كتب /الدكتور عادل عامر
اتسعت الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي إلى 100% حيث يتداول الدولار الأميركي عند 63 جنيها في السوق السوداء مقابل 31 جنيها في البنوك المحلية من دون تغيير منذ مارس هذا الهبوط السريع والحاد في قيمة الجنيه ترجمته الأسواق المصرية بنفس السرعة بارتفاع أسعار السلع بمختلف أنواعها وبنسبة أعلى من قيمة الهبوط، بسبب حالة الاضطراب الناجمة عن مثل هذه التحركات، وهو ما يشكل عبئا على المستهلكين والتجار.
وفي شرحه آثار تراجع قيمة الجنيه على الأسواق، يقول عضو شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية المصرية أحمد شيحة إن “أي انخفاض في الجنيه وارتفاع في الدولار يرفع الأسعار، لأنه يزيد تكلفة المنتج، لأن غالبية مكونات الصناعة والإنتاج مستوردة من الخارج، وبالتالي يتم تحميل التكلفة على المستهلك النهائي”.
وتقدر الحكومة المصرية حجم الفجوة التمويلية للعام المالي الحالي 2023-2024 ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار، وأشار وزير المالية محمد معيط إلى أنه سيتم سدها بإصدار سندات دولية وتمويلات من بنوك بضمانات.
البدائل المتاحة من أجل تخفيف الضغط على الجنيه وتقليل الطلب على الدولار وذلك عن طريق: الاستفادة من عضويتها بمجموعة “بريكس” الاقتصادية والتبادل التجاري بالعملات المحلية لتلك الدول. التوسع في اتفاقية مبادلة العملات المحلية مع الدول.
ويبلغ حجم احتياجات مصر التمويلية نحو 2.14 تريليون جنيه (69.26 مليار دولار) في موازنة 2023-2024 بارتفاع قدره نحو 27% مقارنة بالعام الماضي، وسيتم تمويلها عن طريق أذون الخزانة والسندات (اقتراض قصير الأجل).
إن فكرة الدولار القوي باتت سياسة تتبناها الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 1995، وهي سياسة تعتمد -كما تظن أميركا- على أن الدولار القوي في مصلحة الاقتصاد الأميركي والعالم أجمع. أن الدولار القوي سيدفع لتحفيز حاملي السندات الأجنبية على شراء سندات الخزانة الأميركية.
فإن قوة الدولار:
تجعل الواردات الأميركية أرخص، مما يفيد بعض الصناعات ويساعد على الحد من التضخم.
تعيد إلى الاقتصاد الأميركي استقراره من خلال التجارة لأن الواردات أرخص، مما يجعل تعويض المنتجات المحلية أسهل.
تزيد من إيرادات الودائع وصناديق المعاشات التقاعدية، الأمر الذي يخدم مصالح أصحاب المعاشات والمدخرين.
تفيد الأميركيين في الولايات المتحدة عند سفرهم إلى البلدان الأجنبية الأخرى أو الإقامة فيها.
تساعد المستثمرين المقيمين في أميركا على شراء السندات الأجنبية بأسعار منخفضة.
انخفاض قيمة عملات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأميركية، يجعل شركات هذه البلدان أكثر تنافسية، إذ تصبح صادراتها أقل كلفة.
تبقي دول أوروبا واليابان والصين -بحسب محللين- راضية عن قيمة عملتها، وفي غير عجلة من أمرها لرفع أسعار الفائدة، لأن رفع قيمة عملاتها يستدعي رفع سعر الفائدة إلى حد كبير والتفوق على بنك الاحتياطي الفدرالي، في حين يتمثل هدفها الرئيسي في خفض معدلات التضخم ورفع الناتج المحلي الإجمالي وخفض معدل البطالة والحفاظ على التوازن.
أن الارتفاع القياسي للدولار أمام عملات باقي دول العالم سيؤدي إلى:
رفع أسعار المواد الغذائية والوقود والأدوية وباقي السلع المستوردة من قبل الدول خاصة البلدان النامية والأقل دخلا. تخلف العديد من الدول النامية والأقل دخلا عن سداد ديونها المقومة بالدولار، وتشير الأرقام إلى أن إجمالي الديون المتعثرة التي تعاني منها البلدان النامية بلغت 250 مليار دولار، في حين قفزت الدوين العالمية إلى مستويات قياسية بلغت أكثر من 305 تريليونات دولار.
