د. عادل عامر

سيادة القانون وتحقيق أهداف السلام والعدل والمؤسسات القوية

كتب د/  عادل عامر

يشكل تعزيز سيادة القانون وتعزيز حقوق الإنسان عنصرا أساسيا في هذه العملية، وكذلك الحد من تدفق الأسلحة غير المشروعة، ومكافحة الفساد، وضمان المشاركة الشاملة في جميع الأوقات. لماذا يجب أن أهتم؟ إن المستويات العالية من العنف المسلح وانعدام الأمن لها تأثير مدمر على تنمية أي بلد.

بدون السلام والاستقرار وحقوق الإنسان والحكم الفعال، القائم على سيادة القانون – لا يمكننا أن نأمل في تحقيق التنمية المستدامة. ولكننا نعيش اليوم في عالم يتسم بالانقسامات على نحو متزايد. وبينما تتمتع بعض مناطق العالم بمستويات مستدامة من السلم والأمن والازدهار، تعاني مناطق أخرى دورات لا تنتهي من الصراع والعنف. ولكن الصراعات ليست قدرا حتميا لا مفر منه، بل هي حالة طارئة لا بد من معالجتها.

فالمستويات المرتفعة من العنف المسلح وانعدام الأمن لها آثار مدمرة على تنمية البلدان، مما يؤثر على النمو الاقتصادي وغالبا ما يؤدي إلى مظالم طويلة الأمد يمكن أن تستمر لأجيال. كما أن العنف الجنسي والجريمة والاستغلال والتعذيب يتزايد وينتشر أيضا في حالات النزاع أو في غياب سيادة القانون، ويجب على البلدان اتخاذ التدابير اللازمة لحماية فئات الشعب الأكثر تعرضا للخطر.

وعلى الرغم من أن إجمالي عدد سكانها لا يتجاوز 5 بالمائة من سكان العالم، كانت المنطقة العربية في العام 2014 موطنا لنحو 47 في المائة من مجموع النازحين داخليا، ونحو 57.5 في المائة من اللاجئين في العالم كله. وكان معظم هؤلاء قد نزحوا قسرا بسبب النزاع والعنف، حيث شهدت المنطقة العربية ما يقرب من 18 في المائة من صراعات العالم بين عامي 1948 و2014، و45 في المائة من الهجمات الإرهابية في عام 2014، و68 في المائة من الوفيات المرتبطة بالمعارك على المستوى العالمي في نفس السنة.

وعلى سبيل المثال في ليبيا وسوريا اللتان تشهدان نزاعا ممتدا في السنوات الأخيرة، تضاءلت قيمة مؤشر التنمية البشرية إلى مستويات سجلت آخر مرة قبل 15 عاما. وتشير تقديرات أخرى إلى أن سوريا ربما تكون قد فقدت أكثر من 35 عاما من المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في مجال التنمية البشرية.

وتسعى أهداف التنمية المستدامة إلى الحد بشكل كبير من جميع أشكال العنف، والعمل مع الحكومات والمجتمعات المحلية لإيجاد حلول دائمة للصراع وانعدام الأمن. ويعد تعزيز سيادة القانون وتعزيز حقوق الإنسان أمر أساسي في هذه العملية، يشمل كذلك جهود خفض تدفق الأسلحة غير المشروعة وتعزيز مشاركة البلدان النامية في مؤسسات الحكم العالمية.

وتتشابك العلاقة بين أهداف التنمية المستدامة والسلام بطرق متعددة الأبعاد، فالفقر وعدم المساواة وغياب الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية غالبًا ما يخلق ظروفًا تُسهم في نشوء النزاع وعدم الاستقرار، ومن خلال معالجة هذه القضايا بتوجيهٍ من أهداف التنمية المستدامة، يمكننا حصْر الأسباب الجذرية للعنف وبناء مجتمعات أكثر انسجامًا.

تؤدي الاستدامة البيئية دورًا بالغ الأهمية في تحقيق السلام، كما هو منصوص عليه في العديد من أهداف التنمية المستدامة، مثل الهدف رقم 13 (العمل المناخي) والهدف رقم 15 (الحياة في البر)، فالصراع على الموارد، والهجرة القسرية بسبب تدهور البيئة، والاحتمالات المتزايدة لوقوع كوارث طبيعية أكثر تواترًا وشدة يمكن أن تؤدي جميعها إلى نشوب النزاعات. وأهداف التنمية المستدامة التي تشجع على الحفاظ على البيئة تُسهم في منع مثل هذه النزاعات وتحقيق الاستقرار العالمي.

