الدكتور عادل عامر
يقصد بالتصحر تدهور الأراضي فى المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، وهى ظاهرة متداخلة ومعقدة، ناتجة بشكل أساسى عن عدة عوامل، بعضها متعلق بالتغيرات المناخية التى اشتدت وتيرتها فى السنوات الأخيرة، من فيضانات وجفاف وحرائق، والبعض الآخر ناتج عن تدخلات بشرية مثل الإفراط فى الزراعة، والرعى الجائر، واحتجاز المياه، وإزالة الغابات،
كما تساهم الأنشطة الزراعية السيئة، فى نحو خُمس التصحر فى إفريقيا. بالإضافة لذلك، تسهم عوامل مثل الفقر والزيادة السكانية فى ارتفاع معدلات التصحر، حيث يضطر السكان إلى الاستمرار فى زراعة الأراضى فى كل فصول السنة دون إيلائها الرعاية اللازمة، مما يؤدى إلى تعرية التربة وتعرضها للتصحر سريعا.
من جهة أخرى، يؤدى فقدان الأراضي الصحية، وتراجع غلات المحاصيل، نتيجة عملية التصحر، إلى عدم توافر الغذاء الكافى للأفراد، مما يستدعى عمليات نزوح داخلية للبحث عن أراضٍ صالحة للزراعة، ومن ثم زراعتها بطرق مكثفة من أجل إنتاج أكبر كمية ممكنة من المحصول، وهو ما يؤدى إلى تدهور التربة وتعريتها، والتى تمثل بداية عملية التصحر.
فضلا عن التداعيات الأمنية والاقتصادية الأخرى المحتملة نتيجة عمليات الهجرة والنزوح الجماعى من منطقة لأخرى بحثا عن الأراضي الخصبة والمياه، حيث يعد التصحُر والجفاف من أهم الأسباب البيئية للهجرة والنزوح حول مناطق المياه والرعي، مما يؤدى إلى زيادة الضغط على الأراضى الزراعية فى البلاد المستقبلة، وهو ما يزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وفى ظل الموارد المائية والغذائية المحدودة، قد تندلع الصراعات، مما يُسفِر عن مزيد من المجاعات، وزيادة القلاقل الاجتماعية والاقتصادية. تمثل استعادة الأراضي المتدهورة إحدى أهم الأدوات لعكس مسار التصحر، وتقليل الخسائر المترتبة عليه،
حيث أظهرت الأبحاث أنه إذا تمكنت منطقة الساحل وغرب أفريقيا من استعادة 10٪ من الأراضي الزراعية سنويًا من خلال تقنيات الإدارة المستدامة للأراضي، فقد يصل العائد على الاستثمار إلى ما بين 50 و170 مليون دولار سنويًا. وبهذا الصدد قدرت إمكانية استعادة الغابات والأراضي المتدهورة في أفريقيا بأكثر من 720 مليون هكتار، وهي مساحة تقارب مساحة أستراليا، بما في ذلك 221 مليون هكتار بحاجة إلى الاستعادة داخل الأراضي الجافة بأفريقيا، و166 مليون هكتار في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي، و55 مليونًا في منطقة الجنوب الأفريقي.
وإدراكًا لأهمية عكس مسار فقدان الغابات والأراضي وتدهورها، تعهدت الحكومات الأفريقية بالتزامات طموحة، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي. فمثلاً في عام 2007 تم إطلاق السور الأخضر العظيم للصحراء والساحل، وهي مبادرة تهدف لاستعادة الأراضي المتدهورة على نطاق واسع وتمتد لحوالي 8000 كيلومتر وتشمل 11 دولة أفريقية (بوركينافاسو، وجيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال، والسودان، وتشاد). وكانت الفكرة الرئيسية للمبادرة هي أن غرس الأشجار يمكن أن يكافح التصحر، ويخلق فرص عمل، ويحسن الأمن الغذائي ويعيد السكان المهاجرين إلى أوطانهم. وتهدف المبادرة إلى استعادة 100 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة في البلدان الأحد عشر، بحلول عام 2030، وعزل 250 مليون طن من الكربون، وخلق 10 ملايين فرصة عمل مراعية للبيئة.
ومع ذلك، وفقًا لتقرير اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، تم تحقيق ما بين 4 ٪ و20 ٪ فقط من الأهداف الأولية بحلول عام 2020، بسبب الفساد وسوء الإدارة ونقص التمويل، مما دعا إلى إنشاء مسرّع مبادرة السور الأخضر العظيم، بمبادرة فرنسية، إبّان مؤتمر قمة الكوكب الواحد الذي عُقد في 11 يناير 2021، لإضفاء زخم جديد على هذه المبادرة، وتعهد المجتمع الدولي بحوالي 14 مليار دولار لمدة 5 سنوات، أي ما يقرب من نصف مبلغ 33 مليار دولار الذي يقول الاتحاد الأفريقي إنه سيكون اللازم لاستكمال الجدار بحلول عام 2030.