تعرّض الدول الغنية لضغوط، إذ إن ضعف اليورو -على سبيل المثال- يزيد تكلفة الواردات المقومة بالدولار مثل النفط، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم في أوروبا. حتى أميركا نفسها لن تسلم من قوة الدولار، إذ إن ذلك يجعل الصادرات الأميركية أكثر تكلفة، ويثقل كاهل الشركات المصدرة، مما يتسبب في قيام بعض المصدرين الأميركيين بخفض الإنتاج. تراجع مبيعات الشركات الأميركية وتقلص أرباحها الدولية. رفع تكاليف السفر والسياحة والدراسة في أميركا.
فالصين نفسها التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، لذلك لا يمكن تصنيف دول بريكس على أنها كتلة مناهضة للولايات المتحدة أو الغرب” أن انضمام مصر يسمح لها بالحصول على قروض ميسرة من بنك التنمية التابع للتكتل، بما يساعد في الهروب من حصار صندوق النقد الدولي واشتراطاته الازعانية أن مصر نجحت في فتح الباب نحو معاملات تجارية بدون الدولار من خلال اتفاقيات ثنائية مع دول كبرى مثل روسيا والصين والهند،
وأن هذه الخطوة قد تكون بمثابة انفراجة للأزمة على المدى البعيد، والتمهيد لإدراج الجنيه في التعاملات الدولية، خاصة وأن دول “بريكس” لديها نفس الهدف وهو التحرر من هيمنة الدولار والتعامل بالعملات المحلية الخاصة بها. وتستورد مصر ما يقرب من 80% من إجمالي وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا بواقع (50% و30%) على الترتيب،
وبلغت فاتورة واردات القمح 4.2 مليارات دولار، وفق بيانات حديثة صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، كذلك تستورد البلاد 80% من احتياجاتها من الفول الذي يمثل وجبة رئيسية للكثير من المصريين. ويعد “بريكس” من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، ويضم في عضويته كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وكلمة “بريكس” (BRICS) بالإنجليزية هي اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول. وتشكّل دول المجموعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية،
وتهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع جي 7” (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية. وتكشف الأرقام الصادرة عن “بريكس” عن تفوقها لأول مرة على “جي 7” فقد وصلت مساهمة الأولى في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة الأخيرة عند 30.7%، وتنتج الدول الأعضاء به أكثر من ثلث إنتاج الحبوب بالعالم.
أن الحديث عن كسر هيمنة الدولار وتغيير المعادلات الاقتصادية العالمية غير وارد لأن انهيار العملة الأميركية يعني انهيار اقتصاديات الدول العظمى، كما أن 60% من احتياطي العالم وكل الأصول المملوكة للدول مقومة بالدولار “فقد يحتاج العالم إلى حرب عالمية ثالثة تتلقى فيها الولايات المتحدة هزيمة كبرى حتى يمكن البدء في تغيير النظام الاقتصادي العالمي”.
أوكرانيا تنتج مواد غذائية قادرة على تغذية 400 مليون شخص، وتعتبر من أكبر دول العالم تصديرا للقمح وكذلك زيت عباد الشمس، وفي تلك الفترة كانت أوكرانيا تصدر ما مجموعه 5 ملايين طن من الحبوب والبذور الزيتية خلال الشهر الواحد عبر البحر الأسود.
فإن الصين تصدرت الدول التي استوردت القمح بأكثر من 7.96 ملايين طن، وهو ما يعادل ربع الكمية التي تم تصديرها طيلة مدة الاتفاق، ثم تأتي إسبانيا في المركز الثاني بنحو 5.98 ملايين طن، ثم تركيا بنحو 3.24 ملايين طن ثم إيطاليا بنحو 2.1 مليون طن، وهولندا بـ2 مليون طن، ثم مصر بنحو 1.55 مليون طن. أن الحكومة اشترت 3.44 ملايين طن من القمح المحلي. ونجحت الحكومة نهاية الموسم الماضي في شراء نحو 4.2 ملايين طن من القمح المحلي، أقل من الكمية المستهدفة وهي 6 ملايين. وتستورد مصر نحو 50% من احتياجاتها من القمح من الخارج، خاصة روسيا وأوكرانيا، وتستهلك نحو 20 مليون طن سنويا، وتستخدم نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعم على بطاقات التموين لنحو 71 مليون مواطن.
وقد بلغت مخصصات شراء القمح المحلي 45 مليار جنيه (نحو 1.5 مليار دولار) بزيادة أكثر من 19 مليار جنيه عن العام الماضي، بينما بلغت فاتورة واردات القمح من الخارج 4.2 مليارات دولار العام الماضي، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
وتحرص مصر على تأمين احتياجاتها الغذائية الأساسية من الخارج في بلد يكتظ بأكثر من 105 ملايين نسمة، ويرزح نحو 30% منهم تحت خط الفقر.