إن حقوق الإنسان عاملٌ أساسي لتشكيل الاستجابة للجائحة. من خلال احترام حقوق الإنسان في وقت الأزمة هذا، سنبني حلولاً أكثر فعاليةً وشمولاً للطوارئ الحالية وللانتعاش في المستقبل. إن المستويات المرتفعة من العنف المسلح وانعدام الأمن لها آثار مدمرة على تنمية البلدان، مما يؤثر على النمو الاقتصادي وغالبا ما يؤدي إلى مظالم طويلة الأمد يمكن أن تستمر لأجيال.

تضع حقوق الإنسان الناس في مركز اهتمامها. وتؤدي الاستجابات التي تشكلها وتحترم حقوق الإنسان إلى نتائج أفضل في التغلب على الجائحة، وضمان الرعاية الصحية للجميع، والحفاظ على الكرامة الإنسانية.

يجب على الحكومات على أن تكون شفافةً ومستجيبةً وخاضعة للمساءلة في الاستجابة لكوفيد-19 وضمان أن تكون أي تدابير طارئة قانونية ومتناسبة وضرورية وغير تمييزية. وقال: “إن أفضل استجابة هي التي تستجيب بشكلٍ متناسبٍ للتهديدات الفورية مع الامتثال إلى حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون”. لا يزال العالم بعيداً كل البعد عن تحقيق الهدف المتمثل في إقامة مجتمعات مسالمة وعادلة لا يُهمّش فيها أحد. فمئات الملايين من الناس يعيشون في دول هشة متأثرة بالنزاعات. وفي نهاية عام 2020 ، كان حوالي 1 في المائة من سكان العالم – 82,4مليون شخص – قد نزحوا قسراً نتيجة للاضطهاد أو النزاع أو العنف المعمم. وقد أزاحت جائحة كوفيد- 19 النقاب عن عدم المساواة والتمييز وزادت من حدتهما. والواقع أن الأزمة تسببت في تعطيلات كبرى في عمل الحكومات وأخضعت نظم الحقوق والحماية في مختلف البلدان للاختبار وأضعفتها بل وحطمتها في بعض الأحيان. وتؤثر الجائحة بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفاً في جميع أنحاء العالم، وهي تعرّض الأطفال لخطر كبير. ويجب أن يُبنى التعافي من الأزمة وكذلك التنمية المستدامة، على أساس من السلام والاستقرار واحترام حقوق الإنسان والحكم الفعال وسيادة القانون.

صدر الدستور المصري عام 2014 بعد عصف سياسي لعدة سنوات، صاحب ذلك العديد من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع المصري ما شكل رؤية جديدة لدى الأفراد ولدى السلطة الحاكمة بحتمية التغيير والانطلاق نحو تكوين دولة تحتضن رؤية هذا التغيير، وعلى جانب آخر كانت الساحة الدولية في الدائرة البعيدة والدائرة القريبة من مصر حافلة بالعديد من التغيرات كذلك، ما أثر على البعد الاستراتيجي المصري في إفريقيا والمنطقة العربية وحوض البحر المتوسط.

على جانب آخر، كان تحرك المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة نحو إعادة صياغة منظومة جديدة لحقوق الإنسان وحتمية إعادة النظر لسبل العيش على هذا الكوكب لتحقيق الاستدامة اللازمة وضمان حقوق الأجيال المقبلة؛ حيث بدأ ذلك منذ عام 2000 عندما أطلقت الأمم المتحدة أهدافها الإنمائية وهى: –  القضاء على الفقر. –  تعميم التعليم الابتدائي. –  تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. –  تقليل وفيات الأطفال. – تحسين الصحة النفسية. – مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز والملاريا. – كفالة الاستدامة البيئية. – إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.

