كتب /الدكتور عادل عامر
أن هذه المشروعات ستغير شكل الحياة في مصر، وسيجنى ثمارها الأجيال القادمة كما ستقلل من العبء عليهم خاصة عامل الوقت والجهد. يعد الاستثمار في البنى التحتية الأساسية المستدامة أمرا أساسيا لتحسين المستويات المعيشية للمجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم. وعندما نتحدث عن الأساسيات، فنحن نقصد العوامل الأساسية. وهذه مسائل تشمل الاحتياجات الإنسانية المشتركة في جميع أنحاء العالم. بيد أن مجرد كونها أساسيات، لا يعني أن معالجة هذه الشواغل بالشكل الصحيح مهمة يسيرة. وفي حالة البنى التحتية، تقتضي هذه الأساسيات تخطيطا منسقا على المدى الطويل يمتد عبر الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية.
ولطالما فُهمت البنى التحتية وقُيمت فقط من خلال وجود بناية أو طريق مكتمل. ولكننا نعلم أن مستشفى ما لا يمكن أن يؤدي وظيفته بدون شبكة متينة للتخلص من النفايات الصلبة، كما لا يمكن لشبكة للنفايات، بدورها، أن تعمل دون المعارف المكتسبة والمطبقة والمؤسسات والموارد اللازمة لإدارتها. بيد أنه عندما نتحدث عن البنى التحتية، فإن هذا الفهم الذي يتجاوز ما هو مباشر لا يزال يُغفل في الأغلب. ونحن بحاجة إلى تحول في هذا النوع من التفكير.
يكتســب موضــوع الاستثمارات فــي البنيــة التحتيــة فـي مجـال الميـاه أهميتـه فـي ضـوء مـا تواجهـه مصـر مـن أزمـة مائيـة حـادة وتـزداد حدتهـا مسـتقبلا بسـبب ظـروف وعوامـل خارجيـة، فضـلا عـن عوامـل داخليـة، ومـع تزايـد شـح الميـاه يصبـح الاستثمار فـي قطـاع الميـاه – والاستثمار فـي البنيـة التحتيـة – أمـرا ذا أولويـة قصــوى للحفــاظ علــى المــوارد المائيــة كم ً أو نوعــا وزيــادة إنتاجيتهــا وكفــاءة اســتخدامها فــي جميــع القطاعــات المســتخدمة لهــا، بــدءا بقطــاع الزراعــة، وهــو المســتخدم الرئيــس للميــاه، ثــم القطــاع المنزلــي، ثــم قطــاع الصناعــة.
الملامح العامــة اللازمة الميــاه والتحديــات التـي تنطـوي عليهـا فـي المـدي البعيـد كمبـرر حاسـم لتكثيـف الاستثمارات فـي قطـاع المياه، ثم مناقشـة الوضـع الراهـن للبنيـة التحتيـة المائيـة ومـا تتسـم بـه مــن تقــادم يــؤدي إلــى زيــادة الفواقد المائيــة والهــدر بشــكل كبيــر فــي قطــاع الزراعــة والــري والقطــاع المنزلــي، كمبــرر إضافــي ومهــم لزيــادة الاستثمارات فـي مجـال البنيـة التحتيـة المائيـة، ثـم نتنـاول المحـاور الأساسية للخطــة القوميــة للمــوارد المائيــة، وهــي توضــح المســارات التــي تواجــه بهــا الدولــة مشــكلة الميـاه، ثـم نسـتعرض الاستثمارات التـي خصصتهـا الدولــة طبقــا للمجالات والمشــروعات المختلفــة،
وببساطة شديدة، من دون بنى تحتية لن يكون لدينا مجتمع سليم. إذ تتطلب خدمات أساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم بنى تحتية. ولكي تعمل المجتمعات المحلية والأعمال التجارية وتزدهر، فهي بحاجة إلى الوصول إلى السلع والأسواق.
ويجب أن تلبي البنى التحتية احتياجات المجتمع، ولكن ينبغي أيضا أن تُقيَّم بناء على نتائجها على المدى الطويل، بما في ذلك الموارد المطلوبة لضمان طول عمرها. تعتمـد كفـاءة الاستثمار فـي مجالات البنيـة التحتيـة المائيـة المشـار إليهـا علـى معايير عديدة، من أهمها: التكلفــة الاستثمارية والتكلفــة الجاريــة )للوحــدة المائيــة( والأثر البيئــي والأثر علــى الإنتاجية الزراعيــة ومجــال الاستخدام ونــوع الطاقــة المســتخدمة ومــدى صعوبــة أو ســهولة الصيانــة،
وفــي ضــوء هــذه المعاييــر ينبغــي أن تجــري دراســات جــدوى متعمقــة يتــم علــى أساســها توزيــع الاستثمارات الكليــة المخصصــة للبنيــة التحتيــة المائيــة، وهــي 900 مليــار جنيــه حتــى 2037 ،بيــن البدائــل المختلفــة، ومــن ثــم إعــادة صياغــة السياســات المائيــة علــى أساســها، ومــن حيــث المبــدأ، يعتبــر الاستثمار فــي تحليــة ميــاه البحــر أقــل المجالات كفــاءة وفعاليــة، إذ تتطلـب تحليـة الميـاه تكلفـة أعلـى )تصـل التكلفـة 3 )وطاقــة أكبــر وصيانــة الجاريــة إلــى 7 جنيهــات/ متــر أصعــب، فضــلا عــن أن التحــدي الرئيــس الــذي يواجــه مشــروعات تحليــة الميــاه هــو أن مكوناتهــا مســتوردة،
