كتب /الدكتور عادل عامر
يلعب قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر دورا كبيرا في تحقيق وتفعيل خطة الدولة لتشييد استراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر ٢٠٣٠)، وذلك للنهوض بالاقتصاد الوطني والمشاركة في التنمية والمساهمة في مواجهة البطالة.
وعلى ذلك تشكل مثل هذه المشروعات المتوسطة والصغيرة طوق النجاة أو عنق زجاجة بالنسبة لاقتصاديات الدول النامية والمتقدمة على السواء بصفة عامة واقتصاد جمهورية مصر العربية بصفة خاصة، وذلك للانطلاق نحو النمو وتحقيق فائض يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
وتدور الكثير من التوقعات الرسمية وغير الرسمية حول اعتبار أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة ستكون قاطرة للنمو الاقتصادي في الدولة المصرية في العقود القادمة. ويتجلى دور هذه المؤسسات في خلق الوظائف ومكافحة البطالة،
وللاستفادة القصوى من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يوجد تعاون بين جميع الجهات والوزارات وجهاز تنمية المشروعات لتحقيق طفرة متكاملة في هذا القطاع الحيوي من خلال وضع حلول متكاملة وتقديم المزيد من التيسيرات والخدمات وإتاحة البيئة الداعمة لتحفيز الشباب على العمل الحر.
ويعد إقامة مشروعات صغيرة ومتناهية في الصغر تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق مستقبل أفضل للشباب ملاذ يقوم على الابتكار والمعرفة، وذلك كله لكي يصبح قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر محركا رئيسيا لعملية التحول الاقتصادي والاجتماعي في مصر.
إن معدل النمو للإناث في سوق العمل يتجاوز 4% سنويا وذلك لإقبالهن على التعليم وزيادة استعدادهن للعمل قدرة وبحثا عنه وما يتولد عليه من زيادة مشاركتهن في النشاط الاقتصادي. وخلال الفترة الماضية زادت معدلات مشاركة الإناث في النشاط الاقتصادي من 22% إلى 26.6%. ومع ذلك تبقى معدلات المساهمة هذه من أدنى المعدلات في المنطقة مقارنة بمناطق العالم الأخرى.
والحقيقة أن الدولة -ممثلة في وزارة الصناعة والتجارة وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة- لا تألو جهدا في تقديم الدعم المالي لكل أنواع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر الجديدة والقائمة سواء كانت صناعية أو تجارية أو خدمية أو حرفية،
وكذلك مشروعات الثروة الحيوانية والسمكية والداجنة كما تعمل على تيسير كافة العقبات للمشروعات الصغيرة لتصل للمنافسة بالأسواق المحلية والعالمية، حيث تقدم حزمة متنوعة من المنتجات التمويلية المختلفة بأسعار عائد تنافسية لتلبية احتياجات كافة شرائح العملاء من أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
إلى أن ظاهرة البطالة بدأت تظهر وتتنامى بين خريجي التعليم والتدريب المهني والتقني مما حفز بعضَ الدولة المصرية على مراجعة منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني وتطوير استراتيجياته وسياساته بهدف التأثير في العمالة بما يتطلبه ذلك من برامج تدريب متنوعة المدة ومرتبطة بحاجات الإنتاج والشركات، وبذل جهود لتطوير برامج التعليم والتدريب المهني والتقني لتكون مخرجاته أفضل من حيث المواءمة مع احتياجات سوق العمل ومتطلباته.
هذا وقد تم استحداث منتجات جديدة منها تمويل رأسمال المخاطر ورأس مال تمويل توسعات المشروعات واللذين يعملان -سواء من خلال صناديق استثمار رأس المال المخاطر أو رأس مال تمويل التوسعات أو شركات رأس المال المخاطر.
ونظرًا لأهمية دور ريادة الأعمال، وبما يتماشى مع خطة الجهاز في نشر وتشجيع ثقافة ريادة الأعمال والبحث والإبداع والابتكار، حيث يتم تنفيذ عدة برامج تدريبية وورش عمل، وتهدف إلى تأهيل رواد الأعمال لاكتشاف قدراتهم في كيفية توليد وتحديد أفكار للمشروعات وإدارتها.
