سيادة القانون ودورة في حفظ السلام

كتب د /عادل عامر

بداية لابد من التأكيد على أن حفظ الأمن وضمان سيادة القانون تعد من المسائل السيادية لأي دولة، والمسائل السيادية تعني عدم إمكانية المساومة عليها أو تجاهلها، وسبب ذلك أن التساهل فيها من الممكن أن يؤدي إلى تدمير المجتمع والمساس بهيبة الدولة وسيادتها.

وفي ضوء ذلك، من المهم أن تتولى مؤسسات الدولة الرسمية مهامها متى ما واجهت تحديات داخلية وتهديدات أمنية خارجية بشكل فوري، وعملية المواجهة ينظمها القانون بناءً على ما قرره الدستور في شأن مسؤوليات حفظ الأمن وسيادة القانون دائماً.

كذلك عملية حفظ الأمن وسيادة القانون قد تشوبها أخطاء أو تجاوزات أو سوء استخدام الصلاحيات، وهي حالات موجودة في مختلف المجتمعات، سواءً تلك التي شهدت تحولاً ديمقراطياً منذ قرون كما هو حال الديمقراطيات الأوروبية، أو تلك التي مازالت تشهد تحولاً ديمقراطياً مثل مملكة البحرين. وهي بلاشك أخطاء واردة، ولكن الأخطاء ينبغي الاعتراف بها، وينبغي تقويمها سريعاً، وإيجاد الحلول المناسبة لضمان تفاديها مستقبلاً، بالإضافة إلى محاسبة من تورط فيها، فهذا ما ينص عليه القانون الذي ينبغي تطبيقه على الجميع.

تنص المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة على أن أحد مقاصد الأمم المتحدة يتمثل في “حل المنازعات الدولية أو الحالات التي قد تتسبب في الإخلال بالسلم أو تسويتها بالوسائل السلمية وبما يتفق مع مبادئ العدالة والقانون الدولي”. وتكفل سيادة القانون تطبيق القانون الدولي ومبادئ العدالة بصورة متساوية على جميع الدول والتقيد بها على قدم المساواة. ويهيئ احترام سيادة القانون بيئة مؤاتيه لتحقيق مقاصد الميثاق.

ويوفر الميثاق الأساس المعياري للعلاقات الودية بين الدول. وجنبا إلى جنب مع مجموعة نصوص القانون الدولي الأوسع نطاقا، يوفر الميثاق هيكلا لإدارة العلاقات الدولية. فهو يكرس مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول على أساس المساواة في السيادة، ويضفي قابلية التنبؤ والمشروعية على أعمال الدول في نظام متعدد الأطراف متفق عليه، ويوفر وسيلة لحل النزاعات الناشئة. ومن المبادئ التي تحظى بأهمية خاصة لتحقيق السلام والأمن مبادئ السلامة الإقليمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها على أي نحو يتعارض مع الميثاق، والالتزام بتنفيذ الالتزامات القانونية الدولية.

وتعتبر المادة 33 من الميثاق عاملا أساسيا لمنع نشوب النزاعات وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية. ويمكن لأطراف أي نزاع دولي أن يلتمسوا حله بتدابير وآليات متنوعة لتسوية المنازعات، منها التفاوض، والتحقيق، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم، والتسوية القضائية واللجوء إلى الوكالات أو الترتيبات الإقليمية. ومن شأن التنفيذ القوي لسيادة القانون، على نحو يحمي حقوق الإنسان، أن يساعد في منع وتخفيف الجرائم والنزاعات العنيفة من خلال توفير عمليات مشروعة لتسوية المظالم، ومثبطات للجريمة والعنف. وعلى العكس من ذلك، فإن ضعف التنمية الاقتصادية وعدم المساواة يمكن أن يكونا دافعين للجريمة والعنف. وفي هذا السياق، يتسم مبدأ المسؤولية عن الحماية، الذي اعتمدته الجمعية العامة في الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي لعام 2005، بالأهمية. فهو يسلط الضوء على أهمية دعم المؤسسات الوطنية المعنية بسيادة القانون وبحقوق الإنسان لضمان أن تتوافر للحكومات كل الأدوات اللازمة للامتثال لالتزاماتها لحماية سكانها من الإبادة الجماعية، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والتطهير الإثني، ويدعو المجتمع الدولي إلى دعم تلك الجهود.

وحماية المدنيين في حالات النزاع المسلح من أولويات الأمم المتحدة.

