دور الإعلام الغير رسمي في تعزيز الانتماء للشعوب

كتب/ د.عادل عامر

في ظل التحديات الحالية، والأزمات العالمية المتفجرة، كثيراً ما يغرد إعلاميون بعيداً عن السرب، بتناول قضايا قد لا تهم كثيراً الشارع، أو المدينة والدولة، المنتجة له، فيكون الاهتمام منصباً بعيداً، بإثارة الكثير من القضايا، التي لا تهم شرائح بعينها، هي أكثر حاجة وإلحاحاً، منها الشباب والمرأة، والرؤى المجتمعية، والقضايا البيئية، وتقديم الحلول لها، وقضايا التربية. في المقابل، يكون التركيز أحياناً على قضايا هامشية، لشرائح متعددة، فمتى يصبح الإعلام مرآة حقيقية للشعوب؟ ومتى يسهم بحق في دفع العجلة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وتحقيق الرؤى الوطنية. ومتى يكون الإعلام داعماً للسياسي في اتخاذ قراراته، ويتلاحم مع الأهداف السامية، التي تسعى إلى تحقيقها الشعوب؟

شهدت هذه المرحلة ما عرف في أدبيات علم السياسة بعقد الركود السياسي لمصر أو كما روج له نظام مبارك بالاستقرار، ولكن بالرغم من ذلك كان قطاع الإعلام، إلى جانب الاقتصاد، من أكثر المجالات ديناميكية، خاصة مع تطور التكنولوجيا وحتمية تطوير البنية التحتية الاتصالية اللازمة لجذب المستثمرين، إلى جانب حرص النظام السياسي على الحفاظ على الريادة الإعلامية، بما أضاف لمنظومة الإعلام الخاص نوعًا من السيرورة الذاتية خارج منظومة الإعلام التابع للدولة أو التابع للأحزاب وأيديولوجياتها. وشهدت هذه الفترة في أدبيات التحول الديموقراطي جدلاً علميًا شديدًا –لم يحسم حتى اليوم- بين أنصار فرضية حتمية الحرية أي أن الحريات الإعلامية والتطور التكنولوجي المتزايد سوف تؤدي لمزيد من الحريات وبين أنصار الفرضية النقدية المقابلة لها، التي ترى أن الحريات الإعلامية مجرد وسيلة للتنفيس وإلهاء الشعب عن القضايا الحقيقية وأن العالم الافتراضي سيظل مغلقًا على ذاته، وأن الحريات محدودة التأثير لا تساهم في صناعة وعي نقدي،

وتزامن ذلك حينها مع ظهور مجالات جديدة حرة على الإنترنت سواء على المدونات أو مواقع التواصل الاجتماعي، لم يعرها نظام مبارك اهتمامًا يذكر على غرار عبارة مبارك الشهيرة: “خليهم يتسلوا

“.تشكل المعطيات الاقتصادية لصناعة الإعلام إلى جانب الملكية والسلطة السياسية الوجه الآخر من الاقتصاد السياسي للإعلام، ففي مصر نرى أزمة اقتصادية واحدة مع ازدواجية أنماط الإنتاج الإعلامي، وبصفة عامة تخيم روح الأزمة والإحساس بعدم اليقين على الصحافة الخاصة والعاملين بها تحديدًا، فقد أشار المقال في بدايته إلى ازدواجية البنية الاقتصادية لإنتاج المحتوى الإعلامي في البيئة الراهنة ما بين مؤسسات مملوكة للدولة ومؤسسات خاصة، يتضح الفارق بين مواجهة مصيريهما، ففي حين لا تواجه المؤسسات القومية خطرًا يهدد وجودها حتى الآن لارتفاع التكلفة السياسية والاجتماعية لأي إجراء ضد العاملين بها، برغم من ارتفاع فاتورتها وأزمتها الاقتصادية الطاحنة والترهل الإداري وغياب الإدارة الرشيدة لعقود،

