دور النقل البحري والنهري في حل مشكلة الزحام المروري
نشرت بواسطة:
كتب /د. عادل عامر
يعتبر قطاع النقل أحد أهم قطاعات التنمية الشاملة في أي من الدول المتقدمة ، و يعتبر تخطيط النقل داخل المدن ( أو ما يسمى اصطلاحا بالنقل الحضري ) قضية متعددة الجوانب وينظر إليه على اعتباره جزء لا يتجزأ من عملية التخطيط الحضري ككل لارتباطه الوثيق بالتكوين العمراني واستعمالات الأراضي التي تعتبر أحد أهم العوامل المولدة للرحلات .
ويعد الارتقاء بمستوى قطاع النقل والمواصلات في وقتنا الحاضر أحد المعايير أو المؤشرات الدالة على مستوى التنمية العمرانية والتطور الحضري حيث يتم قياس تقدم الدول بتقدم وسائل ونظم النقل فيها وذلك بموجب العلاقة التكاملية فيما بينه وبين جميع القطاعات التنموية الأخرى ، خاصة إذا ما ارتبط بوجود أنظمة النقل المتطورة القائمة على تطبيقات تكنولوجية وأنظمة ذكية وحديثة
خصصت وزارة النقل المصرية حوالي 4 مليارات جنيه مصري (130 مليون دولار) لمشاريع النقل النهري الجديدة، كجزء من حملة الحكومة التي تسعى من خلال عمل شبكة نقل ومواصلات في نهر النيل من أجل تخفيف الازدحام المروري على طرق البلاد، وخفض تكاليف النقل، مع الدور الفعال في تلك الخطوة في تقليل التلوث.
يمكن لسفينة واحدة نقل كميات كبيرة من البضائع – ما يعادل حمولة مئات الشاحنات الكبيرة، علاوة على ذلك، يسهل النقل النهري الاتصالات مع الدول الأفريقية الأخرى، ولا سيما البلدان غير الساحلية وتلك البلدان الواقعة في حوض النيل.
فعلى المستوى الاقتصادي يكوّن عنصر النقل الوسيلة اللازمة لربط عناصر ومناطق الإنتاج فيما بينها من خلال نقل الأفراد والبضائع والسلع والمواد الأولية، ومن الناحية الاجتماعية تعتبر نظم النقل والمواصلات بمثابة الرابط الاجتماعي فيما بين الأفراد في المجتمع خاصة مع الامتداد العمراني الكبير للمدن العربية وغيرها الذي أدى إلى البعد بين أفراد المجتمع لمسافات طويلة لا يمكن الوصول إليها بالسير على الأقدام
أما على المستوى الحضري والعمراني فتعتبر شبكة الطرق والمواصلات في المدينة بمثابة الشرايين والأوردة التي بموجبها تتغذى كافة مناطق وقطاعات المدينة بما يلزمها للنهوض بكافة الوظائف التي تؤديها المدينة عموما من انتقال المواد والبضائع والسلع والخدمات والسكان من مكان لآخر لتحقيق أغراضهم من العمل والتسوق والترفيه والتعليم وقضاء مصالحهم الشخصية … الخ
وتعتبر المشكلات المترتبة على استخدام وسائل النقل قديمة منذ نشوء أولى المدن في العالم خاصة فيما يتعلق بالآثار الناجمة عن الازدحام المروري والآثار البيئية الناتجة عن التلوث والضوضاء ..الخ
وتتجلى الوظيفة الأساسية للنقل في أنه يوفر حلقة الوصل بين البيت ومقر العمل والمدرسة أو الجامعة أيضا إضافة إلى رحلات التواصل الاجتماعي بين الناس والتسوق والتنزه وأسباب أخرى كثيرة توجب النقل ، وقد وجد ان اكثر من 50% من الرحلات داخل المدن هي رحلات تتعلق بالعمل وتتطلب حركة الناس هذه وجود وسائل ونظم نقل من طرق وحافلات وغيرها من وسائل النقل العام لتسهيل هذه الحركة وتحقيقها على افضل وجه
يعتبر النقل المائي من أقدم أنواع النقل التي استخدمها الإنسان من خلال مجاري الأنهار والبحيرات المتوفرة بصورة طبيعية وبشكل كبير وبالتالي استعملها الإنسان في التنقل ولمسافات طوال خاصة وأنها غير مكلفة اقتصاديا ولا تحتاج إلى جهد كبير عند استخدام الزوارق الخشبية في الأنهار بالرغم من أشكالها البدائية .وبعد اختراع المحرك البخاري ( كما أسلفنا سابقا ) كانت نقطة التحول الكبرى في صناعة النقل المائي حيث تم صنع السفن ذات المحركات البخارية ، وهكذا تواصلت وتطورت صناعة السفن على اختلاف أنواعها حتى وصلت قدرة بعض السفن إلى نقل ( 2-3 ) ملايين طن من البضائع . ومما زاد من عملية الاهتمام باستخدام النقل المائي هو الانخفاض الكبير في كلفته الاقتصادية كما ذكرنا خاصة في مجال نقل البضائع التي يتم انتقالها لمسافات بعيدة وخاصة النقل العابر للقارات .
يجب توفير شروط الصحة والسلامة العامة في أنظمة النقل العام في المدن ، حيث يجب تصميم وتشغيل نظم النقل بطريقة غير مضرة بالصحة العامة ( البدنية والعقلية ) وتحقق الرفاهية الاجتماعية والسلامة لجميع الناس وتحسين نوعية الحياة في المجتمع .
