وعلى مدار هذه الحرب، التي تشهد تدميرا إسرائيليا ممنهجا، لمنشآت مدنية فلسطينية في غزة، وقتل الآلاف من المدنيين، مايزال الجدل مثارا، حول أين يقف القانون الدولي من هذا الصراع؟ وهل كان محل احترام من الطرفين المتقاتلين أم لا، وقد انصب النقاش الواسع بين الخبراء وغير الخبراء على حد سواء، حول مايعرف بـ “القانون الإنساني الدولي”،
وهو القانون الذي يحكم النزاعات المسلحة، والاحتلال العسكري، وكيف أنه ينطبق تماما على الحرب الدائرة حاليا، بين إسرائيل وحماس في غزة.فإن هذا القانون ملزم لكافة الدول، بما في ذلك إسرائيل، وكذلك هو ملزم للجماعات المسلحة غير الحكومية، المشاركة في النزاعات، مثل “حماس” و “الجهاد الإسلامي”، رغم أنها لايمكنها التصديق رسميا على المعاهدات ذات الصلة، ويذكر الخبراء بأن قواعد القانون لاتخضع للمعاملة بالمثل، أي أنها تطبق في حالة الانتهاكات، بغض النظر عما فعله طرف آخر في النزاع، بمعنى أنه لايمكن تبرير طرف لانتهاكاته، باستهداف المدنيين عمدا، أو فرض عقاب جماعي عليهم، بادعاء أن الطرف الآخر ارتكب انتهاكات مماثلة.
أن مجموعة القوانين المكونة للقانون الإنساني الدولي، تنطوي أيضا على القوانين التي تحكم الاحتلال، أي عندما تمارس دولة سلطة فعليّة، على منطقة ما دون موافقتها، ودون أن يكون لها حق سياديّ عليها، مثل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة، وتنص تلك القوانين على أن دولة الاحتلال، لا تكتسب السيادة على الأراضي المحتلة، وأن سلطة الاحتلال يجب أن تعامل السكان بشكل إنساني، وأن توفر لهم الاحتياجات الغذائية والرعاية الطبية.
القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، موجود بشكل ما منذ آلاف السنين، لكنّ النسخة الحديثة منه منصوص عليها في “اتفاقيات جنيف” لعام 1949، إلى جانب اتفاقيات أخرى، وفي القانون العرفي الدولي.
القانون الإنساني الدولي مُلزم للدول، بما في ذلك إسرائيل، وكذلك الجماعات المسلّحة غير الحكوميّة المشاركة في النزاعات، مثل حماس و”الجهاد الإسلامي”، رغم أنّها لا تستطيع التصديق رسميّا على المعاهدات.
من المهمّ القول إنّ قواعد القانون لا تخضع للمعاملة بالمثل، أي أنّها تنطبق بغض النظر عمّا فعله الطرف الآخر. لا يُمكن أبدا تبرير الانتهاكات – مثل استهداف المدنيين عمدا أو فرض عقاب جماعيّ عليهم – بادّعاء أنّ الطرف الآخر ارتكب انتهاكات، أو أنّ هناك اختلال في موازين القوى أو غير ذلك من المظالم.
تنطبق قوانين الحرب في حالات محدّدة فقط، لا سيما أثناء النزاعات المسلّحة أو الاحتلال، بينما تنطبق قوانين أخرى، وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، في جميع الأوقات، وهي التي تحكم واجبات جميع الدول بحماية حقوق الأشخاص في الأقاليم الخاضعة لولايتها أو تمارس فيها درجة من السيطرة.وفي الوقت الذي نؤكد فيه إن إسرائيل، ارتكبت العديد من الجرائم خلال حرب غزة، ويعددون منها الإبادة الجماعية والتهجير القسري للمدنيين، واستهداف المدارس والمستشفيات، وقطع إمدادات الكهرباء والماء عن الفلسطينيين، في حالة من العقاب الجماعي،.
تتمثل القاعدة الأساسيّة في القانون الإنساني الدولي أثناء النزاعات في أنّ جميع الأطراف ملزمة بالتمييز في كل الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. لا يجوز أبدا استهداف المدنيين والأعيان المدنيّة بالهجمات؛ ويجوز للأطراف المتحاربة فقط استهداف المقاتلين والأعيان العسكريّة.
لا يكفي ببساطة الاكتفاء بقول إنّ المدنيين ليسوا هدافا للهجمات؛ يفرض القانون الإنساني الدولي على أطراف النزاع اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنيّة.
