كتبت / سناء جوده
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً تحت عنوان “إنسانية التضامن”، أشار خلاله إلى أن تحليلات عديدة تُرجح أن العالم سيشهد تحديات جمة في 2023، لذا فإن الحاجة تُصبح ماسة لمزيد من المبادرات والجهود التي تجمع الأفراد والشعوب والدول والمنظمات الدولية لصنع غدٍ أفضل.
وأشار التقرير إلى تعريف “التضامن” بأنه المبدأ الذي يُلهم الآخرين للعمل، كما أنه ممارسة تُقوّي المجتمعات، ففي الوقت الذي تؤثر فيه الأحداث العالمية بشكل متزايد على الحياة اليومية، تظهر الحاجة إلى العمل معًا لخلق عالم أفضل، وهذا ما يعنيه التضامن العالمي فهو مفهوم يتطلب التفكير خارج حدودنا ومعالجة القضايا التي تتجاوز مجتمعنا، وأوضح التقرير أن البشرية تواجه تحديات غير مسبوقة مثل التغير المناخي والهجرة والأوبئة – كالإيدز ونقص الغذاء والفقر-، وإذا أردنا البقاء على قيد الحياة، يجب علينا إيجاد طرق للتعاون دوليًّا وإنشاء حلول على المستوى المحلي للتغلب على هذه العقبات ولا يمكننا القيام بذلك بدون التضامن العالمي، والذي يُعَد بمثابة العامل الضروري لبقاء البشرية.
وأوضح التقرير أن الفرد يمكنه المساهمة في التنمية المستدامة من خلال خلق شعور بالتضامن في المجتمع، ويمكن القيام بذلك، على سبيل المثال، من خلال صناديق الاقتراع، وإنفاذ التشريعات، والتطوع في الأحداث، وزيادة الوعي حول القضايا التي تؤثر على الفرد وعلى المجتمع، والاطلاع على المستجدات العالمية، كما يعتبر زيادة الوعي بالقضايا التي تؤثر على المجتمع طريقة فعالة لبناء التضامن وتعزيز التغيير، ومن هنا يمكن للفرد الانضمام إلى مجموعة نشطاء محلية، أو إنشاء مدونة أو صفحة وسائط اجتماعية مخصصة لهذه القضايا، أو مشاركة المعلومات مع الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين قد يكونوا مهتمين بمثل هذه القضايا.
ولفت التقرير الانتباه إلى الاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان، والتي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمبر 2021، والتي تأخذ رؤية شاملة للحقوق، وليس تمييزًا لأي مجموعة من الحقوق على غيرها، وتقوم الاستراتيجية الوطنية على ثلاث ركائز: الأولى والثانية هي الضمانات الدستورية والتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، والثالثة هي استراتيجية التنمية المستدامة، ورؤية مصر 2030، وبهذه الطريقة تربط الاستراتيجية حقوق الإنسان على الصعيد الوطني بتحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية، وهذا تذكير مهم بأن أهداف التنمية المستدامة وحقوق الإنسان مرتبطة بعضها ببعض؛ حيث يُعدُّ تنفيذ النطاق الكامل لحقوق الإنسان خطوة مهمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية متآزرة وعالمية وغير قابلة للتجزئة، وهي تشكل عوامل أساسية في بناء مجتمعات أكثر سلمًا وشمولية، وهذا أيضًا ما يدور حوله الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، فتعزيز الفضاء المدني وحمايته يجعل المجتمعات أقوى وأكثر مرونة، بناءً على الحق في المشاركة، وحرية التعبير، وتكوين الجمعيات والتجمع.
وقد رصد تقرير التنمية البشرية في مصر 2021، المعنون بـ “التنمية حق للجميع: مسارات وآفاق مصر”، التقدم المحرز في العديد من أبعاد التنمية المستدامة؛ بهدف تقديم تحليل متعمق لمتابعة مصر لاستراتيجيتها الوطنية للتنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، والتي تتماشى تمامًا مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030، كما قدم مراجعة تحليلية للسياسات التي تم تبنيها وتنفيذها وتأثيرها على المصريين، ومن بينها سياسات التضامن الإنساني والاجتماعي، في السكن الملائم، والحماية الاجتماعية.
ففي عام 2014، تم الإعلان عن برنامج إسكان اجتماعي طموح، لإنشاء مليون وحدة سكنية لتعزيز توافر السكن الملائم للجميع، وخاصة ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، وحتى 30 يونيو 2020، بلغ عدد المستفيدين من برنامج الإسكان الاجتماعي حوالي 312 ألف مستفيد، وقد حصلوا على دعم نقدي يصل إلى 4.9 مليارات جنيه، كما بلغ إجمالي عدد المستفيدين من الدعم من صندوق الإسكان الاجتماعي والتمويل العقاري في عام 2019 حوالي 248 ألف مستفيد، منهم حوالي 20% من النساء، وخلال السنة المالية 2019/ 2020، كان هناك ما يقرب من 4000 مستفيد (حوالي 25% منهم من النساء)، تلقوا دعمًا يقدر بـ 907 ملايين جنيه وتمويل عقاري بقيمة 6.9 مليارات جنيه.
