شعوب شاخت أجيالها

كتب د/  عادل عامر

أيًّا ما كان القول في تعريف الضحك وتعليله، فمن أصح الأقوال مع جميع التعريفات والتعليلات أن الضحك — كما قال برجسون — ملكة إنسانية من طرفيها، فلا يضحك إلا إنسان، وما من شيء يضحكنا إلا أن يكون «إنسانيًّا» في صورة من صوره، ولو على سبيل التشبيه.

ولنا أن نقول إن الإنسان حيوان ضاحك، كما نقول إن الإنسان حيوان ناطق. أفنعني بذلك أن كل إنسان يضحك بلا استثناء؟كلا، إلا كما نعني أن كل إنسان ينطق ويفكر ويتكلم بلا استثناء.

فهناك خرس لا ينطقون، وهناك بله لا يفكرون، وهناك صغار أو همج تتولاهم الغرائز على نحو قريب من سيطرة الغرائز على الأحياء التي لا تساوي البشر في الخلق أو في الذكاء.

ولكننا مع ذلك نقول إن الإنسان حيوان ناطق، ونريد بذلك أنه ناطق «بالقوة» على اصطلاح المناطقة، أو بالاستعداد العام في أبناء نوعه كما نقول في عرف المصطلحين، وكذلك يقال إن الإنسان حيوان ضاحك، ومنه جماعات بدائية لا تفهم الضحك ولا تدري موقعه من أعمال الناس، ولا تميز بين المضحكات وغيرها من الأعمال المخالفة للمألوف؛ لأن مخالفة المألوف بين أبنائها ظاهرة نادرة جدًّا لانطباعهم على العرف المتوارث الذي لا يخالفونه إلا وقعوا في محظور «المحرمات» … مع قصورهم عن المقارنة التي تتضح منها النقائض ومواطن الضحك أو الاستغراب.

ولعل هذا العجز عن الضحك في هذا الطور من أطوار الإنسانية معزز لقول القائلين: إن الضحك خاصة إنسانية لا يشترك فيها عامة الأحياء، فلا يضحك الإنسان وهو — بعد — قريب من أطوار الحيوانية في حكم الغريزة وغلبة العادة على التفكير، وإذا رجعنا إلى تفسير برجسون في هذا الصدد فلا محل للمفاجأة هنا من جريان الإنسان على سنة الآلات في اطراد العمل بغير تفكير، فإن القبائل البدائية المغرقة في الهمجية تجري كلها على هذه السنة، ولا يكون فيها مخالفًا للمألوف إلا الذي يشذ بالتصرف

أيًّا ما كان القول في تعريف الضحك وتعليله، فمن أصح الأقوال مع جميع التعريفات والتعليلات أن الضحك — كما قال برجسون — ملكة إنسانية من طرفيها، فلا يضحك إلا إنسان، وما من شيء يضحكنا إلا أن يكون «إنسانيًّا» في صورة من صوره، ولو على سبيل التشبيه.

ولنا أن نقول إن الإنسان حيوان ضاحك، كما نقول إن الإنسان حيوان ناطق.

أفنعني بذلك أن كل إنسان يضحك بلا استثناء؟

كلا، إلا كما نعني أن كل إنسان ينطق ويفكر ويتكلم بلا استثناء.

فهناك خرس لا ينطقون، وهناك بله لا يفكرون، وهناك صغار أو همج تتولاهم الغرائز على نحو قريب من سيطرة الغرائز على الأحياء التي لا تساوي البشر في الخلق أو في الذكاء.

ولكننا مع ذلك نقول إن الإنسان حيوان ناطق، ونريد بذلك أنه ناطق «بالقوة» على اصطلاح المناطقة، أو بالاستعداد العام في أبناء نوعه كما نقول في عرف المصطلحين، وكذلك يقال إن الإنسان حيوان ضاحك، ومنه جماعات بدائية لا تفهم الضحك ولا تدري موقعه من أعمال الناس، ولا تميز بين المضحكات وغيرها من الأعمال المخالفة للمألوف؛ لأن مخالفة المألوف بين أبنائها ظاهرة نادرة جدًّا لانطباعهم على العرف المتوارث الذي لا يخالفونه إلا وقعوا في محظور «المحرمات» … مع قصورهم عن المقارنة التي تتضح منها النقائض ومواطن الضحك أو الاستغراب.