تُحظر أيضا الهجمات التي لا تُفرّق بين المقاتلين والمدنيين أو التي يُتوقع أن تتسبّب في أضرار غير متناسبة للسكّان المدنيين مقارنة بالمكاسب العسكريّة.
بموجب القانون الإنساني الدولي، يجب معاملة أي شخص يتمّ احتجازه، مثل أسرى الحرب، معاملة إنسانيّة، ويُحظر أخذ الرهائن واستخدام الأشخاص كـ”دروع بشريّة”.
تحتلّ إسرائيل الضفّة الغربيّة، بما فيها القدس الشرقيّة، وغزّة، اللتان تشكّل معا الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، منذ 1967.خلافا لما تدّعيه الحكومة الإسرائيليّة، سحب إسرائيل لقواتها البريّة من غزّة في 2005 لم يُنه احتلالها لها.
ذلك لأن إسرائيل حافظت منذ ذلك الحين على سيطرة فعليّة على غزّة، بما في ذلك مياهها الإقليميّة ومجالها الجوّي، وحركة الناس والبضائع، باستثناء حدود غزّة مع مصر، ممّا جعل القطاع سجنا في الهواء الطلق.
وفقا للقانون الإنساني الدولي، يجب على إسرائيل، باعتبارها سلطة الاحتلال، ضمان تلبية الاحتياجات الأساسيّة لسكّان غزّة، مثل الغذاء والماء.
القانون الدولي لحقوق الإنسان يحكم أيضا الواجبات القانونيّة للسلطات الإسرائيلية تجاه سكّان الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، لا سيما في ظلّ طول مدّة الاحتلال.إضافة إلى ذاك، فإنّ حماس والسلطة الفلسطينيّة، بصفتهما السلطات الحاكمة بحكم الأمر الواقع، تتحملان مسؤوليّة حماية حقوق السكان الخاضعين لحكمهما، لكن وظيفتيهما لا تعفي إسرائيل من واجباتها بصفتها سلطة الاحتلال.تُعدّ جرائم الحرب انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب يرتكبها أفراد بقصد إجرامي، أي بشكل متعمّد أو متهوّر. تشمل جرائم الحرب مهاجمة المدنيين عمدا وأخذ الرهائن والعقاب الجماعي.
تُعدّ الغارات الجويّة والهجمات الصاروخيّة التي تشنها إسرائيل وحماس وغيرها من الجماعات المسلّحة والتي تستهدف المدنيين أو العشوائيّة انتهاكا لقوانين الحرب، وتُعتبر جرائم حرب إذا نُفذت بقصد إجرامي.كل من يرتكب جريمة حرب يتحمل المسؤولية الجنائيّة، وكذلك المسؤولون عن إصدار أوامر بارتكاب جرائم حرب أو المساعدة على ارتكابها أو تسهيلها. قد يتحمل القادة والزعماء المدنيون أيضا المسؤولية الجنائيّة بموجب مبدأ مسؤولية القيادة إذا كانوا على علم أو كان عليهم أن يعلموا بجرائم ارتكبها مرؤوسوهم دون منعها أو معاقبة المتورطين فيها بالشكل المناسب.
على مدار الأيام الـ20 الماضية، ارتُكبت جرائم حرب متعددة، ولا تزال تُرتكب، في إسرائيل وفلسطين، مع مخاوف كبيرة من شنّ القوات الإسرائيليّة والجماعات الفلسطينيّة المسلّحة لهجمات غير قانونية وعشوائيّة تُلحق أضرارا بالمدنيين.
وقع قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب حزيران 1967 بعد أن كان يتبع الإدارة المصرية منذ عام .1948 ومنذ ذلك الحين، لا تزال هناك ادعاءات متعارضة بشأن المكانة القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة عامةً، وقطاع غزة بشكل خاص.
وفقاً للقانون الدولي الإنساني، هناك التزامات قانونية وعرفية تقع على عاتق قوة الاحتلال، تنظيمها بشكل أساسي ثلاثة مواثيق دولية هي: قواعد لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام ،1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في أوقات النزاعات المسلحة والتي تركز على السكان الواقعين تحت وطأة الحرب، والبرتوكول الإضافي الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام .1977 تفرض هذه المواثيق على دولة الاحتلال مجموعة من الالتزامات التي يجب الوفاء بها لتوفير الحماية للمواطنين في الأراضي المحتلة. كما أن ثمة قواعد يفرضها القانون الدولي العرفي، وهي قواعد لا تتطلب انضمام الدولة لاتفاقيات دولية، بل يجب احترامها من قبل جميع 1 الدول تحت أية ظروف. وقد عرفت قواعد لاهاي لعام 1907 الاحتلال بأنه “السيطرة الفعلية على أرض من قبل قوة عسكرية أجنبية”.
