كتبت مني جودت
مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وقطاع الرعاية الصحية عن بُعد، واستشارات الأمن السيبراني هي أكثر التخصصات الجديدة التي تشكل مشهد العمل الحر
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً سلط من خلاله الضوء على العمل الحر، في إطار سلسلة من التحليلات والتقارير التي أصدرها حول هذا الموضوع خلال الفترة الأخيرة، حيث أشار إلى أن سوق العمل التقليدية قد شهدت تحولًا كبيرًا على مستوى العالم، ودفعت عوامل مثل: الضغوط الاقتصادية المتزايدة، والرغبة في تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة، والاتجاه نحو العمل عن بُعد، العديد من العمال إلى البحث عن فرص عمل أكثر مرونة؛ ونتيجة لذلك أصبح العمل الحر جزءًا أساسيًّا من القوى العاملة العالمية، وينمو بمعدل غير مسبوق. كما أنه يوفر العديد من المزايا ومن أهمها الاستقلالية، وهو ما يرجح اختيار العمال والشركات العمل الحر كحل بديل للعمل التقليدي.
وأوضح التحليل أن اقتصاد العمل الحر يركز على مشاركة القوى العاملة وتوليد الدخل من قبل العمالة المستقلة المعروفين أيضًا باسم العاملين لحسابهم الخاص، وهو نموذج من نماذج اقتصاد المشاركة، ويرتبط أيضًا باقتصاد العمل المؤقت “Gig economy”؛ لكن غالبًا ما تكون مشاركات العمل الحر أطول أو أعمق من الوظائف المؤقتة.
وعلى الرغم من تداخل مصطلحي “البدو الرقمي” “Digital nomad” و”العامل المستقل” “freelancer” في بعض الأحيان؛ حيث يوفر كل منهما المرونة والتوازن بين الحياة والعمل على عكس الوظائف التقليدية، فإن هناك اختلافات رئيسة بينهما، وذلك على النحو التالي:
– اختلافات في استقلالية الموقع: فالبدو الرقمي يتميز باستقلال الموقع، ويمكنه العمل من أي مكان مع اتصال إنترنت جيد، وغالبًا ما يسافر كثيرًا ويتبنى أسلوب حياة بدويًّا. في حين أن العامل المستقل يمكنه العمل عن بُعد، ولكن قد يكون موقعه أقل مرونة؛ إذ قد يعمل العاملون لحسابهم الخاص من مكتب منزلي، أو من مساحة عمل مشتركة، أو من مقهى، لكن موقعهم يظل ثابتًا نسبيًّا.
– اختلافات في مصادر الدخل: يمكن أن يأتي دخل البدو الرقميين من مصادر مختلفة، أما العامل المستقل فيكسب الدخل بشكل أساسي من خلال العمل في مشروعات محددة لعملاء مختلفين.
– اختلافات في المهارات: غالبًا ما تكون مهارات البدو الرقمي مجموعة من المهارات المتنوعة، وتشمل مجالات مثل: الكتابة، والتسويق، وتطوير الويب، والتصميم الجرافيكي، أو المساعدة الافتراضية. أما العامل المستقل فيمتلك مهارات معينة بناءً على تخصصه في مجال محدد، وغالبًا ما يركز المستقلون على صقل خبرتهم في مجال معين لجذب العملاء ذوي الأجور المرتفعة.
– اختلافات في أسلوب الحياة: يتبنى البدو الرقمي أسلوب حياة متنقلًا ومغامرًا في كثير من الأحيان، ويعطي الأولوية للسفر والتجارب الثقافية، في حين يحرص العامل المستقل على أن يوازن بين العمل والحياة بأسلوب تقليدي، مع الحفاظ على روتين أكثر انتظامًا. ووجدت دراسة أجرتها شركة MBO Partners في عام 2023، أن 65٪ من البدو الرقميين يحددون السفر كدافع أساسي لاختيار أسلوب حياتهم. وهذا يسلط الضوء على التباين الواضح بين البدو الرقميين الذين يحركهم شغف الترحال والعاملين المستقلين الذين يميلون أكثر نحو الروتين.
وسلط مركز المعلومات الضوء على التقرير الصادر عن البنك الدولي في سبتمبر عام 2023 بعنوان “عمل بلا حدود: وعود وأخطار العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت”، والذي يشير إلى أن الطلب على العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت ينمو بسرعة؛ إذ يشكل ما يقرب من 12% من حجم سوق العمل العالمية. ويعكس هذا التطور تحولات واسعة في ثقافة العمل والتقدم التكنولوجي والاتجاهات الاقتصادية.