بالإضافة لذلك، أطلقت الدول الأفريقية مبادرات أخرى لتحقيق أهداف مماثلة، ففي عام 2015 تم إطلاق مبادرة “استعادة المناظر الطبيعية للغابات الأفريقية (AFR100)” لاستعادة 100 مليون هكتار بحلول عام 2030، وفي عام 2018، التزمت الحكومات الأفريقية باستعادة 200 مليون هكتار ضمن خطة عموم أفريقيا لاستعادة النظم البيئية لبناء القدرة على الصمود.
وعلى الرغم من تداخل هذه المناطق، واستمرار فقدان الغابات وتدهور الأراضي، إلا أن هذا الالتزام من جانب الحكومات الأفريقية يوضح وجود إرادة سياسية لاستعادة الأراضي المتدهورة، وكبح جماح التصحر، ولكن تحديات مثل الفساد وسوء الإدارة ونقص التمويل تقف عائقًا أمام تحقيق المستهدف. لذا تهدف دول القارة الأفريقية بشكل رئيسي من هذا المؤتمر وغيره من المحافل الدولية المعنية بتأثير التغيرات المناخية إلى حشد التمويل الدولي للمشروعات المناخية الوطنية والإقليمية، كجزء من المسئولية الدولية تجاه الدول الأقل نموًا والأكثر تضررًا.
تعد لمكافحة ظاهرة التصحر والحد من آثارها السلبية، فعلى المستوى القطري، نفذ عدد من وتبذل الدول العربية جهودا الدول أنشطة أساسية للتخفيف من التصحر، وأنشئت المؤسسات البيئية وأعطيت أولوية عالية لتنفيذ سياسات حماية البيئة، كما أقرت العديد من الدول تشريعات تغطي نطاق واسع من المجالات البيئية.
وعلى مستوى التعاون العربي المشترك في مجال التصحر، تعود أولى الجهود المبذولة لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي إلى بداية التسعينات، حيث أنشأت الدول العربية في إطار جامعة الدول العربية المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد)، وهي مؤسسة عربية متخصصة، تهدف توحيد الجهود الوطنية لتطوير البحث العلمي الزراعي في المناطق الجافة وشبه الجافة وتبادل المعلومات والخبرات العربية بغية زيادة الإنتاج وأخيرا التعاون العربي مع أقاليم ودول أخرى لديها تجارب ناجحة في مجال ً الزراعي في هذه المناطق. وعلى مستوى مكافحة التصحر وتدهور الأراضي، أقامت الدول العربية كمجموعة آليات للتعاون مع دول أمريكا الجنوبية ومع الصين تعد المنطقة العربية واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة في نظامها البيئي، حيث يصنف حوالي 90 في المائة من مساحاتها ضمن المساحات الجافة وشديدة الجفاف، وحوالي 43 في المائة منها على الأقل صحارى، وأن حوالي 72 في المائة من مساحات الدول العربية تحصل على معدل أمطار سنوي أقل من 100 مم، و 18 في المائة تتراوح أمطارها بين ( 300- 100 ( مم، بينما 10 في المائة فقط تتلقى معدل أمطار سنوي أكثر من 300 مم وهي تعاني من تغيرات سلبية في المناخ أدت لتراجع كميات الأمطار بنسبة تتراوح ما بين 10 في المائة و 18 في المائة مع الزيادة الواضحة في
مستويات تذبذب كميات هذه الأمطار .
وعند المقارنة لدرجات الحرارة في الفترة ما بين عامي 1990 و 2011 مع الفترة ما بين عامي 1960 و 1990 يلاحظ ، وتزايد مخاطر الجفاف من حيث (3 (ارتفاع في درجات الحرارة يتراوح بين ( 3.0 – 2.0 1 ( درجة مئوية في العقد الواحد Fالشدة والتكرارية وطول المدة منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن. ويشكل تغير المناخ والمخاطر المناخية على استقرار القطاع الزراعي وإنتاجيته رغم تسارع وتعاظم جهود التنمية الزراعية والتطور هاما الطبيعية مؤثرا الحادث في مساحة الأراضي الزراعية خلال نصف القرن الماضي والذي أدى لزيادة في مساحات المناطق الزراعية، تطور مساحة الأراضي الزراعية في الدول العربية بشمال أفريقيا خلال نصف (حيث قدر برنامج الأمم المتحدة للتنمية قرن من 31 مليون هكتار عام 1962 إلى حوالي 40 مليون هكتار عام 2002 .إلا أن تسارع معدلات التصحر تحت تأثير ممارسات السكان وتغير المناخ والمخاطر المناخية الطبيعية، كانت بمجملها كالمرض الخبيث الذي يزحف وينتشر ليدمر هذه الجهود