ويجب أن يقوم أي نشاط في مجال الحماية، سواء كان بدنيا أو سياسيا، أو من خلال تهيئة بيئة توفر الحماية، على سيادة القانون، وأن يهدف إلى إعطاء القوانين السارية أهمية عملية في الظروف الصعبة. ويمثل الإطار التشريعي الواجب التطبيق، والتزامات الدول الأعضاء بموجبه، عوامل رئيسية في جميع الأعمال في مجال الحماية. ولتوفير الحماية للمدنيين على نحو أفضل، يجب على الدول الأعضاء التقيد بالمعاهدات الدولية ذات الصلة، وإدراج أحكامها في التشريعات الوطنية، وإنشاء مؤسسات تعمل بشكل جيد ووضع ضوابط داخلية. ويتسم بنفس القدر من الأهمية التثقيف والإعلام فيما يتعلق بالمعايير الإلزامية والممارسات المحظورة وإنفاذ الإجراءات الجنائية في حالات الخروقات الخطيرة.

ويُعد إنشاء مؤسسات معنية بسيادة القانون أمرا حيويا لضمان ترسيخ الأمن الفوري والاستقرار اللازم لبناء السلام. وتتسم مؤسسات العدالة والإصلاحيات القوية، جنبا إلى جنب مع الشرطة ووكالات إنفاذ القانون الخاضعة للمساءلة، والتي تحترم حقوق الإنسان احتراما كاملا، بأهمية بالغة لاستعادة السلام والأمن في فترة ما بعد النزاع مباشرة. فهي تتيح تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة، وتشجع الحل السلمي للنزاعات واستعادة الثقة والتماسك الاجتماعي القائم على المساواة في الحقوق. وتتسم تهيئة تلك الأوضاع بنفس القدر من الأهمية في تحقيق السلام والأمن، والتنمية المستدامة. وفي هذا الصدد، تسلم الأمم المتحدة بالحاجة إلى تطبيق نهج عام من خلال دعم سلسلة العدالة الجنائية بأكملها. وكجزء من نهج شامل لتعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان، من الضروري دعم جهود إصلاح قطاع الأمن التي تتولى زمامها السلطات الوطنية.

ومن بين أعظم التحديات التي تواجه السلام والأمن الجرائم التي، وإن كانت ارتُكبت في الإقليم الوطني، فإنها تخترق الحدود الوطنية وتؤثر على مناطق بأكملها والمجتمع الدولي ككل في نهاية المطاف. ويمثل هذا تحديا متجددا لسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان، ويوضح كذلك الصلات القوية بالسلام والأمن. ويجلب الإرهاب العنف وعدم الاستقرار، ويمكن أن يحُد من حرية التنقل، والحصول على فرص العمل والفرص التعليمية، ويؤدي إلى تدهور نوعية الحياة ويهدد الحقوق الأساسية للناس، بما في ذلك الحق في الحياة والأمن. ويمثل الإرهاب تهديدا للأمن والاستقرار ويمكن أن يقوض التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد وُضع ثمانية عشر صكا عالميا (14 اتفاقية و 4 بروتوكولات) لمكافحة الإرهاب الدولي، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، في إطار الأمم المتحدة المتعلق بأنشطة إرهابية محددة. ويشدد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب على أن اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب تمتثل لحقوق الإنسان يساعد على منع تجنيد الأفراد لارتكاب أعمال إرهابية وأن انتهاكات حقوق الإنسان غالبا ما تساهم في المظالم التي تجعل الناس يخطئون الاختيار ويلجأون إلى الإرهاب (انظر A/HRC/20/14، الفقرة 32). وبالمثل، فإن الجريمة المنظمة عبر الوطنية في مجالات متنوعة تهدد السلام والأمن وتقوض التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات في جميع أنحاء العالم. وشددت الجمعية العامة ومؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولاتها على الأثر السلبي للجريمة المنظمة عبر الوطنية على حقوق الإنسان وسيادة القانون.

الأمن وسيادة القانون عنصران مترابطان لا يفترقان أبداً، وبينهما علاقة وثيقة، فلا يمكن تحقيق الأمن دون سيادة القانون، ولا يمكن تحقيق سيادة القانون دون الأمن في أي مجتمع.

الأمن يعتبره البعض هدفاً، وآخرون يعتبرونه وسيلة وأداة، فمن يعتبره هدفاً يرى أن غاية أي مجتمع هو تحقيق الأمن وضمان استقراره حتى يتحقق الازدهار فيه، وتتحقق تطلعات الأفراد كافة فيه. أما من يرونه وسيلة وأداة فإنهم ينظرون إلى الأمن على أنه أداة لتحقيق درجة معينة من الاستقرار داخل المجتمع بما يساعد على تطور كافة القطاعات في المجتمع نفسه.

