كتب /الدكتور عادل عامر
أن الحديث عن استهداف سعر صرف للدولار في السوق المصرية لا يجب أن يقترن بخطط تطوير الصناعة في البلاد، لان “استهداف سعر صرف للعملة المحلية ليس بالهدف المهم اقتصاديا، إذ إن المرساة النقدية لأي دولة هي معدلات التضخم وليست أسعار الصرف”. لان الحكومة الجديدة، لديها خطة “عاجلة” لمدة 3 سنوات لتطوير القطاع الصناعي، بهدف استبدال الواردات السلعية بالإنتاج المحلي، مما يوفر للدولة المزيد من العملة الصعبة.
ومنذ أكثر من 3 أعوام وحتى مارس الماضي، كانت مصر تعاني نقصا حادا في العملات الأجنبية بسبب ما يقول مسؤولون إنه يرجع إلى “الأزمات العالمية.. من جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وصولا إلى الحرب في قطاع غزة”، الأمر الذي أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة مع تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
أن مصر تعتزم «تصنيع الدولار»، بمعنى زيادة الموارد من العملة الأجنبية عبر تعزيز التصنيع المحلي والتصدير وخفض سعر العملة إلى النصف، قائلًا: «إحنا هنصنع الدولار، يعني هيبقى عندي دولار زيادة، بدل ما هو النهاردة بـ50 جنيهًا ممكن ينزل لـ25 جنيهًا».
منذ عقود ظل تطوير القطاع الصناعي في مصر على “رأس أولويات” الحكومات المتلاحقة كما كانت تُعلن، حيث المزيد من الخطط التي تأمل من خلالها في إحلال الواردات بالسلع المنتجة محليا، وذلك في سبيل الهدف الأكبر المتمثل في تخفيف الضغط على موارد البلاد من العملات الأجنبية.
يعاني قطاع الصناعة في مصر من أزمة عدم توافر مواد الإنتاج المستوردة بسبب تأخر تدبير الدولار للمصنّعين لاستيراد المواد الخام من الخارج بسبب النقص الشديد في العملة الصعبة في مصر، وانخفاض سعر صرف الجنيه، وألقت الأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر حالياً بظلالها على كل القطاعات الاقتصادية بما فيها الصناعة،
في وقت تبحث فيه الحكومة المصرية عن حل لهذه الأزمة عبر بيع أصول وشركات حكومية ومنح تسهيلات من أجل زيادة الاستثمار الأجنبي بغية توفير العملة الصعبة في مصر. ويُعدُّ قطاع الصناعة مكوناً رئيسياً في نمو الاقتصاد المصري، بجانب أنه يسهم بنسبة كبيرة في الصادرات المصرية التي تأمل الحكومة المصرية تنميتها من أجل جذب مصادر دولارية.
ويقدر متوسط فاتورة استيراد مصر من الخارج بنحو 90 مليار دولار مقابل صادرات إجمالية (سلعية وبترولية) بنحو 52 مليار دولار من بينها 35 مليار دولار صادرات سلعية، بمتوسط عجز 38 مليار دولار في الميزان التجاري، بدون احتساب أقساط الديون وفوائدها. وحول العالم، هناك 65 دولة تربط عملاتها المحلية بالدولار الأميركي، منها البحرين، والسعودية، والإمارات، والأردن، وقطر، وعُمان. بالعودة إلى أول سؤال، معنى كلمة “دولار”، فهي النسخة الإنكليزية من كلمة “تالر” الألمانية، والقصة بدأت من بلدة “ياخيموف” في منطقة “بوهيميا”، والتي تعرف حاليا باسم التشيك. حقائق مثيرة عن الدولار الأميركي، تشرح سر قوة هذه العملة التي يتوقع أن تبقى مهيمنة على اقتصاد العالم، و”لغة مشتركة”، لا يمكن للدول أن تتفاهم ماليا من دونها.
