كتب / ساهر وحيد
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليل معلوماتي حول قطاعي السفر والسياحة، مشيراً إلى أنهما يُعدا أحد أبرز القطاعات الاقتصادية للعديد من الدول حول العالم، وذلك بالنظر إلى الفوائد التي تجنيها الوجهات المضيفة، حيث تسهم السياحة في تعزيز الاحتياطات الدولية، وتخلق ملايين الوظائف، وتساعد على تطوير البنية التحتية، فضلًا عن تعزيز التبادل الثقافي والتواصل الإنساني بين الأجانب والمواطنين.
وارتباطًا، فإن الوظائف التي توفرها صناعة السفر والسياحة لا ترتبط بهما فحسب، بل هناك وظائف غير مباشرة تمتد لتشمل قطاعات أخرى كالزراعة والاتصالات والصحة والتعليم، حيث يسعى السياح الوافدون للاطلاع على ثقافة البلد المضيفة والتعرف على تقاليدها وثقافتها وتذوق مأكولاتها، مما يوفر مزيدًا من الزخم للمطاعم ومراكز التسوق والمتاجر المحلية.
أوضح مركز المعلومات في تحليله أن الحكومات تستثمر المزيد من الأموال في تطوير البنية التحتية وتحسين جودة المرافق والخدمات المقدمة، على نحو يؤدي إلى إنشاء طرق سريعة جديدة، وحدائق مطورة، وأماكن عامة محسنة، ومطارات جديدة، وربما مدارس ومستشفيات أفضل، وذلك على نحو يسمح بالتدفق السلس للسلع وتقديم الخدمات بجودة وكفاءة أعلى، مما يوفر بدوره فرصًا أكبر للسكان المحليين لتحسين رفاهية حياتهم. علاوة على ذلك يعزز السياح الوافدون من التنوع والإثراء الثقافي للبلد المضيف.
ولأن السفر والسياحة من القطاعات شديدة الحساسية للعوامل الخارجية، فقد تأثرا بشدة من جراء جائحة فيروس كورونا، ولم يكد يتعافى القطاعان حتى جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على مسار تعافيهما، ومع ذلك ورغم التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري واستمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن التوقعات بشأن أداء صناعة السفر وقطاع السياحة العالمي أكثر تفاؤلًا.
وأوضح المركز انعكاسات جائحة فيروس كورونا على قطاعي السفر والسياحة العالميين مؤكداً أن الاقتصادات المعتمدة على السياحة كانت من بين أكثر الاقتصادات تضررًا من جائحة فيروس كورونا، حيث عرضت الجائحة 100 مليون وظيفة للخطر وفقًا لتقديرات منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (UNWTO) عام 2020، كما أدت الجائحة إلى جعل البلدان تتصارع حول كيفية جذب الوافدين مع تجنب تفشي العدوى، حيث أضحت المنافسة سمة رئيسة تمتد من الشواطئ الرملية البيضاء في منطقة البحر الكاريبي وسيشيل وموريشيوس والمحيط الهادئ إلى شوارع بانكوك، والمنتزهات الوطنية في إفريقيا خاصة في ظل انخفاض عدد السياح الوافدين على مستوى العالم بأكثر من 65% في النصف الأول من عام 2020 وحدوث توقف شبه تام لحركة السياحة العالمية مع حلول أبريل من العام نفسه مقارنة بانخفاض عدد السياح الوافدين بنسبة 8% فقط خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 و17% خلال تفشي وباء سارس عام 2003، وذلك وفق تقديرات صندوق النقد الدولي الصادرة في ديسمبر 2020.
وبشكل عام، قبل الجائحة كان قطاعا السفر والسياحة يسهمان بشكل مباشر أو غير مباشر في إضافة 25% من الوظائف الجديدة في جميع أنحاء العالم، و10.3٪ من جميع الوظائف (333 مليون وظيفة)، و10.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يعادل 9.6 تريليونات دولار أمريكي، في حين كان إنفاق السياح الوافدين يبلغ 1.8 تريليون دولار أمريكي في عام 2019 أي ما يمثل نحو 6.8٪ من إجمالي الصادرات العالمية.
ولكن في ظل تداعيات الجائحة، تكبد قطاعا السياحة والسفر خسائر تقدر بنحو 4.9 تريليونات دولار أمريكي عام 2020 بما يمثل تراجعًا في عائدات السياحة والسفر عالميًّا بنسبة -50.4٪، ولكن حدث انتعاش نسبي في عام 2021 حيث زادت مساهمة السياحة والسفر في الاقتصاد العالمي ب مقدار1 تريليون دولار أمريكي أي ما يمثل زيادة قدرها 21.7٪ على أساس سنوي.