ولا يتطلب الاحتلال إعلانا من نوع خاص، أو وجود نية مسبقة لاحتلال إقليم ما من طرف القوة المحتلة، كما أنه لا توجد أهمية للدوافع من وراء التواجد الأجنبي على أرض الإقليم المحتل. وبالتالي وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يعتبر قطاع غزة أرضاً محتلة وتنطبق عليه الأحكام الواردة في هذه المواثيق الثلاثة وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في الأراضي المحتلة. وكانت محاكمات نورمبرغ، التي جرت في نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتبرت اتفاقيه لاهاي جزءا من القانون الدولي العرفي،
بمعنى أنها تلزم حتى الدول التي لم تقبل طوعا بمبادئ هذه الاتفاقية ولم تنضم إليها. يحدد القانون الدولي الإنساني مجموعة قواعد أساسية تعالج حالة الاحتلال، وهي تتلخص في النقاط التالية: .
لا يمنح الاحتلال للدولة المحتلة السيادة على الأراضي التي احتلتها ويسري القانون الدولي المتعلق بالاحتلال منذ اللحظة التي تقع فيها أراضي الدولة تحت سيطرة قوة أجنبية خلال نزاع مسلح أو في حال عدم مواجهة القوة المحتلة لمقاومة عسكرية. .
يصل الاحتلال إلى نهايته في حال توقف الجيش الأجنبي عن ممارسة السيطرة الفعلية على الأراضي المحتلة أو في حال توقف القوة الأجنبية عن ممارسة مهام الحكومة في الأراضي المحتلة وتم إعادة السلطة إلى الدولة السيادية.
تكون دولة الاحتلال مسئولة عن حفظ النظام العام والأمن في المناطق المحتلة ويجب ألا تتدخل في النسيج الاجتماعي والسياسي للمجتمع إلا إذا تعذر الأمر كليا. . الاحتلال ليس إلا حالة مؤقتة، وحقوق المحتل تنحصر في حدود تلك الفترة. .5 على المحتل أن يحترم القوانين القائمة التي تبقى سارية المفعول ما لم تكن مناقضة للمعايير الدولية أو تهدد المحتل. هذا بالطبع إلى جانب التزامات أخرى يلقيها القانون الدولي لحقوق الإنسان على عاتق إسرائيل، بيد أن هذه الالتزامات. على القوة المحتلة أن تؤمن الصحة العامة والشروط الصحية وأن توفر، بأقصى ما تسمح به وسائلها، الأغذية والعناية الطبية. .
لا يجوز إرغام المدنيين في الأراضي المحتلة على الخدمة في قوات المحتل المسلحة. .8 يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للسكان داخل الأراضي المحتلة أو خارجها، بما في ذلك نقل جزء من سكان دولة الاحتلال إلى الإقليم المحتل. .
تحظر العقوبات الجماعية. . يحظر أخذ الرهائن. .تحظر عمليات الانتقام ضد الأشخاص المحميين أو ممتلكاتهم. .تحظر مصادرة الممتلكات الخاصة من جانب المحتل (إلا لأسباب عسكرية قهرية.يحظر تدمير الممتلكات الخاصة أو العامة (إلا لأسباب عسكرية قهرية. .
يجب احترام الممتلكات الثقافية. . يجب أن توفر للمتهمين بفعل إجرامي جميع الضمانات القضائية (فيجب أن يبلغّوا سبب توقيفهم، وأن توجه تهمة إليهم، وتوفر لهم محاكمة عادلة في أسرع وقت ممكن.يجب السماح لموظفي الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر القيام بأنشطتهم الإنسانية. وللحديث عن وضع قطاع غزة في القانون الدولي الإنساني كأرضٍ محتلة، من المهم التطرق إلى وضع غزة قبل وبعد تنفيذ خطة فك الارتباط الإسرائيلية أحادية الجانب،
والتي نفذت هذه الخطة ترافقت مع تصاعد الادعاءات الإسرائيلية القائلة بعدم وجود مسئوليات قانونية يلقيها القانون الدولي على عاتق إسرائيل تجاه السكان المدنيين في قطاع غزة، وهو أمر يسهل رصدة، فمع السيطرة تأتي دائماً المسئولية القانونية.