جريمة الهجرة الغير شرعية
نشرت بواسطة:
كتب /د. عادل عامر
جريمة الهجرة الغير شرعية هي الهجرة خارج المعايير التنظيمية للدولة المرسِلة أو دولة العبور أو الدولة المستقبِلة للمهاجرين. ومن وجهة نظر الدولة المستقبلة، فإنها تتضمن الدخول أو الإقامة أو العمل بصورة غير قانونية في البلاد. أما من وجهة نظر الدولة المرسِلة، فهي تنطوي على مخالفة اللوائح والقوانين في حالات مثل قيام الشخص بعبور الحدود الدولية دون جواز سفر صالح أو وثائق سفر أو غير مستوفي الشروط الإدارية لمغادرة البلاد. إلا أن المصطلح يرتبط أكثر بحالات تهريب المهاجرين بطريقة غير شرعية/ قانونية.
يأتي القانون رقم 22 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2016، متوافقاً مع أحكام الدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ومتماشياً مع أبرز أهداف الاستراتيجية الوطنية، لمكافحة الهجرة غير الشرعية والتي تستهدف حماية الفئات الأكثر عرضة لخطر الاستغلال من جانب المهربين وهم الشباب والأطفال وأسرهم والوافدين إلى مصر بشكل غير شرعي وكذلك ردع ومعاقبة سماسرة وتجار الهجرة من خلال إجراءات وعقوبات مشددة.
وطبقا للتشريع، تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه أو غرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر، إذا كان المهاجر المهرب امرأة أو طفلاً أو من عديمي الأهلية أو من ذوى الإعاقة.
فيما يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن مائتى ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر، كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسط في ذلك“.
جاء تجريم الهجرة غير الشرعية نتيجة لالتزاماتها الدولية الرامية إلى مكافحة الإجرام المنظم، وقد عالج المشرع الجنائي هذه الظاهرة من خلال تجريم صورتين أساسيتين هما: جريمة مغادرة التراب الوطني بصورة غير شرعية، وجريمة تهريب المهاجرين. وقد حاولنا في هذه الدراسة بيان الالتزام بتطبيق مبادئ السياسة الجنائية المعاصرة عند تجريم صورتي الهجرة غير الشرعية، وهذا من خلال التطرق إلى تقدير القيمة الاجتماعية لموضوع الهجرة غير الشرعية، وكذا تقييم سياسة التجريم المنتهجة من قبل المشرع
تعد مصر من الدول التى تعانى ظاهرة الهجرة غير الشرعية على نحو مركب الأبعاد وذلك كدولة مصدرة ومستقبلة للمهاجرين غير الشرعيين فضلا عن كونها دولة معبر فى آن واحد. ويمكن للعين المتابعة ملاحظة أن ملامح هذه الظاهرة قد تغيرت فى مصر عبر السنوات الماضية، كما تغيرت ملامح السياسات الحكومية لمكافحتها على نحو دفع البعض إلى التفاؤل بقرب القضاء على هذه الظاهرة بشكل شبه تام لاسيما مع عدم خروج قوارب للمهاجرين عير الشرعيين من الشواطئ المصرية منذ عام ،٢٠١٦ بيد أن بعض الآراء ترى أنه من المبكر الجزم بذلك وأن جهودا إضافية ما ازلت بحاجة للبذل لاحتواء مختلف أبعاد هذه الظاهرة. وهو ما تسعى هذه الورقة إلى استكشافه عبر التعرض للنقاط التالية: قراءة نظرية ومفاهيمية لظاهرة الهجرة غير الشرعية، الملامح العامة لظاهرة الهجرة غير الشرعية فى مصر، آليات مواجهة الظاهرة، وأخيرا مجموعة من التوصيات الختامية
. مشروعا لكل شخص، وقد عرفتها الشعوب منذ القدم، وبعد ً تعتبر الهجرة ظاهرة إنسانية وحقاً تزايد أعداد السكان على الأرض، وترسيم الحدود بين الدول، تم ضبط التحركات السكانية ضمن قوانين وأنظمة محلية ودولية، والهجرة بشكلها الشرعى القانونى تبقى ظاهرة عالمية ضرورية، فالبلدان الأوروبية هى التى اجتذبت فى الماضى البعيد عمال المستعمرات لعدة غايات سياسية كالحروب الإقليمية والعالمية، واقتصادية تتمثل فى حاجة الاقتصاديات الأوروبية لليد العاملة لبناء مقوماتها التى دمرتها الحروب. ونستطيع القول بأنه بدءا من ستينات القرن العشرين عرفت الهجرة تطورا نوعيا وكميا، فأوروبا المستقبلة للأيدى العاملة تضاعفت حاجتها لقوة العمل، وشكلت دول المستعمرات مصدرا رئيسا لتصدير الأيدى العاملة فى هذه المرحلة، بيد أنه منذ عام١٩٧٤ وعلى أثر الأزمة الاقتصادية التى عرفتها الدول الأوروبية تم الحد من الهجرة الشرعية، وحدثت تغيرات جذرية فى سياسات الهجرة، مما أسفر عن تبلور الهجرة غير الشرعية، التى ارتفعت بشكل بارز منذ . (١) عام ١٩٩٠ حيث حلت شبكات تهريب البشر محل القنوات الشرعية للهجرة أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية. * المجلة الاجتماعية القومية، المجلد التاسع والخمسون، العدد الثالث، سبتمبر .