– تعتمد المشاريع الصغيرة والمتوسطة على العمالة المكثفة، وتميل إلى توزيع الدخل بصورة أكثر عدالة مقارنة بالمؤسسات الكبيرة، فهي تلعب دورا مهما في خلق فرص الاستخدام بما يخفف من حدة الفقر إذ أنها كثيرا ما توفر فرص عمل مقابل أجور معقولة للعمال من الأسر الفقيرة والنساء اللاتي يفتقرن إلى المصادر البديلة للدخل.
– تسهم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في رفع كفاءة تخصيص الموارد في الدولة ، فهي تميل إلى تبني الأساليب الإنتاجية كثيفة العمالة بما يعكس وضع تلك من حيث وفرة قوة العمل وندرة رأس المال. وكلما توسع نشاط تلك المشاريع في الأسواق غير الرسمية أصبحت أسعار عوامل الإنتاج والمنتجات التي تتعامل بها تعكس بصورة أفضل تكاليف الفرص البديلة مقارنة بالأسعار التي تتعامل بها المشاريع الكبيرة.
وعززت العديد من الحكومات والبنوك المركزية الوطنية دور المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، من خلال تنفيذ استراتيجيات تنمية طموحات تهدف إلى دعم الصناعة وتوفير وتطوير المنتجات المحلية وزيادة مساهمتها في دعم الصادرات والمنافسة في الأسواق الخارجية،
وذلك من خلال تعزيز دور المصارف في دعم وتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وطرحت البنوك المركزية العديد من المبادرات التي ساعدت في تيسير الحصول على التمويل المطلوب.
تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بناء القدرات الإنتاجية الشاملة، فهي تساعد على استيعاب الموارد الإنتاجية على مستويات الاقتصاد كافة، وتسهم في إرساء أنظمة اقتصادية تتسم بالديناميكية والمرونة تترابط فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي تنتشر في حيز جغرافي أوسع من المشاريع الكبيرة، وتدعم تطور ونمو روح المبادرة ومهاراتها وتساعد على تقليص الفجوات التنموية بين الحواضر والأرياف.
– كما أن سرعة التطور التكنولوجي أدت إلى زيادة معدل تغير التقنية الإنتاجية المستخدمة في العديد من الصناعات، وبانتشار طريقة الإنتاج على دفعات أصبح من الأهمية إقامة مصانع أصغر حجما وأقل تكلفة استثمارية على أن يركز كل مصنع في إنتاج عدد قليل من السلع الدقيقة أو التي تتطلبها صناعات معينة لمواجهة طلبيات صغيرة من سلع أو خدمات معينة.
وتتجه البنوك في إطار خطة التنمية المستدامة ٢٠٣٠، نحو التوسع في التمويل الأخضر، وخاصة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، لما له من أثر في تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة. وإذا كان هناك تشريع متكامل لتنظيم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر هو القانون رقم ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠ ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار السيد الدكتور/ مصطفى مدبولي رقم ٦٥٤ لسنة ٢٠٢١، إلا أن البيئة التشريعية التي تحيا فيها مثل هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة ما زالت في حاجة إلى إجراء المزيد من التعديلات ليس فقط على القانون المطبق على المشروعات المتوسطة والصغيرة وإنما أيضا على بعض القوانين ذات الصلة.
علاوة على دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تمثل جزءا كبيرا من قطاع الإنتاج في مختلف الدول سواء المتقدمة أو النامية، وتولي دولا عديدة اهتماما خاصا بها، فعلى سبيل المثال تعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة مفتاح التنمية في جمهورية الهند وقد أولتها دعما متميزا حتى أطلق عليها بالابن المدلّل للحكومة، وتقدم المشاريع الصغيرة والمتوسطة العديد من المميزات التي يمكن تلخيصها بالآتي:
– سهولة تأسيسها نظرا لعدم حاجتها إلى رأس مال كبير أو تكنولوجيا متطورة، إضافة إلى قدرتها على الإنتاج والعمل في مجالات التنمية الصناعية والاقتصادية المختلفة.
– توفير فرص عمل وبكلفة استثمارية منخفضة وذلك لطبيعة الفن الإنتاجي المستخدم حيث أسلوب الإنتاج كثيف العمل خفيف رأس المال، فضلا عن تواضع مؤهلات العمالة المطلوبة مما يعزز دورها في امتصاص البطالة التي في الأغلب تتصف بتدني مستواها التعليمي والمهني وخاصة في البلدان النامية.
