كتب د/ عادل عامر
تسعي الأجهزة الأمنية في جميع دول العالم إلى تحقيق هدف أساسي ورئيسي وهو منع الجريمة وضبطها بشتي السبل والوسائل الممكنة والمشروعة وهى بهذا لا تستطيع أن تظل بعيدة عن التطور العلمي في مكافحة الجريمة.
إن استخدام هذه الوسائل من قبل الأجهزة الأمنية يعد ضرورة لا غني عنها لممارسة مسؤوليتها في كشف الجريمة والتعرف على الجاني وتقديم الدليل ضده وهو ما يمثل هدفا استراتيجية في إطار السياسة الجنائية المتكاملة لحفظ الأمن والنظام ً وتحقيق سيادة القانون في المجتمع
وفي المقابل نجد أن القوانين الوضعية قد أقرت حماية الحياة الخاصة للأفراد وحظرت على جهات الاستدلال والتحقيق استخدام الوسائل الماسة بالحق في الخصوصية ولكن حياة الفرد لا تزال عرضة للتطفل والتجسس عليها ويتجلى ذلك باستخدام الوسائل الحديثة في التصوير وكاميرات التصوير الحديثة ومن هنا أصبحت خصوصيات الأفراد عارية أمام القدرة الفائقة لهذه الكاميرات وتتضاعف هذه الخطورة عندما تكون هذه الكاميرات أداة بحوزة أجهزة الأمن بالذات ومتحررة من أي رقابة عليها وهكذا نجد أن التقنية الحديثة كان لها انعكاسات عميقة الأثر على الحريات الفردية حيث أتاحت الكثير منها إلى التسلل إلى داخل الفرد وأسراره، ومن ثم الاعتداء على حقه في حياته الخاصة.
ومما تجدر الإشارة اليه أن المشكلة لا تكمن في القيمة العلمية للوسائل المشار إليها وما يسفر عنها من نتائج بقدر ما تكمن في قبول الدليل المستمد منها وما تنطوي عليه من مساس بالحق في الحياة الخاصة التصوير وسيلة إثبات فعالة إذا تم الحصول عليها بطريقة مشروعة فهو دليل علمي يقطع في الإثبات إذا تم بدون مونتاج.
وتصوير الشخص هو اعتداء على حياته الخاصة وقد نصت المادة )119( مكرر من قانون العقوبات المصري على عقوبة الحبس لمن التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أ كان نوعه صورة شخصية في مكان خاص. والصورة إما أن تكون مرئية ثابتة كما في الصور الفوتوغرافية أو تكون صورة ( مرئية متحركة كما في الصور التليفزيونية والسينمائية وتعد الصورة باعتبارها الناتج عن عملية التصوير من الأدلة العلمية المهمة في الإثبات الجنائي والتي تعد توثيقا لمواقع أو شخصيات أو آثار و أحداث ومواقف فالصور ليست مجرد إطار يجمع بين زواياه مجموعة من الأشياء الجميلة أو المرعبة التي الهدف لها بل هي وثيقة تسجيلية تقدم نفسها كمادة للعالم عن حدث أو عن إنسان أو مكان كإثبات لحظة من حدث ولهذا جاء تعريف الصور بأنها “لحظة من الزمن ثابتة ومنعزلة عن ماضيها وحاضرها” أما التصوير فيعرف بشكل عام “نقل صورة لواقع معين في ساعة معينة وحدث محدد بعينه
تعرف كاميرات المراقبة بأنها عبارة عن جهاز القط للصوت والصورة معا كافة التحركات في الواقع وقد تطورت هذه الآلة تطورا كبيراً بحيث تكشف الحقائق بدقة متناهية كما أن للتصوير خصائص يتميز بها عند استخدامه في مجال الإثبات الجنائي .
ونحن نؤيد الإثبات بالاستعانة بالتسجيلات التي تلتقطها الكاميرات التي تضعها جهات البنوك ومحالات التجارة العامة أو المجوهرات أو ما شابه ذلك حيث أن ذلك يسهم في كشف شخصية مرتكب الجريمة وهى تعد قرينة لإثبات الجريمة عند وقوعها ومن ثم يمكن اعتبار قرينة التصوير قرينة لإثبات وقوع الجريمة لا سيما وأن تلك التسجيلات تجرى في مكان عام ولا تنطوي على اعتداء حرمة الحياة الخاصة
ذهب بعض الفقه إلى قبول التصوير في مجال الإثبات الجنائي ولكنه أورد مجموعة من التحفظات والقيود والتي تمثل في جوهرها الضمانات القانونية والفنية لقبول الدليل المتحصل من تلك الوسيلة في الإثبات الجنائي وفيما يلى نعرض هذه الضمانات:
-1أن يكون التصوير قد جرى في مكان عام: ويعنى هذا القيد أن الدليل الناتج عن التصوير سواء كان ثابتا أو متحركا لا يعتد به كدليل في عملية الإثبات الجنائي إلا إذا تم في الأماكن العامة وغير ذلك يشكل اعتداء على الحياة الخاصة للآخرين.
