عيوب خصائص الخطاب الديني الإخواني الإرهابي

كتب د/  عادل عامر

ان خطاب جماعة الإخوان المسلمين أحد أهم المؤثرات في الخطاب الإسلامي المعاصر، وأهم الروافد الخفية المغذية للتطرف في عالمنا؛ لذا يرصد الباحث من خلال اتباع منهج تحليل خطاب المؤسس الأستاذ حسن البنا، وبعض كتابات منظري الجماعة الجوانب المضمرة في خطاب الإخوان المسلمين من خلال المحاور التالية: حتمية الصراع، فخطاب الجماعة يؤكد دوما ضرورة المواجهة فى الطريق نحو التمكين، المركزية المطلقة بزعم امتلاك الفهم الصحيح للإسلام في دنيا الأباطيل وعالم التحريف، الانعزالية، الخطاب الأحادي، التكفير الصامت، الخطاب المختلط (بريق الصفيح) الذى تختفي معه الحدود بين المطلق والنسبي، والثوري والإصلاحي، والدعوي والحزبي، والوعظي والجهادي، ثم باب الله حيث وقعت الجماعة في دينية عاش المسلمون ينفونها عن الإسلام لقرون في طروحاتهم لعلاقة الدولة بالإسلام.. فلم تغتال الجماعة مخالفيها فحسب، بل اغتالت الدين، وقوّضته فى نفوس العامة.

فخطاب الجماعة حوّل التنافس السياسي إلى معركة وجودية دينية انتصارهم يمثل انتصارا للإسلام، وخسارتهم تمثل هزيمة للإسلام أمام خصومه من أعداء الإسلامية، فدائما على الجمهور من منظورهم أن يختار بين الإسلام أو اللاإسلام، وإمعان الجماعات في تعميق مركزيتها للحق واحتكارها للفهم الصحيح الشمولي للإسلام أوصل أتباعها إلى حافة هوة التكفير. يقوم خطاب جماعة الإخوان المسلمين على ثنائية فكرية متضادة بين الحق والباطل، والإسلام والكفر، والصديق والعدو، فهي تؤكد دومًا أنا أو الشيطان، فالجماعة تمثل الإسلام والحق والذات الخيرة في قطبية متقابلة لا يلتقى طرفاها. فخطاب الجماعة يجعلك في لحظة اختيار دائم في مفترق طرق، فأنت مهدد دوما بالانزلاق إلى طريق الغرب المشيطن قولا واحدا في ثقافتهم، متى ابتعدت عن طريقهم، فالطريق كما رأى الأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين طريقان لا وسط بينهما “أما الأول فطريق الإسلام وأصوله وقواعده وحضارته ومدنيته، وأما الثانى فطريق الغرب ومظاهر حياته ونظمه ومناهجه.

وعقيدتنا أن الطريق الأول –طريق الإسلام، وقواعده وأصوله- هو الطريق الوحيد الذى يجب أن يُسلك وأن تُوجه إليه الأمة الحاضرة والمستقبلة

بهذا الخطاب الإخواني يبدو مفهوم الإسلام العقدي والتعبدي مختلطا بمفهوم حضارة إنسانية أُنتجت في دولة يحكمها المسلمون، فيصبح المنتج البشري -من منظورهم- في ظل حضارة المسلمين هو ملك ديني إسلامي لا يقل في ربانيته وخصوصيته عن العقيدة والعبادة الإسلامية، ويأتى الغرب -وفق هذا الفهم- في صورة اللص المعتدى، والسارق المارق الذى سلب الأمة حضارتها الدينية، فهي –من منظورهم- جزء أصيل لا ينفصل عن دين هذه الأمة، وكأن الحضارة الإسلامية نتاج إلهي وليس بشريا، متجاهلين طبيعة الحضارات الإنسانية القائمة على التلاقح والتبادل، فالحضارة الإسلامية نتاج عقل عربي وغير عربي، ومسلم وغير مسلم، وسني وشيعي، نتاج نقل وترجمة عن حضارات قديمة أُنجزت إلى حاضر كان يتكوّن، ويتشكل أضافوا إليه في عملية تبادل وتلاقح حضاري لا يتوقف ما دامت الإنسانية، فهي سنة كونية لا عيش لدولة ولا حياة لحضارة إلا باتصال وتبادل مستمر.

