كتبت مني جودت
الصين تحتفظ بإمكانيات هائلة تؤهلها للبقاء على قمة سوق السيارات الكهربائية
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله صعود الصين كقوة عالمية في مجال السيارات الكهربائية، والعوامل التي ساهمت في هذا الصعود، والتحديات التي تواجهها حاليًا، وآفاق المستقبل لهذا القطاع الحيوي، مشيراً إلى أن صناعة السيارات الكهربائية شهدت تحولًا جذريًا في السنوات الأخيرة؛ حيث برزت الصين كقوة دافعة رئيسة في هذا القطاع، وبدعم حكومي قوي واستثمارات ضخمة تمكنت من تحقيق قفزة نوعية في إنتاج وتصدير السيارات الكهربائية، متجاوزة بذلك العديد من الشركات العالمية، ولكن مع تصاعد التوترات التجارية العالمية وفرض قيود على الواردات الصينية، تواجه الصين تحديات جديدة قد تؤثر في هيمنتها على هذه السوق الواعدة.
وأوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن الصين تُعد من القوى الرائدة في مجال السيارات الكهربائية عالميًّا، إلا أن المنافسة تتزايد بشكل ملحوظ سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، وتتصدر الصين قائمة أكبر منتجي السيارات الكهربائية في العالم؛ حيث شهدت نموًا ملحوظًا في هذا القطاع، وفي عام 2022 استحوذت على حصة 59% من سوق السيارات الكهربائية (EV) العالمية، وفقًا لقاعدة بيانات EV Volumes، مع زيادة بنسبة 82% في مبيعات السيارات الكهربائية الجديدة مقارنة بالعام 2021، لتصل إلى أكثر من 6 ملايين سيارة.
وأشار المركز إلى أن تحليل مجلة MIT Technology Review قد أوضح بأن الصين في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين أدركت أنها تواجه تحديًا كبيرًا في منافسة الشركات الرائدة في صناعة محركات الاحتراق الداخلي التقليدية التي يتمتع بها المصنعون من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، والتي كانت قد تقدمت أيضًا في مجال السيارات الهجينة، لذا اختارت الصين استراتيجية بديلة تتمثل في التركيز على السيارات الكهربائية النقية، وفي عام 2001 جعلت الحكومة تكنولوجيا السيارات الكهربائية جزءًا أساسيًّا من خطتها الخمسية، التي تحدد الاستراتيجية الاقتصادية للدولة.
أضاف التحليل أن الحكومة الصينية تعتبر صناعة السيارات الكهربائية ذات أهمية استراتيجية، وقد دعمت تطوير هذا القطاع من خلال سياسات ممولة بشكل جيد لتعزيز العرض والطلب، وفي الفترة ما بين عامي 2009 و2022، تم إنفاق أكثر من 200 مليار يوان (28 مليار دولار أمريكي) على دعم صناعة السيارات الكهربائية والإعفاءات الضريبية، وحتى عام 2022، كان بإمكان مشتري السيارات الكهربائية الاستفادة من سداد ما يصل إلى 60 ألف يوان (أكثر من 8000 دولار أمريكي).
وفي عام 2023، أعلنت الحكومة عن حزمة دعم خلال مدة زمنية أربع سنوات بقيمة 520 مليار يوان (أكثر من 72 مليار دولار أمريكي) للاستمرار في الإعفاءات الضريبية لمشتري السيارات الكهربائية، كما سيستمر إعفاء السيارات الكهربائية والسيارات الخضراء الأخرى من ضريبة الشراء في عامي 2024 و2025، مع تخفيض المعدل إلى النصف في عامي 2026 و2027.
كما توجَّهت الحكومة أيضًا بدعم مباشر للعديد من شركات تصنيع السيارات الكهربائية المحلية؛ حيث أظهرت البيانات التحليلية أن خمس من الشركات العشر التي تلقت أكبر قدر من المنح من الحكومة الصينية في النصف الأول من عام 2023 كانت مصنعة محلية للمركبات الكهربائية أو بطاريات السيارات الكهربائية، فقد حصلت شركة (BYD Auto) الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية (EV) في الصين، على 1.78 مليار يوان، بينما تلقت شركة ((SAIC Motor أكثر من 2 مليار يوان من الدعم.
