كتب/ د.عادل عامر
لقد تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا هذا العام في حدوث أزمات إنسانية وهجرة ونزوح للاجئين واسعة النطاق، وكذلك في مخاطر سلبية إضافية للاقتصاد العالمي الذي لا يزال يئن تحت وطأة تداعيات جائحة كورونا. وقد أدت الآثار المباشرة لانخفاض تدفقات التحويلات والآثار غير المباشرة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة إلى زيادة مخاطر انعدام الأمن الغذائي وارتفاع معدلات الفقر في العديد من البلدان منخفضة الدخل.
إن هناك ثلاثة أنماط للعولمة تتمثل في العولمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إذ يدعو النمط الأول إلى تكامل الاقتصاد العالمي من حيث التجارة والتبادل التجاري.
وقد حصلت العولمة الاقتصادية على إشادات وانتقادات في نفس الوقت، إذ يرى أنصارها أن العولمة ساعدت في انتشال مجتمعات من دائرة الفقر ورفع مستوى معيشة أفرادها، رغم أنه لا يتم تقسيم مكاسب العولمة الاقتصادية بشكل عادل ومتساوٍ.
وكان عدد المهاجرين الدوليين قد تراجع خلال أزمة كورونا في الفترة 2020-2021، وهو اتجاه عكسته الأزمة الأوكرانية، حيث من المرجح أن يصل عدد المهاجرين الدوليين واللاجئين، بما في ذلك اللاجئون من أوكرانيا، إلى نحو 286 مليوناً في عام 2022.
وستؤثر أزمة أوكرانيا على الحوكمة العالمية لأنظمة الهجرة في السنوات القادمة. ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فقد غادر 5.5 ملايين أوكراني إلى بولندا وبلدان أخرى بنهاية أبريل/نيسان 2022.
وهناك عدد أكبر من ذلك بكثير نزحوا داخل أوكرانيا نفسها. وأدت سرعة وتيرة نزوح الأوكرانيين ونطاقه إلى تحويل اهتمام السياسات العالمية بعيدا عن المناطق والشعوب النامية الأخرى المتأثرة بأوضاع الهشاشة والصراع والعنف. كما أدت الأزمة إلى تحوّل في تركيز واضعي السياسات من معالجة الهجرة لأسباب اقتصادية إلى تلبية احتياجات اللاجئين. ومن المرجح أن يؤثر هذا التحول على إجراءات المنتدى القادم لاستعراض الهجرة الدولية والنتائج التي يخلص إليها.
لقد عززت الأزمة الأوكرانية دواعي إنشاء صندوق تمويل ميسر للهجرة لمساندة مجتمعات المقصد التي تعاني من تدفق كبير للمهاجرين، وأيضاً لمساندة المجتمعات الأصلية التي تشهد هجرة عائدة خلال أزمة كورونا. ومع بدء تكشف العواقب طويلة الأجل وقصيرة الأجل لفصول هذه الأزمة، يتضح باطراد أن مساندة المجتمعات المحلية المضيفة هي ما نحتاج إليه في الوقت الحالي.
كما أثرت الحرب في أوكرانيا على أنظمة المدفوعات الدولية مع ما يصاحب ذلك من تداعيات على تدفقات التحويلات عبر الحدود من روسيا إلى بلدان آسيا الوسطى التي تعتمد اعتمادا كبيرا على تدفقات التحويلات الواردة من روسيا. وقد أضاف استبعاد روسيا من نظام المدفوعات “سويفت” بُعداً على صعيد الأمن القومي للمشاركة في تلك الأنظمة، التي من المُرجح أن تصبح متعددة الأقطاب في المستقبل. ومن المرجح أن يؤدي استمرار أنظمة الدفع المختلفة أو حتى زيادة التنويع/التجزؤ إلى إبطاء التقدم في تعزيز التشغيل البيني لأنظمة الدفع وتخفيض رسوم التحويلات (الهدف 10-1 من أهداف التنمية المستدامة ).
ويمكن أن يؤدي خفض رسوم التحويل ولو بمقدار نقطتين مئويتين إلى تحقيق وفر سنوي قدره 12 مليار دولار للمهاجرين الدوليين من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ويمكن أن يساعد تطبيق إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المستندة إلى تحقيق المخاطر والمتناسبة والمبسطة فيما يتعلق بمعاملات التحويلات الصغيرة وكذلك إجراءات العناية الواجبة للعملاء وإجراءات الامتثال لمكافحة غسل الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب على خفض تكاليف التحويلات وتعبئة استثمارات المغتربين. وتتيح المساعي الحميدة العالمية تجاه اللاجئين والمهاجرين من أوكرانيا فرصة لوضع برامج وتنفيذها على أساس تجريبي لتسهيل حصولهم على الوظائف والخدمات الاجتماعية في البلدان المضيفة. وقد أبرزت جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية أيضاً الحاجة إلى إنتاج بيانات بصورة دورية وفي مواعيد محددة. وفي أبريل/نيسان، أطلق البنك الدولي، تحت رعاية مبادرة شراكة المعارف العالمية للهجرة والتنمية وبالتعاون مع البلدان التي توفر فيها التحويلات شريان حياة ماليا، مجموعة عمل دولية لتحسين البيانات المتعلقة بتدفقات التحويلات.
