كتب د/ عادل عامر
تُعد تهيئة المناخ الاستثماري في مصر واحداً من أهم المكاسب التي شهدتها فترة الإصلاح الاقتصادي منذ بدء التطبيق وحتى الآن نظراً لأهمية هذا المناخ لجذب الاستثمارات وتشجيع أصحاب الأعمال على ضخ استثمارات جديدة، ورفع معدلات التشغيل وتوفير فرص العمل، وبالتالي تحقيق معدلات النمو المستهدفة، وجاءت التعديلات التشريعية في مقدمة جهود تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة، وفتح الباب أمام القطاع الخاص المصري والأجنبي للمساهمة في زيادة معدلات التشغيل، والنمو، وتوفير فرص العمل للشباب.
ومنذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي حرصت الدولة المصرية على توفير بيئة تشريعية داعمة للاستثمار من خلال إصلاح شامل لكافة القوانين المؤثرة على مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال في مصر، كما مرت البيئة التشريعية بمراحل مختلفة تهدف إلى تشجيع وجذب المزيد من الاستثمار في مصر، ومن أبرزها قانون الاستثمار الذي يسعى إلى توفير الحوافز، وتحقيق الحوكمة وتسهيل التجارة عبر الحدود، وتوفير الضمانات التي تحمى من القرارات التعسفية، ويأتي بأدوات وإجراءات تنظيمية لتسهيل عملية الاستثمار وبدء مزاولة النشاط، هذا بالإضافة إلى مجموعة أخرى من القوانين المكملة لهذا القانون المتعلقة بكافة المجالات والقطاعات الاقتصادية.
وشهد الإصلاح التشريعي في مصر أيضاً تعديلات على قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات الشخص الواحد، والتي تُصنف على أنها الأكبر منذ تدشين هذا القانون عام 1981، وتهدف إلى تعزيز حوكمة الشركات والإفصاحات المرتبطة بها،
وتحسين مركز مصر في التقارير الدولية ذات الارتباط بمناخ الاستثمار، مثل تقرير التنافسية العالمي الذي يُصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو ما كان يتطلب تعديلات بقانون الشركات الحالي لمواكبة التطورات في العملية الاستثمارية عالمياً. وقد فعّلت التعديلات آليات عمل شركات الشخص الواحد والشركات ذات المسئولية المحدودة، وتنظيم عمليات إصدار أسهم الشركات وقيدها بالحفظ المركزي مع إضافة جواز استخدام أسهم الإصدار الممتازة – ولو لم ينص على ذلك ابتداء بنظام الشركة – مع وضع ضوابط إصدارها حماية لباقي المساهمين. وكان إقرار قانون إعادة الهيكلة والصلح الواقي من الإفلاس خلال عام 2018 كفيلاً بإحداث تغيير جذري في الصورة الذهنية المأخوذة عن المناخ الاستثماري في مصر لكل من يرغب في تأمين وسائل خروج آمنة من السوق حال التعثر،
ويهدف القانون إلى إنقاذ الشركات المتعثرة دون خروجها من الأسواق، وتوفير آلية سهلة دون تعقيد لخروج المستثمرين من السوق، إلى جانب تجنيب المستثمرين المتعثرين عقوبة الحبس بما يُسهم في جذب المزيد من الاستثمارات. شهد مناخ الاستثمار في مصر وخاصة في السنوات القليلة الماضية العديد من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية بهدف تيسير وتبسيط الإجراءات على المستثمرين، مما ساهم في تحقيق نتائج إيجابية في مجال تأسيس الشركات من حيث الوقت والتكلفة وعدد الإجراءات اللازمة لبدء النشاط.
يهدف البحث الى تقديم نقد لتجربة الادارة الاقتصادية بمصر مع جذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة ، وذلک عبر الاجابة عن التساؤلات التالية :
1)هل يمکن الحکم بنجاح تجربة مصر في جذب تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر؟
2) ما هي ابرز المشاکل التي تعوق تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر الى الاقتصاد المصري؟
3)ما هي الحلول التي يقترحها الباحث لعلاج المشکلات التي تعوق تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر الى الاقتصاد المصري ؟
بشکل عام يرى الباحث ان تجربة مصر مع الاستثمار الاجنبي المباشر لم تکن ناجحة الى حد بعيد وذلک بالنظر الى العوامل التالية :
1- الحجم الضخم للحوافز والضمانات التي قدمتها الادارة الاقتصادية لجذب هذا النوع من الاستثمار على مدار الاربعة عقود المنقضية.
2-الحجم الضئيل للاستثمارات الاجنبية المباشرة التي تدفقت على الاقتصاد المصري ووجهتها القطاعية خلال تلک الفترة ، وهو ما انعکس على النتائج الضعيفة على مستويات تشغيل قوة العمل المصرية ومستوى التطوير التقني للصناعات المصرية والصادرات عالية التقنية.
کذلک يلخص الباحث المشاکل التي تعوق قدرة الاقتصاد المصري على جذب تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر الى نوعين من المشاکل :
الاولى : تتعلق بمناخ الاستثمار في مصر ومن أهمها ضعف المؤشرات الکلية لأداء الاقتصاد المصري والمتمثلة في إنخفاض معدل النمو الاقتصادي وإرتفاع حجم الدين الخارجي وعدم إستقرار سعر الصرف ، کذلک ضعف البنية الأساسية المصرية وانخفاض کفاءة مؤسسات الأعمال الوطنية وانخفاض جودة المنتجات المصرية بوجه عام ،وضعف کفاءة عنصر العمل المصري.