كذلك فقد أحدثت الدولة تحولًا متعمدًا في فلسفة أنظمة الأمان الاجتماعي في مصر، والتي حولت تركيزها الوظيفي من الإغاثة والحماية إلى الوقاية والدعم، وهو تحول نوعي نحو التمكين في السعي لتحقيق العدالة والأمن لجميع المصريين، وقد انعكس ذلك بوضوح في إعادة هيكلة الدعم لضمان تحسين الاستهداف من أجل تغطية أوسع للفئات الضعيفة، كما يتضح من زيادة جزء المخصصات المالية لبرامج الحماية الاجتماعية في الميزانية الوطنية، وشمل ذلك بدء برنامج حماية اجتماعية جديد وموسع من خلال التحويلات النقدية المشروطة (برنامج تكافل وكرامة) وكذلك برامج إعادة التأهيل والتمكين، إلى جانب تجديد النظم الوطنية للضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وتقديم العناصر الغذائية المدعومة.
وأوضح التقرير أن جائحة “كوفيد-19” تسببت في ركود اقتصادي شديد في معظم بلدان العالم، وفي مواجهة التداعيات الكارثية للجائحة والأزمات الاقتصادية على الفقراء ومحدودي الدخل في مصر، اتجهت الدولة للتعاون مع البنك الدولي لحماية الفقراء، حيث تمثلت أبرز مشروعات التعاون بين مصر والبنك الدولي لحماية الفقراء، قبل الجائحة وخلالها، في مشروع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي في مصر، بقيمة 400 مليون دولار، والتمويل الإضافي، بمبلغ 500 مليون دولار، وهو ما مكَّن من الوصول إلى ما يقرب من 3.4 ملايين أسرة (نحو 12 مليون مواطن)، كما ساعد الدعم المقدم لبرنامج “تكافل وكرامة” للتحويلات النقدية المشروطة وغير المشروطة على تعزيز رأس المال البشري في مصر، خاصة في مجالي الصحة والتعليم، وتمثل النساء ثلاثة أرباع المستفيدين من البرنامج، وتوجه 67% من مدفوعات البرنامج إلى الصعيد، كما أضافت تلك العملية 411 ألف أسرة أثناء الجائحة، مما عزز قدرة برنامج “تكافل وكرامة” وكفاءته في الوصول إلى أكثر الأسر فقرًا وضعفًا، ولتشجيع استقلال المستفيدين ماليًا، ينفذ المشروع برامج تجريبية لنماذج الشمول الاقتصادي ونماذج التأهيل في ثمانِ محافظات، في إطار برنامج “فرصة”، وتوفر هذه البرامج التجريبية عمليات الربط اللازمة للحصول على الفرص الاقتصادية من خلال توفير أصول الإنتاج ونقل ملكيتها للمستحقين وتوفير فرص عمل بأجر والتدريب، مع التركيز بصفة خاصة على النساء والشباب.
كما يهدف برنامج دعم نظام التأمين الصحي الشامل في مصر، -والذي بدأ عام 2020، بإجمالي 400 مليون دولار-، إلى دعم الجهود المبذولة لضمان توافر رعاية صحية شاملة عادلة وعالية الجودة، كما تم وضع اللبنات الأساسية لنظام الرعاية الصحية الشامل عن طريق إنشاء أنظمة مالية وتشغيلية وتأمينية، ومن خلال دعم أربع هيئات جديدة معنية بهذا النظام.
وقد أبرز التقرير أن عام 2022 شهد افتتاح أول وحدة للتكافل الاجتماعي، بجامعة المنصورة، ويأتي ذلك في إطار جهود الدولة لتحقيق رؤية التنمية المستدامة 2030، وفي هذا الصدد، تهدف وحدة التكافل الاجتماعي إلى تقديم حزمة من الخدمات الاجتماعية التي يحتاجها أعضاء هيئة التدريس والطلاب وموظفو الجامعة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتقديم خدمات تأهيلية وتعليمية وتوعوية، وكذلك الخدمات والبرامج الاقتصادية أو العلاجية، سواء كان الطالب عادياً أو من ذوي الإعاقة، وتعتبر الوحدة جزءًا من خطة الدولة لتوسيع أنشطتها الخدمية والتنموية من خلال التكامل مع مختلف القطاعات؛ لتعزيز روح الانتماء والمواطنة والتطوع والمشاركة في العمل العام والتنمية، ويأتي ذلك في ظل الدور الذي تؤديه الجامعات في عمليات التغيير المجتمعي وبناء الإنسان، وكذلك في مجالات التمكين الاقتصادي. ورفع مستوى الوعي العام بين طلاب الجامعات، مما يعزز قواعد العدالة الاجتماعية التي تضعها القيادة السياسية على قائمة الأولويات.
