كيفية تحقيق التنمية المستدامة في مسيرة الإصلاح الاقتصادي المصري

الدكتور عادل عامر                                                                                                                                     

أن البرنامج الوطني للإصلاح الهيكلي يشمل خمس ركائز تكميلية وداعمة هي تعزيز بيئة الأعمال ودور القطاع الخاص، والنهوض بسوق العمل وكفاءة التدريب المهني والتقني والتكنولوجي، وتحسين الشمول المالي وتسهيل الوصول إلى التمويل، بالإضافة إلى ضمان الحوكمة العامة واستكمال الرقمنة، والاستثمار في تنمية رأس المال البشري في قطاعات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.

وفيما يتعلق بالجهود الوطنية في تمويل أهداف التنمية المستدامة؛ أشارت السعيد إلى الشراكات الفعالة بين القطاعين العام والخاص كأحد الحلول الواعدة لتحديات التمويل من أجل التنمية، موضحة أن تلك الشراكات يمكن أن تكون بديلًا رئيسيًا لتمويل التنمية في تنفيذ المشروعات الاستراتيجية الرئيسية دون وضع المزيد من الضغوط على ميزانية الحكومة، وفي نفس الوقت زيادة حصة القطاع الخاص في الاقتصاد وفي تنفيذ الاستثمار المؤثر،

و أنه تم تعديل قانون الاستثمار لمعالجة جميع عقبات السنوات الماضية. أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص في حاجة إلى مزيد من الجهد في مصر لكي تثبت نجاحا حقيقيا، حيث إنها حاليا  شراكة غير متكافئة، فنرى القطاع العام متعثر في إمكانيات متواضعة وليست جاذبة  لاستثمار القطاع الخاص، وربما نحتاج الى تفكير اقتصادي ابداعي لانجاح الشراكة بين القطاعين من أجل المساهمة في تحقيق انجاز اقتصادي كهدف من أهداف التنمية المستدامة.

بداية أود التأكيد على إنني اختلف مع مفهوم الإصلاح الاقتصادي لأن كلمة ( الإصلاح ) تعني فساد كل ما كان سائداً قبل ذلك ولكن الحقيقية أن ماحدث هو تغير فى التوجهات والسياسات الاقتصادية ” لماذا الإصرار على إطلاق وصف ( الإصلاح الاقتصادي ) علي هذا البرنامج والإجراءات مادام تعبير ( الإصلاح ) يفيد بالضرورة عملاً مرغوباً فيه؟ إن شيئاً مماثلاً يمكن قوله عن تعبيرات ” تحرير” التجارة  أو ” تحرير” الاقتصاد أو ” تحرير” الاستثمار، وهي تعبيرات تحمل كلها معاني طيبة ومحمودة، مادام” تحرير” أي شئ يبدوا أفضل دائماً من وضع القيود عليه. ويمكنني بالطريقة نفسها أن أصف قيامي بقتل شخص ما بأني قمت ب “تحرير ” روحه من جسده!

عندما ندقق فى المقصود بتحرير الأسواق نجده عند منظريه يستهدف تقليص الدور الذي تلعبه الدولة في الاقتصاد وقد وضعت منظمات التمويل الرأسمالية الدولية برامج لتحقيق ذلك عرفت ببرامج التثبيت الاقتصادي والتكييف الهيكلي وهى تضع عدة أهداف لها من بينها :

