كتب د/ عادل عامر
بالنظر إلى النطاق الواسع الذي يلازم ظاهرة النشر الإلكتروني وتعدد الأعمال التي تشكل محلا له، فإننا سنتطرق في بداية هذا المطلب إلى المقصود بالنشر في صورته العامة، ثم المقصود بالنشر الإلكتروني للقرار الإداري في ضوء معناه التقليدي (الفقرة الأولى)، ثم في مرحلة ثانية سنتناول المقصود بالتبليغ أو الإعلام الإلكتروني للقرار الإداري المرسل بواسطة المستحدثات التكنولوجية في شكل مستند إلكتروني (الفقرة الثانية).
الفـقرة الأولى : النشـر الإلكتروني للقـرار الإداري
يعرف النشر على أنه الطريقة القانونية التي يتم من خلالها علم أصحاب الشأن بمضمون القرار الإداري ومحتواه، وتستخدم هذه الوسيلة بالنسبة للقرارات الإدارية التنظيمية كونها تتضمن قواعد عامة مجردة تنطبق على عدد غير محدد من الحالات أو الأفراد، مما يتطلب علم الكافة به من خلال نشره بالجريدة الرسمية أو الصحف اليومية أو لصق القرار في أماكن عامة…
أما النشر الإلكتروني للقرار الإداري موضوع الدراسة، فيمكن تعريفه بأنه ” عملية إجرائية ذات طابع برمجي تهدف لنقل العلم بالقرار الإداري إلى الجميع عبر الوسائل التي يتيحها الواقع الالكتروني”
فهو يقوم على مجموع من الإجراءات الإلكترونية التي يتولى مباشرتها الموظف الفني المكلف من قبل جهة الإدارة، تعتمد نقل مستند القرار من جهاز الحاسوب ووضعه على شبكة الانترنت بغرض تمكين الجميع من الاطلاع عليه مبنية على تسلسل إجرائي دقيق يتولى الحاسوب تنفيذه في ضوء الأوامر المدخلة إليه من قبل هذا الموظف، كما هو الحال في النشر الورقي بالطرق التقليدية.
بناءا على ما تقدم، في إطار نظام الإدارة الإلكترونية تلقي وسيلة النشر الإلكتروني بظلالها على العمل الإداري وترتبط بجميع ما يصدر عن الإدارة من أعمال مادية وأخرى قانونية، والواقع يدل على أن لجوء الإدارة لهذا النشر لا يأتي من فراغ وإنما تولد في ظل سعيها الدائم نحو الاستفادة من ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال في خلق التواصل بينها وبين كافة من يتعامل معها، مما ينتج عنه قيام الإدارة العمومية بنشر قراراتها وأعمالها الأخرى المرتبطة بالأفراد والمؤسسات
فالنشر بالكيفية المشار إليها أعلاه، يدل على أننا أصبحنا أمام حقيقة جوهرية تتمثل في إيصال العلم بمضمون القرارات الإدارية دون استخدام الحبر والأوراق خلافا لما اعتادت عليه الإدارة منذ فترة طويلة، كما أنه له دلالته بتحديد مدى اختصاص الجهة الإدارية بإصدار القرار من عدمه، انطلاقا من أنه يكشف عن مدى احترام قواعد الاختصاص بإصدار القرار الإداري بالنظر إلى جهة الإدارة المالكة لصفحة الويب أو عنوانها وكذلك الشاشات الإلكترونية ومكان تواجدها
وعليه، يعد النشر الإلكتروني وسيلة العلم بالقرارات التنظيمية، فهو إعلان أو إبلاغ للناس كافة ومنهم صاحب الشأن بمحتويات القرار الذي تصدره الإدارة، حتى يكونوا على بينة منه، والأصل أن يترك للإدارة اختيار وسيلة النشر التي ترى أنها تتلاءم وعلم الكافة، ولكن إذا حدد القانون وسيلة معينة للنشر، وجب أن يتم النشر وفقا لهذه الوسيلة، فإذا اتبعت الإدارة وسيلة غير تلك التي نص عليها القانون، كان النشر باطلا، وظل بالتالي ميعاد الطعن مفتوحا. وأمام الذي تشهده الدول في مجال الوسائل الإلكترونية من تطور سريع، واستخدام الإدارة تلك الوسائل في تسيير المرافق العامة لسهولتها وسرعتها، يفترض القبول بفكرة تبليغ القرارات الإدارية بواسطة النشر بالوسائل الالكترونية كالانترنت وغيرها من الوسائل المتاحة.
