كتب / د.عادل عامر
هناك عدد من المتطلبات يجب على الدول الراغبة رغبة حقيقة في الارتقاء بمستوى إدارتها إلى مستوى حضاري يساهم في مكافحة الفساد الإداري، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، أن تقوم بها وتفعلها، وأول هذه المتطلبات أن توفر السبل لتحقيق الشفافية والنزاهة الإدارية من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات السياسية والإدارية والتشريعية والتي تتمثل في الآتي:
1- توافر الإرادة السياسية باعتبارها المدخل الرئيسي لبناء نظام مؤسسي يشمل تطبيق خطة استراتيجية بإجراءات واضحة وفعالة لتعزيز المساءلة والشفافية ومكافحة الفساد، وذلك من خلال مبادئ النزاهة والشفافية والمحاسبة في المؤسسات العامة والمجتمع ككل
2- توافر الديمقراطية في المجتمع فالشفافية تتطلب وجود ديمقراطية في الممارسات العملية فالممارسات الديمقراطية تضمن قانونية الوصول إلى المعلومة من خلال قوانين لحرية المعلومة والحصول عليها من قبل المواطنين المعنيين أو من خلال توافر الشفافية في القوانين والإجراءات.
3- انتهاج الشفافية في الأنظمة والقوانين والإجراءات من خلال مراجعتها ومعالجة نصوصها وفقراتها الغامضة وتوضيحها وإعلانها للموظفين والمواطنين، مع وضع قواعد واضحة للنشر والافصاح تحدد فيها المعلومات التي يجب توافرها المتاحة للنشر، والمواعيد التي يجب نشرها فيها، والمسئولية القانونية عن عدم النشر.
4- نشر الوعى لدى الموظفين والمواطنين وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم ، وهذا بالطبع يتطلب تبسيط إجراءات العمل بشكل يسمح بأداء الأنشطة دون تعقيد من قبل الموظفين ويندرج ضمن ذلك نشر المعلومات والبيانات وتوفير الأدلة الإرشادية عن إجراءات العمل لتكون في متناول الموظفين المعنيين بالأنشطة واختصار الإجراءات غير الضرورية، مع تطوير خبرات الموظفين العموميين وإثرائها من خلال الاطلاع علي التجارب الناجحة في الدول المتقدمة في مجال الشفافية الإدارية، مع تطوير آليات الإشراف من قبل المديرين وكبار الموظفين علي أداء موظفيهم ومتابعتهم بحيث يكونون مسئولون عن نتائج نشاط مرؤوسيهم.
5- تسهيل تدفق المعلومات الصحيحة إلى المستويات المختلفة من المجتمع.
6- تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني بدعوتهم لرفع شعار مكافحة الفساد والشفافية كشعار للتطبيق لا للتسويق.
7- التأكيد على الشفافية من خلال القيم الدينية، ويأتي ذلك من خلال الربط بين مخالفة الإجراءات والأساليب الملتوية وغير الواضحة، وعدم الإفصاح وإخفاء المعلومات للتعاليم السماوية.
8- كما أنه من متطلبات الشفافية الإدارية أيضا توافر الجانب التشريعي من خلال إصدار قانون ينظم تداول المعلومات واضعًا في اعتباره أن فرض القيود علي حرية الوصول للمعلومة يكون لاحترام حقوق الأخرين أو سمعتهم، وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، مع عمل مشاركة مجتمعية وطرح القانون للنقاش المجتمعي للتعرف علي أراء المواطنين حول ما يعد ضًار بالسمعة والحقوق الشخصية، وما يعد ضار بالأمن القومي، بحيث يكون تقييد الوصول للمعلومة متناسب مع حماية مصلحة اجتماعية ملحة، وبالتالي لا يكون الغرض من التقييد حماية الحكومات من الإحراج أو فضح أخطائها.