بالإضافة إلى ذلك، تدعم الصين البنية التحتية المرتبطة بالسيارات الكهربائية؛ حيث تعمل محطات الشحن المدعومة من الحكومة على توفير وصول واسع باستخدام مقايس معيارية موحدة، مما يسهم في خفض التكاليف على السائقين ويخفف القلق بشأن المدى الذي يمكن أن تقطعه السيارة الكهربائية قبل الحاجة إلى إعادة شحن البطارية. ولقد أضافت الصين ملايين من شواحن السيارات الكهربائية، بما في ذلك حوالي 827,500 شاحن فائق السرعة، مقارنة بحوالي 64,000 شاحن في أوروبا، كما تم إطلاق مئات المحطات من قبل شركات السيارات في الصين لتبديل البطاريات المستنفدة بأخرى مشحونة، وهذا يعزز من سهولة الاستخدام ويزيد من جاذبية السيارات الكهربائية.
وإلى جانب إنتاج المركبات تُظهر الصين هيمنةً واضحةً في مجال تصنيع “بطاريات السيارات الكهربائية”، حيث تُسيطر على حصة كبيرة من السوق العالمية. وبالنسبة لتكلفة السيارات الكهربائية، تمثل البطارية حوالي 40٪ من تكلفة السيارة الكهربائية الجديدة، وهذا يدفع الدولة نحو تطوير تكنولوجيا منخفضة التكلفة في هذا المجال لتحقيق أرباح كبيرة. في حين يُفضل العديد من صانعي السيارات الكهربائية في الدول الغربية استخدام بطاريات “الليثيوم” و”النيكل” و”المنجنيز” والكوبالت (NMC) لأداء عالٍ ومدى طويل، في المقابل اختارت الشركات الصينية التركيز على تكنولوجيا فوسفات حديد الليثيوم (LFP)، التي تُعد أرخص وأكثر موثوقية.
وأشار التحليل إلى أن شركة CATL تعد من الشركات الرائدة في صناعة بطاريات LFP للسيارات الكهربائية، والتي استحوذت على حصة تقدر بحوالي 43.1% من السوق الصينية و36.8% من السوق العالمية في عام 2023، كما ارتفعت إعانات الحكومة الصينية الموجهة إلى الشركة من 76.7 مليون دولار في عام 2018 إلى 809.2 ملايين دولار في عام 2023. وحصلت شركة EVE Energy التي تحتل المرتبة الرابعة في الصين على 208.9 مليون دولار من الإعانات في عام 2023.
وأضاف التحليل أنه نتيجة لهذه العوامل، تُشير أبحاث (SNE) إلى هيمنة الشركات الصينية على سوق بطاريات الليثيوم العالمية، ففي الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023 جاءت ست شركات صينية من بين أفضل عشر شركات عالميًّا على مستوى استخدام البطاريات، وبما يمثل 62.9% من سوق بطاريات الليثيوم العالمية.
وأوضح مركز المعلومات العقبات والتحديات في طريق السيارات الكهربائية الصينية، ففي الوقت الذي يزداد فيه التحول العالمي بعيدًا عن محركات الاحتراق الداخلي؛ وأصبحت الصين رائدة عالميًّا في هذا المجال، بفضل استثماراتها الكبيرة بعد اعترافها بالأهمية الحاسمة للسيارات الكهربائية من الناحيتين البيئية والاقتصادية، تلقي التوترات التجارية والجيوسياسية بظلالها على هذا القطاع، حيث تسعي الولايات المتحدة إلى تقليل دخول السيارات الكهربائية (EV) المصنوعة في الصين إلى أراضيها؛ وفرضت رسومًا جمركية تزيد على 100%، خاصةً في الصناعات الحديثة المراعية للبيئة.