ولعل هذا العجز عن الضحك في هذا الطور من أطوار الإنسانية معزز لقول القائلين: إن الضحك خاصة إنسانية لا يشترك فيها عامة الأحياء، فلا يضحك الإنسان وهو — بعد — قريب من أطوار الحيوانية في حكم الغريزة وغلبة العادة على التفكير، وإذا رجعنا إلى تفسير برجسون في هذا الصدد فلا محل للمفاجأة هنا من جريان الإنسان على سنة الآلات في اطراد العمل بغير تفكير، فإن القبائل البدائية المغرقة في الهمجية تجري كلها على هذه السنة، ولا يكون فيها مخالفًا للمألوف إلا الذي يشذ بالتصرف على خلاف الوتيرة المطردة والنهج المرسوم.

أما بعد هذا الطور من الهمجية البدائية فالشعوب جميعًا تعرف الضحك وتعرف واضعه وموضوعه بالتجربة العملية، وإن لم تعرفهما بالتفسير والتقسيم.

ونريد بواضع الضَّحك من يخلقه بتمثيل المضحكات واختراعها وحكايتها كالفنانين والندماء.

ونريد بموضوع الضحك من يكونون أضحوكة الناس بالغفلة أو النقص أو التصرف المتناقض الذي يحول شعور ناظره من وجهة إلى وجهة على حين غرة على الإجمال.

لا أحد يعلم صورة المستقبل الذى ينتظر الآن «القارة العجوز» حيث تقف دول أوروبا تواجه واقعا جديدا اقتصاديا وأمنيا وإنسانيا.. لا أحد يعلم حتى الآن توابع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وماذا تترك على شعوب أوروبا؟ خاصة أن الحرب لم تنته بعد وقد تمتد إلى مناطق أخرى.. ولا شك أن هذه الحرب دمرت موارد كثيرة فى أوروبا.. إن السياحة لم تعد كما كانت واتسعت البطالة وتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية وزادت الحاجة للغاز والبترول ومصادر الطاقة، كما أن أسواق أوروبا فى العالم لم تعد كما كانت..

 ولا يمكن أن نتجاهل قضية الأعمار فى أوروبا فهى مجتمعات شاخت وتراجعت أجيال الشباب وبقيت أجيال لا تعمل ولا تنتج ولن تحارب.. وقد أصبحت مشكلة الأمن من أخطر الأزمات فى أوروبا أمام البطالة وأزمة الطعام، كما أن محنة كورونا تركت مجتمعات فقدت الكثير من المناعة والمقاومة مع ارتفاع معدلات الفقر.. إن «القارة العجوز» تواجه مستقبلا يتسم بالفوضى وعدم الاستقرار ولن يكون غريبا أن تسود الشارع الأوروبى حالة من عدم الاستقرار كما يحدث فى فرنسا.. ولا شك أن تغيرات المناخ فى العالم سوف تترك آثارا سيئة على موارد كثيرة، فى مقدمتها السياحة والزراعة والأمن.. إن أوروبا لن تعود كما كانت وهى تنتظر الآن نتائج الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فقد تقترب النيران منها

وهنا يمكن أن تكون تهديدا للعالم كله.. إن أوروبا قلب العالم وما يجرى فيها سوف يترك آثاره على كل شعوب الدنيا اقتصادا وأمنا واستقرارا ولن ننسى أنها واجهت تحديات كثيرة ما بين كورونا والحرب فى أوكرانيا وأزمة البترول والطعام وقبل هذا كله نحن أمام شعوب شاخت أجيالها وتحتاج إلى ميلاد جديد.. من ينقذ أوروبا من هذا المستقبل الغامض ويعيدها إلى صدارة العالم تقدما واكتفاء وإنتاجا ودورا؟..

هل دخلت سنوات الخريف ومن يعيد لها ربيعها الغائب؟…في اثارة حالة من القلق لدى دول العالم ، خاصة في أوروبا ، المهددة بشلل اقتصادى بسبب جفاف نهر الراين أهم ممر تجارى وثقافى في القارة العجوز، بالإضافة الى أن الجفاف يهدد مدن بالانقراض والزوال مثل “فينيسيا الإيطالية“..وقد جرت عادة المعاصرين على وصف بعض الأمم بالفكاهة وتجريد بعضها منها، أو وصفها بجهلها وبطء الإحساس بها عند المقابلة بينها وبين الأمم «الفكاهية».والثابت الذي لا شك فيه عن جميع الأمم أنها أخرجت نوابغ الفكاهة في جميع أجيالها، وأنها في العصر الحاضر تمثل الفكاهيات وتعرضها على جمهرة من أبنائها، فلا توجد أمة متحضرة لها تاريخ قديم خلت من نوابغ الفكاهة ومن آثار هؤلاء النوابغ في الآداب والفنون.