فالإدارة تنشر قراراتها الإدارية من خلال إجراءات متكاملة تنفذها بعد الانتهاء من إعداد قراراتها سواء بواسطة الحاسوب أو الهاتف المحمول، وتتمثل عملية النشر الإلكتروني في إصدار الموظف التابع للإدارة مجموعة من الأوامر البرمجية تهدف لنقل القرار من على أجهزتها ليصبح متاحا على أجهزة المخاطبين به، وذلك من خلال شبكة الأنترنت أو شبكة الهاتف المحمول، ويتحقق ذلك إما بإرسال القرار بواسطة البريد الإلكتروني أو الرسائل الهاتفية أو عرضه على صفحات الويب أو الشاشات المرئية
وفق ما تقدم فإن عملية النشر في صورتها الجديدة تتميز من حيث الشكل والإجراءات عن نظيرتها التقليدية وتأتي استجابة للأوامر البرمجية المدخلة لأجهزة الحاسوب أو الهاتف المحمول وتتم عبر واقع جديد وباستخدام وسائل ذات طابع فني دون استخدام للأوراق واللجوء إلى الإجراءات التقليدية المعروفة في هذا الباب، كما يغيب معها ظاهرة الاتصال المادي بين الإدارة والمخاطبين، ويصبح التواصل من وراء شاشات الحاسوب أو بالنظر إلى ما يرد عبر شاشات الهاتف المحمول.
وعليه، فالنشر الإلكتروني للقرار الإداري يعكس عملية فنية لها أثرها القانوني، كونه يؤدي إلى امتلاك المخاطبين لمستند القرار الإداري، مما يدل على علمهم بمضمون هذا القرار الأمر الذي يعني سريانه في مواجهتهم وترتيبه لأثره القانوني.
ومن مزايا النشر الإلكتروني للقرارات الإدارية، فهو يؤدي إلى خفض النفقات العامة وتوفير المال العام، مقارنة بنفقات النشر الورقي الذي يحتاج لرصيد مالي كبير يغطي طباعتها وتكاليف توزيعها، كما أن النشر الإلكتروني يتميز بدقته وبنائه على مجموعة من الإجراءات الإلكترونية يتم تنفيذها بشكل منظم عمليا وزمنيا ولا يمكن للإهمال أن يتسلل إليها، أضف إلى ذلك تمتعه بالسرعة الفائقة في توصيل العلم بمضمون القرارات الإدارية إلى جميع المخاطبين بها أيا كان تواجدهم، سواء داخل الوطن أو خارجه، لأن صفحات الويب كما نعلم لا تتقيد في عرض محتواها بحدود زمانية أو مكانية.
الفقـرة الثانيـة : التبليـغ الإلكتروني للقـرار الإداري
يعرف الفقيه سليمان الطماوي التبليغ بأنه ” الطريقة التي تنقل بها الإدارة القرار إلى علم فرد بعينه أو أفرادا بذواتهم من الجمهور ويقصد به أيضا ” إخطار المعني أو المعنيين بالقرار رسميا بنسخة من القرار بالكيفية التي حددها القانون أو بالكيفية المعتمدة داخل الدولة
بناءا على ما سبق، فالتبليغ هو إخطار الأفراد بالقرار عن طريق جهة الإدارة وذلك بالوسائل المختلفة التي تراها مناسبة، إذ هو الوسيلة الأساسية للعلم بالقرارات الإدارية الفردية، التي تخاطب فردا معينا أو أفرادا معينين بالذات، وبالتالي يكون من السهل على الإدارة أن تقوم بإبلاغ ذوي الشأن بها.
