كتبت مني جودت
المركز يستعرض تقرير لمنظمة الأونكتاد حول التحديات البيئية التي يفرضها التحول الرقمي والانتقال إلى اقتصاد رقمي دائري وشامل
سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء على أبرز التقارير الدولية المتعلقة بالتحول الرقمي، حيث أشار المركز إلى التقرير الصادر عن الأونكتاد بعنوان “الاقتصاد الرقمي 2024” والذي يؤكد على الحاجة الملحة إلى استراتيجيات للتحول الرقمي مستدامة بيئيًا، حيث تعتمد التكنولوجيا والبنية الأساسية الرقمية بشكل كبير على المواد الخام، وعليه وفي ظل الإنتاج المتزايد للأجهزة الرقمية والتخلص المتزايد منها بعد الاستخدام، إلى جانب الاحتياجات الكبيرة للمياه والطاقة، تٌفرض ضريبة متزايدة على الكوكب، فعلى سبيل المثال، يستهلك إنتاج واستخدام الأجهزة الرقمية ومراكز البيانات وشبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ما يُقدر بنحو 6% إلى 12% من الكهرباء في العالم.
أوضح التقرير أن الاقتصاد الرقمي يشهد طفرة كبيرة، فقد تضاعفت شحنات الهواتف الذكية السنوية بأكثر من الضعف منذ عام 2010، لتصل إلى 1.2 مليار في عام 2023. ومن المتوقع أن ترتفع أجهزة إنترنت الأشياء بمقدار 2.5 مرة من عام 2023 لتصل إلى 39 مليارًا بحلول عام 2029، وتُظهِر بيانات جديدة من 43 دولة، تمثل حوالي ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أن مبيعات التجارة الإلكترونية للأعمال نمت بنحو 60% من عام 2016 إلى عام 2022، لتصل إلى 27 تريليون دولار أمريكي، ويتسبب هذا النمو في إحداث أضرار جسيمة متزايدة على البيئة.
وأشار التقرير إلى أن الاقتصاد الرقمي يتطلب موارد كثيرة، فإنتاج جهاز كمبيوتر يزن كيلوجرامين يحتاج إلى 800 كيلوجرام من المواد الخام. أما الهاتف الذكي بداية من الإنتاج إلى التخلص منه، يحتاج فقط إلى نحو 70 كيلوجرامًا، في حين أن مرحلة الإنتاج هي المرحلة الأكثر تأثيرًا -حيث تنتج حوالي 80% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من الهواتف الذكية- فإن الضرر البيئي يحدث طوال دورة حياة الأجهزة والبنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك من خلال التجارة الإلكترونية.
وأضاف التقرير أن النفايات الرقمية تتزايد بمعدلات أسرع من معدلات جمعها، فقد ارتفعت النفايات الناتجة عن الشاشات ومعدات تكنولوجيا المعلومات الصغيرة بنسبة 30% بين عامي 2010 و2022، لتصل إلى 10.5 مليون طن. ويؤدي التخلص غير السليم من هذه النفايات إلى التلوث وغير ذلك من المخاطر الصحية والبيئية.
وبحسب التقرير، فإن الطلب المتزايد على نقل البيانات ومعالجتها وتخزينها للتكنولوجيات الجديدة مثل (blockchain) والذكاء الاصطناعي وشبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس وإنترنت الأشياء يعزز الانبعاثات، فعلى سبيل المثال، قام قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بتصدير ما يقدر بنحو 0.69 إلى 1.6 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2020، وهو ما يعادل 1.5٪ إلى 3.2٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. وجدير بالذكر أن جيجا طن تعادل 1000000 ألف طن.
وشدد التقرير على أن معالجة هذه القضايا تتطلب إصلاحات سياسية وابتكارات تكنولوجية وإجراءات من جانب جميع أصحاب المصلحة – صناع السياسات والشركات والمستهلكين – لجعل نماذج الأعمال أكثر دائرية، والخدمات اللوجستية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، والتغليف أكثر استدامة والاستهلاك أكثر مسؤولية.
أوضح التقرير أن هناك بعض التحديات التي تواجه القطاع الرقمي، فمع تزايد تعقيد الأجهزة الرقمية، فإنها تتطلب المزيد من الموارد المعدنية. ففي عام 1960، استخدمت الهواتف 10 عناصر من الجدول الدوري، و27 عنصرًا في عام 1990، و63 عنصرًا في عام 2021. ونتيجة لهذا، يتزايد الطلب على المعادن الأساسية الضرورية لكل من التقنيات الرقمية والمنخفضة الكربون. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يزيد الطلب على الكوبالت والجرافيت والليثيوم بنسبة 500% بحلول عام 2050، وفقًا للبنك الدولي.
