كتب / د. عادل عامر
يتمتع أغلب مواطني دول الخليج العربية بمستوى دخل عال مقارنة بدخل الفرد في الدول العربية، بل إن بعض التقديرات تشير إلى اقتراب مستوى دخل الفرد في الخليج من مستوى دخل الفرد الأمريكي والأوروبي.
هذه الحقيقة تقلل إلى حد كبير من احتمال خروج تظاهرات واحتجاجات تحمل مطالب ذات طبيعة معيشية واقتصادية. لكن المختصين في الشأن الخليجي لا يتفقون مع هذا الرأي
أن كثيرا من مواطني دول الخليج والسعودية يعيشون في مستويات دخل منخفضة للغاية والعديد منهم لا يملكون بيوتا يسكنون فيها بل يعيشون في مساكن مستأجرة “. أن مطالب شعوب الخليج خلال عمر الربيع العربي اتخذت طابعا سياسيا نابعا من رغبة حقيقية في المشاركة في السلطة.
إنه إذاً شيء آخر غير الثورات، إنه الدور الوظيفي في إطار استراتيجية دولية وإقليمية لدول كبرى أرادت تفكيك هذه المنطقة بالإرهاب الذي أسمته ثورة، وقامت باختلاق “ربيع وهمي” أسمته الربيع العربي، كانت دول الخليج بعيدة عن هذا الخطر فمن تجربة الإصلاح السياسي في العالم الأوربي نجد هناك تلازما وتفاعلا بين عالم السياسة وعالم الاقتصاد والانسياق الثقافية في التركيبة السياسية التي شاخت مع عملية تغير حتى لرجالات السلطة
وهذا امر مهم جدا لأنه لكي يقتنع المجتمع بجدوى الإصلاح يجب استبعاد الأناس المسؤولين عن آثار التردي والفساد وهو ظاهرة مستشريه في العالم العربي ومحاسبتهم قانونيا ، وحلول أناس وخبرات جديدة حديثة ويتولون عملية رسم آفاق جديدة لإصلاح ما فسد أو ما افسده غيرهم وهكذا تستمر الحياة ويتابع البلد والمجتمع مسيرته نحو الأفضل.
أطلق مصطلح الربيع العربي على الثورات العربية التي مثلت حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في كُلِّ البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ، والتي أطيحت بحكم زين العابدين بن علي في تونس و محمد حسني مبارك في مصر و العقيد معمر القذافي في ليبيا. وكذلك تنازل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن صلاحياته لنائبه بموجب المبادرة الخليجية هي تندرج أيضا في هذا الإطار ، وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية.
و تعاني معظم دول الشرق الأوسط من التخلف الاقتصادي خاصة الدول العربية ، فهي غالباً ما تعتمد على واردات النفط أو السياحة والمعونات الخارجية في حين تغيب التنمية الحقيقية بسبب صعوبات تتمثل في ارتفاع معدل تزايد السكان في الدول العربية ، نقص الكوادر الوطنية ، التفاوت في مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي ، انخفاض مستوى الادخار . وفي ظل هذا الوضع المتردي فأن دخل الفرد سيكون متدني. إن المحددات السياسية لطبيعة الدور التركي في المنطقة ظلت حاكمة للأنماط المتغيرة للسياسة الخارجية إزاء الثورات العربية ووفقا لخصوصية كل حالة، وفي هذا الإطار بدا جليا خفوت الموقف التركي حيال الوضع في كل من البحرين واليمين، حيث ارتبط التوجهات التركية بالحرص التركي على العلاقات السياسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما جعل المقاربة التركية حيال الملفين تقوم على ضرورة إنهاء الأزمات الداخلية في الدولتين وإنهاء الانقسامات المجتمعية عبر الأدوات السلمية، بالترافق مع رفض التدخلات الخارجية، خصوصا الإيرانية منها لما لها من تأثير وتداعيات سلبية على عملية التغير السلمي والمتدرج الذي راعته دول الخليج في الحالتين.
معظم بلدان الشرق الأوسط هي ذات نظم تسلطية واستبدادية يقع بعضها في جغرافية العالم العربي ، وبالتالي في ظل هذه الأنظمة تنعدم مظاهر التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والإعلام ، وبالتالي كلها أسباب أدت إلى اندلاع ثورات الربيع العربي. إن فكرة الإصلاح فكرة قديمة قدم الإنسانية ، حيث وجد ت في كتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو الكثير من الأفكار الإصلاحية مثل العدالة والقوانين وتنظيم المجتمع والدولة والاستقرار السياسي والتوزيع العادل للثروة وغيرها، ويمكن القول إن فكرة الإصلاح كانت
ومازالت الهدف الأسمى للعديد من الفلاسفة والقادة والحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم، فضلاً عن كونها موضوعاً رئيسياً في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ أيام ميكافيلي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن التاسع عشر . أما في العالم العربي فان فكرة الإصلاح بدأت في الدولة العثمانية في المجال العسكري بعد الهزيمة التي تعرضت لها أمام روسيا القيصرية عام 1774 ، ثم امتدت لاحقاً إلى المجالات السياسية والإدارية والاجتماعية.
