تزييف الوعي وأثره علي أمن المجتمع وترابطه الاجتماعي

كتب / د.عادل عامر

تزييف الوعي هو حصيلة لمسيرة طويلة من التطورات التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية تتداخل فيها أسبابٌ وعواملٌ متعددة. وليس من المفيد ولا من الموضوعية والدقة أن نحصر هذه الأسباب والعوامل في واحدٍ دون الآخر. فليست العوامل الخارجية (الاستعمار والهيمنة الإمبريالية مثلاً) وحدها هي المسؤولة، ولا تلك العوامل الداخلية (التخلف، الأنظمة الرجعية والاستبدادية التابعة للمركز الرأسمالي – الإمبريالي، الثقافة ودور المثقف وغيرها).

بل لا بد من اعتبار كل العوامل مجتمعة، الخارجية والداخلية، الذاتية والموضوعية، وكيف تفاعلت فيما بينها في تعطيل الوعي الشعبي وتزييفه. يحتل الإعلام في عالم اليوم، وفي واقعنا العربي بشكل خاص، موقعاً مركزياً إذ أنه يعمل على مدار الساعة على تشكيل وعي المواطنين، والأخطر تزييف هذا الوعي. ومن المظاهر اللافتة في الإعلام العربي، وبالطبع ليس فيه وحدة بل هي سمة العصر في الإعلام الغربي أيضاً، هو اللهاث وراء الأحداث المتسارعة دون التوقف للتفكير والتحليل أو الذهاب إلى الأعمق لفهم تأثيراتها الحقيقية على القطاعات الكبيرة من المجتمع والشعب.

قد يجد المرء بعض التفسير لهذه الظاهرة في تسارع وسخونة الأوضاع في بلادنا على مدى عقود من الأحداث والتطورات الجسيمة المتتالية بدون توقف، غير أن مؤثرات الإعلام العربي على وعي المواطن والشارع العربيين قد تعاظمت في العقود الثلاثة الأخيرة لعدة أسبابٍ وعوامل أهمها:

ارتهان وسائل الإعلام لمَنْ يملكها وتوظيفها في مصلحة القوى المالية/الاقتصادية والسياسية التي تمولها وتسيّرها وفق نهجها ومصالحها؛المؤثرات التقنية في الإعلام، وبشكل خاص تقنية الصوت والصورة؛الضخ المستمر والتكرار مما يضاعف من التأثير الكمي على المتلقي على نحو يشبه الانفجار المعلوماتي بآلاف الرسائل يومياً؛هذا بالطبع بالإضافة إلى انتشار وسطوة الشبكة العنكبوتية وتشعباتها من عالم افتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي؛

تحوّل الكثيرين من المثقفين العرب على اختلاف أدوارهم وألوانهم – المفكر والفيلسوف، أو الكاتب والشاعر، أو الناقد والفنان والرسام – ليصبحوا مأجورين للإعلام والنفطي منه على وجه الخصوص، وأداة من أدواته، وبوقاً من أبواقه؛خلو الساحة السياسية والفكرية والإعلامية والثقافية بعد هزيمة الأحزاب والتنظيمات والتيارات القومية والشيوعية واليسارية، وانخراط كثر من كوادرها في المشاريع والمؤسسات الرجعية واليمينية والأجنبية الممولة من حكومات الغرب الاستعماري؛

تقع الشعوب في إخفاقات وأخطاء، كبيرة وصغيرة. غير أن الشعوب التي لا تواجه الأخطاء الكبيرة والقاتلة، والتي لا يكون بمقدورها التعامل معها ومراجعتها ومعالجتها، نراها تلجأ إلى تجاهلها، علّ الحل يأتي “بقدرة قادر” أو بمرور الحدث أو يَسقط عليها من السماء “بإرادة إلهية”. غير أن التاريخ يؤكد أن مشاكل هذه الأمم والمجتمعات تزداد تعقيداً وتفاقماً لتفتك بها دون رحمة. لا بدّ من الإشارة في البداية إلى أننا لا نناقش هذين الشكلين من الوعي في فضاءٍ نظري مجرد، بل في سياق الواقع العربي وواقع الشعوب العربية، وتحديداً في سياق آثارهما (أي الوعي الحقيقي والزائف) على الوعي الشعبي العربي والحاجة الملحة لبناء مشروع تثقيفي تنويري شعبي يأخذ بالجماهير العربية إلى حيز الفعل السياسي والتغيير الجذري للأوضاع المزرية التي تعيش فيها.

وبالرغم من أن ظاهرة الوعي الزائف الذي يسيطر، في العديد من تجلياته، على العقل الجَمْعي لا تفوت المراقب لأوضاع شعوبنا في الراهن العربي، فإن الّذين تنبّهوا لها هم قلّةٌ، بينما ظلت الغالبية العظمى من الناس ضحية تشوية وعيهم وتزييفه.

 فقد قام بعض المثقفين والمفكرين بالتنبيه والتحذير من هذه الظاهرة وعملوا على كشف تجلياتها في الواقع العربي، وهناك محاولات وكتابات جدية وحصيفة في هذا الاتجاه، ولكننا بحاجة إلى المزيد لمعالجة هذه الإشكالية وإعادة الأمور إلى نصابها.

تكمن أهمية التمييز بين هذين الشكلين من الوعي في الناحية العملية لبناء مشروع تثقيفي شعبي وتنويري عربي. فمثل هذا المشروع، يتطلب بناء الوعي الحقيقي، النقدي والجذري والثوري، كركيزة رئيسية وشرط أساسي في استعادة دور الجماهير.