تخفيض حجم العجز فى الموازنة العامة

إلغاء دعم أسعار السلع والخدمات

تخفيض الإنفاق الحكومي

تخفيض سعر صرف العملة الوطنية

تحرير التجارة الخارجية

رفع أسعار الفائدة

تحويل ملكية وإدارة المشروعات العامة إلى القطاع الخاص

جذب الاستثمار الأجنبي

لقد بشرتنا منظمات التمويل الدولية بأن تحرير الأسواق سيحقق النمو وهو ما يعمل على تحسين أوضاع الفقراء على المدى البعيد لكن التجربة العملية وبعد ربع قرن من الزمان أوضحت زيادة التدهور فى توزيع الدخل وازدياد حدة الفقر وزيادة التفاوت فى توزيع الدخول مرتبطاً بتفجر المديونية المحلية والخارجية وتفجر التضخم والبطالة وانهيار قيمة العملة الوطنية وإغراق الأسواق بالسلع الترفيهية وعجز المصانع المصرية عن المنافسة وتعثر المشروعات وهروب الاستثمار . قد يكون من المنطقي وجود نموذج اقتصادي ناجح يفترض الاقتداء به للوصول إلى مستوي محدد من التنمية ولكن للأسف أن المبشرين باقتصاد السوق يتحدثون عن بعض الجوانب ويغفلون الجوانب الأخرى حيث يرصد جون جرايي معاناة الطبقة الوسطي الأمريكية من انعدام الأمان الاقتصادي واعتمادها علي وظائف يقل أمانها بدرجة مطردة وانحدارها إلى مستوى البروليتاريا الكلاسيكية فى أوروبا فى القرن التاسع عشر ، كما دفعت الأسرة الأمريكية ثمناً باهظاً لحرية الأسواق

نرجع  ذلك إلى أسواق العمل المتحررة من الضوابط التي تفرض حتمية التنقل وربما إلى انفصال الزوجين وذهاب كل منهم في اتجاه بحثاً عن العمل .هل هذا هو نموذج التنمية الذي نريده في مصر؟!! كما تشهد الصناعة حالات من التوسع والتقلص والاندماج وتعيد هيكلة أوضاعها بحيث أن الموظف لا يضمن إذا كان سيعود إلى عمله في اليوم التالي أم لا ؟ !! وعلى الصعيد الآخر، فإن مخزون الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي تراكم منذ عام 2016، ساعد بشكل كبير في امتصاص الصدمات الخارجية، كما لا يزال هذا الاحتياطي كافيًا لتغطية واردات السلع والخدمات للأشهر الخمسة أو الستة المقبلة، وبالنظر إلى تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصادات العالمية، نجد عدم تأثر التصنيفات الائتمانية لمصر جراء هذه الجائحة، مقابل تأثر الدول الأخرى في المنطقة، مما يعكس ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري لإدارة أزمة كوفيد-19.

واستكمالاً لمسيرة نجاح الإصلاحات المالية والنقدية، أطلقت الحكومة المصرية البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية كمرحلة ثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم تدشينه في نوفمبر 2016، وذلك تحت رعاية وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية اتساقًا مع رؤية مصر2030 والأهداف الأممية للتنمية المستدامة، وقد قامت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بوضع خطة العمل التنفيذية للبرنامج اتباعًا للنهج التشاركي في تعزيز النمو الشامل والمستدام،

 حيث إشراك كل المعنيين بالإصلاحات الهيكلية من الخبراء والمتخصصين في القطاع الخاص، ومجتمع الأعمال، إلى جانب جميع الوزارات والجهات والهيئات المعنية، وذلك لضمان شمولية واحتوائية البرنامج، بما يكفل متابعة النجاح الذي حققه برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، ويضمن استدامة تلك النجاحات من خلال إجراء إصلاحات هيكلية جذرية تستهدف القطاع الحقيقي للمرة الأولى، على أن يتم تنفيذ هذا البرنامج خلال السنوات الثلاث القادمةوقد وضع البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية خريطة طريق ورؤية استراتيجية واضحة المعالم، على ضوء نجاح المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، وكيفية التعامل مع تداعيات أزمة كوفيد-19 العالمية وما فرضته من تحديات محليًا وعالميًا، حيث استهدف البرنامج للمرة الأولى القطاعات الحقيقية الواعدة بإصلاحات هيكلية جذرية،

من خلال التركيز على إصلاح خمس منظومات رئيسة تتمثل في: المنظومة الديموغرافية وتنمية الأسرة والمجتمع، منظومة التمويل، منظومة اللوجستيات، ومنظومة الأداء الحكومي ومنظومة التشريعات، وفي هذا الإطار، يستهدف البرنامج 6 محاور إصلاح، و31 سياسة وهدفًا، و110 إجراءات هيكلية وتشريعية ذات أولوية على المدى القصير من إجمالي 310 إجراءات، أخذًا في الاعتبار توطين أهداف التنمية المستدامة على مستوى جميع محافظات الجمهورية الـ27.