والإصلاح هو التغيير والتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو سيء، ولا سيما في ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة أو متسلطة أو مجتمعات متخلفة أو إزالة ظلم أو تصحيح خطأ . والإصلاح السياسي هو خطوات فعالة وجدية تقوم بها الحكومات والمجتمع المدني نحو إيجاد نظم ديمقراطية حقيقية تكون فيها الحرية القيمة العظمى والأساسية وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال التعددية السياسية التي تؤدي إلى تداول السلطات، وتقوم على احترام جميع الحقوق مع وجود مؤسسات سياسية فعالة على رأسها التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية والأحزاب السياسية بكل تنوعاتها الفكرية.
والحقيقة إن الإصلاح السياسي يحتاج إلى إرادة والى عمل يرافق هذه الإرادة وان تكون هناك توجهات تجري في جو وفضاء المجتمع المدني والاستقلال بالنسبة إلى الجهات المنوط بها أجراء تحديث وإصلاح وبشكل علمي جدي وليس بشكل عاطفي رغبوي يطور هنا ويستثني هناك وهكذا تكون العملية مبتورة وبالتالي لا يكون هناك أي نتائج مرجوه من هذا الإصلاح.
هذا فضلا عن تضرر العلاقة مع طهران بفعل إقدام أنقرة على نشر صواريخ الدرع الصاروخي على أراضيها. هذا بالإضافة إلى الصراع بين طهران وأنقرة للـتأثير على مجريات الأحداث الدائرة على الأراضي السورية، ففيما تدعم إيران النظام البعثي، فإن أنقرة تدعم المعارضة سواء في شقها السياسي أو العسكري (الجيش السوري الحر).
على هذا الأساس أوضحت الثورات “الربيع العربي” أن المحدد الأمني مازال يشكل ضلعا رئيسيا في تشكيل السياسة الخارجية التركية، بما أفضى إلى تشكل مواقف تركية متباينة حيال الثورات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية مؤخرا، ففيما يتعلق بسوريا باعتبارها الدولة الأقرب إلى تركيا وتربطها معها بحدود تمتد إلى زهاء 877 كم، فقد ارتبط حرص تركيا على استقرار سوريا بالتخوفات التركية من تداعيات الأزمة السورية بملفاتها السياسية والاجتماعية وبشقيها العلوي والكردي على الوضع الداخلي في تركيا، والخشية من احتمالات انتقال الأزمة إلي حدودها الجنوبية إذا ما خرج الوضع الأمني عن السيطرة، أو تطور إلى مواجهة عسكرية بين القوى الغربية وسوريا كما حدث في ليبيا.
وفيما يتعلق بالوضع في كل من البحرين واليمن، فقد برز المحدد الأمني في تشكيل السلوك التركي، الذي بدت عليه ثمة تخوفات من تحول الأزمة إلى صراع طائفي ومذهبي يكون له امتدادات إقليمية، لاسيما في ظل اشتداد المواجهة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية بين العديد من دول الخليج من جانب وإيران من جانب آخر.
ومع أن أنقرة أوضحت الكثير من أدبيات سياساتها الخارجية وتصريحات مسئوليها رفضها لاستراتيجية المحاور، غير أن المحددات الأمنية أيضا وقفت وراء الحركة الدبلوماسية والسياسية التركية النشطة حيال القاهرة في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير، من أجل تأسيس محور “القاهرة –أنقرة”، وذلك بهدف مواجهة التحديات السياسية والأمنية التي تحيط بالمنطقة.
– الموقف من الثورة المصرية..
“الرهان”: راهنت تركيا مبكرا على نجاح الثورة المصرية وخاطرت بعلاقاتها مع النظام السابق، من خلال قيام رئيس الوزراء التركي بعد 6 أيام وحسب من تفجر ثورة 25 يناير، بدعوة مبارك للاستجابة لتطلعات شعبة والتخلي عن الحكم، وعلى الرغم من أن ذلك كان مؤشرا على مدى التباعد بين حكومتي الدولتين وقتذاك، إلا أنه عكس في ذات الآن أن تركيا راهنت على نجاح الثورة المصرية وقررت الاستثمار في العلاقات مع مصر ما بعد الثورة.
وعلى هذا الأساس كانت مصر محطة رئيسية لزيارات وزير الخارجية التركي كأول وزير خارجية يزور مصر بعد تولى نبيل العربي وزارة الخارجية، كما قام الرئيس التركي بأول زيارة لمصر على هذا المستوى بعد الثورة، حيث التقى برئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كما التقى بعدد من شباب القوى والائتلافات الثورية وممثلين عن الأحزاب المصرية.
هذا فيما قام رئيس الوزراء التركي رجب أوردغان في سبتمبر الماضي بزيارة إلى مصر، وذلك على رأس وفد وزاري عالي المستوى وبرفقة عدد كبير من رجال الأعمال. وقد جاءت الزيارة بعد غياب دام عقد ونيف، وقد أسفرت الزيارة عن توقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية بين الدولتين.
وفي هذه المناسبات المختلفة حرصت تركيا على تأكيد الرغبة في توثيق العلاقات مع مصر. وأعلن وزير الخارجية التركي داوود أوغلو في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” في سبتمبر 2011، أن بلاده ستتحالف مع “مصر الجديدة” لتأسيس “محور ديمقراطية جديدا في الشرق الأوسط بين الدولتين الأكبر في المنطقة”، ونفى وزير الخارجية التركي وجود تنافس بين مصر وتركيا، مشددا على أن بلاده ترغب في أن تكون مصر دولة قوية جدا من أجل توازن القوى الإقليمي، ولما لهذا من مصلحة لبلاده .