٢٠٢٢ ١٤ ومع الوقت وفى ظل التحولات الدولية والإقليمية الراهنة زاد تعقد ظاهرة الهجرة غير الشرعية وزادت تبعاتها كمشكلة تؤرق الدول سواء كانت مصدرة أو مستقبلة لها أو حتى دولة عبور، فى ظل ما يترتب عليها من تهديدات تمس جميع الأطراف المعنية. حتى أضحت الهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية، تنتشر فى الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى كما تظهر في الدول النامية بآسيا كدول الخليج ودول المشرق العربى، وفى أميركا اللاتينية، وفى إفريقيا حيث الحدود افريقيا الجنوبية ونيجيريا. ٕ الموروثة عن الاستعمار وخاصة فى بعض الدول مثل ساحل العاج و
ولا تعد مصر استثناء من ذلك، بل هى من الدول التى تعانى ظاهرة الهجرة غير الشرعية على نحو مركب الأبعاد كدولة مصدرة ومستقبلة ودولة معبر فى آن واحد. ويمكن للعين المتابعة ملاحظة أن ملامح هذه الظاهرة قد تغيرت فى مصر عبر السنوات الماضية، كما تغيرت ملامح السياسات الحكومية لمكافحتها على نحو دفع البعض إلى التفاؤل بقرب القضاء على هذه الظاهرة بشكل شبه تام لاسيما مع عدم خروج قوارب للمهاجرين غير الشرعيين من الشواطئ المصرية منذ عام ،٢٠١٦ بيد أن بعض الآراء ترى أنه من المبكر الجزم بذلك، جهودا إضافية ما ازلت بحاجة للبذل لاحتواء مختلف أبعاد هذه الظاهرة. وهو ما تسعى هذه الورقة إلى استكشافه عبر التعرض للنقاط التالية: قراءة نظرية ومفاهيمية لظاهرة الهجرة غير الشرعية، الملامح العامة لظاهرة الهجرة غير الشرعية فى مصر، آليات مواجهة الظاهرة، وأخيرا توصيات ختامية
. أولا: قراءة نظرية ومفاهيمية لظاهرة الهجرة غير الشرعية ًا على أن لا يوجد تعريف دولى شامل ومحدد لظاهرة الهجرة غير الشرعية، غير أن هناك توافق ِلة المقصود هو الهجرة خارج المعايير التنظيمية للدولة ِ المرسلة أو دولة العبور أو الدولة المستقب للمهاجرين. أى الانتقال من بلد إلى آخر عبر وسائل غير نظامية أو غير قانونية أو غير شرعية حيث تشمل الظاهرة كل إجراءات الدخول أو الخروج أو الإقامة التى تنتهك القواعد التى حددتها بلدان المنشأ والعبور والمقصد. أو يمكن اعتبارها تسلل الفرد إلى دولة أخرى غير مرخص له بالإقامة فيها، والانتقال من الوطن الأم إلى الوطن المهاجر إليه للإقامة فيه بصفة مستمرة بطريقة لأحكام القوانين الدولية والداخلية بالدول المعنية . (٢) مخالفة للقواعد المنظمة للهجرة بين الدول طبقا ا للمنظور؛ حيث يختلف تعريف جدير بالذكر إن تعريفات الهجرة غير الشرعية تتعدد وفق الظاهرة لدى دول المقصد عن نظيره لدى دول المنشأ. ومن وجهة نظر الدولة المستقبلة، فإنها ١٥ تتضمن الدخول أو الإقامة أو العمل بصورة غير قانونية في البلاد. أما من وجهة نظر الدولة على مخالفة اللوائح والقوانين فى حالات مثل قيام الشخص بعبور الحدود ِ المرس ى تنطوى لة، فه . (٣)
الدولية دون جواز سفر صالح أو وثائق سفر أو غير مستوفى الشروط الإدارية لمغادرة البلاد هناك عدة نماذج وأطر تحليلية تحاول إعطاء مقاربات شاملة تفسر ظاهرة الهجرة غير : (٤) الشرعية وحركة هجرة الأشخاص عموما، لعل من أكثرها شمولا –١ النظرية الاجتماعية: أو ما يعرف بسوسيولوجيا الهجرات وهو فرع من فروع السوسيولوجيا المعاصرة ظهر فى مطلع القرن الماضى مع مدرسة شيكاغو، تطور فى أوربا خلال فترة السبعينيات، ويدرس أثر وفود المهاجرين وانعكاسات ذلك على المجتمع المضيف كما يدرس وا ى يهتم بدراسة ٕ مجموعة من المشاكل التى يخلقها عدم الاندماج، وهو اتجاه نظرى مبريق ووصف وضعية الهشاشة التى يعيشها المهاجر كما يهتم بدراسة الجوانب الاجتماعية والثقافية ووضعيات مجتمعات المهاجرين المقيمين، مع التركيز على وضعية الاستغلال والتمييز الاجتماعى والثقافى، وكفاح المهاجرين ضد التمييز الممارس ضدهم، ونضالهم من أجل الحصول على حقوقهم. –٢ النظرية النيوكلاسيكية: تعود بداية هذه النظرية إلى نموذج “التطور فى الاقتصاد المزدوج” الذى حاول أن يجد تفسيرا للهجرة،
