوظيفات ، … الخ لما لذلك من آثار سلبية على النشاط الاقتصادي وعلى رفاهية المجتمع . حيث أن اضطراب سعر صرف العملة يؤثر سلباً على توزيع الدخل ، ويبدد فرص الإستثمار الحقيقي والنمو ، فاستقرار الاسعار في الاقتصاد الإسلامي شرط لعدالة البيوع والمشاركات والمضاربات ، أي شرط لسلامة العقود .
الاستقرار المالي هو تجنب وقوع ازمات مالية في النظام المالي ، لأن الازمة المالية تؤدي إلى فقدان الثقة في عملة البلد وأُصوله المالية ، كما أن الإستقرار المالي هو استقرار مكونات النظام المالي من مؤسسات مالية (بنوك وشركات تأمين ومؤسسات مالية أُخرى) ، واسواق مالية (اسواق رأس المال واسواق النقد) وبنية تحتية (الاطر التنظيمية والقانونية وانظمة الدفع والتقاص والمحاسبة) .
ولا شك بأن الاستقرار المالي يعمل على حسن اداء المؤسسات المالية مما يعزز السيولة والربحية وحسن توظيف المدخرات المالية ، ويعمل على الحد من معدلات البطالة وتحسين معدل النمو الاقتصادي . كما يعمل على تيسير كفاءة الموارد المالية والاقتصادية وتوزيعها بشكل امثل.
يوفر الاقتصاد والتمويل الإسلامي نظاماً يعزز الصلة بين التمويل والإقتصاد الحقيقي ، الأمر الذي يساهم في تحقيق استقرار مالي شامل من خلال التركيز على المشاركة في المخاطر لتحقيق الأهداف الاقتصادية والإجتماعية القائمة على مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية .
تزايد الإهتمام بالاقتصاد الإسلامي والمؤسسات المالية الإسلامية في اعقاب التسونامي المالي العالمي في جميع انحاء العالم كجزء من الاهتمام بالبعد الاخلاقي في المعاملات التجارية والمالية، والحديث عن الاقتصاد الإسلامي بالإقتصاد الاخلاقي الذي يجنب الوقوع في الازمات لأنه يقوم على مبادئ واحكام الشريعة الاسلامية ، ومما يؤكد على الاهتمام بالصناعة المالية الاسلامية أن حجم الأُصول المالية الإسلامية وصل إلى (2.4 تريليون دولار) في نهاية العام 2015 مقابل (2.1 تريليون دولار) في نهاية العام 2014 ، ومن المتوقع أن يصل في نهاية العام 2018 إلى (3.4 تريليون دولار) . يعمل التمويل الإسلامي على تحقيق الاستقرار المالي والموائمة بين النشاط المالي والنشاط الاقتصادي ، وهذا ما يجعل منه عامل مساهم في تحقيق الإستقرار المالي العالمي ، لهذا أخذت دراسات تحقيق الاستقرار المالي وكيفية تحقيقه تأخذ حيزاً مهماً من قبل الجهات الحكومية والمالية والاقتصادية والبنوك المركزية والمؤسسات المالية الدولية ، وقرر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مؤخراً شمول المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي ضمن أطاره الرقابي ، وذلك انطلاقاً من أهمية الصناعة المصرفية الإسلامية في تحقيق الاستقرار المالي في الدول التي تعمل فيها ، وكذلك إعتماد قمة مجموعة العشرين التمويل الإسلامي في تحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم . وتعمل الصناعة المصرفية الإسلامية على تحقيق الاستقرار المالي من خلال :
1. تقديم صيغ تمويل شرعية تتناسب مع احتياجات المجتمع المتنوعة (المرابحة ، المشاركة، المضاربة ، السلم ، الإستصناع ، الاجارة ، …. الخ ) سواء كانوا أفراداً أو شركات صغيرة أو متوسطة أو شركات كبيرة ، …. الخ .
2. استخدام مبدأ المشاركة في الربح والخسارة ، انطلاقاً من مبدأ الغنم بالغرم أي السعي للحصول على الأرباح وتحمل الخسائر والخراج بالضمان أي المنفعة مقابل المخاطر .
3. ارتباط التدفقات النقدية بالتدفقات السلعية والخدمية (الاقتصاد الحقيقي) ، أي تحقيق زيادات متوازنة في العرض والطلب . وكذلك تلبية احتياجات الاقتصاد الحقيقي ومنها احتياجات المجتمع العام ، مما يولد اثار إيجابية في النمو والتنمية الاقتصاديين .
4. الالتزام بضوابط العقود القائمة على تحريم الغرر والربا والجهالة ، وتحريم بيع ما لم يملك ، ومنع المضاربات ، …. الخ .
5. تجمع المنتجات المصرفية الإسلامية بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية ، وهذا يعمل على تحقيق احتياجات اقتصادية حقيقية .
6. يخضع التمويل المصرفي الاسلامية لضوابط تجعله ذو كفاءة وفاعلية في تحقيق الاستقرار المالي مثل السلامة الشرعية والمسؤولية الاجتماعية ، والسلامة المالية والاقتصادية .
7. التزام المصارف الاسلامية بالضوابط الاحترازية مثل متطلبات بازل ، إدارة المخاطر ، … الخ التي تطلبها الجهات الرقابية كجزء من ادوات الاستقرار المالي .
8. إعتماد المصارف الاسلامية في جانب المطلوبات على حسابات الإستثمار بدلاً من اعتمادها على الاقتراض ، وكذلك اعتمادها في جانب الموجودات على المشاركة وتقاسم المخاطر من خلال التمويل بالمشاركة بما يكفل تعزيز الرابط بين التمويل والاقتصاد الحقيقي .
9. الاهتمام بالحوكمة والشفافية .
اما في اطار تحقيق الاستقرار الاجتماعي فان الاقتصاد الإسلامي ومؤسساته وأدواته تحرم الربا لآثاره الاخلاقية والاجتماعية ، فهو يزيد الغني غناً ، ويعمل على الكسل والخمول ، وكنز المال ، وتخفيض الاستثمار الحقيقي ، وعدم الاقبال على المشاريع والركون إلى الادخار المضمون ، … الخ ، وبالإضافة إلى قيام الاقتصاد الإسلامي على مبدأ السلامة الشرعية والسلامة الاقتصادية ، فهو يقوم أيضاً على السلامة الاجتماعية التي تعمل على حل المشكلات الاقتصادية من خلال زيادة العمالة بتشغيل أكبر عدد من الأيدي العاملة ، والمساهمة في توزيع عادل للدخل والثروة من خلال المشاركات ، وتحسين جودة الحياة المادية والمعنوية للمجتمع .
المؤسسات المالية الإسلامية ليست مؤسسات هدفها الربح فقط ، بل تسعى إلى تقديم خدمات اجتماعية ، تُعِّمق القيم الأخلاقية في المعاملات المالية الاسلامية وتدفع نحو العملية الإنتاجية ، وبالتالي زيادة دخول الافراد وتقليل معدلات البطالة ، وكذلك تقديم التمويل للمشاريع التنموية التي تساهم في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية . وبالإضافة إلى المؤسسات المالية الاسلامية هنالك مؤسسات الزكاة ، الوقف ، والقرض الحسن التي تعزز الجانب غير الربحي من الانشطة المالية .