كتبت سناء جوده
توفيت السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها، في شهر رمضان سنة ٢٠٨ هـ، وأراد زوجها السيد إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق، أن يحملها ليدفنها بالمدينة المنورة، فسأله أهل مصر أن يدفنها عندهم لأجل البركة، وقد امتثل لرغبتهم بعد أن رأى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رؤيا يأمره بذلك.
بدوره يقول الباحث التاريخي عمر محمد الشريف لـ”هرم مصر”، أن المشهد النفيسي ذكره العديد من العلماء والرحالة، ومنهم أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي، المتوفى سنة ٦١١هـ، فذكره ضمن المشاهد التي عند جامع ابن طولون، فقال:”مشهد به قبر نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي رضي الله عنهم”، وكذلك السيد أبو جعفر محمد بن عبد العزيز الإدريسي الحسني، المتوفى سنة ٦٤٩ هـ، حيث ذكر مشهد السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بالخط المعروف قديماً في كتب الخطط بـ”درب السباع”، وبه كان منزلها.
وأضاف أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ رضي الله عنه ـ أوصى حين حضرته الوفاة أن تحمل جنازته إلى منزلها لتشهد الصلاة عليه رجاء بركتها، والدعاء عند ضريحها مُجرب في الإجابة.
وقد ظهرت لها بعد وفاتها كرامات، ورؤيت فيها يدل على فضلها منامات، ومشهدها من أصح المشاهد بحسب وصفه، ولنقيب الأشراف المؤرخ النسابة محمد بن أسعد الجواني في كتاب مشهور في فضل السيدة نفيسة وفضل زيارتها.
ويوضح عمر محمد الشريف، أن خالد بن عيسى البلوي، المتوفى في حدود سنة ٧٦٨ هــ، ذكر في كتابه “المفرق في تحلية علماء المشرق”، أنه شاهد بداخل القاهرة المشهد العظيم مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها، فرأى مسجداً عظيم الاحتفال قائماً في الحسن فيه من الذهب وأنواع الصنعة به يحصره العد ولا يجمع إلا ذلك النضد، ينتهي إليه الداخل بعد ثلاثة أبواب هائلة بديعة بين كل باب فضاء واتساع يجري بينها مياه غزيرة عذبة، وفي قبلة المسجد باب من المسجد حافل فوقه مكتوب بالذهب هذا مشهد السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي رضي الله عنهم.
ويكمل قائلا:”وفي داخله مسجد آخر أصغر منه جرماً، وأتم حسناً، وأعظم إتقانا وصنعة، وفي قبلته باب بديع إلى قبة عجيبة تتوقد ذهباً وتلألأ جمالاً تكل الإفهام، وتحار الأوهام في تخييلها وتمثيلها، فمنها مشتبهات في النقوش، ومؤتلفات ومختلفات في الرقوش، وقد أنارت بالمضاوي أبهاؤها، فتساوي صباحها ومساؤها، وتحت هذه القبة الضريح المبارك حوله من الرخام البديع المجزع الغريب الترصيع، وشبابيك العود البديعة التخريم، وكواكب الفضة والذهب وقناديل التبر الخالص الإبريز، واستار الديباج الغريبة التطريز وسواري الشمع الأبيض المتناهية الغلظ الرائعة الصنعة على قواعد الذهب والفضة، ما يستوقف الأحداق حسناً وجمالاً، ويختبل الأذهان الثاقبة اختبالاً، وتزف ظلاله على المشهد الكريم أموالاً”.
ويضيف عمر محمد الشريف، أنه بحسب المؤرخ المقريزي فإن أول من بنى على قبر السيدة نفيسة هو والي مصر في العصر العباسي عبيد الله بن السري بن الحكم، ثم أُجريت له إبان العصر الفاطمي عمارتان، الأولى في عهد أمير الجيوش بدر الدين الجمالي وكانت سنة (٤٨٢هـ/ ١٠٨٩م)، والثانية في سنة (٥٣٢هـ/ ١١٣٧م)؛ حيث جدد القبة وكسا المحراب بالرخام الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله، وقد بقي من هاتين العمارتين محراب خشبي متنقل محفوظ بمتحف الفن الإسلامي مؤرخ بسنة (٥٣٢هـ/ ۱۱۳۷م)، ثم توالت العمارات على المشهد، ففي عصر المماليك البحرية أنشأ السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة (٧١٤هـ/ ١٣١٤م) جامعاً بالمشهد.
وجدد الأمير عبد الرحمن كتخدا المشهد في العصر العثماني، فكسا باب القبة بالقيشاني، وأنشأ مسجداً ألحق به سبيل، وكان تاريخ هذه العمارة سنة (١١٧٣هـ/ ١٧٥٩م). في العصر الملكي عملت مقصورة من النحاس حول الضريح أمر بعملها عباس باشا الأول سنة (١٢٦٦هـ/ ١٨٥٠م)، وأمر بإنشاء المسجد الحالي على ما هو عليه الآن الخديوي عباس حلمي الثاني؛ وذلك في عام (١٣١٤هـ/ ١٨٩٦م)، وتمت هذه العمارة بإشراف ديوان الأوقاف