جريمة تأجير الأرحام في القانون المصري

 كتب /الدكتور عادل عامر                                                                                                                               

تعد ظاهرة استئجار الأرحام واحدة من  أكبر الصناعات في عصرنا الحديثة ، فهي صناعة سريعة النمو والتطور خاصة في المجتمعات الغربية التي سمحت بها و أباحتها، ، و لكنها لم تقف عند هذا الحد بل تجاوزت ذلك واقتحمت بلادنا العربية و الإسلامية، مما دعا الباحثين للتصدي لهذه المسألة للتأكد من حكمها الشرعي . كما أن لهذه القضية العديد من الأبعاد و الآثار على المبادئ و القيم الأخلاقية العربية و الإسلامية على حد سواء، و كيف يؤثر هذا التأجير التجاري لعضو من أعضاء جسد المرأة على حريتها و حقوقها ، والتي من المفترض أن تكون محمية بشكل كامل بموجب القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية.

إن ممارسة إجارة الأرحام يفقد المرأة كرامتها وتصير كالدابة المستأجرة للاستخدام حسب الطلب ولتصبح التجارة في بدنها باستئجار رحمها تحقيرا وامتهانا لعفتها واستغلالا لأنوثتها وتحجيما لدورها كأم. لقد نظرت الوثيقة للمرأة على أنها جسد بلا روح فأفقدتها إنسانيتها ولم تعترف بأن لها روحًا أصلاً أو أن لها احتياجات روحية، وادعت أنها تمنحها حقا من حقوق الإنسان التي منحها الشرع الحنيف إياها مسبقًا بما يواكب فطرتها، فقد ألغت الوثيقة الحقوق الفطرية للمرأة كحقها في العفة، وحقها لحماية عرضها، وحقها في الفضيلة، وحقها لحفظ نسلها واستبدلت كل هذه الحقوق بالإتجار في العرض وجعلته حقًّا إنسانيًّا .”

فهل يتم استغلال المرأة و الإتجار بجسدها باستغلال ظروفها الاقتصادية و احتياجها المادي؟ أم أنها تمارس حق شرعي لها بالتصرف في جزء من جسدها . وما مدى صحة أن هذه العملية تعد تشجيع على بيع الأطفال واستغلال النساء؟ لذلك سنناقش من خلال هذا البحث استغلال النساء تحت مسمى استئجار الأرحام . و هل يعد هذا نوع جديد من أنواع الإتجار بالبشر؟ وضرورة التدخل التشريعي لحسم هذا النقاش وقاية ما يستحدث على الساحة القضائية من مشكلات.

فمبدأ حرمة جسد الإنسان لا يهتز لمجرد الرغبات، بل لابد من ضرورة تبرر ذلك، هذه الضرورة التي يجب النص عليها وحصر حالتها حتى لا تخضع لتأويلات كثيرة من أجل ذلك جاء نص الاتفاقية بأن أي عملية استقطاع من متبرع حتى لا تتم إلا بهدف علاجي محض للمتلقي، بشرط عدم وجود ذات العضو من جثة متوفى، وعدم وجود وسيلة علاجية أخري عير ذلك.

أن هذا النوع من التلقيح يقود إلى شبهة اختلاط الأنساب؛ لاحتمال أن تفشل عملية التلقيح بعد وضع اللقيحة فى الرحم المؤجر، ويحدث الحمل عن طريق مباشرة الزوج لزوجته، فيُظَنُّ أن الحمل والوليد للمستأجر، مع أنه فى الواقع ليس له أن “الرضا” بنقل عضو لا يعتبر من التصرفات التي ترد علي محل قابل للتعامل فيه، لأن جسم الإنسان وأي شيء منه لا يرد عليه القابلية للتعامل واعملا للمادة”81″ من القانون المدني فإن جسم الإنسان وعضو خارج عن دائرة التعامل، ومن ثم فإن الرضا في شأن الجسم الآدمي لا يقوم به تصرف لازم مما يمكن أن يجبر عليه التصرف بالقضاء، لأنه لا يتعلق بحق مالي يدخل في دائرة القابلية للتعامل، وإنما هو إذن و إجازة تتعلق بحق من الحقوق اللصيقة بالشخص بموجب إنسانيته و ليس بموجب شخصيته القانونية .  أن الأدلة أجمعت على حرمة اللجوء إلى طريق الرحم البديل سواء أكان بالتبرع أم بالأجرة، وهذا هو ما ذهب إليه جماهير العلماء المعاصرون،

“النص على عدم جواز اللجوء إلى عمليات التلقيح الصناعي أو الإخصاب الخارجي في الأنابيب، إلا إذا توافرت عدة شروط منها أن يثبت بناءً على تقرير طبي صادر من ثلاثة أطباء متخصصين في أمراض النساء، وشرط أن يكون هناك علاقة زوجية، وأن لا تتم الاستعانة‏ ببويضة امرأة غير الزوجة أو حيوان منوي لغير الزوج، وحظر تأجير الأرحام، ووضع مشروع القانون عقوبات للمخالفين بالسجن والغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه”،