وسلط تقرير مركز المعلومات الضوء على إطلاق الدولة برنامج الأبوة والأمومة الإيجابية، عام 2021، بالتعاون مع اليونيسف وبدعم من الاتحاد الأوروبي، حيث يقدم البرنامج للأسر الأكثر ضعفًا جلسات المجموعات المجتمعية حول مجالات الأبوة والأمومة الرئيسة، بما في ذلك الرعاية المناسبة، والدعم العاطفي والاجتماعي، والصحة والتغذية، والتعلم والنمو المعرفي والانضباط الإيجابي الذي اكتسبت الأسر من خلاله المعرفة حول زواج الأطفال والعنف وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية والتعليم، وقدم البرنامج المنهج المنفذ في قرى ومحافظات مبادرة “حياة كريمة” التي أطلقتها الدولة، كما استخدم البرنامج منصة التواصل التفاعلي للتضامن الاجتماعي في التوثيق والمتابعة مع الأسر المحتاجة للنصائح حول قضايا الأسرة والتعليم من خلال التواصل عبر الهاتف المحمول مجانًا بإرسال (رسالة) على الرقم 1442، ويأتي ذلك في إطار الحقبة الجديدة التي تشهدها الدولة، والتي تقوم على التربية الإيجابية والبناء والاستثمار في الأفراد، وإعادة العلاقة الإيجابية بين الأسرة وأبنائها.
وأبرز التقرير إشادة منظمة العمل الدولية بجهود مصر في تعزيز التضامن الإنساني والاجتماعي، وخاصة بسياساتها إزاء اللاجئين على أراضيها، موضحة أن مصر تتمتع بتاريخ طويل من كونها بلد عبور ومقصد للمشردين قسراً، وأشارت المنظمة إلى أن النازحين القسريين يتمتعون في مصر بإمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية العامة، كما يحصل الطلاب السوريون والسودانيون واليمنيون على التعليم في المدارس العامة، كما أوضحت أن الحكومة المصرية تسمح لجميع الموجودين في البلاد بالوصول إلى مجموعة متنوعة من الخدمات العامة.
أما على المستوى الدولي، فقد تناول المركز في تقريره أهم المبادرات الدولية في مجال التضامن الإنساني، ويأتي مشروع “صحة واحدة للبشر والبيئة والحيوان وسُبل العيش” في القرن الإفريقي لتعزيز رفاهية المجتمعات الإفريقية الرعوية وقدرتها على الصمود في الصومال وإثيوبيا وكينيا، من خلال الاهتمام بالركائز الثلاثة الرئيسة للرعي، وهي: الثروة الحيوانية، والأشخاص، والموارد الطبيعية؛ ومشروع “إدارة الهجرة في الجنوب الإفريقي”، ومشروع “مكافحة الألغام في كولومبيا”، ومشروع “التمكين الاقتصادي للمرأة في جنوب القوقاز”، ومشروع “تعزيز القدرات الوطنية للتصدي للتهديدات الإشعاعية النووية في جمهورية مولدوفا”، و”صندوق السلام المشترك”: لمنع الصراعات في ميانمار.
وأبرز التقرير أهمية التضامن بين الدول النامية لمواجهة مختلف الأزمات، حيث أنه نتيجة للتداعيات الناجمة عن جائحة كوفيد 19، والتحديات السياسية والاقتصادية التي خلفتها الأزمة الروسية الأوكرانية، والتغير المناخي، يجب على الدول النامية -بدعم من الشركاء في الشمال، والمؤسسات المالية الدولية، والقطاع الخاص، ومراكز الفكر وغيرها- تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، فضلًا عن تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والعمل الخيري الخاص وغيرهم معًا للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، في السياق ذاته، هناك أهمية كبيرة لتبادل الحلول التنموية التي تقودها دول الجنوب على نطاق واسع، وهذا الأمر لا يعفي الدول الأكثر ثراءً من مسؤولياتها للعمل بشكل بنَّاء مع العالم النامي، لا سيَّما للحد من التفاوتات المتزايدة بين الدول وداخلها.
وتشير التقديرات العالمية الحالية للأمم المتحدة إلى وجود نحو 281 مليون مهاجر دولي في العالم خلال عام 2020، أي ما يعادل 3.6% من سكان العالم، وهو ما يمثل أقلية صغيرة من سكان العالم، مما يعني أن البقاء داخل البلد الذي ولد فيه الفرد يظل الأمر الأكثر شيوعًا. فالغالبية العظمى من الناس لا يهاجرون عبر الحدود، وإنما تهاجر أعداد أكبر بكثير داخل البلدان نفسها، وقد شهد عام 2022 ارتفاع عدد الأشخاص الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم ليصل إلى 100 مليون شخص، ورغم ما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، بأن لكل شخص الحق في البحث عن الأمان. لكن الواقع أنه في كثير من الأحيان، يتجاهل القادة مسؤولياتهم الدولية ويواجه الأشخاص المتنقلون بالعداء.