– نشر القيم الصناعية الإيجابية في المجتمع من خلال تنمية وتطوير المهارات لبعض الحرف والمهارات.
– استغلال مدخرات المواطنين والاستفادة منها في الميادين الاستثمارية المختلفة، بدلا من تبذير هذه المدخرات في الاستهلاك.
– تغطية الطلب المحلي على المنتجات التي يصعب إقامة صناعات كبيرة لإنتاجها لضيق نطاق السوق المحلية نتيجة لانخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي أو لمحدودية حجم التراكم الرأسمالي وخاصة في الدول النامية.
– تعد هذه المشاريع صناعات مغذية لغيرها من الصناعات ولها دورها في توسيع قاعدة الإنتاج المحلي، حيث تساهم في تلبية بعض من احتياجات الصناعات الكبيرة سواء بالمواد الأولية أو الاحتياطية، بالإضافة إلى قدرة هذه المشاريع على الاستفادة من مخلفات الصناعات الكبيرة.
– لا يحتاج العاملون إلى مستويات عالية من التدريب للعمل في هذه المشاريع لبساطة التكنولوجيا المستخدمة.
– توفر منتجات هذه المشاريع جزءا هاما من احتياجات السوق المحلي، مما يقلل من الاستيراد.
– توفير العملة الصعبة من خلال تعويض الاستيراد والمساهمة في التصدير في أحيان كثيرة.
وتتعدد مصادر تمويل مثل هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة فهناك التمويل عن طريق البنوك وعن طريق صناديق استثمار رأس المال المخاطر وشركات رأس المال المخاطر. وعلى الرغم من تعدد مصادر التمويل، إلا ان المشاكل المرتبطة بهذا التمويل كثيرة ومتعددة.
والحقيقة أن المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر تأتى في قلب البعد الاقتصادي للتنمية المستدامة والتي تعكسها رؤية مصر ٢٠٣٠. وللوقوف على دور المشروعات المتوسطة والصغيرة في تحقيق التنمية المستدامة، والمشكلات التي تعوق لعب هذا الدور والحلول المناسبة لهذه المشكلات،
نقول تُعد المشروعات الصغيرة قاطرة تنمية لأى اقتصاد ، إذ يمکن للمشروعات الصغيرة ان تساعد في التحول من اقتصاد متخلف إلى اقتصاد صناعي متقدم ، وذلک من خلال تشکيلها للقاعدة التي انبثقت منها المؤسسات الاقتصادية الكبرى ، فيمکنها أن تشکل قوة تنموية هائلة في الاقتصاد الوطني لأية دولة في العالم ويمکن أن تؤدى دوراً هاماً في توفير فرص تشغيل لقوة العمل المتنامية ، وتساعد على التخفيف من حدة البطالة.؛
تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة بعض المشاكل والصعوبات التي تحد من قدرتها على العمل ومساهمتها في دفع عجلة النمو الاقتصادي. وتتمثل أهم هذه الصعوبات فيما يلي:
•صعوبات تسويقية وإدارية، مثل انخفاض الإمكانيات المالية، عدم وجود منافذ تسويقية منتظمة لتعريف المستهلك المحلي والخارجي بمنتجات وخدمات هذه المشاريع، تفضيل المستهلك المحلي للمنتجات الأجنبية المماثلة، عدم توفر الحوافز الكافية للمنتجات المحلية، عدم إتباع الأساليب الحديثة في الإدارة ونقص المعلومات والإحصاءات المتاحة لدى هذه المشاريع خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات المنافسة وشروط ومواصفات السلع المنتجة وأنظمة ولوائح العمل والتأمينات الاجتماعية وغير ذلك من البيانات والإحصاءات اللازمة لتسيير أعمالها على الوجه المستهدف.
• صعوبات فنية، عادة ما تعتمد هذه المشاريع كما سبق القول على قدرات وخبرات أصحابها في العمل بصفة رئيسية، كما أنها تلجأ عادة إلى استخدام أجهزة ومعدات قد تكون بدائية أو أقل تطورا عن تلك المستخدمة في المؤسسات الكبيرة، أو لا تتبع أساليب الصيانة أو الأساليب الإنتاجية المتطورة التي تساعدها على تحسين جودة منتجاتها بما يتماشى مع المواصفات العالمية في الأسواق الدولية. كما أن اختيار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج اللازمة لأعمال هذه المؤسسات قد لا يخضع لمعايير فنية وهندسية مدروسة.