اتصالًا، فقد أصبح تأمين الوصول إلى المعادن الحيوية أولوية استراتيجية متزايدة الأهمية بالنسبة للعديد من البلدان، وهو ما يؤدي إلى تكثيف المنافسة العالمية وزيادة مخاطر التحديات الجيوسياسية في سوق شديدة التركيز، ففي عام 2022، أنتجت جمهورية الكونغو الديمقراطية 68% من الكوبالت في العالم، وأستراليا وتشيلي 77% من إنتاج الليثيوم، وأنتجت الجابون وجنوب إفريقيا 59% من المنجنيز. كما تتولى الصين أكثر من نصف عمليات معالجة الألمنيوم والكوبالت والليثيوم على مستوى العالم، ونحو 100% من الجرافيت الطبيعي.
وبالنسبة للدول النامية الغنية بالموارد، فإن الطلب المتزايد على المعادن يمثل فرصًا اقتصادية. ولكن للاستفادة الكاملة من هذه الفرص، يتعين على هذه الدول أن تتقدم في سلاسل القيمة بدلًا من مجرد توفير المواد الخام، وإلا فإن اعتمادها على السلع الأساسية قد يتفاقم، مما يزيد من نقاط الضعف الاقتصادية ويمنع وصول الفوائد إلى المجتمعات المحلية، نظرًا لأن استخراج هذه المعادن الحيوية يثير أيضًا مخاوف بيئية واجتماعية.
وأظهر التقرير أن أحد المخاوف الملحة هو تزايد احتياجات الطاقة والمياه المرتبطة بالتحول الرقمي، فمن عام 2018 إلى عام 2022، تضاعف استهلاك الكهرباء لدى 13 من أكبر مشغلي مراكز البيانات. ومن المتوقع أن تستهلك مراكز البيانات على مستوى العالم ما يعادل استهلاك فرنسا من الطاقة في عام 2022 – 460 تيراواط/ ساعة من الكهرباء. في حين تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتضاعف استهلاكها من الطاقة إلى 1000 تيراواط/ ساعة في عام 2026.
وأشار التقرير إلى إن مثل هذا الاستهلاك من الممكن أن يفرض ضغوطًا على شبكات الكهرباء المحلية. فعلى سبيل المثال، شكلت مراكز البيانات في سنغافورة نحو 7% من الطلب على الكهرباء في البلاد في عام 2020، وفي أيرلندا وصلت هذه النسبة إلى 18% في عام 2022.
أضاف التقرير أن معالجة التحديات البيئية التي يفرضها التحول الرقمي، والانتقال إلى اقتصاد رقمي دائري وشامل، يتطلب تبني ممارسات مستدامة طوال دورة حياة التحول الرقمي بالكامل ــ من التصميم والإنتاج إلى الاستخدام والتخلص من النفايات ــ مع ضمان تحقيق فوائد اقتصادية عادلة، حيث يقلل الاقتصاد الدائري من النفايات ويزيد من استخدام الموارد من خلال إعادة الاستخدام والتجديد وإعادة التدوير وإطالة عمر المنتجات، ومع ذلك، وبحسب التقديرات فإن الاقتصاد الدائري يشكل 7.2% فقط من الاقتصاد العالمي، وهذه النسبة آخذة في الانخفاض بسبب زيادة استخراج المواد واستخدامها، واعتبارًا من عام 2022، تم جمع 24% فقط من النفايات الرقمية رسميًا على مستوى العالم، مع معدلات أقل بكثير في البلدان النامية.
ووفقًا للتقرير، فإن التحول إلى اقتصاد رقمي دائري وشامل يعالج المخاوف البيئية مع تعزيز الفرص الاقتصادية وتوفير فرص العمل، فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن ينمو السوق العالمي لإعادة تدوير الإلكترونيات من 37 مليار دولار في عام 2022 إلى ما يقدر بنحو 108 مليار دولار بحلول عام 2030.
وقد دعا التقرير في ختامه إلى اتخاذ إجراءات سريعة من جانب صناع السياسات وقادة الصناعة والمستهلكين، مع التركيز على التوجه نحو المنتجات المعمرة، والاستهلاك المسؤول، وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير، ونماذج الأعمال المستدامة.