يواجه الإعلام الخاص وحده التحديات المالية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية وانكماش السوق الصحفية في مصر والعالم، وانصراف الشرائح العمرية الشابة إلى الوسائل غير المطبوعة، مع اتجاه المعلنين لوسائط أخرى وتراجع المبيعات وارتفاع أسعار المواد الخام، خاصة مع تحرير سعر صرف الجنيه نوفمبر 2016 بما أثر بشكل مباشر على أسعار الورق والأحبار. إن الشعور بالانتماء للأهل والجماعة والوطن عملية لا تتأتى بالتعليمات والتوجيهات والنصائح ولا تأتي كذلك بالإغراء والترهيب وإنما هي عملية مستمرة تشبه عملية التربية تماماً من حيث الاستمرارية

والعناصر المكونة له بل هي نتاج من نواتج التربية والإنسان بطبعه يولد ومن حوله والداه وإخوانه وبقية أفراد العائلة والجيران وبقية أعضاء الحي أو القبيلة وكل منهم يشبع بطريق أو بأخرى حاجات ومتطلبات ذلك الإنسان وبالتالي فإن الانتماء (وهو ذلك الشعور والسلوك والمعتقد الذي يمتلك الشخص نحو بيئته ومن حوله ووطنه وإيمانه بهم وتوحده معهم) يتشكل بداية مع تحقيق الحاجات الأساسية للطفل من مأكل ومشرب وملبس ثم من توفير الحنان والعطف وكذلك وسائل الترفيه واللعب مع الأقران وكذلك الأمان الجسدي والنفسي وغير ذلك مما يسميه علماء الطفولة وعلماء النفس بصورة عامة وسائل وعوامل ووسائط التنشئة الاجتماعية، ولذلك فلا غرابة أن نجد الكثير من الناس في شعوب العالم المختلفة يتشربون قيم المواطنة مع تحقيق الحاجات الأساسية لهم كأطفال وتنمو معهم هذه القيم بنموهم على مدى العمر بل وتقوم كثير من الدول بالتخطيط لغرس مفاهيم المواطنة للمواطنين مع مراحل النمو المبكرة ومن خلال الأسرة والمدرسة بشكل مخطط له ومدروس ومتابع.

ويجب أن نعلم أن المحافظة على المفاهيم الإيجابية للمواطنة ترتبط كذلك مع تقدم العمر بتحقيق بعض الحاجات النفسية والاجتماعية مثل تحقيق الذات والطموح في الحياة وكذلك العدالة الاجتماعية والمشاركة في القرارات التي تخص أصحاب الشأن وكذلك توفير قدر كافٍ من الحرية الشخصية والاجتماعية والدينية والتأمين على المستقبل وغيرها من الحاجات الأساسية التي تنمو مع نمو الإنسان، وحين نلحظ مدى توفر مثل هذه الحاجات وبخاصة الأساسية منها في أي بلد فإنا نجد انتماءً عالياً كما يذكر المثل (بلدك هو محل مصدر رزقك) ولذلك فإننا نجد كثيراً من البشر الذين لا يجدون تحقيقاً لرزقهم في بلادهم فإنهم يهجرونها إلى بلدان أخرى يتوفر فيها تحقيق مثل هذه الحاجات وعلى سبيل المثال أمريكا وأوروبا.

وهكذا يمكننا أن نخلص إلى أن عوامل ومكونات تعزيز الولاء والمواطنة تقترن بعدة عوامل:

1) بيولوجية وترتبط بالوراثة والنسل ومكان ولادة الشخص فهي أساس قوي وأرضية متينة للولاء والمواطنة التي تتشكل كثير من ولاءات الشعوب على ضوئها كما أنها مرتبطة كذلك بتوفير الحاجات البيولوجية من أكل وشرب وجنس وغيرها.

2) نفسية وترتبط بالرعاية والحب وتوفير الأمان والحماية والتقدير.

3) اجتماعية وترتبط بتحقيق التواصل والتماسك والتآزر والتضامن.

4) دينية وروحية وتشمل توفير قدر كافٍ من الحرية لممارسة الشعائر والمعتقدات الدينية.