ويجب على المشرعين عند سعيهم لوضع التشريع الخاص بتداول المعلومات أن يراعوا أن يتوافر في نصوصه ما يتيح الآتي:
أ- الكشف عن المعلومات: يجب على القانون أن يتيح كشف كل المعلومات العامّة للمواطنين، بحيث تكون الحرية في الاطلاع هي القاعدة، والمنع أو الحظر هو الاستثناء، ويجب أن تكون هذه الحالات الاستثنائية محددة في القانون بدقة، من خلال دراستها بمعرفة هيئة تشكل لهذا الغرض يغلب على تشكيلها التشكيل القضائي، يمثل بها المجتمع المدني وممثلين عن الأجهزة الإدارية بالدولة، لدراستها من كافة المناحى، والتحقق من مدى التأثير السلبي الذي يمكن أن يلحق بالمجتمع لو نشرت، وعمل موازنة بين تلك السلبيات وإيجابيات النشر قبل إقرارا الحظر.
ب-سهولة الحصول على المعلومات: يجب أن يكرس القانون وينظم حق المواطنين في الحصول على المعلومة من خلال تقديم طلب بشكل رسمي للجهة الإدارية، للحصول على معلومات معينة من هذه الجهة التي تستحوذ على المعلومات، مع وضع القانون في الاعتبار حالة المواطنين أصحاب الإعاقة والأميين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، كما يجب على القانون أن ينظم كيفية تظلم المواطن من رفض طلبه وكيفية لجوئه للقضاء المستعجل للحصول على حقه في ذلك على أن يكون ذلك كله خلال فترات زمنية قصيرة تمكنه من الوقوف على المعلومات في حينها.
ج-معقولية تكاليف الحصول على المعلومة: يجب أن يكرس القانون ولائحته التنفيذية على أن لا تكون تكلفة نيل حق الوصول إلى المعلومات والحصول عليها والتي تحتفظ بها جهة الإدارة باهظة الثمن، على نحو يعيق الناس من التقدّم بطلبات للوصول إلى المعلومات، وينبغي تخفيض الرسوم بل الإعفاء منها في الحالات التي يريد فيها طالب المعلومة الحصول عليها خدمة منه للمصلحة العامة، بأن يكون الطلب المقدم منه مثلا بغية كشف الفساد في أحدى جهات الإدارة، وفي جميع الأحوال يجب أن تحدد هذه الرسوم في القانون أو لائحته التنفيذية، بحيث لا يترك أمر تحديدها لتقدير الجهة المطلوب منها تقديم المعلومات، فالشفافية الحقيقية يجب أن يكون فيها الحصول علي المعلومات “رخيص”، وفي “الوقت الحقيقي”.
ح-وجوب النشر: يجب على القانون أن توجد به نصوص تجعل حق تداول المعلومة والحصول عليها لا يقتصر فقط على الطلبات التي تقدم من قبل المواطنين بخصوصها بشكل رسمي، بل يتعدى ذلك إلى نشر هذه المعلومات على نحو واسع للجمهور، بأشكال ووسائل متعددة مستخدمين في ذلك كل وسائل الاتصال الحديثة.
د-الاجتماعات العامة مفتوحة للجمهور: يجب أن يضمن التشريع حرية اطلاع الشعب على العمل الذي تقوم به المؤسسات الإدارية في الدولة نيابة عنه، من خلال إتاحة مشاركة المواطنين للمسئولين عنها في عمليات اتخاذ القرار؛ وهو ما سيتأتى من خلال توافر نصوص تشريعية بهذا القانون تسمح بفتح الاجتماعات الرسمية لهذه المؤسسات والتي سيتم فيها دراسة خطط أو أمور تمس بالمواطنين أمام الجمهور لمناقشة هذه الأمور والحصول على آرائهم ومقترحاتهم عنها، وذلك من خلال أخطارهم بموعد الاجتماع قبل الاجتماع بميعاد كاف، ومن الممكن أن يكون ذلك من خلال وسائل الاتصال الحديثة على موقع إلكتروني تحدده المؤسسة الإدارية بعد نشرها لما تنوى القيام به، ومن الأمثلة على هذه الاجتماعات: اجتماعات الهيئات المنتخبة مثل الهيئات المحلّية، والمجالس التشريعية، واجتماعات الجمعيات العمومية لشركات القطاع العام والتعاونيات، وغيرها من الهيئات والمؤسسات التي تمس قرارتها حياة المواطن، وكيفية توجيه وانفاق ميزانية دولته.