وقــد يمكــن تحييــد هــذا التحــدي فــي المــدى البعيــد مــن خــال التركيــز علــى تصنيــع هــذه المكونــات محليــا لتخفيــض التكلفــة، وفــي المقابــل، تعـد معالجـة الصـرف الصحـي والصناعـي أقـل تكلفة)حوالـي 3 جنيهـات للمتـر المكعـب( مقارنـة بالتحليـة، ويمكــن اســتخدامها للزراعــة والــري، ولــدى مصــر 3 تسـتخدم فـي الشـرب والصناعـة. نحـو 16 مليـار متـر يمكــن معالجــة ميــاه الصــرف الصحــي والصناعــي الناتجــة عنهــا، مــع ملاحظة أن ميــاه الشــرب يمكــن ترشــيدها كمــا أشــرنا مســبقا بنســبة 20 ،٪ممــا يوفــر نحــو 2.2 مليــار متــر مكعــب ســنويا، وبنــاء علــى ذلــك قــد يقتضــي الأمر
إعــادة صياغــة السياســات المائيــة، بحيــث تســتند إلــى الأولويات الصحيحــة لتوزيـع الاستثمارات المخصصـة بيـن مختلـف بنـود البنيــة التحتيــة المائيــة، والتــي تدعــو إلــى التقليــل مــن مخصصــات الاستثمارات لتحليــة ميــاه البحــر لصالــح المجالات الأخرى الأعلى كفــاءة وفعاليــة، وربمـا يكـون البديـل المناسـب لتحليـة ميـاه البحـر هـو معالجــة الميــاه الجوفيــة فــي المناطــق الســاحلية كبديــل ســريع ورخيــص للتحليــة،
ومــن الممكــن ري مســاحات كبيــرة بميــاه جوفيــة معالجــة بتكلفــة 20٪وطاقــة 30 ٪فقــط مقارنــة بميــاه البحــر المالحة وستتطلب العديد من أهداف التنمية المستدامة المقترحة بنية تحتية صلبة تؤدي وظيفتها ومستدامة إذا ما أريد تحقيق تلك الأهداف. فأشكال الطاقة الموثوقة، وتوافر المياه الصالحة للشرب، والتعليم، والسلامة والأمن، والخدمات الاجتماعية والاقتصادية – كلها تصبح ممكنة من خلال بنى تحتية قادرة على الصمود.
ولكن هذه القدرة على الصمود نفسها تخلق تحديات كبيرة. ولا بد أن ننظر إلى الصورة الأكبر، سواء من حيث الفرص والمخاطر. ويجب علينا أن ندعم التنمية، ولكن ماذا لو حدث خطأ ما؟ وما هي البيئة التي نعمل فيها؟ وما هي قضايا عالم اليوم؟ فمع تغير المناخ، على سبيل المثال، تأتي زيادة في تواتر الكوارث الطبيعية. ولذلك فإن البنى التحتية المستدامة لا تدعم التنمية فحسب، بل إنها ضرورية للانتعاش بعد حدوث الكوارث أيضا. بجانب تمكين اقتصادي بتدريب وتشغيل من خلال مشروعات متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر، ومجمعات صناعية وحرفية وتوفير فرص عمل، وتدخلات اجتماعية وتنمية إنسانية تشمل بناء وتأهيل الإنسان، وتستهدف الأسرة والطفل والمرأة وذوى الهمم وكبار السن ومبادرات توعوية. مع توفير سلات غذائية وتوزيعها مُدَّعمة، إضافة إلى زواج اليتيمات بما يشمل تجهيز منازل الزوجية وعقد أفراح جماعية.
هذا من جهة ومن أخرى، تمثل التنمية المستدامة، فرصة جديدة لنوعيّة النمو الاقتصادي وكيفيّة توزيع منافعه على طبقات المجتمع كافة، وليس مجرّد عمليّة توسع اقتصادي، لا تمنع من ازدياد الفوارق بين مداخيل الأفراد والجماعات، إن بين دول الشمال والجنوب أو داخل الدول النامية نفسها. التنمية المستدامة تفرض نفسها كمفهوم عملي للمشاكل المتعدّدة التي تتحدّى البشرية. إنها تسمح بتقييم المخاطر ونشر الوعي وتوجيه العمل السياسي على المستويات المحلّية والإقليميّة والدولية”. ونظرًا إلى الترابط القوي بين الأمن الإنساني والتنمية، ومن أجل جعل الحق بالتنمية البشرية حقيقة واقعة لكل البشر بصورة مستدامة آنيًا ومستقبليًا،
يأخذ في طياته حقوق الإنسان الاجتماعية والصحيّة والبيئيّة إضافةً إلى البعد الاقتصادي. وذلك من خلال القضاء على الفقر، تعزيز الديمقراطيّة، مكافحة المجاعات والأزمات والصراعات، التأكيد على فعالية المرأة، التغيير الاجتماعي، تشجيع الثقافة والدفاع عن حقوق الإنسان. وأيضًا من خلال تحسين سبل الحصول على الخدمات الاجتماعية والأغذية والرعاية الصحيّة الإنسانية والتعليم، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وتسيير الحكم الرشيد، وتوسيع قدرة الحصول على تكنولوجيا المعلومات والاتصال
كما يتضمن اعتماد التنمية المستدامة، عنصرًا جوهريًا في مخططات الدول والشركات، وخصوصًا في ما يتعلق بالقوانين الداخلية التي تنظم مشاريع الاستثمارات، بغية حماية البيئة ومنع التصحر، واتخاذ إجراءات لتأمين سبل الحصول على مياه الشرب المأمونة، وتحسين الصرف الصحي للمجتمعات القادمة. ومن أجل معالجة الفقر في العالم سوف يتطلب ذلك منح أكثر البلدان فقرًا، إعفاءً دائمًا من الديون وتحقيق تجارة عادلة من خلال وصول البلدان النامية إلى الأسواق