بمراجعة المتغيرات الجيوسياسية والاجتماعية بات ضروريا إعادة تشكيل هذه الأهداف الإنمائية بشكل أكثر توسعا وتشعبا؛ حيث اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2015 هذه الأهداف(SDGs)  للتنمية المستدامة، فكانت دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030، وهو ما يمكن إجماله فيما يلى: – لا للفقر. – القضاء التام على الجوع. – الصحة الجيدة والرفاهية. – جودة التعليم. – المساواة بين الجنسين. – المياه النظيفة. – الطاقة النظيفة. – العمل اللائق والنمو الاقتصادي. – الصناعة والابتكار والبنية التحتية. – الحد من عدم المساواة. – المدن والمجتمعات المستدامة. – الإنتاج والاستهلاك المسئول. – العمل المناخي. – الحياة تحت الماء. – الحياة على الأرض. – السلام والعدل والمؤسسات القوية. – شراكات لتحقيق الهدف. فكانت أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الصادرة المعلنة عام 2015 صورة مستحدثة ومختلفة لأنها: عالمية: فهي إطار عالمي تنطبق على جميع البلدان. تحويلية :تتيح خطة عام 2030، بوصفها خطة من أجل “الناس والكوكب والازدهار والسلام والشراكة”، نقلة نوعية من نموذج التنمية التقليدي. وتوفر رؤية تحويلية من أجل تحقيق تنمية مستدامة.

شاملة وجامعة :تعِدُ خطة عام 2030، إلى جانب التزامها بتحقيق سلسلة واسعة من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ببناء “مجتمعات أكثر سلامًا وعدلا واحتضانًا للجميع، دون أي استثناء”. وحقوق الإنسان ثابتة في أهداف التنمية المستدامة وفقا لما استقرت عليه هذه الحقوق منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وكذلك فإن مدارسة حقوق الإنسان هي من المواد المهمة التي تزين الدساتير، وتحدد إلى أي نقطة وصلت النظم القانونية والدساتير لحماية هذه الحقوق.

لم يخل دستور مصر الصادر عام 2014 من ملامح النص على هذه التنمية المستدامة؛ حيث احتمل العديد من أفكار التنمية المستدامة بدءا من مقدمته؛ حيث ورد إن مصر تاريخ عريق من التطور ونقطة انطلاق لتحول أكبر ما يعنى النظرة الجديدة إلى دور الدولة في عملية التنمية المستدامة، وهو ما يتفق مع الفكرة المرنة والتحولية لأهداف للتنمية المستدامة.

أما عن نصوص الدستور فقد حفل الدستور المصري بالعديد من الأفكار الجديدة أو التي تم تحديثها للتماشى مع نطاق التغيرات الداخلية والخارجية بشأن التنمية بحيث ارتبطت هذه المواد بكل النقاط التي استعرضتها أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ومن ذلك:

المادة 8 التي ناقشت فكرة التضامن الاجتماعي وهو ما أكدته فيما بعد المادة 17، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، وتأكد ذلك بالمادة 9 حيث قررت أن تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز.

 كانت المادة 11 من المواد الفارقة في تناول أفكار التنمية المستدامة؛ حيث نصت على أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور. والالتزام بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا، وتضيف المادة 12 أن العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرا . انتقلت المادة 18 إلى فكرة الحق في الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، ثم الحق في التعليم في المادة 19 وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز. ذهبت المادة 27 إلى إرساء المفاهيم الاقتصادية، وذكرت التنمية المستدامة بشكل صريح؛ حيث قرر النص استهداف تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والالتزام بمعايير الشفافية والحوكمة، والمادة 29 التي قررت مقوم الزراعة في الاقتصاد وهى ما ترتبط بسلامة الحياة البرية، وتناولت المادة 32 في السياق ذاته الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وهو ما ورد به بنص صريح فكرة حماية حقوق الأجيال المقبلة، وتأكد في المادة 44 والخاصة بحماية نهر النيل، ثم المادة 46 التي قررت حماية النظام البيئي وأنه لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، في تأكيد مستمر على النطاقات والمفاهيم ذاتها. نصت المادة 53 على فكرة سيادة القانون ومؤسسات الدولة القوية ومساواة الأفراد أمام القانون، وتأكد ذلك بالمادة 94 التي قررت سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.

ثم تبلور ذلك من خلال تحقيق الأهداف المباشرة للتنمية المستدامة في المادة 78؛ حيث نصت على أن تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، والحق في الغذاء الصحي الكافي في تأكد اتجاه الدولة من حيث هذه المفاهيم الدولية للتنمية المستدامة؛ حيث جاءت المادة 93 وأضافت التزام الدولة بالاتفاقات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يمكن الانتهاء معه أن الدستور المصري ومع صدوره عام 2014 قبل إعلان أهداف التنمية المستدامة، لم يغب عنه التحرك الدولي في ذلك، ولم يأت فقط بملامح التنمية المستدامة وإنما استبق هذه التحركات في تصور واقعى وقابل للتطبيق حول ركائز هذه التنمية وما تتطلبه من خطط واستراتيجيات.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...