يشهد القرن الواحد العشرين ثورة هائلة في شتى مناحي الحياة ، حتى أن البعض منها يفوق إدراك عقلنا البشرى، و لقد تنوعت هذه الاستكشافات بين ما جاء منها علاجا لمشكلات قائمة ، و ما جاء منها لتحقيق الرفاهية ليس إلا. فلقد أطل علينا العصر الحديث حاملاً معه أبرع الاستكشافات في علاج العقم ألا و هو التلقيح الصناعي، الذى يعد ثورة تكنولوجية علمية طبية هائلة و الذى فتح باب الأمل أمام العديد من الأزواج لتحقيق حلمهم في تكوين أسرة و أنجاب أطفال حيث أنهم زينة الحياة الدنيا.

فمما لا شك فيه ان التلقيح الصناعي أصبح أحد أهم مواضيع الساعة المطروحة على بساط البحث و خاصة عند تحديد ما يترتب عليه من إشكالات مع الوقوف على الضوابط و النظم القانونية التي يمكن أن تنظم هذا الموضوع ؛ و لما كانت الطبيعة القانونية لمختلف وسائل الإنجاب الصناعي بأنواعه سواء الداخلي أو الخارجي محل اهتمام التشريعات في محاولة منها لإضفاء المشروعية على هذه التصرفات العلمية خاصة في ظل تعقد العلاقة التي تنشأ بين الأطراف المعنية بعملية الإنجاب؛ فمن المعلوم اليوم بين الأطباء أن نسبة تتراوح بين 1 و15 %من السكان في مختلف دول العالم يعانون من مشكلة عدم الخصوبة.

 و التلقيح الصناعي نوعان تلقيح داخلي و آخر خارجي  و يعتمد نوع كل منها على درجة العقم و أسبابه . بيد أن موضوع بحثنا يرتكز على إحدى صور التلقيح الخارجي و التي آثارت البحث فيها لما يجتبيها من جدل و خلاف فقهى كبير تلك الصورة التي نحن بصددها هي مسألة  ” استئجار الأرحام ” .

سيظل موضوع المرأة ومكانتها في المجتمع، محلا للجدل في معظم المجتمعات والحضارات على مدى تاريخ الإنسانية، غير أن الإسلام حسم أمرها و قد كرم المرأة، وجعلها في المكان اللائق بها، الا أن المجتمع الغربي  قام بالعديد من المحاولات إلى تسويق قيمه الغربية الغريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية  من خلال ترويج فكرة العالمية خاصة في جانبها الاجتماعي والسلوكي والتي مثلت تحديا خطيراً  معاديا للأديان السماوية، والعالم العربي والإسلامي بشكل خاص ، هذا بخلاف شح فقه المرأة في الفقه الإسلامي وافتقاره إلى الدراسات العلمية المتخصصة التى تعالج المشكلات برؤية إسلامية حضارية عصرية عميقة شاملة؛ لذا كان هذا الموضوع من الأهمية بمكان بعد ما تم بحثه

و استعراضه من أراء فقهية و نصوص قانونية عربية و دولية نجد أن الغالبية العظمى منها تصب في بوتقة واحدة ، فموقف فقهاء الشريعة الإسلامية جلى في رفض هذه المسألة بالرغم من الخلاف الذى ثار في حالة حمل الضرة بيد أنه عاد و أستقر الأمر على حرمتها، أما عن القوانين العربية

فالملاحظ رفض الدول التي شرعت هذه المسألة بشكل صريح بيد أن الدول التي لم تقنن الوضع بنصوص صريحة نجد أنها تحظر ضمنا هذا الأمر. و عن حال القوانين الغربية ، من حظر منها هذه المسألة بشكل صريح ليس هناك مشكلة في  أمره ، أما من أباحه نجد أنه جرم قيامه وفقا للنصوص الدولية متى تم الاستئجار بمقابل مادى وليس بالتبرع بدون مقابل  ، وواقع الحال أن أغلبية بل كل النساء التي تقوم بهذا الأمر تفعله من أجل العائد المادي أي بشكل تجارى بحت هذا بخلاف الوكالات التي احترفت القيام بتسهيل هذه العمليات . بل و أصبحت تجارة سريعة التطور والنمو . ذات الأمر ينطبق على ما تم النص عليه في الاتفاقيات و المواثيق الدولية في النهاية متى كانت مهنة مقابل مال فهي محظورة دوليا .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

من هو تحتمس الثاني؟ وكيف تم اكتشاف مقبرته المفقودة في الأقصر؟

كتبت ندي احمد تمكنت البعثة الأثرية المصرية الإنجليزية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار ومؤسسة أبحاث ...