د. عادل عامر

محاور إنقاذ الاقتصاد المصري

 

 كتب / الدكتور عادل عامر                                                                                                                                      

يواجه الاقتصاد المصري مجموعة من الفرص والتحديات في آن واحد من أجل “الخروج من عنق الزجاجة”، وسط مؤشرات خارجية تدفع إلى بعض التفاؤل، لا سيما فيما يتصل بتباطؤ وتيرة التضخم وتراجع الأسعار عالمياً، وبما ينعكس على الأوضاع الداخلية.

 يواجه الاقتصاد المصري مجموعة من الفرص والتحديات في آن واحد من أجل “الخروج من عنق الزجاجة”، وسط مؤشرات خارجية تدفع إلى بعض التفاؤل، لا سيما فيما يتصل بتباطؤ وتيرة التضخم وتراجع الأسعار عالمياً، وبما ينعكس على الأوضاع الداخلية.

أن “خيارات مصر باتت محدودة منذ اندلاع الأزمة في بداية عام 2022 وأن أي تأخير سيكون له تكلفة كبيرة اقتصاديا واجتماعيا”، لان المشكلة ليست في تعويم سعر صرف الجنيه وإنما في إتاحة الدولار في الأسواق.

أن الحل هو في التحول إلى اقتصاد إنتاجي قائم على الإنتاج والتصدير لتجنب أي تأثيرات خارجية أو تقليل أثرها، و” مع الأسف كل برامج الإصلاح الاقتصادي بما فيها برنامج عام 2016 نجح في تحقيق إصلاح مالي ونقدي وأخفق في الإصلاح الهيكلي“.

أن المشكلة الأخرى هي استبدال القائمين على إدارة الاقتصاد الاستثمار بالاقتراض على اعتبار أنه الأرخص والأسهل، لأن الاستثمار الحقيقي هو تنمية مستدامة لكن الاقتراض هو ديون وعبء على الاقتصاد.

ومن هنا يجب الاستفادة من أصول الدولة الضخمة سواء ببيعها أو تأجيرها لإداراتها بشكل يعظم من حجمها ويزيد من إيراداتها، والاعتماد على الاستثمار بدلا من الاقتراض والتحول إلى اقتصاد إنتاجي وليس ريعيا، وأخيرا تغيير المسؤولين الحاليين عن إدارة الملف الاقتصادي بآخرين قادرين على خلق حلول واستعادة ثقة المواطنين والمستثمرين.

أن معظم الحلول العملية الناجعة هي حلول متوسطة وطويلة الأجل في حين أن الوضع الحالي يتطلب حلولا عاجلة، وبالتالي الحكومة لم تترك لنفسها مساحة للاختيار، مشيرا إلى أن خفض الجنيه بشكل حاد أو تدريجي كلاهما يضر بالاقتصاد والمواطن بشكل أكبر، ولكن لا مفر منه، وهي خطوة اضطرارية وليست خطوة علاجية لأنه قبل اتخاذ مثل هذه الخطوة علينا أن نتذكر أن كل قرارات الخفض السابقة تبعها تخفيضات أخرى بسبب عدم جدواها اقتصاديا.

فإن الحلول لا تكمن في خفض قيمة الجنيه وإنما في تبني سياسات اقتصادية جديدة ومختلفة ترتكز على إحداث نهضة تنموية تدر عوائد دولاريه ووقف الإنفاق على أي مشروعات لا تدر إيرادات مالية وزيادة الاحتياطي النقدي وتقليل الاقتراض وبالتالي تأتي خطوة خفض الجنيه بشكل تدريجي مع وجود رصيد كاف من العملة الصعبة وقبل ذلك استبعاد القائمين على الملف الاقتصادي بآخرين أكثر حنكة وواقعية.

ومن ثم نرجع لسابق أزمات الاقتصاد المصري وكيف كان الخروج منها يمكن إيجاز ملامح التغيرات التي مرت بها مصر خلال فترة اقتصاد الحرب في نمو الاقتصاد المصري بسرعة معقولة في أوائل الستينيات، لكنها توقفت خلال الفترة من  عام 1967 إلى 1974، ففي هذا العام، بدأ تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي  التي عُرفت بسياسة الانفتاح، وإصدار القانون 43 لسنة 1974 الذى كان يهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي الخاص.