حيث أكدت مختلف الأدبيات الاقتصادية على الفوارق الجغرافية فى توزيع الدخل بين الأفراد أو عامة الشعب كعامل رئيس مسبب للهجرة الخارجية، وقد أدمجت مقاربة الهجرة كعامل ميسر لحياة اقتصادية أفضل مقارنة بما هى عليه فى بلدان الأصل. فى التحليل النيوكلاسيكى المبنى على المفاضلة بين المزايا والتكاليف وتعظيم المنفعة بأقل الأثمان، تعد الهجرة استثمارا قادرا على إحداث فائض صاف إيجابى يتأتى من الفارق بين الدخل المتحصل عليه فى بلد الأصل والدخل المتوقع الحصول عليه فى بلد المضيف مع احتساب وطرح نفقات النقل والتنقل. –٣ نظرية التبعية: تعتبر هذه النظرية أن الهجرة هى شكل من أشكال استغلال دول المركز للمحيط، نتيجة تعميق عدم المساواة فى الأجور ومستويات المعيشة الموجودة بين الأفراد فى دول المحيط والمركز، ويعتبر فى هذا الصدد أن الهجرة عامل أساسى لتحويل فائض القيمة من دول المحيط إلى دول المركز،
خاصة هجرة الكفاءات لأن دول المحيط هى التى تتحمل تكاليف التعليم والتكوين؛ كما تستند هذه النظرية الى أن السلطة السياسية والاقتصادية تكون ١٦ موزعة بشكل غير عادل بين البلدان الصناعية والبلدان الفقيرة، فبسبب القيود الهيكلية وعدم تجانس الشراكات، فإن سكان العالم يواجهون عدم المساواة فى الحصول على الموارد، ويتم تكريس هذه الاختلافات لصالح المركز على حساب الهامش، واتهمت دول الشمال التى تعد المركز باستغلال الموارد البشرية والطبيعية فى الجنوب الذى يعبر عنه بالهامش، وبالتالى فإن البلدان الغنية تزداد ثراء والبلدان الفقيرة تفقد مواردها المحدودة لتصبح أكثر فقرا، عند البحث عن تراكم رأس المال، الرأسمالية تتوسع جغرافيا للتأثير فى الطبيعة التقليدية لاقتصاديات دول الأطراف. ومع الاعتراف بوجاهة كل من هذه الأطر التحليلية فى التعاطى مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية على المستوى الكلى أو الماكرو، فمن الممكن على المستوى الجزئى أو الميكرو اختزال مفسرات تلك الظاهرة فى نظرية الطرد والجذب، والتى تقوم على أن سمتى الطرد التى تميز البلدان الأصلية للمهاجرين، والجذب التى تميز البلدان المستقبلة تشكلان فى مجملهما محفزات اختيار فرد وا تمت هذه الهجرة خارج الأطر النظامية. ووفق ٕ أو جماعات معينة للهجرة من بلد لآخر، حتى ن هذه النظرية فإن عوامل الطرد فى البلدن المصدرة للهجرة قد تكون بسيطة كالفقر والعزلة الاجتماعية، أو قوية فتتجلى فى المجاعات والحروب والكوارث الطبيعية، كما يمكن أن تكون عوامل الطرد عوامل بنائية كالنمو السكانى السريع وأثره على الغذاء خاصة فى الدول الفقيرة التى كما ي ى الأوضاع السياسية فى عدد من ُ تناضل فى مواجهة مشكلات غذاء كبرى.
ساعد تراجع وتدن البلدان على ظهور الهجرة غير الشرعية بين أفرادها، وي : الاضطهاد ُظهر ذلك بعدة أشكال، منها الدينى، وانعدام الاستقرار فى تلك البلدان، وكثرة الاضطرابات السياسية. أما عوامل الجذب فى البلدان المستقبلة للهجرة فتتمثل فى الزيادة المطردة على طلب العمل فى بعض القطاعات والمهن، فأسواق العمل تستورد مهاجرين فى ظل عدم قدرة العرض فيها على تلبية الطلب على نوعية معينة من العمال، وهناك أيضا عوامل الشيخوخة التى تزحف على الدول الصناعية وبالذات فى أوروبا الغربية مما يؤدى إلى انكماش قوة العمل وزيادة أعداد الخارجين من سوق العمل. فضلا عن ارتفاع المستوى المعيشى فى الدول الجاذبة للمهاجرين. ووجود خدمات اجتماعية وصحية أفضل فى الدول وا ى الدول المراد الهجرة ٕ الجاذبة مقارنة ببلد الفرد الأصلى تاحة مجال أكبر من الحرية للأفراد
2023-08-30