وفي عام 2019، ساهم قطاع السفر والسياحة بنسبة 10.3٪ في الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ ولكن تلك الحصة انخفضت إلى 5.3٪ في عام 2020 و6.1% عام 2021. أما على صعيد الوظائف، ففي عام 2020 خسر قطاع السياحة العالمي 62 مليون وظيفة، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 18.6٪ مما كان عليه الوضع قبل الجائحة، حيث بلغ عدد العاملين 271 مليون موظف فقط على مستوى القطاع في جميع أنحاء العالم عام 2020 مقارنة بـ 333 مليون موظف في عام 2019. أما على صعيد الإنفاق، فبعد انخفاض إنفاق الزائرين المحليين على أساس سنوي بنسبة 47.4٪ في عام 2020، زاد إنفاقهم بنسبة 31.4٪ في عام 2021، وبعد انخفاض إنفاق الوافدين الدوليين على أساس سنوي بنسبة 69.7٪ في عام 2020، ارتفع إنفاقهم بنسبة 3.8٪ في عام 2021.
أما على صعيد السفر الدولي فقد انخفضت أعداد المسافرين بنسبة 72٪ في عام 2020، وهو أسوأ عام على الإطلاق بالنسبة للسياحة، مما أدى إلى انخفاض 1.1 مليار سائح دولي في جميع أنحاء العالم، فعاد عدد المسافرين إلى مستوياته قبل 30 عامًا.
وسلَّط تحليل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الضوء أيضاً على تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على قطاعي السفر والسياحة العالميين، حيث تسببت الأزمة في أضرار اقتصادية واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في قطاعي السفر والسياحة، حيث ينفق السياح الروس والأوكرانيون عادة حوالي 45 مليار دولار أمريكي سنويًا على السفر للخارج، ويذهب معظم هذا الإنفاق إلى الأسواق الأوروبية الناشئة، كما مثلت الأزمة خطرًا على محاولات انعاش السياحة العالمية من الآثار السلبية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، حيث أدت إلى تفاقم أسعار النفط -المرتفعة بالفعل- وبالتالي ارتفاع تكاليف النقل، الأمر الذي نتج عنه تعطيل السفر في أوروبا الشرقية، وبحسب بيانات “يورو كنترول” (Eurocontrol)، فإن الوجهات الأكثر تأثرًا حتى الآن (باستثناء روسيا وأوكرانيا) هي جمهورية مولدوفا؛ حيث انخفضت الرحلات الجوية بنسبة 69٪ منذ 24 فبراير 2022 (مقارنة بمستويات 2019)، كما انخفضت في سلوفينيا بنسبة 42٪، وفي لاتفيا بنسبة 38% وفي فنلندا بنسبة 36%، كما تراجعت حجوزات الرحلات الخارجية الروسية في أواخر فبراير وأوائل مارس، لكنها تعافت منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، فقد نمت الحركة الجوية الأوروبية بشكل مطرد من منتصف مارس إلى أوائل مايو 2022، وتظهر الحجوزات الجوية أيضًا زيادة في الطلب على السفر داخل أوروبا والرحلات الجوية من الولايات المتحدة إلى أوروبا، حيث أسهم تخفيف قيود السفر في ذلك، بعد أن رفعت 36 دولة جميع قيود السفر المتعلقة باحتواء فيروس كورونا اعتبارًا من 13 مايو 2022، وقد وصل هذا العدد إلى 86 دولة في 19 سبتمبر 2022، ولكن هذا لن ينفي أثر الأزمة السلبي على قطاع السياحة العالمي، فبحسب بعض التقديرات فإن قطاع السياحة قد تكبد خسائر خلال عام 2022 تقدر بنحو 14 مليار دولار أمريكي نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية.
وبشكل عام، فقد واصلت السياحة العالمية إظهار علامات قوية على التعافي، حيث وصل عدد السياح الوافدين إلى 60٪ من مستويات ما قبل الجائحة في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022، وتضاعف عدد السياح الدوليين الوافدين ثلاث مرات تقريبًا في الفترة من يناير إلى يوليو 2022 (+172٪) مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021.
علاوة على ذلك تم تسجيل أداء قوي في الحركة الجوية الدولية للركاب، مع زيادة قدرها 234٪ في الفترة من يناير إلى يوليو 2022، إلا إنها ما تزال أقل بنسبة 45٪ من مستويات 2019، وفي يوليو 2022 شهدت الحركة الجوية تعافيًّا بنسبة 70٪ من مستويات ما قبل الجائحة، وذلك وفقًا لاتحاد النقل الجوي الدولي (IATA).
وبحسب تقرير صادر عن منظمة السياحة العالمية في يناير 2023، فإنه بعد انتعاش أقوى من المتوقع في أعداد السياح الوافدين على مستوى العالم في عام 2022، فإن العام الجاري قد يشهد عودة الوافدين من السياح الدوليين إلى مستويات ما قبل الجائحة في أوروبا والشرق الأوسط، ومع ذلك، من المتوقع أن يسعى السياح الوافدون بشكل متزايد لتعظيم الاستفادة من السفر وتقليل قيمة النقود المدفوعة من خلال تفضيل الوجهات القريبة لهم خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الكثير من دول العالم.