إلا أن هذه الإصلاحات كانت متواضعة وغير كافية، ولم تسهم سوى بالقليل في تغيير التوجه الأساسي لسياسة التصنيع الحكومي، وقد نما الاقتصاد المصري بشكل ملحوظ فيما بين عام 1974 و1981 نتيجة الزيادة الهائلة في الإيرادات بالعملة الأجنبية؛ التي تعزى إلى  ارتفاع الدخل من البترول وإيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج. غير أن هذا النمو والرواج الذى حدث سرعان ما بدأ يتراجع في بداية الثمانينيات، وبدأ الاقتصاد مرة أخرى فترة طويلة من الركود

بالنسبة للسندات الخارجية، يبقى سؤال حول ما إذا كانت مصر قادرة على إنجاز كل ما هو مطلوب لمعالجة اضطرابات أسواقها الاقتصادية والمالية. يشار إلى أن توقع الأسواق -خلال الأسبوع الماضي- بأن تسعى مصر إلى رفع قيمة العملة، أدى إلى انخفاض العائد الذي يطلبه المستثمرون للاحتفاظ بالسندات المصرية المقوّمة بالدولار، بدلا من سندات الخزانة الأميركية إلى ما دون عتبة ألف نقطة أساس (10%) التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها مؤشر على أزمة اقتصادية.

وأدى النقص الحاد في الدولار إلى كبح الواردات وتسبب في تراكم البضائع بالموانئ وسط قيود على خطابات الاعتماد مع تداعيات على الصناعة المحلية، وارتفعت أسعار عدد من المواد الغذائية الأساسية بوتيرة أسرع بكثير من معدل التضخم في المدن المصرية الذي تسارع إلى معدل قياسي بلغ 38 في المئة في سبتمبر (أيلول) الماضي قبل أن يتراجع بصورة طفيفة الشهر الماضي.

وتحتاج مصر إلى الدولار لسداد ديونها الخارجية العامة متوسطة وطويلة الأجل التي قفزت بمقدار 8.4 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من 2023 حتى الأول من يوليو (تموز) الماضي إلى 189.7 مليار دولار، وعليها أن تسدد ما لا يقل عن 42.26 مليار دولار من الديون الخارجية عام 2024.

وانكشفت أزمة شح العملة الأجنبية لتكون أكثر وضوحاً مع تجنب المستثمرين الأجانب الاستثمار في أدوات الدين المصرية (أذون وسندات الخزانة) بعد دورة التشديد النقدي التي نفذها مجلس الاحتياط (المركزي الأميركي) قبل عامين، مما تسبب في تخارج أكثر من 20 مليار دولار من القاهرة صوب واشنطن طمعاً في الفائدة الأميركية، ودفع الحكومة إلى تمويل العجز المتزايد عن طريق الاقتراض محلياً على رغم ارتفاع أسعار الفائدة، مما سمح لعجز الموازنة بالاتساع وأدى إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم. من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة إلى نظيرتها المباشرة لم يختلف الأمر كثيراً، إذ تراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر خارج قطاع النفط والغاز بعدما أصبح ضئيلاً. أولا: الارتقاء بالموارد البشرية: فهى المصدر الأصلى للتنمية، وتوافرها بالكمية والجودة المناسبة يتيح الاستفادة من باقى عوامل الإنتاج من رأس مال وموارد طبيعية، ومن المزايا النسبية المتاحة، بينما يؤدى غيابها إلى إضعاف قدرة الاقتصاد على النمو مهما امتلك من مقومات.

هذا يستدعى تطبيق سياسات تبنى قوة بشرية مؤهلة للعمل فى العصر الحالى، ومواطن لديه عقلية مُبْتَكِرة ومُبَادِرَة، ومواطن ومستهلك رشيد متوازن، قادر على إنجاز التحولات التى تحتاج إليها مصر للحاق بالمستقبل.