والثانية :مشاکل تتعلق بغياب نموذج محدد للاستثمار الاجنبي المباشر الذي يجب ان تسعى إليه استراتيجية جذب تدفقات الاستثمارات الأجنبية ، فغياب هذا النموذج أدى عمليا إلى ضعف حجم الإستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت على الاقتصاد المصري خلال العقود الاربعة المنقضية ، بالإضافة إلى تعزيز الإختلال القطاعي الذي يعاني منه هيکل الاقتصاد المصري ،حيث ترکزت تلک الاستثمارات بالأساس في قطاع الصناعات الاستخراجية ،وتلاها قطاع الخدمات بينما لم تتوجه سوى نسبة ضئيلة الى قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية.
وقد توصل الباحث إلى النتائج التالية : أن تجربة مصر في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لم تکن ناجحة الى حد بعيد ،وذلک بالنظر إلى حجم الحوافز والضمانات الضخمة التي قدمتها الإدارة الاقتصادية في مصر للأجانب والمستثمرين ،لجذب هذا النوع من الاستثمار، وهو ما يعکسه الحجم الهزيل للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت على الاقتصادي المصري خلال تلک الفترة ،وکذلک بالنظر الى الوجهة القطاعية لتلک الاستثمارات ،التي ترکزت اساسا في قطاع البترول وفي قطاع الخدمات، وکذلک بالنظر إلى التأثير الضعيف لتلک الاستثمارات على مستوى تشغيل قوة العمل وکذلک على مستوى التطوير التقني للصناعات والصادرات المصرية ، ويرى الباحث أن نموذج الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يجب ان تستهدفه الإدارة الاقتصادية المصرية،
يجب أن يراعي العوامل التالية: توفير فرص عمل جديدة لقوة العمل المصرية، إدخال تقنيات إنتاجية جديدة عبر تطوير الصناعات المصرية عالية التقنية والتي تحتاج إلى مستويات مرتفعة الاستخدام للتکنولوجيا، رفع القدرة التصديرية للإقتصاد المصري، أن يدفع ضرائب عادلة عن أرباحه المحققة داخل السوق المصري ، أن يتم توزيع القيمة المضافة التي تم خلقها داخل الاقتصاد المصري، بصورة عادلة تعطي العاملين المصريين نصيبهم العادل من هذه القيمة
وفى إطار خطة زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي خلال العام المالي الجديد، تركز الحكومة المصرية على الترويج المكثف لفرص الاستثمار في الخارج في تحسن المناخ الاستثماري في مصر، ودعوة الشركات الأجنبية لتوطين مشروعاتها في مصر للاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز، ووفرة العمالة المدربة والبنية الأساسية واتساع الأسواق المحلية والقدرة على النفاذ للأسواق الخارجية، في ظل الحوافز المقررة بقوانين الاستثمار. وتوقعت الموازنة ارتفاع قيمة صافي هذه التدفقات الأجنبية المباشرة إلى 35 مليار دولار خلال العام المالي 2024-2025 مقابل 30 مليار دولار في عام 2023-2024 بعد توقيع الاتفاقية المشتركة مع دولة الإمارات العربية المتحدة لإقامة التجمعات العمرانية والسياحية بمنطقة رأس الحكمة، والتي تضمنت تدفقات أجنبية قدرها 24 مليار دولار، بخلاف تحويل ودائع لدى البنك المركزى قيمتها 11 مليار دولار إلى استثمارات محلية.
وفي تقرير سابق، أكد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، أن مصر تعد الوجهة الاستثمارية الأولى في أفريقيا للعام الثاني على التوالي رغم التداعيات الاقتصادية العالمية. وذكر أن نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بلغت 18.6% من إجمالي الاستثمارات في أفريقيا التي بلغت 52.6 مليار دولار عام 2023.
وأشار التقرير إلى أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أبرمت اتفاقيات بشأن مشاريع الأمونيا والهيدروجين الأخضر بقيمة 10.8 مليار دولار فيما أعلن مجموعة من المستثمرين عن صفقة جديدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر بقيمة 4 مليارات دولار.
ولفت إلى بروز مصر كوجهة استثمارية في قطاعات السيارات، الأدوية، والإلكترونيات، وإدخال نظام الشباك الواحد لتسهيل الإجراءات الاستثمارية في عام 2023.
وأوضح التقرير أن مصر سجلت زيادة في التدفقات الاستثمارية منذ عام 2014 بلغت 9.8 مليار دولار عام 2023، مقارنة بنحو 9 مليارات دولار عام 2019، و4.6 مليار دولار عام 2014، واحتلت المركز 32 عالميًا في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2023. وأبرز تقرير الأونكتاد جهود مصر لتحسين بيئة الاستثمار من خلال الإصلاحات التشريعية والمؤسسية، وتطوير السياسات المالية والنقدية، وتعزيز دور القطاع الخاص، ما ساهم في تعزيز مرونة الاقتصاد المصري وجاذبيته للاستثمارات الأجنبية.