و-حماية المخبرين (المفشين للأسرار الإدارية): يجب أن يكرس القانون لحماية المواطنين وبصفة خاصة الموظفين العموميين من أية عقوبات قانونية أو إدارية، أو عقوبات تتعلق بالعمل لكونهم أفشوا معلومات حول المخالفات الإدارية أو الكشف عن الفساد الإداري، ما داموا يعملون بحسن نية، وبناءً على اعتقاد معلل بأن المعلومات التي أفشوها كانت صحيحة إلى حد كبير، وأنها كشفت دلائل حول خرق التشريعات المختلفة، على أن يشمل تطبيق هذه الحماية الكشف عن تلك المعلومات حتى لو كان يعد انتهاكًا لتشريعات قانونية أخرى أو لواجب وظيفي.
– تدفع الشفافية جهة الإدارة لعمل تقييم ذاتي لأعمالها وقراراتها بصفة مستمرة حتى لا تتعرض للنقد، كما ستحقق رقابة الموظفين العموميين لأنفسهم رقابة ذاتية.
– تساعد الشفافية الإدارية المسئولين بالجهاز الإداري في الدولة في الدفاع عن أنفسهم ضد أي اتهامات توجه إليهم.
– لا يوجد تعارض بين الشفافية الإدارية والاحتفاظ بالأسرار الوظيفية.
– اقرت الاتفاقيات الدولية الحق في الشفافية من خلال التأكيد علي حق المواطن في الحصول على المعلومة باعتباره حقا مكملا للحق في تكوين حرية الرأي والتعبير.
– أيد القضاء الدولي حق المواطنين في الحصول على المعلومات والزم الدول بتحقيق ذلك لهم.
– لازالت مصر لم يصدر بها قانون ينظم حق المواطن في الحصول على المعلومة بالرغم من دسترة هذا الحق في دستور 2014، ومن قبله دستور 2012 ، ومن خلال العديد من الأحكام القضائية المصرية التي تؤيد الحق في الشفافية والحصول على المعلومة في صور مختلفة باعتباره حقا مكملا لحق حرية الرأي والتعبير وباعتباره الأداة التي يمكن من خلالها أن يؤتى حق حرية الرأي والتعبير ثماره ، وبالرغم من وجود مشروع لقانون ينظم هذا الحق مقدم لمجلس النواب من عام 2008 أي منذ ما يقرب من أحد عشر عاما.
وانتهينا إلى عدد من التوصيات أهمها:
–لا بد من توافر الإرادة السياسية داخل أي دولة لتحقيق الشفافية الإدارية بها.
– انتهاج الدول للشفافية الإدارية يبدأ من خلال مراجعة الأنظمة والقوانين والإجراءات داخلها ومعالجة نصوصها وفقراتها الغامضة وتوضيحها وإعلانها للموظفين والمواطنين بها.
– لا بد للدولة التي تبغي تحقيق الشفافية الإدارية أن تقوم نشر الوعي لدى الموظفين والمواطنين وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، وتبسيط الإجراءات الإدارية واختصارها.
– تفعيل دور منظمات المجتمع المدني من خلال السماح لها بالحصول على المعلومة ونشرها ونشر ثقافة الشفافية داخل المجتمع، ومكافحة الفساد.
– الربط بين الدين والشفافية الإدارية ومكافحة الفساد من خلال المؤسسات الدينية داخل المجتمع.
– العمل على إصدار تشريع يتيح تدفق المعلومات والحق في الحصول عليه على أن يتم به تحديد المعلومات المستثناة من الكشف وانتهاك السرية على وجه الدقة، على أن يكون الحظر في أضيق الحدود وبما يحقق الأمن القومي وحماية خصوصية الأفراد داخل المجتمع، على أن يسمح هذا التشريع بحصول المواطن على المعلومة من خلال طلب يقدم للجهات الرسمية التي تمتلكها ويسمح له بالتظلم واللجوء إلى القضاء المستعجل حال رفض طلبه، على أن تكون رسوم الحصول على المعلومة زهيدة حتى لا تقف هذه الرسوم عائقا ضد حصوله على المعلومة، كما يجب أن ينص المشرع على أليه إلكترونية تساعد المواطنين من ذوى الاحتياجات الخاصة والعجائز من المواطنين في الحصول على المعلومة دون تكبد مشقة الذهاب للجهات الإدارية، كما يجب على الدولة أن تتيح المعلومات طبقا لهذا التشريع دون طلب وبكافة الطرق.
وفي النهاية أذكر قول الإمام الشافعي: كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي.
—