5) سياسية واقتصادية وتشمل توفير الفرص الكافية لممارسة التجارة والتعبير السياسي بخصوص قضايا الشخص والمجتمع

عوامل تحقيق الولاء والمواطنة وتعزيزها وتقويتها.

إن من أهم عوامل تعزيز الولاء والمواطنة هي التربية بمفهومها الواسع، حيث هي مصدر أساسي في النمو الفكري والشخصي والاجتماعي والسياسي والروحي والبدني والتربية المقصودة (المدرسة) هي الممثل الرئيسي للقيام بمثل هذه المهمة من خلال المعلم والمنهج المدرسي وبيئة المدرسة والنشاطات اللا صفية التي تقوم بأدوار مهمة جداً في تعزيز الولاء والمواطنة الحقة والتي تشرك من خلالها الطلاب في المناشط والأعمال المختلفة وكذلك الزيارات للآثار والمكتسبات والموارد والكنوز والمقدرات التي يمتلكها الوطن والتي تجسد تاريخ وهوية الوطن بشكل مادي ومعنوي ملموس. إن مثل هذه العوامل التي تجري داخل المدرسة إذا تم التخطيط لها جيداً وكذلك إذا تمت متابعتها جيداً وتأسست على قناعات بتحقيق الحاجات الأساسية للناس فإنها سوف تأتي أكلها بشكل مناسب ومحقق للأهداف والغايات النبيلة للمواطنة الحقة.

ويأتي كذلك عامل الأسرة وهو عامل ربما يعده بعضهم أهم من أي عامل آخر بحكم أن كلاً منا يولد ويعيش ويتربى داخل الأسرة أولاً وأخيراً بل ويتعلم ويتشرب كثيراً من القيم والعادات والسلوكيات من داخل الأسرة وأنا أتفق مع هذا الرأي ولكن بعد تطور التكنولوجيا بمفرزاتها المختلفة والهائلة مثل الأقمار الصناعية والشبكات العنكبوتية والحاسبات الآلية ووسائل الاتصال المختلفة من جوالات وغيرها فقد تضاءل دور الأسر وضعف بعد الغزو الفضائي والتكنولوجي المنافس للدور الرئيسي للأسرة فضلاً عن السعي اللاهث لأفراد الأسرة للرزق الأساسي والترفيهي مما أدى إلى ما سبق الإشارة إليه وبالتالي تحول العبء الرئيس في نظري إلى المدرسة مع الأمنيات بأن تستعيد الأسرة دورها الحقيقي الذي لا غنى عنه للقيام به تجاه تنشئة الأبناء التنشئة الصحيحة والمساهمة الفاعلة لتنمية وتعزيز دور المواطنة والانتماء.

وهناك أيضاً عوامل مؤثرة أخرى ومهمة في عملية التنشئة الاجتماعية وتعزيز المواطنة والانتماء وهي الإعلام بوسائله المختلفة وكذلك المسجد الذي يؤمه الناس خمس مرات في اليوم ويخطب فيه الأئمة كل يوم جمعة وما دامت هذه المؤسسات المؤثرة رسمية وتخضع لمراقبة ودعم الدولة فإن توجيهاتها وبرمجتها تعد أموراً أسهل مما لو كانت مستقلة أو خاصة.

إنه يتجلى لنا بعد هذا الاستعراض أن عوامل تعزيز المواطنة والانتماء عملية معقدة ومتشابكة وتخضع لعدة اعتبارات ومؤثرات ولا بد لتحقيقها من إجراء الدراسات للوقوف على واقعها ومن ثم تحديد مستواها ووصف الكيفية التي يمكن من خلالها تعزيزها ضمن خطط وبرامج استراتيجية مع التركيز على الشباب في عملية التخطيط بعيد المدى. 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رئيس الوزراء: نسعى بالشراكة مع إحدى المؤسسات العالمية أن يكون مستشفى أورام دار السلام مركزًا على أعلى مستوى

كتبت مني جودت أدلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بتصريحات تليفزيونية، اليوم السبت حيث أشار ...