أسباب انهيار بعض العملات الوطنية المرتبطة بالدولار إلى “فشل السياسات الاقتصادية التنموية، وانتشار الفساد فيها خاصة في بعض الدول التي تمتلك عوائد نفطية، حيث يتم نهب هذه الإيرادات، أو حتى في الدول غير النفطية التي تقوم الطبقة السياسية فيها بنهب موارد الدولة وتترك الشعب ليتعامل مع أزمات اقتصادية متلاحقة، إذ تصل الدولة لمرحلة عدم القدرة على السداد ويضع البنك المركزي يديه على أموال المودعين بحجة الحفاظ على احتياطي العملات الأجنبية مثلما ما حصل مع دولة عربية“.
إن “العملات تفقد قيمتها الشرائية وينهار سعر صرفها غالبا عندما تبدأ تمويل موازناتها بعجز تموله عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي، وعندما تحين مواعيد السداد لا يوجد لديها ما يكفي من أجل سداد أقساط الدين، إذ تبدأ في بيع الأصول التي تمتلكها، وبعد ذلك تتوسع في الإصدار النقدي الجديد، ليتضخم عرض النقد أكبر من قدرة الاقتصاد على الاحتمال بسبب عدم اعتماده على عوامل زيادة الناتج المحلي الإجمالي أو زيادة عدد السكان”.
رغم وجود نحو 180 عملة حول العالم، فإن عددا محدودا منها يتم استخدامه على نطاق واسع في التعاملات الدولية، التي يتربع على عرشها الدولار الأميركي، وبدرجة أقل عملات أخرى مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، وفق بيانات دولية.
ويهيمن الدولار “على النظام المالي العالمي والتجارة العالمية”، فيما يرجح استمرار احتفاظه بـ”الهيمنة كعملة للاحتياطي” الأجنبي في الدول المختلفة حول العالم، بحسب بيانات نشرتها دراسة لصندوق النقد الدولي.
ولم تؤثر التحولات الهيكلية التي شهدها “النظام النقدي الدولي” طيلة العقود الماضية على “هيمنة الدولار الأميركي”، فيما تشير وزارة الخزانة الأميركية إلى أن حصة الدولار من “الاحتياطيات لا تزال نفسها منذ ثلاثة عقود.. وبقيت أعلى من 50 في المئة” من مجمل الاحتياطيات الأجنبية حول العالم.
تعود جذور هيمنة الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي إلى اتفاقية “بريتون وودز” عام 1944، والتي تبعها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نشأة “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي“.
ولدت هذه المؤسسات في يوليو 1944 في مدينة بريتون وودز بولاية نيوهامشير في الولايات المتحدة بمبادرة من 44 بلدا لتجنب أزمة شبيهة بتلك التي حدثت في 1929، وكلف صندوق النقد الدولي حينذاك بمهمة ضمان الاستقرار المالي العالمي، بينما على البنك الدولي العمل من أجل إعادة الإعمار والتنمية قبل أن يتكرس لخفض الفقر.
إن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي “استمدها تاريخيا منذ الحرب العالمية الثانية بعدما ضعف الجنيه الإستيرليني، وظهر الدولار والولايات المتحدة كقوة اقتصادية، حيث كانت العديد من الدول الأوروبية بحاجة لإعادة الإعمار بعد الحرب“.أن “الولايات المتحدة استطاعت في مؤتمر بريتون وودز أن ترسخ الدولار كعملة عالمية يمكن ربط العملات الوطنية بها، إذ كان الدولار في حينها مقوما أو معادلا لمقدار معين من الذهب“.
ويسرد أن الدولار قبل السبعينيات من القرن الماضي أستطاع فرض نفسه كعملة “عالمية” إذ كانت تجرى به نحو 70 إلى 80 من التبادلات التجارية، وفي مطلع السبعينيات ظهرت “فقاعة الربط بالذهب” إذ كانت الدولارات الموجودة أضعاف ما تمتلكه الولايات المتحدة من احتياطي الذهب، ليتم بعدها فك الارتباط بالذهب، واعتبار “الدولار عملة قيادية.. والذهب سلعة” بحسب تصريحات الرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون حينها.