يشمل ذلك تحديث التعليم من حيث المناهج ومن حيث أسلوب التعليم بكل أنواعه، العام والفنى والجامعى، وتعليم اللغات العربية والأجنبية وتكنولوجيا المعلومات، ومحو أمية.. إلخ؛ وتطوير برامج التدريب، لعلاج أحد أهم معوقات النمو فى مصر، وهو نقص العمالة الفنية والماهرة. كما يشمل الارتقاء بمستوى الصحة العامة، ليكون لدى العامل القدرة البدنية والذهنية التى تؤهله للقيام بعمله.

وأخيرا، فإنه يشمل تطوير القيم والوعى المرتبطين بالعمل، وهو أمر لا يقل أهمية عن التعليم والكفاءة، وذلك من خلال الإعلام وبرامج توعية مخصصة للإعداد لسوق العمل ونشر القيم ذات الصلة مثل الإتقان والدقة والالتزام والصدق والرغبة الدائمة فى التعلم وبناء الثقة فى النفس والغير.. إلخ، ومقاومة الخصائص التى تخلق إنسانا مضطربا مشوشا قليل الفائدة فى العمل وفى مقدمتها التملق والجبن وتجنب المسئولية وعقدة الاضطهاد ونظرية المؤامرة ورفض تعدد الآراء والاستسهال.. إلخ.

ثانيا: رفع كفاءة الجهاز الحكومى: حيث لا توجد سابقة لمشروع تنموى ناجح دون جهاز حكومى كفء ونزيه. وهذا يتعلق بمعايير اختيار العاملين والعاملات، وتحسين الأجور، والتدريب، ومنهج التصعيد واختيار القيادات، وتحديث المؤسسات من حيث نظام عملها ومن حيث حالتها المادية من مبانٍ وأثاث ومعدات وتجهيزات وتكنولوجيا.. إلخ، ومستوى التكامل بين المؤسسات وآليات التعاون والتنسيق فيما بينها. هذا يتطلب تكليف الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بالتعاون مع رئاسة مجلس الوزراء وبعض خبراء الإدارة العامة المتميزين بإجراء دراسة شاملة ومتكاملة لحالة الجهاز الحكومى وتوصياتها لتطويره، كما يتطلب الاستعداد لزيادة الاستثمار فى جهاز الدولة بشكل ملموس.

ثالثا: إطلاق المبادرة الفردية: فمع الأهمية الكبرى لدور الحكومة فى قيادة المشروع التنموى، فإن ترجمته إلى واقع تتوقف على قرارات الأفراد والقطاع الخاص، واللذان يمثلان معا أكثر من ثلثى الاقتصاد. فقرارات هؤلاء المتعلقة بالادخار والاستثمار والعمل والإنتاج والاستهلاك، وما يقدمونه من مبادرات وابتكارات وعمل سعيا إلى منفعتهم هى التى تصنع فى مجموعها مصلحة المجتمع، الذى لم تنجح الحكومات فى تحقيقه بشكل مستدام قط فى مختلف التجارب.

فقد أكدت تلك التجارب أن وجود الحكومة، بشكل مباشر أو غير مباشر، فى أسواق الإنتاج أو الخدمات أو التسويق أو التصدير أو الاستيراد يقوم بدور طارد للقطاع الخاص لأسباب متعددة، أهمها أنه يخلق حالة عامة منحازة لصالح المشروعات الحكومية فى توفير فرص النشاط، وفى تعامل الأجهزة الحكومية فى الموافقات والتراخيص والأرض والمرافق، وفى الضرائب والتشريع وتطبيق القواعد والعدالة.. إلخ، وهو ما يقضى على المنافسة المتكافئة،

 وبالتالى يطرد الجانب الأكبر من القطاع الخاص «المفيد»، ويحرم المجتمع من المبادرات والأفكار الجديدة والروح المتوقدة للمستثمر الخاص، فلا يبقى إلا مشروعات بروح بيروقراطية، والقطاع الخاص الباحث عن الربح السريع. مؤدى ذلك أن تركز الحكومة عملها فى توفير الإطار التنظيمى والتشريعى والإدارى الكفء والمشجع لعمل القطاع الخاص، والضابط له فى نفس الوقت، وتحسين البنية الأساسية، وتقوية آليات التوازن الاجتماعى، وألا يزيد دورها على ذلك، إلا فى حالات محدودة للغاية، ولأسباب معروفة ومعلنة، مثل إطلاق صناعة معينة، أو لتوطين صناعة استراتيجية، أو لاعتبارات اجتماعية ملحة.