تساهم الأنشطة البشرية في تدمير الموارد الطبيعية أو استهلاكها بمعدلات تفوق قدرة الطبيعة على إعادة تجديدها أو استبدالها ، كما تزيد الضغط على البيئة وقدرتها المحدودة في استيعاب النفايات ، وفي هذا المجال لا بد من بذل الجهود نحو تطوير نظم نقل تتقيد بالاعتبارات البيئية التالية :
1- التأكد من أن معدل استخدام الموارد المتجددة لا تتجاوز معدلات تجديدها ، واستخدام الموارد المتجددة ضمن الحد الأدنى .
2- منع التلوث : حيث يجب سد احتياجات النقل دون توليد الانبعاثات التي تهدد الصحة العامة ، والمناخ العالمي ، والتنوع البيولوجي وسلامة العمليات الإيكولوجية الأساسية .
3- الحد من النفايات : وذلك عن طريق تقليل الانبعاثات والمخلفات والملوثات السطحية (المياه العذبة والمالحة والمياه الجوفية) خاصة المتعلقة بالنقل الجوي ، إضافة إلى الحد من النفايات المتولدة من تغيير وسائل النقل والمركبات والسفن المنتهية الخدمة أو المتوقفة عن العمل واستبدالها بجيل جديد والبنى التحتية المتعلقة بها ، وذلك عن طريق خفض عمليات التغيير وإعادة استخدامها أوإعادة تدويرها .
4- ضمان وجود إدارة طوارئ ضمن مكونات نظم النقل المعمول بها من أجل الاستجابة لأية حوادث ممكن أن تؤدي إلى كوارث بيئية ( مثل تسرب النفط من إحدى الناقلات العملاقة في البحر ) وغيرها من الحوادث ذات الصلة .
5- الحد من استهلاك الوقود الأحفوري والتقليل من الانبعاثات من خلال كفاءة إدارة الطلب .
6- يجب مواكبة التطور والبحث العلمي للتكنولوجيات البديلة المبتكرة التي تساعد على تحسين كفاءة النقل وحماية البيئة وتشجيع استخدام الطاقة البديلة والمتجددة .
يقع على عاتق صناع القرار في عملية تخطيط النقل مسؤولية التخطيط الذي يتضمن النظم والحلول المستدامة والمتكاملة فيما بينها ، وليس مجرد حلول أو نظم جزئية أو مؤقته ، وذلك من خلال الخطوات التالية :
1. ضمان عملية التنسيق بين جميع الجهات من القطاعين العام والخاص وأصحاب المصلحة في تخطيط وتنفيذ وتشغيل أنظمة النقل ، كما ينبغي أن تتكامل القرارات المتعلقة بالنقل مع البيئة ، والصحة ، والطاقة ، واستعمالات الأراضي في المناطق الحضرية .
2. جعل القرارات المتعلقة بعملية النقل مفتوحة وشاملة ، وإطلاع الجمهور على خيارات النقل والآثار المترتبة عليها ، وتشجيعهم على المشاركة في صنع القرار من أجل ضمان تلبية الاحتياجات المختلفة للمجتمع ( كالقيام بمقابلات شخصية في المناطق الريفية والمناطق الحضرية ، مقابلات سائقي الدراجات ، وغير ذلك) .
3. التنبؤات المستقبلية للآثار الاجتماعية أو البيئية المتوقعة الحدوث من جراء استخدام وسائل النقل وإعداد القرارات اللازمة لذلك ، بدلا من محاولة التصدي لها بعد حدوثها، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى توفير الكثير من التكاليف لأن القرارات المتعلقة بالنقل غالبا ما تنطوي على تكاليف مادية كبيرة وطويلة الأجل في استثمارات البنية الأساسية .
4. النظر في كل الآثار العالمية والمحلية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المترتبة على القرارات المتعلقة بعملية تخطيط النقل ، وذلك حسب مستوى عملية تخطيط النقل وغاياتها .
5. تركيز النمو والحد من الزحف الحضري ، وتوفير المزيد من التوزيع المتجانس لاستعمالات الأراضي في المناطق الحضرية ، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل الطلب على النقل خاصة بالنسبة لرحلات السيارات الخاصة ، وذلك عن طريق إمكانية جعل بداية ونهاية الرحلة محصورة بنفس المنطقة ، وذلك من خلال تخطيط نظم النقل التي تحقق الكفاءة في استخدام الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى .
6. تصميم أنظمة نقل يتوفر فيها طرقا للمشاة والدراجات في المناطق الحضرية ، إضافة إلى توفير بدائل للسيارات الخاصة بوسائل نقل عام جذابة وآمنة .
7. دمج وسائط النقل ، سواء للمسافرين أو البضائع ، من أجل زيادة كفاءة حركة السلع ، إضافة إلى توفير مجموعة واسعة من خيارات النقل .
8. المحافظة على المواقع التاريخية والأثرية ، والحد من الضوضاء والتلوث السمعي ، عند تخطيط وتصميم وبناء شبكات النقل .
9. إعطاء الأولوية للاعتبارات البيئية في عملية التخطيط للحد من التلوث البيئي وخفض تأثير وسائل النقل على البيئة ، والتقيد بشروط الحفاظ على التنوع البيولوجي .
2023-08-27