وارتباطًا، فمن المتوقع أن تصل نسبة السياح الوافدين الدوليين من 80% إلى 95٪ من مستويات ما قبل الجائحة العام الجاري، وسوف يعتمد ذلك على مدى التباطؤ الاقتصادي، والتعافي المستمر للسفر في آسيا والمحيط الهادئ، وتطورات الأزمة الروسية الأوكرانية، وفي هذا الصدد تتوقع منظمة السياحة العالمية أن يستمر الانتعاش طوال عام 2023 حتى في الوقت الذي يواجه فيه القطاع تحديات اقتصادية وصحية وجيوسياسية، ويعد رفع قيود السفر المتعلقة بفيروس كورونا مؤخرًا في الصين، أكبر سوق مصدّرة للسياحة في العالم عام 2019، خطوة مهمة لتعافي قطاع السياحة في آسيا والمحيط الهادئ والعالم بأسره. وعلى المدى القصير، من المرجح أن يفيد استئناف السفر من الصين الوجهات الآسيوية على وجه الخصوص.
كما سيؤدي أيضًا استمرار الطلب القوي من الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، في تعزيز تدفقات السياح الوافدين إلى أوروبا ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضعف اليورو مقابل الدولار الأمريكي.
أشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى وضع قطاع السياحة والسفر في مصر، حيث تتوقع وكالة “فيتش” نمو عدد السياح الوافدين إلى البلاد بوتيرة متسارعة في عام 2023، مع استمرار زيادة عدد السياح الوافدين خلال الفترة (2022-2026)، مما يعزز من الإيرادات ومعدلات إشغال الفنادق.
اتصالًا، فمن المتوقع أن يبلغ إجمالي عدد السياح الوافدين إلى مصر في العام الجاري 11.6 مليون سائح، بزيادة قدرها 46.0٪ على أساس سنوي من 7.9 ملايين سائح في عام 2022، وبحلول عام 2026 من المتوقع وصول إجمالي عدد الوافدين إلى مصر إلى 14.0 مليون وافد، وهو أعلى من ذروة ما قبل الجائحة البالغة 13.0 مليون وافد.
أما على صعيد عائدات السياحة الدولية لمصر تتوقع “فيتش” أن تصل في عام 2023 إلى 13.6 مليار دولار أمريكي (329.0 مليار جنيه مصري)، بزيادة قدرها 17.7٪ على أساس سنوي، وبحلول نهاية عام 2026، من المتوقع أن يصل إجمالي عائدات السياحة الدولية إلى 17.9 مليار دولار أمريكي (469.0 مليار جنيه مصري).
أوضح مركز المعلومات في تقريره أنه رغم التوقعات المتفائلة، فإن حدوث انتكاسة لمسار تعافي السياحة العالمية أمر غير مستبعد، ففي العام الماضي، توقعت وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة “الإيكونومست” (EIU) أن تتعافى أعداد السياح الوافدين في العالم إلى مستويات قريبة من مستويات ما قبل الجائحة بحلول نهاية عام 2023، مع انحسار الخوف من فيروس كورونا ورفع القيود، ولكن الأزمة الروسية الأوكرانية وما صاحبها من عدم استقرار سياسي وتفاقم التضخم عالميًّا والتباطؤ الاقتصادي – بالإضافة إلى استراتيجية الصين الصارمة لاحتواء الجائحة – قد أدت تلك العوامل مجتمعة إلى توقع وحدة الاستخبارات الاقتصادية تعافي قطاع السياحة إلى مستويات ما قبل الجائحة في عام 2024 وليس عام 2023، مع احتمال حدوث اضطراب كبير في هذه الأثناء، مما قد يؤثر على السياحة العالمية، حيث ستكافح الفنادق والمطاعم وشركات الطيران والمطارات للتعامل مع نقص العمالة ومتطلبات الأجور وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ومع ذلك، من المتوقع أن تعود شركات الطيران الدولية إلى الربحية، مستفيدة من استمرار الطلب المكبوت.
على صعيد آخر، من المتوقع أن يصبح تأثير تغير المناخ على السياحة أكثر وضوحًا مع ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه والفيضانات التي تجبر الوجهات السياحية على اتخاذ إجراءات، حيث تفتقر منتجعات التزلج إلى الثلوج والمنتجعات الصيفية المتضررة من الجفاف وحرائق الغابات، وفي عام 2023، ستصبح هذه التأثيرات أكثر وضوحًا إذا استمرت الأحداث المتعلقة بالطقس في التفاقم.