وفي الأشهر الأخيرة، سعي الاتحاد الأوروبي لتبني سياسة مشابهة لتلك التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه الصين، فقد فرض الاتحاد الأوروبي في شهر يوليو 2024 رسومًا جمركية مؤقتة على بعض واردات السيارات من الصين، والتي من شأنها أن ترفع هذه الرسوم إلى 48% بعد الانتهاء من التحقيق الذي استمر لعدة أشهر بشأن المساعدات الحكومية الصينية لصانعي السيارات الكهربائية.
وفي إطار ذلك، تواجه شركة “سايك موتور”، المملوكة للدولة في الصين، أعلى رسوم جمركية؛ حيث تصل إلى 37.6% بالإضافة إلى معدل 10% المفروض حاليًّا، بينما تعرضت شركة “جيلي”، المالكة لشركة “فولفو كار”، لرسوم إضافية تبلغ نحو 19.9%، كما تقدر الرسوم على شركة “BYD” بنسبة 17.4%.
وفي سياق سلسلة من فرض الرسوم المتتالية من قبل دول مختلفة، وفي خطوة تتماشى مع إجراءات حلفائها الغربيين، تعتزم كندا فرض تعريفات جمركية جديدة على صادرات الصين من السيارات الكهربائية والألومنيوم والصلب، بهدف حماية الشركات المصنعة المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، تُخطط الحكومة الكندية لفرض ضريبة بنسبة” 100% “على السيارات الكهربائية (EV) و”25%” على الصلب والألومنيوم المستوردة من الصين. وتُراقب كندا تحركات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لفرض تعريفات أعلى بكثير على السيارات الكهربائية (EV) الصينية، بالإضافة إلى البطاريات والخلايا الشمسية والصلب وغيرها من المنتجات الصينية.
ويُعد قطاع السيارات الكندي متكاملًا بشكل كبير مع القطاع الأمريكي؛ حيث يتم تصدير غالبية إنتاج السيارات الخفيفة، الذي بلغ 1.5 مليون وحدة في عام 2023، إلى الولايات المتحدة.
وأوضح التحليل أن حرب السيارات الكهربائية بدأ في الانتقال إلى ساحات القضاء الدولي، حيث تقدمت الصين بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) بشأن الرسوم التي يفرضها الاتحاد الأوروبي (EU) على السيارات الكهربائية؛ وطلبت من المنظمة إجراء مشاورات حول النزاع المتعلق بالتحقيق الذي يجريه الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة الدعم للسيارات الكهربائية المستوردة من الصين، والرسوم التعويضية المؤقتة المفروضة على السيارات المستهدفة.
كما تقول الصين أن التدابير المتخذة تتعارض مع المادة السادسة من الاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة لعام 1994، والأحكام المختلفة لاتفاقية (WTO) بشأن الإعانات والتدابير التعويضية.
ويُعد طلب المشاورات بداية رسمية للنزاع في منظمة التجارة العالمية، ويتيح هذا الطلب للأطراف المعنية فرصة مناقشة القضية ومحاولة الوصول إلى حل مرضٍ دون الاستمرار في التقاضي، إذا لم تُفضِ المشاورات إلى حل خلال 60 يومًا، ويمكن لمقدم الشكوى طلب التحكيم من قبل الهيئة المختصة التي تتولى فض النزاعات بين الأطراف المتنازعة.
وأوضح التحليل في ختامه أن سوق السيارات الكهربائية يشهد تحولات سريعة ومتسارعة؛ وتتنافس فيه الدول والشركات على تطوير تقنيات جديدة وتحسين كفاءة البطاريات، وعلى الرغم من الصعوبات التي تعترض طريقها، تظل الصين تحتفظ بإمكانيات هائلة تؤهلها للبقاء على قمة هذا القطاع، وسيعتمد نجاحها المستقبلي على قدرتها في التكيف مع التغيرات السريعة للسوق، والاستثمار في البحث والتطوير، وتطوير سلاسل إمداد أكثر مرونة. كما ستلعب العلاقات التجارية الدولية دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل صناعة السيارات الكهربائية (EV) في الصين والعالم.