ويجب التفرقة بين النشر والتبليغ على أساس أن الأول يرتبط بقرارات تنظيمية عامة ومجردة لا تؤثر بشكل مباشر في المراكز القانونية للأفراد لذلك يتم الاكتفاء بنشرها وبتحقق العلم الافتراضي بها، أما التبليغ فيرتبط بالقرارات الإدارية الفردية التي تؤثر بشكل مباشر في هذه المراكز ومن تم يتعين توافره بالنسبة إليها، ولا يكفي نشرها لأنه يشترط في العلم المرتبط بها أن يكون حقيقيا وليس مجرد افتراضي. تأسيسا على ذلك، فالتبليغ الإلكتروني للقرار الإداري لا يختلف في غايته عن نظيره الورقي، هذه الغاية تتمثل في نقل العلم بمضمون القرار الإداري إلى الأفراد بواسطة إجراء التبليغ أو الإخطار الشخصي به، وكل ما في الأمر أنه يتحقق من خلال الاعتماد على إجراءات ووسائل ذات طابع تقني لا نلمسها في الأحوال العادية للتبليغ، ويرتبط بوجود القرار في صورة المستند الإلكتروني ويقوم على آلية انتقاله بين أطرافه من خلال عملية برمجية ينفذها الحاسوب أو الهاتف المحمول بناءا على الأوامر الصادرة لهما، لذلك يعد كلاهما تبليغ مع اختلاف طريقة إجرائه
وكما هو واضح فإن التبليغ الإلكتروني للقرار الإداري يستهدف إنجاز ثلاث خطوات رئيسية تتمثل في إرسال القرار الإداري، ومن تم استلامه، ووصوله إلى صاحب الشأن في شكل المستند الإلكتروني لا الورقي، وهو ما يعني حيازته فعليا للقرار والوقوف على مضمونه بصورة جيدة.
بالإضافة على ذلك، فإن الالتزام بإجراء هذه العملية يقع بلا شك على جهة الإدارة، وتقوم به من خلال موظفيها الفنيين ووسائلها الإلكترونية المملوكة لها، لذلك يقع عبء إثباتها على جهة الإدارة قياسا على الأحوال العادية التي تتعلق بالتبليغ الورقي، انطلاقا من أن التبليغ مقرر لصالح الأفراد ويجب على متخذ القرار القيام بما يلزم لوجوده
تطبيقا لما تقدم، فإنه يتعين اللجوء لوسائل قادرة على إرسال القرار الإداري من جانب الإدارة واستلامه من جانب الأفراد في آن واحد حتى تكتمل دائرة الإعلان ويتوافر العلم اليقيني والتبليغ الذاتي بالقرار قياسا على الحالة التقليدية التي يبنى فيها التبليغ على الإرسال والاستلام، وبمعنى آخر لابد من استخدام وسائل تؤدي في النهاية إلى امتلاك الأفراد للقرار الإداري في صورة مستند إلكتروني على جهاز الحاسوب أو بريدهم الإلكتروني أو هاتفهم المحمول
في مقابل ذلك، قد تنتج بعض المشكلات عن النشر والتبليغ الإلكتروني للقرار الإداري تتجلى في:
• قد ترسل الرسالة الإلكترونية المتضمنة لقرار إداري إلى صاحب الشأن وتستقبل منه دون أن تكون قابلة للاستخراج نتيجة إصابة الجهاز الإلكتروني ببرامج مضرة مثل برامج التجسس أو فيروس الحاسب الآلي والتي تغير من خصائص الملفات المرسلة مثل الحذف أو التعديل، والتي لها أثر كبير في تغيير مضمون الرسالة الإلكترونية.
• عدم فهم مضمون الرسالة التي تتضمن قرارا إداريا أو طلبا موجها من ذوي الشأن إلى الإدارة؛ مثل عدم وجود برنامج في الحاسب الآلي يستطيع قراءتها، فيؤدي ذلك إلى عدم تحقق التبليغ نتيجة عدم قدرة صاحب الشأن من الاطلاع على مضمون الرسالة الإلكترونية وقراءاتها
• عدم وصول الرسالة الإلكترونية المتضمنة للقرار الإداري الإلكتروني نتيجة رفض البرنامج الإلكتروني المستقبل لدى المخاطب بالقرار لعدم وجود حيز كاف لتخزينها أو خلل ما قد أصابه، فنتيجة ذلك لم يتحقق التبليغ طالما لم يستطع صاحب الشأن الاطلاع على فحوى الرسالة الإلكترونية ومضمونها