وذكر التحليل أنه على الرغم من هيمنة البلدان المتقدمة حاليًّا على الطلب على العمالة المؤقتة عبر الإنترنت، فإن زيادة الطلب عليهم في البلدان النامية ينمو بمعدل أسرع بكثير، فعلى سبيل المثال، في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ازدادت الإعلانات عن الوظائف على أكبر منصة رقمية بنسبة 130% في الفترة من (2016 – 2020)، بينما بلغ معدل النمو في أمريكا الشمالية 14% فقط.
وتناول مركز المعلومات في تحليله ما أظهره استطلاع الرأي الذي أجراه البنك الدولي على أكثر من 20 ألف شركة من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني باستخدام قواعد بيانات الشركات، والذي أشار إلى أن ما يقرب من 60% من الشركات في البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض أو الدخل المنخفض تؤكد أن حصة العمال المؤقتين زادت بمرور الوقت، في حين أن نسبة الشركات في البلدان ذات الدخل المتوسط المرتفع أو الدخل المرتفع التي استعانت بهم من الخارج أقل من 50%.
كما وجد تقرير البنك الدولي أن هناك 545 منصة عمل مؤقتة عبر الإنترنت في 186 دولة حول العالم، ومن الجدير بالذكر أن نحو 75% من هذه المنصات تكون على المستوى الإقليمي أو المحلي، وكشفت البيانات أن العمالة المؤقتة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تمثل مجتمعة 40% من الموجودين على منصات العمل المؤقت.
واستعرض التحليل المواقع الأكثر شهرة للعمل على الإنترنت وهي: Fiver – Freelancer – Upwork، وهناك مواقع أكثر تميزًا مخصصة للمهنيين ذوي المهارات العالية، مثل: Toptal ، .Catalant Technologies
وجدير بالذكر أن معظم العمالة المؤقتة عبر الإنترنت من فئة الشباب الذين يسعون إلى كسب الدخل، أو تعلم مهارات جديدة؛ نظرًا للمرونة التي يوفرها العمل المؤقت والتي تسمح لهم بالجمع بين العمل والدراسة، كما ركز التقرير بشكل خاص على مشاركة النساء في سوق العمل المؤقت التي تُعَد أكبر من مشاركتهن في سوق العمل التقليدي.
كما حذر التقرير من المخاطر المحتملة لاقتصاد العمل الحر على البلدان ذات الدخل المنخفض؛ حيث يعمل أغلب الناس خارج نطاق لوائح العمل ويفتقرون إلى الوصول إلى التأمين الاجتماعي والمزايا. ولا تزال هناك فجوة كبيرة في الأجور؛ حيث تكسب النساء 68% فقط من أجور الرجال على المنصات عبر الإنترنت.
وعلى الرغم من أن العمل الحر له العديد من المزايا، مثل: أن تكون رئيسًا لنفسك، وأن تعمل بشروطك الخاصة، وأن تحدد ساعات عملك بنفسك، فإن هناك تحديات قد تواجهك مثل أنه إذا كان لديك عميل لم يدفع لك في الموعد المحدد، فسوف تحتاج إلى البدء في اتخاذ خطوات للتأكد من قيامه بالدفع، وبحسب التقارير، يقول 54% من العاملين في اقتصاد العمل المؤقت إن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا حتى يحصلوا على أجورهم، بينما يقول 44% من العاملين المستقلين إنهم واجهوا تحدي عدم الحصول على أجر من العملاء.
وقد استعرض التحليل أهم الأرقام التي يتناولها اقتصاد العمل الحر وهي:
– 1.5 تريليون دولار: هي قيمة سوق العمل الحر المقدرة عالميًّا بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) بلغ 15%.
– شهد ما يقرب من 30%من العاملين المستقلين انخفاضًا في عدد المشروعات عام 2023، مقارنة بعام 2022؛ مما يعكس التأثير الواسع للتباطؤ الاقتصادي وتقلبات السوق، بينما ارتفع الطلب على العاملين المستقلين ذوي الخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي بنسبة 56%؛ مما يشير إلى ارتفاع حاد في متطلبات المهارات المتخصصة.
– 27% نسبة زيادة المشاركات المستقلة عبر الحدود خلال عام 2023؛ مما يشير إلى ارتفاع كبير في النطاق العالمي للعاملين المستقلين.
– 40% من العاملين المستقلين على مستوى العالم تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا خلال عام 2023.
– 48% نسبة مشاركة النساء من القوى العاملة المستقلة العالمية خلال عام 2023؛ وهو ما يظهر تكافؤًا -تقريبًا- في توزيع الجنسين في العمل المستقل في عام 2023.
– أكثر من 35% من العمالة المستقلة مقيمون في آسيا؛ مما يعكس الأهمية المتزايدة للمنطقة في سوق العمل المستقل العالمية.