وستساند هذه المبادرة الهدف الأول من الاتفاقية العالمية للهجرة. على الرغم من صعوبة التوقعات والتقديرات في الظروف الحالية، ربما كان أهم ما في تقرير الصندوق هو تباين توقعات النمو في اقتصادات العالم المختلفة. وهو ما يشكل قلقاً لدى المؤسسات الدولية بشأن الاعتماد المتبادل واحتمالات زيادة الخلل في النظام الاقتصادي والمالي الدولي. فبحسب جدول التوقعات، يقدر الصندوق نمو الاقتصادات المتقدمة بنسبة 3.3 في المئة العام الحالي وبنسبة 2.4 في المئة العام المقبل. في مقدمها الاقتصاد الأكبر في العالم الذي يتوقع نموه بنسبة 3.7 في المئة هذا العام وبنسبة 2.3 في المئة العام المقبل. أما اقتصاد دول منطقة اليورو فيتوقع أن يحقق نمواً بنسبة 2.8 في المئة العام الحالي وبنسبة 2.3 في المئة العام المقبل.
في المقابل، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بنسبة 3.8 في المئة في 2022 وبنسبة 4.4 في المئة العام المقبل. وفي مقدمها الصين، التي يتوقع نمو اقتصادها بنسبة 4.4 في المئة هذا العام وبنسبة 5.1 في المئة العام المقبل. بينما جاءت التوقعات لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بنسبة نمو 4.6 في المئة العام الحالي وبنسبة 3.7 في المئة العام المقبل.
بالطبع، تظل تلك التوقعات غير مؤكدة في ظل تطورات الحرب في أوكرانيا وتأثير عودة انتشار فيروس كورونا في الصين وغيرها وتأثير ذلك في الاقتصاد العالمي.
إن “العالم يسير نحو تعدد الأقطاب بصورة أكبر بالنظر إلى صعود الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي، لكن الأمر سيكون كارثياً إذا ما انقسم الاقتصاد العالمي إلى أنظمة متنافسة بمعايير مختلفة”. وأضاف إن “انتقالاً منظماً إلى عالم متعدد الأقطاب سيكون نتيجة مفضلة لأنه سيحافظ على مكاسب العولمة ويحميها… أحد السيناريوهات هو أن يكون لدينا كتل منقسمة لا تتعامل كثيراً مع بعضها بعضاً، ولها معايير مختلفة، وذلك سيكون كارثة على الاقتصاد العالمي“.
تلك المخاوف من تضرر النظام الاقتصادي والمالي العالمي سبقت حرب أوكرانيا، لكن الحرب فاقمتها في ظل عدم مسايرة كثير من دول العالم للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في فرض العقوبات على روسيا. وتلك العقوبات إذا ما توسعت وتم تشديدها سيتجاوز تأثيرها الدول المعنية إلى الاقتصاد العالمي ككل. وهذا ما عبر عنه ضمناً كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في تصريحاته. ويعتمد مدى نجاح الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية بما يجعلها تتفادى انعدام الأمن الغذائي على عوامل الجغرافيا، والمناخ، وتوافر الأراضي الزراعية ومصادر الري والأيدي العاملة، وامتلاك تقنيات زراعية حديثة.
ولطالما شغلت قضية الأمن الغذائي الكثير من حكومات العالم، لما له من تأثيرات مباشرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ قد يؤدي انعدامه إلى عدم الاستقرار والاضطرابات والهجرات الجماعية في بعض الأحيان.
الحرب الأوكرانية “فاقمت أزمة ثلاثية الأبعاد – أزمة غذاء وأزمة طاقة وأزمة اقتصاد”، “ما سيكون له آثار مدمرة على أكثر الناس والبلدان والاقتصادات هشاشة في العالم”. ليس مستغربا أن المنطقة العربية تتأثر بشكل كبير من تبعات الحرب الأوكرانية، نظرا لأنها تستورد حوالي 42 في المئة من احتياجاتها من القمح و23 في المئة من احتياجاتها من الزيوت النباتية من كل من أوكرانيا وروسيا، بحسب برنامج الغذاء العالمي.