 وبالإشارة إلى محاور برنامج الإصلاحات الهيكلية، يضم البرنامج 6 محاور وأهداف وسياسات لكل منها، تشمل الإجراءات الهيكلية والتشريعية، حيث إن المحور الأول والرئيس للبرنامج يتمثل في زيادة الوزن النسبي لثلاثة قطاعات رئيسة في الاقتصاد المصري وهي: قطاع الصناعة، وقطاع الزراعة، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتتمثل الأهداف الرئيسة لقطاع الصناعة في رفع مستوى التكامل في سلاسل القيمة، وزيادة القدرة التنافسية للصناعات التحويلية، وتوطين الصناعة المحلية مع تعزيز سلاسل التوريد المحلية، وتعميق الترابط، إلى جانب زيادة معدلات الاستثمار في الصناعات التحويلية، وزيادة حصة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي،

فضلًا عن خلق فرص عمل جديدة ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، بينما تتمثل الأهداف الرئيسة لقطاع الزراعة، في الحفاظ على الأمن الغذائي والمائي، وزيادة إنتاجية القطاع الزراعي ونصيبه من الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص عمل جديدة، وزيادة دخل صغار المزارعين، بالإضافة إلى دعم الصادرات الزراعية وتحسين تنافسية القطاع، كما تتضمن الأهداف الرئيسة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، وتسريع وتيرة التحول الرقمي، مع تنمية القدرة التصديرية للقطاع، ورفع قدرته على خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز المهارات للوظائف المستقبلية، ودعم الشركات الناشئة.

وفيما يتعلق بالمحاور الداعمة، يتعلق المحور الأول برفع كفاءة ومرونة سوق العمل وتطوير منظومة التعليم الفني والتدريب المهني؛ حيث وضع الإطار المؤسسي لتفعيل دور القطاع الخاص في التعليم والتدريب، وتحقيق التكامل بين جانبي العرض والطلب في سوق العمل، مع تمكين المرأة والشباب وذوي المهارات الخاصة،

 بينما يتمثل المحور الثاني في  تحسين بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص، حيث خلق بيئة داعمة وتمكينية للمنافسة، وتسهيل حركة التجارة وتطويرها وإزالة العوائق، مع الارتقاء بقطاعي النقل واللوجستيات، ودعم مشاركة القطاع الخاص، وتسهيل إجراءات الاستثمار، فضلًا عن دعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، ويتمثل المحور الثالث في الحوكمة ورفع كفاءة المؤسسات العامة، حيث دعم الإصلاح الإداري والمؤسسي،

وتمكين وحدات الإدارة المحلية وتعزيز قدراتها، وتحسين حوكمة الشركات المملوكة للدولة، أما المحور الرابع فيشتمل على تعزيز الشمول المالي وإتاحة التمويل، حيث تسهيل الوصول إلى التمويل من خلال تسريع الشمول المالي، وزيادة وتنويع خيارات التمويل المتاحة للقطاع الخاص، بالإضافة إلى تنشيط وتحفيز سوق المال، ويتضمن المحور الخامس تنمية رأس المال البشري من التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، حيث رفع كفاءة خدمات الرعاية الصحية وتوسيع نطاقها، تفعيل استراتيجية تنمية الأسرة المصرية، ورفع كفاءة النظام التعليمي.

 وختامًا، يمكن القول بأن الحكومة المصرية تمضي قُدمًا نحو حوكمة هيكلة الاقتصاد المصري، وصولًا لاقتصاد أكثر تنافسية ومرونة وتنوعًا، حيث إن الإصلاحات الهيكلية الُمزمع تطبيقها تستهدف زيادة مرونة وتنافسية الاقتصاد المصري وتنوع الهيكل الإنتاجي؛ مما يساهم في رفع قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، فضلُا عن تحويل مساره إلى اقتصاد أكثر إنتاجية يتمتع بمزايا تنافسية، بما يدعم قدرته على تحقيق النمو المتوازن والمستدام،

 أخذًا في الاعتبار أن الإصلاحات النقدية والمالية لابد أن يستتبعها تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الهيكلية، مع عدم وجود أي أعباء مالية يتكبدها المواطن المصري،  فضلًا عن توسيع وتعميق شبكات الحماية الاجتماعية لحماية الأفراد والأسر الأكثر فقرًا، إلى جانب ضرورة توطيد التنسيق المستمر بين السياسات الاقتصادية وبين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، من أجل ضمان تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وبيئية مستدامة وشاملة تتميز بالقدرة على التعافي السريع من أية صدمات خارجية أو داخلية.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...