 غير أن هذه المهمة باتت مستحيلة دون التخلص من أوهام الوعي الزائف الذي أصبح مستشرياً في أبعاد حياتنا المادية والعقلية والروحية، وقد أرهقت حمولتة، على مدى عقود، مسيرة الجماهير وحَرَفتها عن مسارها في النضال من أجل التغيير، وغدا الوعي الزائف يُحْكم سيطرته على الحياة المعنوية والمادية للإنسان.

الوعي الحقيقي والأمين هو الوعي بحقيقة القضايا المطروحة حول الإنسان وواقعه وبيئته، وهو ما يتطلب الوقوف على المعلومات والمعطيات الصادقة والحقيقية وإدراكها. أما ب”الوعي الزائف”، فإننا نقصد ذلك الذي لا يدرك الأمور على حقيقتها، حين لا تتوفر المعلومات والمعطيات الصادقة، أو حين يتم تشويهها أو تقديمها على نحو خاطئ أو كاذب، وهو ما يؤدي إلى تشويه الموقف من القضايا واتخاذ موقف خاطئ، أي أنه يؤدي إلى تكوين الوعي الزائف.

وينبني هذا الوعي على مجموعة من الأوهام ويتمثّل بالأفكار والمفاهيم التي يتبنّاها الشخص ويقتنع بها رغم أنّها لا تتناسب ولا تتطابق مع الواقع الذي يعيشه، على النقيض من الوعي الحقيقي والواقعي الذي يتمثّل بالفهم الصحيح للواقع والأشياء والقضايا.

وعطفاً على ما ناقشناه أعلاه تحت عنوان “الوعي والإنتاج عند ماركس”، لا بدّ لنا من الإقرار بأن المفاهيم الماركسية، ومن منطلق فهمها للوعي، قد ساهمت في العثور على المسار الحقيقي والتاريخي لكفاح الشعوب في القضاء على كافة أشكال الظلم والاستغلال. فتكوين الوعي الحقيقي والقدرة على التمييز بينه وبين الآخر الزائف،

يأخذ الناس إلى يقظتهم ووعيهم لدورهم وهويتهم ومصالحهم. لذلك، كان الوعي الحقيقي هو المرشد للكثير من الحركات التغييرية في حياة الشعوب والمجتمعات البشرية عبر التاريخ: حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار والإمبريالية، والنضال ضد التمييز العنصري وفوقية العنصر الأبيض في أفريقيا والولايات المتحدة، ونضال البروليتاريا ضد استغلال رأس المال في كافة أنحاء العالم … وما عدا ذلك من أشكال الظلم والاستبداد.

 يمتلئ عادة المجال السياسي بالعديد من الأعمال الفنية السياسية  في كل مرحلة مختلفة، حيث ُيتيح الفن لنا من خلال مرونته الكشف عن العلاقة  بين الفنان والنظام السياسي، وبالتالي تأثيره علي الوعي السياسي. ونجد إن الأزمات والنكسات التي يُمر بها المجتمع  يستطيع الفن ببعده السياسي أن يكون انعكاساً لها، ويترتب علي ذلك إنها تؤثر علي صانع القرار باعتباره ممثل عن المجتمع، وبالتالي نجد إن العلاقة بين السينما والسياسية من الإشكاليات التي ُطُرحت مُنذ العقود للنقاش والتي مازالت حتي اليوم؛ وذلك بفعل التجديد والتطورات المُتسارعة والتي تُميز السينما والسياسية.

 تفرض التطورات السريعة التي تحدث في عالم اليوم على مسئولي التربية والتعليم في الكثير من بلدان العالم النظر في برامج وخطط التعليم بما يتلاءم مع تلك التطورات والتغييرات. وتعتبر المناهج الدراسية القلب النابض للمسيرات التعليمية في أي بلد ومن ثم فإنها أصبحت أكثر عرضة من غيرها للتغييرات والتحسينات. وقد كثرت الآراء والأفكار المطروحة لتحسين المناهج وتطويرها بشكل يساعد طلاب اليوم على مواكبة التطورات الحاصلة، وإكسابهم المعارف والمهارات والخبرات اللازمة، لأن يصبحوا أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم وفي حياتهم الخاصة.

ومن ضمن تلك الأفكار والتحسينات التي تم طرحها وتنفيذها فكرة المناهج التكاملية. وفكرة تكامل المناهج ليست من الأفكار الجديدة بالكلية ولكن التطورات الأخيرة وكثرة الشكاوى من تجزئة المعرفة والانفصال بين ما يتم تدريسه في المدارس، وما يحدث في الواقع، وغيرها من العوامل التي أدت إلى بروزها كأحد الاتجاهات الحديثة في المناهج التي قد تعين في تجاوز العديد من المشاكل التي تواجهها الطرق الأخرى في بناء وتصميم المناهج.

 ولكن مفهوم هذا النوع من المناهج يعتريه بعض الغموض وعدم الوضوح في الرؤية لدى الكثير من الناس، وحتى من أصحاب الاختصاص أنفسهم، وكذا التداخل المطروح بين أنواعه والاختلاف حول إيجابياته وسلبياته وخطوات تخطيطه وتنفيذه

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

Recent Posts

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس السيسي يؤكد دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة

كتبت مني جودت أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعمه الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في ...