والمقصود بالمكان العام هو كل مكان يمكن ارتياده من قبل الجمهور سواء كان ارتياد بمقابل أو بغير مقابل . سواء كان الدخول بقيد أم غير منوطا به
وتتنوع الأماكن العامة إلى ثالثة أنواع فهناك أماكن عامة بالطبيعة مثل الميادين والشوارع والطرق وهناك أماكن عامة بالتخصيص كالم ارفق العامة والحدائق والعيادات وغيرها وهناك أماكن عامة بالمصادفة مثل المدارس والسجون والمحلات التجارية والنوادي لا يعتمد عليه كدليل ً
وتطبيقا على ما سبق فإن تصوير المتهم ثابتا كان أم متحركا
في الإثبات الجنائي ضد المتهم إلا إذا سبق وأن تم في الأماكن العامة وكان المتهم متلبسا لا قيمة له بل ربما يشكل ذلك جريمة ً بالجريمة أثناء تصويره والا فلا قيمة له بل ربما يشكل ذلك جريمة الاعتداء على الحياة الخاصة
. وفى شأن المكان الخاص فهو المكان الذى لا يسمح للجمهور بارتياده ويشمل مفهوم الأماكن الخاصة التي يقطنها الناس ولو لم يكونوا بداخلها وكذلك كل مكان مخصص للإقامة ولوكان ساكنه لا يشغله إلا نادر ولو كان لم يشغله بعد ً بل كمنزل أشتراه أو أستأجره شخص ولم ينتقل للعيش فيه ويأخذ حكم الأماكن الخاصة حجرة النزيل في الفندق أو المستشفى والمكان الخاص هو كل مكان يتمتع فيه حائزه بخصوصية تستوجب حماية القانون ،فهذه الضمانة والتي تقتضى بوجوبيه التصوير أن يكون بمكان عام يؤسس مؤيدوها أن مجرد التواجد في هذه الأماكن يعنى حرية الغير في تصوير كل ما يراه وإذا كان من حق الشخص الاعتراض على تصويره في حياته الخاصة فإن ذلك الحق لا محل له أثناء تواجده في مكان أنظار الكافة وبالتالي فإن تم استهداف شخص عام حيث أنه سيكون محاطا معين أثناء تواجده في مكان عام بالتصوير يقع الدليل المترتب عليه صحيحا ومشروعا طالما تظافرت معه القيود القانونية والفنية الأخرى
ذهب بعض الفقه إلى ضرورة الحصول على الأذن القضائي قبل إجراء التصوير للمتهم وهو متلبس بالجريمة حتى يقبل كدليل قاطع وإن كان هذا الشرط الزما فقط في الحالات التي تتعلق بتصوير شخص معين وهو في حياته الخاصة. بخالف حالات الخطر الشامل الذى يهدد المجتمع كله كحالات الاضطرابات العامة والفوضى العارمة فحين إذ لا داعى لصدور هذا الأذن.
ونحن مع الاتجاه الفقهي الذى يتضمن بإمكانية قبول وسيله التصوير في مجال الإثبات الجنائي وإحاطته ببعض الضمانات والقيود التي تضفى المشروعية على الدليل المتحصل منه والذى من الممكن أن يعتمد علية القضاء في إصدار أحكامه ألا انه ليس من المقبول رفض تلك الوسيلة على اعتبار أنها تمس بالحياة الخاصة للأفراد فهذا إجحاف للتطور التكنولوجي الذى نعيشه في عصرنا الحالي.
قبل ان تطلق هذه الوسيلة على أطلاقها وفى المقابل فال ي القها من دون أي قيود ففي هذا الأطلاق تعدى صارخ على حرمة الحياة الخاصة للأفراد والتي تتضمنها الدساتير القوانين العقابية التعدي عليها. والمواثيق الدولية والتي جرمت أيضا القوانين العقابية التي عليها .
نخلص من كل ما تقدم إلى أن استخدام أجهزة التصوير الحديثة من قبل السلطات الأمنية عند إجراء المراقبة الوقائية بالاستناد إلى سلطتها في مجال الضبط الإداري يعد إجراء غير مشروع متي تم ذلك في مكان خاص ألنه في هذه الحالة يعد انتهاكا لحق الإنسان في الخصوصية وهذا الحق يعد من الحقوق الأساسية التي كفلتها ً
لذلك تعمل أغلب دساتير العالم وبالتالي فإن الدليل المستمد منها يكون باطلا تبعا بالقاعدة القانونية ما بني على باطل فهو باطل.
أما في حالة استخدام هذه الأجهزة في مكان عام فإن هذا الإجراء يكون مشروعا إذا تم مراعاة جميع الضوابط والشروط التي بتطلبها هذا الإجراء لعدم مساسه ً بحرمة الحياة الخاصة ومن ثم يكون الدليل المستمد منه مشروعا ويمكن تقديمه ً إلى القضاء شأنه شأن سائر أدلة الإثبات المشروعة.