مصر وإفريقيا.. تاريخ طويل من العلاقات منذ تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية وحاضر طموح تعكسه الإرادة وحرص القيادة السياسية على العمل على النهوض بالقارة وتحقيق طموحات شعوبها ودولها تلك هى مسيرة مصر الممتدة في قارتها الأم وبين الأشقاء. وفي ضوء التوجه المصري نحو أفريقيا واستعادة الدور الحيوي لمصر في القارة الأفريقية، فقد أولت القيادة السياسية المصرية اهتم ا بأفريقيا لتعزيز أطر التعاون معًا واضحً ام دول القارة السمراء وتدعيم العلاقات مع الدول الأفريقية.
وتعد القارة الأفريقية من أهم الساحات الأساسية للسياسة الخارجية المصرية، كما أنهالدى صانع القرار، ويتضح ذلك من خلال الجولات الأفريقية المتقدمً تحتل ترتيب تيقام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي والعديد من المسؤولين لفتح مجالات جديدة للتعاونمع الدول الأفريقية في ظل المصالح الحيوية التي تجمع مصر بمحيطها الأفريقي.
إن الاعتراف بإفريقيا على أنها فرصة وليست تهديداً يبدأ بتكثيف مجهودات الحكومات والمواطنين والمنظمات في القارة وحول العالم، لوضع أفضل الخطط الممكنة، وتعزيز كل الإمكانيات لمواجهة التحديات وزيادة تعزيز الاتجاهات الإيجابية في القارة، إذ إن هناك العديد من الإمكانيات وكذا المستجدات الإقليمية والدولية التي تدعم إعادة النظر إلى إفريقيا على أنها قطب مهم اقتصادياً وسياسياً في العالم.
إمكانيات إفريقيا المتجددة
حصلت إفريقيا على لقب “سلة غذاء العالم”، وتعرف كذلك تاريخياً باسم “خزان العالم” من الثروات التعدينية في باطن الأرض. اقتصادياً تمتلك إفريقيا ثروات هائلة تجسدها الثروة الزراعية؛ فثلثا سكان القارة يعملون بالزراعة تقريباً، وتساهم بنحو 61 إلى 91 بالمئة من إجمالي الناتج القومي لكل دولة إفريقية، كما أن التنوع البيئي والمناخي يجعل القارة من أكبر المناطق المؤهلة للإنتاج الزراعي، كما أن إفريقيا تتميز بثروة غابية هائلة؛ إذ تساهم صناعة الأخشاب في 6 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي للقارة الإفريقية، فضلاً عن الجودة العالية لأخشابها.
أما في المجال البحري فالدول الإفريقية تتوفر على مخزون هائل من الثروة السمكية؛ حيث تنتج 204 ملايين طن من الأسماك في منطقة غرب إفريقيا، بالإضافة إلى أن القارة تمثل مخزوناً كبيراً للمعادن الثمينة.
أما بشرياً فتتميز قارة إفريقيا أيضاً بالتنوع الثقافي والفكري والديني، فهي تضم ثقافات عربية إسلامية، وأخرى أوروبية وأورومتوسطية، نتيجة الاستعمار الأوروبي لشعوبها مدة طويلة، وتضم أيضاً سكان البدو من الصحراء، وسكانَ إفريقيا الأصليين الذين لا يزالون يحتفظون بعادات إفريقيا القديمة وتقاليدها ولغتها. وتتحدث شعوبها لغات ولهجات متعددة؛ كالعربية والأمازيغية والإنجليزية والفرنسية والنيلو صحاري لسكانها الأصليين.
يحتل العنصر الإفريقي مكانة مهمة في مختلف دول العالم، حيث يبرز دور الفرد الإفريقي في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي تعد موطناً لجاليات إفريقية مزدهرة قدمت إسهامات ثقافية وعلمية ومدنية مهمة.
هناك كثير من الشخصيات الإفريقية المؤثرة عالمياً، التي تعمل على تصدير صورة مختلفة عن القارة الإفريقية، وإنشاء جيل مختلف يعكس طموح القارة ومكانتها، على سبيل المثال من بين البرامج المهمة المشروع الذي يتبناه رجل الأعمال الغاني فريد سوانيكر، والذي يجري في إطاره تعليم ثلاثة ملايين شاب إفريقي وإعدادهم لكي يصبحوا شخصيات قيادية في مجالات السياسة والاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم بحلول عام 2035.
لتشكيل جيل من الشخصيات القيادية القادرة على دفع القارة إلى الأمام، أسس الرجل ما يُعرف بـ “جامعة القيادة الإفريقية”، وهي مؤسسة للتعليم العالي، تشكل مسألة ريادة الأعمال أحد موضوعاتها الرئيسية، ويختار طلابها مهام لأدائها بها بدلاً من تخصصات للدراسة. ومن بين هذه المهام مثلاً كيفية الاستفادة اقتصادياً من فحم شجر البامبو، أو سبل فهم أنماط حركة الأفيال في منطقة سرينغاتي التنزانية.