ويختزل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الثقافة والعلم والمشروع الاستعماري الغربي كل ذلك في كلمة واحدة هي الغرب الذي يحتفظ بدور ممثل الشيطان فى معركته المتجددة مع الإسلام من منظور الجماعة التى تحتكر دور البطولة المطلقة في تمثيل الإسلام تمثيلا حصريا في ذاك الصراع الوجودي.

فالغرب فى خطاب الجماعة لا يخرج من دائرة العدو المتربص والمتآمر الحاقد، قد تلجأ إلى مهادنته، وليس مصالحته، فما بينهما حرب تعرف المهادنة، وليس خصومة تصفو إلى صلح، ومثل هذا الالتفاف مشروع عند بعض المعاصرين من قيادات جماعات العمل السياسي، إذ لا مانع عندهم من مجاراة الغرب بأداء سياسي حزبي تروج فيه كلمات الغرب الأثيرة من حقوق الإنسان والديمقراطية، وحقوق المرأة والمواطنة مصطلحات لم تفكر جماعة مثل الإخوان المسلمين يوما أن تشرحها مجرد شرح لقواعدها التنظيمية مكتفية باختزال ثقافتهم في كلمة إسلامية، يُلقنون قواعدهم تفاصيلها من شروح رسالة التعاليم للبنا، وما كتبته بعض الأقلام الموثقة من كُتّاب الصحوة الإسلامية. فخطاب الجماعة يُخرج الصراع مع الغرب من أبعاده السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ليجعل منه صراعا وجوديا بين الأديان، ويؤجج الصراع بكلمات الإسلامية والصليبية، ويسكبون زيت الاجتزاء النصي لحوار هنا أو لقاء هناك؛ لتظل نار الصراع متوهجة، ولا يخفى أن تديين الصراع يُدخل أبناء الجماعة أكثر وأكثر في نفق التنظيم، ويوثق من تلاحم أبناء الصف وحدةُ الشعور بالكراهية والعدائية للغرب وأنصاره المحيطين بالجماعة، فيوجد الدافع الداخلي للانعزال عن هذا المحيط الملوث بالأفكار والأشكال الغربية، وهذا يُمد التنظيم بقدرة ذاتية على الصمود والمواجهة مدعوما بأقوى سبب للبقاء هو الدين الذى يخوضون معركته، ويستشهدون تحت رايته، فكلما ازداد الضغظ تقاربت أجزاء التنظيم وازداد تماسكه، ويظل النسق الفكري المُشكِّل لوجدان وعقل أبناء الصف الإخواني نسقا دينيا ملخصه “نخوض معركة الإسلام أمام عدوه اللدود الغرب” وتُغيب كل المفردات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عن أبعاد المواجهة، وتظل كلمة دينية الصراع هي المشكّلة لفكر ووجدان أبناء الصف الإخواني.

وتنظر الجماعة -وفق فكرة الصراع بين الإسلام والغرب- إلى حركة التاريخ بمنظور الغالب أو المغلوب، فالتاريخ فى عصوره المتعاقبة يمثل كل عصر فيه كتلة واحدة إما شرقية إسلامية وإما غربية لا إسلامية، فيرى حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين أن “قيادة الدنيا في وقت ما شرقية بحتة، ثم صارت بعد ظهور اليونان والرومان غربية، ثم نقلتها النبوات الموسوية والعيسوية والمحمدية إلى الشرق مرة ثانية، ثم غفا الشرق غفوته الكبرى ونهض الغرب نهضته الحديثة، فكانت سنة الله التى لا تتخلف، وورث الغرب القيادة العالمية، وها هو ذا الغرب يظلم ويجور، ويطغى ويحار ويتخبط، فلم يبق إلا أن تمتد يد شرقية قوية يظللها لواء الله، وتخفق على رأسها راية القرآن، ويمدها جند الإيمان القوى المتين؛ فإذا بالدنيا مسلمة هانئة.”