– 50 % نسبة قطاعات تكنولوجيا المعلومات والتسويق الرقمي في جميع المشاركات المستقلة في عام 2023.
– بلغ متوسط الدخل السنوي للعمالة المستقلة على مستوى العالم نحو 41 ألف دولار في عام 2023، وأفاد العاملون المستقلون الذين يتمتعون بخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أن متوسط الأرباح بلغ نحو 88 ألف دولار في عام 2023، وهو أعلى بكثير من المتوسط العام، فيما أعرب العاملون المستقلون في المجالات الإبداعية مثل: التصميم الجرافيكي، وكتابة المحتوى، عن متوسط أرباح بلغ نحو 37 ألف دولار في عام 2023، في حين قال المتخصصون في التسويق الرقمي وتحسين محركات البحث في قطاع العمل المستقل إن متوسط الأرباح السنوي بلغ نحو 52 ألف دولار في عام 2023.
وقد أبرز التحليل أهم التخصصات الجديدة والمطلوبة التي تشكل مشهد العمل الحر، وهي:
– مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: شهد الطلب على العمالة المستقلة زيادة بنسبة 45% في عام 2023؛ مما يسلط الضوء على التوسع السريع لصناعة التكنولوجيا في هذه المجالات.
– قطاع الرعاية الصحية عن بُعد: شهد القطاع زيادة بنسبة 40% في المشاركات المستقلة في عام 2023، مدفوعًا بالتغييرات المستمرة في تقديم الرعاية الصحية.
– استشارات الأمن السيبراني: ارتفع الطلب على العمالة المستقلة المتخصصين في الأمن السيبراني بنسبة 50% في عام 2023؛ مما يعكس المخاوف المتزايدة بشأن الأمن الرقمي.
وأوضح التحليل أن التكنولوجيا، وخاصة ظهور الذكاء الاصطناعي وأدوات التعاون الرقمي، قد أثرت بشكل كبير على اقتصاد العمل الحر؛ وذلك من خلال:
– 70% من العمالة المستقلة من المتوقع أن تستخدم الذكاء الاصطناعي للقيام بالمهام الإدارية في عام 2025 مقارنة بنحو 50% في عام 2023.
– من المتوقع أن يتضاعف عدد العاملين المستقلين باستخدام الذكاء الاصطناعي لجهود التسويق الشخصية بحلول عام 2025، مقارنة بنحو 30% عام 2023.
– من المتوقع أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة جزءًا لا يتجزأ من العملية الإبداعية لأكثر من 80% من العاملين المستقلين في التصميم وإنشاء المحتوى بحلول عام 2028.
– نحو 60% من العمالة المستقلة ستستخدم منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتطوير المهارات بحلول عام 2025، مقارنة بـ 35% في عام 2023.
– يتوقع أن يُقدَّر حجم سوق منصات العمل الحر بنحو 9,57 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2030، مقارنة بنحو 3.39 مليارات دولار خلال عام 2023.
أشار التحليل إلى أن تصنيف أفضل البلدان لتوظيف العاملين المستقلين الصادر عن مجلة Ceoworld”” خلال عام 2024، يُحدِّد المزايا التي تقدمها أفضل 30 دولة حول العالم تجعلها وجهة مثالية للحصول على مواهب مستقلة عالية الجودة، من خلال السياسات الداعمة وطرق الدفع السهلة.
وتُعَد كل من الولايات المتحدة الأمريكية والهند من بين أفضل الوجهات للعاملين المستقلين؛ حيث توفر أسواقهما الكبيرة والمتنوعة فرصًا واسعة عبر مختلف الصناعات، تليهما المملكة المتحدة والفلبين وأوكرانيا.
هذا، وتتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بمجموعة واسعة من العمالة المستقلة المهرة عبر مختلف الصناعات؛ حيث يقوم أكثر من ثلث القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية بأعمال مستقلة.
وعلى الجانب الآخر، تتمتع الهند بمجموعة كبيرة من المواهب، وهي معروفة بأسعارها التنافسية؛ إذ إنها واحدة من أسرع دول العمل المستقل نموًّا ولديها نحو 15 مليون عامل مستقل يعملون مع أصحاب أعمال من الأمريكتين وأوروبا وأستراليا وآسيا.
وأوضح التحليل في ختامه إنه من المتوقع أن يزداد نمو العمل الحر مع استمرار تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية؛ وهو ما سيُسهم في إعادة تعريف كيفية عمل العمالة المستقلة وازدهار سوقها، وسيعكس هذا التطور اتجاهًا واسعًا نحو قوى عاملة أكثر مرونة وتنوعًا وتكاملًا من الناحية التكنولوجية.