وقد طرح فكرة مهمة جداً وهي “تخيل أن يفتقر 40 في المئة من سكان العالم لأي فرص! لن نكون وقتها بصدد مواجهة أزمة إفريقية، بل عالمية”، فحسب الإحصائيات يُتوقع أن تشهد إفريقيا ولادة 40 في المئة من أطفال العالم بحلول عام 2100.تعد التغيرات التي يشهدها النظام الدولي فرصة مناسبة للقارة الإفريقية للبروز من جديد كقطب مهم في المجتمع الدولي. والنظام الدولي هو ذلك الإطار المؤسسي والدبلوماسي والسياسي والقانوني المنظم للعلاقات الدولية خلال مرحلة تاريخية معينة، ومن مميزاته أنه ذو طبيعة مرحلية، فغالباً ما يبرز نظام دولي جديد بناء على تغير في موازين القوى الاستراتيجية.
ويضم هذا النظام في طياته مختلف الفواعل الدولية؛ من دول ومنظمات وجماعات رسمية وغير رسمية، ومن ثم فهو يؤثر ويتأثر بها، وهو ما يجعل أي تحول أو اهتزاز في هذا الكيان ومؤسساته مؤثراً تأثيراً مباشراً في الدول.
عند الحديث عن النظام الدولي من الجانب النظري، ترى الواقعية الجديدة أن أهم ميزة لهذا النظام هي الفوضوية، حيث تؤثر بشكل أساسي في سياسات الدول وعلاقاتها بعضها مع بعض، وهذا نابع من غياب سلطة مركزية، ويمكننا النظر إلى هذه الخاصية من منطلق إيجابي، وهو وجود منافسة بين الفواعل الدولية وفرصة لكل الأطراف للمساهمة في بناء قواعد النظام الدولي وفق ما يخدم مصالحهم، وهذا ينطبق على القارة الإفريقية.
لكن من ناحية أخرى هذه الفوضى الدولية كان لها تأثير سلبي في نفس الوقت، ففي إطار سعي مختلف الدول الكبرى للهيمنة والمنافسة العسكرية والاقتصادية، فقد استُغلت ثروات القارة الإفريقية، وكانت ساحة للحروب؛ بداية من الاستعمار التقليدي وصولاً إلى الحروب بالوكالة، وتأجيج الصراعات الإثنية والقبلية لتحقيق مصالح معينة.
لهذا يبرز الطرح المعاكس في النظرية النقدية التي ترفض الطرح الواقعي، وتعتقد أن الدول والفوضى هي بناءات تاريخية ناتجة عن القوى الاجتماعية العالمية والداخلية، وتستمد النظرية النقدية فكرتها هذه من الماركسية، التي تنظر إلى الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي على أنه نتيجة حتمية للواقع الاجتماعي، وليس نتيجة لقوانين طبيعية ثابتة. ووفقاً لرأيها هذا فإن الفوضى الدولية حالة ناتجة عن الواقع الدولي، وأن تغيير هذا الواقع أمر ممكن، ويمكن أن ينتج عن ذلك انتهاء الفوضى والوصول إلى الاستقرار والأمن.
ومن ثم فما تحتاج إليه الدول الإفريقية هو استغلال مقوماتها المادية والمعرفية لتنمية هذه القارة وإعادة بلورة خطاب سياسي واجتماعي جديد يسمح بوضع قوانين إفريقية تحقق مكاسب على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
وتمثل القارة الإفريقية جزءاً مهماً من النظام الدولي، فهي ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، وتحتوي على 55 دولة، ومن ثم فهي تمثل جزءاً أساسياً في النظام الدولي، بل تؤثر في كثير من القضايا، لهذا يمكننا النظر إلى الوضع من اتجاهين.
الأول: إن التحولات التي يمر بها النظام الدولي تؤثر تأثيراً مباشراً في القارة الإفريقية، وفي إطار ما يعرف بالانتقال من النظام الأحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب تمتلك الدول الإفريقية فرصة كبيرة للظهور قوةً مؤثرة إقليمياً وعالمياً.
ثانياً: الثقل السياسي لدول القارة، وحتى الثروات الاقتصادية الكبيرة، واعتماد كثير من دول العالم في إنتاجها الصناعي والغذائي على مواد أولية إفريقية ستمكنها من الضغط على المجتمع الدولي بما يخدم مصالحها، حيث تمتلك فرصة لإعادة بناء قواعد هذا النظام مع باقي الفواعل لضمان دورها كفاعل مؤثر.