رابعا: تطوير السياسة الاقتصادية الخارجية: ذلك ببناء الروابط الاقتصادية الخارجية التى تتيح لمشروع مصر التنموى أفضل الفرص، وهو ما تعرضنا له فى مقال سابق. فما تعانيه مصر من فجوة موارد من النقد الأجنبى، واحتياجها إلى ما يأتى به الاستثمار الخارجى من معرفة تكنولوجية وصناعية وإدارية وارتباط بشبكات التوريد والتوزيع العالمية، يجعل الاستثمار الأجنبى المباشر احتياجا حيويا لخلق فرص العمل وزيادة القدرة الإنتاجية، وتطوير ثقافة الأعمال، وخاصة الصناعية فى المجتمع. والحقيقة أن جذب الاستثمار المباشر عملية معقدة وبها منافسة عاتية، لذا ينبغى أن تتم من خلال خطة مدروسة، وأن يتم توفير الشروط اللازمة لها، وأن تكون انتقائية، لكى تحقق أفضل عائد اقتصادى. هذا بجانب العمل على توسيع الفرص المتاحة للصادرات المصرية، بما فى ذلك ما تنفذه شركات المقاولات المصرية من مشروعات فى الخارج.

خامسا: توفير مناخ داعم للنمو بمفهومه الواسع: وهو ما يشمل، بجانب أمور حققتها مصر بقدر معقول من النجاح مثل الأمن، والاستقرار المالى والنقدى، وتطوير البنية الأساسية، مسائل أخرى على نفس القدر من الأهمية، فى مقدمتها شفافية وحياد الإدارة الحكومية، وحداثة وانضباط ونزاهة منظومة العدالة التى تشمل التشريعات والقضاء وأدوات إنفاذ القانون، والاستقرار السياسى القائم على غياب أسباب التوتر أو الانقسام أو الاحتقان التى قد تفتح احتمالات الاضطراب المستقبلى، وتوافر قاعدة متنامية للبحث والتطوير.

سادسا: إعطاء الصناعة الأولوية الأولى: لأنها هى التى تبنى قاعدة صلبة للاقتصاد تمكنه من الصمود فى مواجهة التقلبات الاقتصادية الداخلية والخارجية، وللحد من الاعتماد على مصادر الدخل والنمو الهشة أو المتقلبة أو قصيرة العمر مثل السياحة وأكثر الخدمات وتحويلات العمالة فى الخارج والبترول والغاز. والمقصود هنا الصناعة ذات القيمة المضافة المحلية والمكون المعرفى الكبيرين، لا صناعات التجميع أو الصناعات البسيطة محدودة الوزن.

سابعا: إصلاح وتحديث القطاع الخاص: من خلال أدوات ضريبية وتشريعية ولائحية تدفعه نحو الارتقاء بشفافيته، وزيادة الحوافز على التوسع فى نشأة المشروعات الكبيرة كشركات مساهمة لكى لا يقتصر الأمر على صيغة المشروع العائلى، وتعميق العمليات الصناعية التى يجريها فى نشاطه لرفع درجة تنافسيته وزيادة فائدته للاقتصاد الوطنى، وعدم التردد فى إخضاع الشرائح العالية من الأرباح لمعدلات ضريبية أعلى لتتمكن الموازنة من تمويل باقى مفاتيح التنمية الاقتصادية التى يستفيد منها القطاع الخاص.

وكما هو واضح، فإن أكثر هذه المحاور تتناول تغييرات كبرى فى السياسات ومناهج العمل والتفكير، مقترنة بزيادات محدودة فى الإنفاق العام، لأنها تستهدف فى الأساس إحداث نقلة نوعية فى حجم الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...