أنه حتى الآن لم تظهر عملة قادرة على استبدال الدولار في عالميا وعلى سبيل المثال “الين الياباني وحتى اليورو الأوروبي غير قادرة على مضاهاة الدولار الأميركي، وذلك لأسباب عديدة، منها ما هو متعلق بالحرب الأوكرانية ومنها ما يرتبط بغياب النمو أو الكساد المستدام في أوروبا“.
أثار الدور الذي يلعبه الدولار الأميركي في الاقتصاد العالمي حفيظة بعض الدول، في الستينيات أشار وزير المالية الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان إلى أن الدولار “يتمتع بامتياز باهظ“.
الولايات المتحدة لديها امتيازات عديدة بسبب الدولار، والتي من أبرزها سندات الخزانة الأميركية التي تعتبر من “الديون الأكثر جاذبية” للعديد من البلدان التي تريد تحقيق العوائد عن طريق “شراء الديون الأميركية”، إذ تمتلك الصين مليارات الدولار من هذه الديون.
ويشير تقرير “أن بي أر” أن من مزايا الدولار التي يوفرها لواشنطن إمكانية الاقتراض به، فهذا يعني أنه إذا خفضت الولايات المتحدة قيمة الدولار، فهذا يعني خفض قيمة ديونها، وهو ما لن تقوم به أميركا، ولكنه يبقى قابلا للتطبيق نظريا.
ومن مزايا هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي ما يتيحه من استخدامه بقوة في “معاقبة” الخصوم، مثل إيران وروسيا، ولهذا سعت موسكو منذ بداية حربها على أوكرانيا إلى بيع نفطها بالروبل الروسي بعيدا عن الدولار. تبقي الدول على احتياطيات من العملات الأجنبية والتي يحتفظ بها البنك المركزي، والتي تمثل النقد الأجنبي لهذا البلد، والتي عادة ما تحتفظ بها الدول لعدة أسباب: مواجهة الصدمات الاقتصادية، دفع قيمة الواردات، دفع الديون، وضمان استقرار قيمة العملة
“.ومن خلال هذه الاحتياطيات، يستطيع البنك المركزي شراء وبيع العملات في السوق المحلية من أجل التأثير على استقرار قيمة العملة، والحفاظ على ثقة المستثمرين، ولكن العديد من الدول يريد الاحتفاظ بهذه المبالغ للتأكد من قدرتها على الوصول لها في أوقات حرجة. ويعتبر صندوق النقد الدولي هو الهيئة المسؤولة عن مراقبة النظام النقدي، وهو يحدد احتياطي العملات الأجنبية بتلك التي تكون بـ: الدولار الأميركي، الدولار الأسترالي، الجنيه الإسترليني، الدولار الكندي، الرنمينبي الصيني، اليورو، الين الياباني، الفرنك السويسري، فيما يشكل الدولار الأميركي 60 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية.
أن الحفاظ على أسعار مرتفعة للنفط يعتبر سياسة هامة للولايات المتحدة، ملمحا إلى أن “هذا الأمر كان سببا في مغامرات عسكرية لواشنطن في الشرق الأوسط”، من أجل الحفاظ على ربط بيع النفط بالدولار، ناهيك عن عدم دعم الولايات المتحدة لتوجهات الاعتماد بشكل كبير على مصادر الطاقة البديلة.
أن قوة الدولار في الماضي “كان يقودها قوة الاقتصاد الأميركي مع جعلها العملة الاحتياطية العالمية.. ولكن تراكم الدولارات في الخارج الآن تأتي نتيجة لاختلالات تجارية، وليس بسبب الثقة في الدولار”، على حد تعبيره.