أما سيادة القانون فإنها تعني احترام كافة الأفراد والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية داخل المجتمع للقانون دون تمييز في تطبيقه ودون ممارسات لتجاوزه، بحيث يتم تطبيقه على الأفراد والمؤسسات على حد سواء. على أن تكون هناك آليات شفافة وعادلة تضمن المحاسبة والمسائلة القانونية بكل نزاهة للجميع.

بالتالي فإن الأمن وسيادة القانون هما عنصران أساسيان في المعادلة الخاصة بضمان استقرار وتطور المجتمعات، ومتى ما صار هناك خلل في الأمن، فإن ذلك دلالة على أن هناك إشكالية في سيادة القانون.

هل مساعي الدولة لاستتباب الأمن وتحقيق الاستقرار تعني تجاوز الحقوق والحريات؟

لا يمكن تبرير إجراءات تحقيق الأمن بأنها ضد الحريات وتهدف لاستلاب الحريات، بل إجراءات الأمن ضرورة وطنية ينبغي الحفاظ عليها دائماً، لأن توافر الأمن هو الأجواء المناسبة والمثلى لممارسة الحقوق والحريات المكفولة دستورياً والمنظمة حسب القانون.

ولذلك فإن ترك المجال أمام الفوضى داخل المجتمع مع غياب الأمن لا يمكن أن يساعد بأي شكل من الأشكال على حفظ حقوق الأفراد، وكذلك حرياتهم. فالحريات والحقوق ليست مطلقة دائماً، بل تنتهي عندما تتعارض مع حريات وحقوق الآخرين، وهو ما ينبغي احترامه. وعليه فإن حفظ الأمن والاستقرار في المجتمع يساعد على حفظ الحقوق والحريات.

أما فيما يتعلق بكيفية الحفاظ على الأمن فتتم من خلال سيادة القانون، إذ لا يمكن القبول بالعبث بأمن واستقرار المجتمع، ويتم ذلك من خلال قدرة الدولة عبر مؤسساتها المتعددة على تطبيق القوانين والأنظمة وفرض النظام في المجتمع نفسه.

مسؤولية حفظ الأمن وسيادة القانون مسؤولية جماعية بلاشك، حيث تشترك فيها السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات الأمنية والعسكرية. وهناك أدوار هامة في سيادة القانون ملقاة على عاتق الأفراد ومؤسسات المجتمع والجمعيات السياسية ووسائل الإعلام المتعددة، ومتى ما تخلى طرف من هذه الأطراف عن مسؤوليته في حفظ الأمن وسيادة القانون فإن المعادلة ستكون مختلفة. وينبغي هنا التوضيح بأن أدوار الأطراف الأخرى غير مؤسسات الدولة الرسمية والسلطات الثلاث فيما يتعلق بسيادة القانون هو احترام هذه السيادة، والالتزام بالقوانين والأنظمة الوطنية دائماً. وهي بلاشك تتطلب ثقافة وممارسة تستغرق عادة فترة طويلة، ولكنها تتطلب آليات تضمن تكوين ثقافة حفظ الأمن وسيادة القانون داخل المجتمع.

وحتى نضمن أن تتولى كافة الأطراف المعنية بحفظ الأمن وسيادة القانون أدوارها المناطة بها يجب أن يكون هناك وعي جماعي سائد في المجتمع بأهمية دور كل طرف في تحقيق هذا الهدف، وعملية التوعية هذه تشمل مختلف المراحل العمرية، ومختلف مكونات المجتمع، كما أنها عملية لا تتوقف بل يجب أن تكون مستمرة من أجل ضمان قيام كل طرف بدوره المهم.

في ظل هذه المفاهيم لحفظ الأمن وسيادة القانون كيف يمكن التعامل من حالات تجاوز القانون، وحالات العبث بالأمن التي يمكن أن يشهدها المجتمع بين وقت وآخر؟

بالمقابل ليس مقبولاً إزاء حرص الدولة ومؤسساتها على تطبيق القانون من أجل حفظ الأمن والاستقرار القيام بتجاوزات قانونية، والعبث بالأمن من خلال أعمال الإرهاب والعنف السياسي باسم المطالبات الحقوقية، فهناك آليات تنظم حق التعبير السياسي، وهناك أيضاً آليات دستورية قادرة على استيعاب مطالب المجتمع الذي يتسم بتنوع وتعدد المكونات، كما هو الحال بالنسبة للسلطة التشريعية ممثلة بمجلسي النواب والشيوخ. 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...