وتتسع دائرة الصراع وتتنامى المواجهة على نحو مستمر فكل من يقف خارج دوائر الجماعة فقد اختار موضع المواجه لها، فالجماعة لا تخوض صراعا مع الغرب فحسب بل والأنظمة الحاكمة التى تراها حلفاء تابعين للغرب وكذا المؤسسات الدينية الرسمية في مقدمتها الأزهر الشريف ففكر الجماعات فكر اتهامي مسكون بأشباح التآمر العالمي، فدوما الإسلام يتعرض –في نظرهم- لمؤامرة كونية كبرى؛ ليس من الغرب المتهم الأول بل من شركائه في الجريمة والمتمثلين في الأنظمة العربية الحاكمة التى تصبح في نظرهم ليست أنظمة شرعية تحمى قانونا عاما يحفظ كيان الدول، ويصون مؤسساتها من انفعاليات خطابية يغيب عنها أي شكل إجرائي لبناء الدول، وتتحول العلاقات الدولية والمصالح الاستراتيجية بين الأنظمة العربية والغرب إلى مخططات مشتركة للنيل من الإسلام، فكل أشكال العلاقات الدولية اختزلت في عقل الجماعات إلى علاقة دينية بين الإسلام والكفر في صراعه المتجدد، وتحول الصراع إلى “عادات إسلامية تحارب عادات أعجمية في كل نواحى الحياة.”

( ولا يقف الأمر بالجماعات عند هذا الحد في الصراع، فدائرة المواجهة فى اطراد تزايدي، فهناك أعوان الغرب من المسلمين من دعاة الإسلام الإصلاحي (المتنورين) من أمثال: عبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده وسيد أحمد خان ومالك بن نبي ومحمد جابر العبيدي وغيرهم ممن دعا إلى الحوار وإمكانية التبادل الحضاري مع الغرب، فهؤلاء خصوم تعمل كل جماعة على حماية المشروع الإسلامي من خطرهم، فيرى أبو الحسن الندوي وسيد قطب في الإسلام الإصلاحي استلابا بروح التجديد والتغريب، فتشن الجماعات هجوما على الإصلاحيين، وتدخل معهم في صراع لا يقل عن صراعهم الأبدي مع الغرب، فموقفهم من الإصلاحيين ليس موقفا من الشريك المتحاور بل موقف من العدو المتآمر.

فسقط خطاب الجماعات الإسلامية على حد تعبير جمال باروت في نزعة استشراقية معكوسة، فإذا كان الِإسلام وقع ضحية لنيران دراسات استشراقية اتخذت منه هدفا للنيل منه، فقد قامت الجماعات بالدور نفسه مع كل محاولة فكرية إصلاحية، فالجماعة تنهض على فكرة أنها تمثل مركزية الذات الإسلامية الساعية لتطهير الإسلام مما يُعرفون بدعاة الحوار والتبادل والتلاقح مع الحضارة الغربية تلك الروح الشريرة – من منظورهم- التى اجتاحت الخطاب الإصلاحي عند محمد عبده والأفغاني وسيد خان ووصفها الندوي بروح التغريب والتجديد، فيرى أن مهمة الإسلام ليست في استيعاب الغرب ومنجزاته المدنية بل في الهجوم عليه باسم عالمية الإسلام، والتصدي للإصلاحيين بوصفهم ثمار للتوسع الإيديولوجي للغرب في الوعي الإسلامي، فتكونت الإخوان المسلمون في الشرق العربي ردا إسلاميا على أمثال محمد عبده، وتشكلت الجماعة الإسلامية في الهند علي يد أبي على المودودي والتى رأت في النزعة الإصلاحية الإسلامية عند السيد أحمد خان خطرا يُهدد  الإسلام

فرؤية الندوي للغرب لا تختلف عن رؤية مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا القائمة على الاستئصال والاستبدال، فالإسلام تمكينه واستخلافه مرهون باستئصال سلطان الغرب، فالجماعة بوصفها مجسدة لدعوة الإسلام في القرن العشرين ليست مدعوة لهداية الغرب بل إلى إخضاعه لرسالة الإسلام العالمية، دعوة لا تقف عند حدود الحكمة والموعظة الحسنة بل استرداد مُلك، واستعادة امبراطورية قديمة “الأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام. ويجب أن يعود البحر الأبيض والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل. ولئن كان السنيور موسوليني رأى من حقه أن يعيد الامبراطورية الرومانية، وما تكونت الإمبراطورية المزعومة قديما إلا على أساس المطامع والأهواء، فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية.”

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

امتحانات الثانوية العامة تواصل انتظامها وسط رقابة مشددة

كتبت ندي احمد شهدت لجان امتحانات الثانوية العامة اليوم انتظامًا ملحوظًا وانضباطًا تامًا على مستوى ...