ولكننا نرى أن إحصاء النوابغ هنا لا يفيدنا كما يفيدنا دليل الأمثال التي يتداولها الناس ويتوارثونها جيلًا بعد جيل، فإن آثار النوابغ قد تكون مقتصرة عليهم وعلى فئة من قرائهم أو من القادرين على الاستمتاع بفكاهتهم، ولكن الأمثال الشائعة ترجمان صادق لتفكير الأمة وشعورها وطريقتها في التعبير عن تجاربها، وهذه الطريقة تكاد أن تتفق في جميع الأمم أو تتقارب غاية التقارب في المضامين والمرامي وإن لم تتقارب في اللفظ والتركيب.

وهذه أمثال الأمم بين أيدينا تقترن فيها الحكمة، أو تأتي فيها الحكمة من طريق الفكاهة على أسلوب تمتزج فيه السخرية بالتهكم والعطف والدعابة، وتؤخذ فيه الحكمة مأخذ الجد والمزاح في وقت واحد؛ لأنها تشير إلى عواقب الخطل والحماقة إشارة التعقيب بعد مرور المئات من الأمثلة والقرائن والمناسبات، فهي تتكلم في أمان بعد فوات الضرر وقبل وقوعه على المقصودين بالنصيحة والتذكير.

وعلى سبيل التمثيل بالواقع نستشهد هنا بالأمثال في أمتين من أمم المشرق وأمتين من أمم المغرب، يقال عن إحداهما إنها أمة ذات فكاهة أو أمة فكاهية، ويقال عن الأخرى إنها لا تفطن للفكاهة وإنها اشتهرت بالجهامة وأخذ الأمور كلها بالجد والصراحة التي لا تعرف التورية والتلميح.

ففي المشرق أمة الفرس مشهورة بالنكات القديمة والحديثة من عهد الحضارة الكسروية، وأمة اليابان مشهورة بالكد والدأب والانصباب على العمل والتكليف.

وفي المغرب تقابل هاتين الأمتين الأمة الفرنسية في صفة الفكاهة، والأمة الألمانية في صفة الجد والجهامة.

وهذه اثنا عشر مثلًا من كل أمة مشهورة بالفكاهة أو مشهورة بالجهامة، غير أننا لو جعلناها عشرة أضعافها لما تغيرت نسبة الموازنة بينها، ولا خرجنا منها بتفضيل حاسم لأمة على أمة حين نقتبس فكاهة الأمم من تجاربها وأمثالها، فكلها سواء في مزج الجانب المضحك بالجانب الحكيم من تجارب الحياة المتكررة. ولا شك أن هذه التجارب وهذه التعبيرات عنها أدل على ملكة الفكاهة الشائعة بين بني الإنسان من الأقوال المتفرقة على ألسنة الآحاد.

وهناك مقياس آخر للفكاهة الشائعة بين بني الإنسان نرجع فيه إلى مواسم الفكاهة التي تعرض لجميع الأمم في حالات متماثلة، وهي حالات التنفيس عن الحرج أو حالات التمرد والاحتجاج على البدع الشائعة، ولا سيما البدع التي حان لها أن تزول أو تبدلت دواعيها بتبدل الأحوال.

وشعوب الصقالبة في أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى من الشعوب التي اشتهرت بجهل النكتة وخشونة الفطرة وقلة الفطنة لكل معنى في القول غير معناه الصريح الذي يفهم على وجه واحد ولا يفهم على وجهين كما يغلب على جميع المضحكات.

إلا أن هذه الشعوب قد رويت عنها نوادر في موسم الحرج لا تفضُلُها من نوعها نوادر الشعوب الغربية في أمثال هذه المواسم.

وهذه متفرقات من تلك النوادر مأخوذة من الصحف أو من مجاميع الفكاهة العالمية التي تصدر من حين إلى حين وتتمثل فيها أمزجة الأمم التي تُروَى تلك النوادر عنها على غير قصد من جامعيها:

أرادت إذاعة روسية أن تطلع الفلاحين على أجهزة الإذاعة، وأن يشترك كلٌّ منهم في إرسال الحديث إلى العالم بكلمة واحدة لا يزيد عليها، فلما تقدم الفلاح الأول وسئل أن ينادي بالكلمة الوحيدة صاح بملء فيه: النجدة!

وطاف مفتش من مفتشي الدعاية بين الفلاحين المتذمرين فقال في بعض القرى للشاكين من قلة الطعام والكساء: «ماذا تقولون؟ أتشكون من أبدع المذاهب الاجتماعية من أجل لقمة وخرقة، فماذا عساكم قائلين لو رأيتم الأفريقيين العراة الذين لا يعرفون الخبز ولا الطعام المطبوخ في مجاهل القارة السوداء؟!»

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...