• صعوبات تمويلية، حدود الإمكانيات المالية، نظرا لاعتمادها على التمويل الذاتي في غالب الأحيان، وتردد بعض المصارف التجارية في منح هذه المؤسسات قروضا ائتمانية متوسطة أو طويلة الأجل ما لم تقدم تلك المؤسسات ضمانات، لانخفاض مدة الائتمان أو لعدم كفايته وغيرها من العوائق.
وتأتي الضمانات في مقدمة الأولويات الائتمانية لمؤسسات التمويل في الدول العربية عند منحها التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقد أثبتت دراسة ميدانية في مصر أن الصندوق الاجتماعي للتنمية والبنوك يعتمدان في تحديد القدرة الائتمانية للمشروع على مجموعة من العناصر الائتمانية تأتي في مقدمتها الضمانات بنسبة 92%، فالمقدرة على السداد بنسبة 4%، فطبيعة المشروع بنسبة 2%، فالمركز المالي بنسبة 1.5% فالشخصية أو السمعة بنسبة 0.5%.
ويمكن إرجاع إشكالية التمويل في الدولة إلى: ضعف نطاق التمويل المتاح، ضعف الاهتمام بدراسات الجدوى، التركيز على الضمانات، طول مدة الإجراءات، افتقار مؤسسات التمويل إلى الخبرات المتعلقة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سياسة سعر الفائدة، ضعف نظام الرقابة والمتابعة، افتقار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى الخبرات اللازمة لنشاطهم.
لذا ينصح عادة في هذه الحالات استحداث قسم تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في البنوك التجارية يهدف إلى توسيع دائرة المستفيدين من برامج الدعم والتمويل التي يقدمها المصرف لخدمة المجتمع وتلبية احتياجات العملاء، والتوجه نحو شريحة أكبر من الشباب والشابات الجادين في تطوير ذاتهم والذين لديهم طموح في إقامة مشاريع صغيرة ويفتقرون في ذات الوقت إلى مصادر الدعم اللازمة للبدء فيها، ومساندتهم إداريا في إقامة هذه المشاريع. ومن أهم وظائفه:
– مساعدة الشباب المستثمرين وأصحاب المشاريع في تأسيس أعمالهم الخاصة، وتنمية وصقل المهارات الموجودة في المشارك والتي تؤهله لأن يكون صاحب عمل ناجح.
– توجيه المستثمرين الناشئين نحو أفضل الفرص الاستثمارية المتاحة لهم وتقييم حاجة السوق لذلك النشاط، وتعليمهم السيطرة بشكل أكبر على مواردهم المالية.
– زيادة حجم التمويل وتنويع آلياته وذلك بالتنسيق لتقديم التمويل المناسب والقروض المتوسطة وطويلة الأجل لقيام المشاريع، وتقديم فترات سماح إعادة السداد طويلة نسبيا.
– إتاحة فرصة أكبر لنمو قاعدة جديدة من صغار رجال وسيدات الأعمال وتوسيع مساحة تواجدهم في أنشطة الاقتصاد الوطني.
– تشجيع قيام مشاريع صغيرة إنتاجية وخدمية، تكون دعامة ومغذية لما هو قائم من مشاريع كبيرة.
– توفير فرص عمل متجددة للشباب والشابات.
– توعية المستثمرين الناشئين بالتطورات المؤثرة في مجالات أعمالهم وتقديم الاستشارات الخاصة بذلك.
ومما لا شك فيه أن توفير التمويل اللازم لتلك المشاريع من شأنه العمل على توفير عملات أجنبية والمساهمة في توسيع قاعدة المتعاملين مع المصارف وإحداث تغيير نوعي في القرار الائتماني للمصارف..
وبالإضافة إلى الصعوبات السابقة، التي تبرز تصنيف وظيفي، يمكن النظر أيضا في جملة من العوامل المحيطة والملازمة لهذه المشروعات والتي تساهم فرادى أو مجتمعة في إفشالها